Thursday 30 September 2010

الوجه الآخر لـ «القاعدة» (الحلقة الأخيرة

الوجه الآخر لـ «القاعدة» (الحلقة الأخيرة) ... «القاعدة» الهامشية في حرب أفغانستان تقود من وزيرستان معركة «عولمة الجهاد»
الخميس, 30 سبتمبر 2010
لندن - كميل الطويل
حاولت الحلقات الخمس السابقة من هذه السلسلة تقديم صورة لتنظيم «القاعدة» ربما تكون مختلفة عن تلك التي يعرفه بها كثيرون، سواء من أنصاره أو معارضيه. فقد كان هدفها، منذ البدء، تلمّس ملامح «الوجه الآخر» لتنظيم أسامة بن لادن وطريقة خوضه «حربه العالمية» ضد الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، واستخلاص ما حلّ بهذا التنظيم بعد تسع السنوات من الملاحقات التي لا هوادة فيها ضده.

لم يُخفِ السيد نعمان بن عثمان، القيادي الإسلامي الليبي الذي اعتمدت السلسلة اعتماداً أساسياً على معلوماته بحكم معرفته بقادة «القاعدة» وعلاقته بكثير من اللاعبين الكبار في الساحة «الجهادية»، أنه يحمّل تنظيم أسامة بن لادن مسؤولية كثير من المصائب التي حلّت بالأمة الإسلامية ومسؤولية كثير من التشويه الذي لحق بصورة الإسلام، خصوصاً في الغرب. والأرجح أن ابن عثمان، القيادي السابق في «الجماعة المقاتلة» والمحلل حالياً في معهد «كويليام» البريطاني لمكافحة التطرف، أباح الآن بجزء مما يعرفه عن «أسرار القاعدة» لأنه يعتقد أنه بكشفه هذه المعلومات – التي يؤكد أنها ليست أسراراً وأن أجهزة الأمن الغربية تعرف بالتأكيد أكثر منها بكثير - يسمح للذين يؤيدون «حروب القاعدة العبيثة» بأن يراجعوا مواقفهم بعد أن يطّلعوا على «حقيقة» التنظيم من الداخل. فما تقوم به «القاعدة»، بحسب وجهة نظره، ليس «جهاداً»، وهو يريد أن يشرح ذلك لمن يريد أن يعرف. وهكذا جاءت فكرة سلسلة «الحياة» عن «القاعدة» و «وجهها الآخر».

كشفت السلسلة، حتى الآن، أن «القاعدة» لم تكن تعرف تماماً عواقب عملها في 11 أيلول (سبتمبر) 2001، وأن قيادتها نفّذت «الغزوة» ضد نيويورك وواشنطن على رغم المعلومات الكثيرة التي تؤكد معارضة قيادة حركة «طالبان» لذلك، وعلى رغم المعارضة الداخلية حتى في أوساط «القاعدة» من القياديين الذين اعتبروها «معصية» لتعليمات الملا عمر، المفترض أن بن لادن قد بايعه على السمع والطاعة. كذلك ظهر في السلسلة أن التنظيم قد سار في ضربته على رغم أنه لم يكن قد نجح بعد في الحصول على «سلاح الردع» الذي كان يتصوّر أنه «سيمنع» الأميركيين من ضرب أفغانستان. كما كشفت أن بن لادن أخطأ في تقدير أن باكستان لن تقف في حلف مع الأميركيين ضد تنظيمه وضد «طالبان».

أما بالنسبة إلى «معارك القاعدة» خلال الغزو الأميركي أفغانستان، فقد كان واضحاً من السلسلة أن التنظيم قد فشل في معركتيه الأساسيتين اللتين استعد لخوضهما في قندهار وتورا بورا، في حين أنه لم يتمكّن من توفير مقاتلين، على رغم وعده بذلك، للدفاع عن العاصمة كابول، وهي المعركة التي قادها «جهاديون» آخرون لا ينتمون إلى «القاعدة».

تناولت الحلقات كذلك ما حل بالتنظيم بعد الضربة الأميركية، وكيف انحصرت قيادته في «المثلث» الأفغاني – الباكستاني – الإيراني، لكنها على رغم ذلك تمكنت من الانتشار حول العالم من خلال «وكالات» لتنظيمات «جهادية» ليس لـ «القاعدة» أي فضل في تأسيسها. ففي العراق، ورثت «القاعدة» جماعة «التوحيد والجهاد» بقيادة أبي مصعب الزرقاوي واستفادت من شبكاتها لمحاولة مد نفوذها إلى بقية دول المشرق العربي (بلاد الشام وبلاد الرافدين) ولكي يكون لها أيضاً «نقطة احتكاك مباشر» مع ساحة المواجهة الأساسية ضد إسرائيل. حاولت «القاعدة» أيضاً البناء على تنظيمات موجودة أصلاً لمد نفوذها إلى «أرض الكنانة» من خلال تكليف قيادي في «الجماعة الإسلامية» المصرية محاولة بناء فرع لها هناك. أما في المغرب العربي، فقد تمكنت «القاعدة» كذلك من «وراثة» تنظيم «جهادي» موجود أصلاً هو تنظيم «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» في الجزائر، ثم تمكنت من استقطاب جناح في «الجماعة الإسلامية المقاتلة» الليبية يضم أساساً عناصرها الموجودين في مناطق الحدود الأفغانية – الباكستانية (في الحقيقة لم يكن أمام هؤلاء خيارات كثيرة أخرى غير الانضمام). وفي الخليج العربي، حاولت «القاعدة» أيضاً مد نشاطها من خلال «قاعدة بلاد الحرمين» ثم «قاعدة جزيرة العرب». أما في القرن الأفريقي، فقد سعت «القاعدة» إلى التمدد هناك من خلال التحالف مع جماعة صومالية هي «حركة الشباب المجاهدين»، وإن كان هذا التحالف لم يصل حتى اليوم إلى درجة تحوّل «الشباب» رسمياً إلى فرع للتنظيم في شرق أفريقيا.

وكما ظهر جلياً في السلسلة من خلال عرض العلاقة المعقّدة لـ «القاعدة» بفروعها، فإن تلك العلاقة جاءت بمنافع بلا شك إلى تنظيم بن لادن، لكنها جرّت أيضاً كثيراً من المصائب. ولعل المنفعة الأكبر كانت في أن الفروع ساعدت «قيادة القاعدة» في إثبات أنها تمكّنت من امتصاص الضربة الأميركية، وأنها بدل أن تنكمش وتنحصر تمكنت من التوسع والانتشار. أما الضرر الأكبر فتمثّل ربما في اضطرار «القاعدة» إلى تحمّل مسؤولية أفعال فروعها، سواء رضيت بذلك أم لم ترضَ. فتجربة الزرقاوي في العراق، مثلاً، من قتل عشوائي ومذابح جماعية وقتال لبقية تنظيمات «المقاومة» (السنّية) وتكفير جزء كبير من المجتمع («الروافض») كانت كلها تدل على شكل «الدولة الإسلامية» التي تسعى «القاعدة» إلى إقامتها في «بلاد الرافدين». في واقع الأمر، حاولت «قيادة القاعدة» مراراً أن تنصح الزرقاوي بتليين مواقفه، لكنها في النهاية تعرف بلا شك أنها تتحمل مسؤولية أفعال «أميرها» في العراق. وقد تكرر هذا الأمر نفسه مع «قاعدة بلاد الحرمين» حيث تبيّن لِبن لادن، كما يقول ابن عثمان، أن تفجيرات تنظيمه في السعودية لم تؤدِّ سوى إلى تنفير الناس من ممارساته، فاضطر إلى وقف عملياته بعدما كانت أجهزة الأمن قد هزمته عسكرياً وفككت معظم خلاياه. أما في المغرب العربي، فقد تبيّن أيضاً أن ممارسات «الجماعة السلفية» - التي تحوّلت إلى فرع لـ «القاعدة» - نفّرت بدورها كثيرين من الناس العاديين خصوصاً بعدما صارت تقوم بتفجيرات في قلب العاصمة وتثير الرعب في أوساط عامة الشعب الخارج للتو من أتون حرب أهلية مدمّرة خلال حقبة التسعينات. وربما نتيجة لهذا التململ الشعبي من عمليات «القاعدة» في الجزائر، اضطر الفرع المغاربي للتنظيم إلى نقل نشاطه الأساسي إلى الساحل الصحراوي وصار يعتمد في الأساس على أسلوب خطف الرعايا الغربيين من أجل مبادلتهم غالباً بفديات مالية، في تصرف لا يراه كثيرون مختلفاً كثيراً عن أعمال عصابات الجريمة المنظّمة.

وإذا كان هذا، باختصار، وضع «فروع القاعدة» في أنحاء العالم بعد 9 سنوات من هجمات 11 سبتمبر، فما هو وضع «القيادة العامة» لـ «التنظيم الأم» المفترض أن كل هذه الوكالات تدين بالولاء له؟ هذا ما ستحاول الحلقة الأخيرة في هذه السلسلة تقديم إجابة عنه.

< مما لا شك فيه، بداية، أن تنظيم «القاعدة» على رغم انتشار فروعه حول العالم، ما زال يحتفظ بقيادته، منذ نهايات عام 2001، في منطقة المثلث الأفغاني – الباكستاني – الإيراني. وبصرف النظر عن النكسات أو النجاحات التي تحققها فروع التنظيم، إلا أن الواضح أن «القيادة العامة» قد وضعت لنفسها استراتيجية متعددة الأهداف - مختلفة عن استراتيجيات فروعها - تسعى إلى تحقيقها في المرحلة المقبلة. والهدف الأول والأساسي لهذه الاستراتيجية - أو «التصوّر»، بحسب رأي ابن عثمان - هو «عولمة الجهاد»، كما يظهر خصوصاً من الرسائل الكثيرة التي يوجّهها قادة التنظيم ومنظّروه في شبكة الانترنت، وهي وسيلة تسمح للتنظيم بأن يعوّض عن عدم تمكنه من التواصل المباشر مع الشريحة التي يريد أن يتصل بها مباشرة. ويعتبر ابن عثمان أن «القاعدة لا تملك استراتيجية بمعناها العسكري والتقني. كل ما لديها هو رؤية وتصوّرات عامة، وفي بعض الأحيان رؤية مرحلية مشوشة. لقد فشلت القاعدة حتى الآن في وضع استراتيجية عسكرية لقيادة الحرب والصراع». ويلفت إلى أن الاستراتيجية تُفكك إلى مراحل أو أهداف مرحلية، أو ما يُعرف بالتكتيك، وأهم شيء فيها هو إمكان تطبيقها على أرض الواقع بعد حشد كل الإمكانات المتاحة لذلك. ويقول: «فشلت القاعدة في ذلك، مثلما فشلت كل الجماعات الجهادية من قبلها».

وليس واضحاً، في الحقيقة، متى اعتمدت «القيادة العامة» لـ «القاعدة» رؤيتها الجديدة التي يشرحها الليبي بالتفصيل، لكنها على الأرجح لم تبدأ في ترتيب أولوياتها وتحديد أهدافها وفق هذه «الاستراتيجية» سوى بعدما بدأت غبار المعارك تنجلي في أفغانستان. فقد تمكنت «طالبان» خلال السنوات التسع الماضية من استعادة وجودها في ساحة الصراع، بعدما كانت قد انكفأت في المواجهة الأولى. ومع عودة «طالبان»، بدأ العرب بدورهم يعيدون ترتيب أنفسهم بعدما كانوا قد انكفأوا إثر هزيمتهم العسكرية عام 2001 وانتشروا خصوصاً في مناطق القبائل الباكستانية. ويقول ابن عثمان في هذا الإطار: «الواضح أن «القاعدة» نجحت على مدى السنوات الممتدة من عام 2001 في دمج جميع العرب في أفغانستان في إطار تنظيمها. لم يعد في الإمكان أن يذهب متطوع إلى «الجهاد» ليلتحق بجبهات القتال في أفغانستان إذا لم ينضو تحت لواء «القاعدة»، وهذا أمر بالغ الأهمية لأن هناك حركة التحاق لافتة من العرب بجبهات أفغانستان، خصوصاً خلال السنتين الماضيتين. أصبحت «القاعدة» الآن الوعاء الوحيد الذي يستوعب العرب القادمين لـ «الجهاد»، وهذا أمر يعطيها بلا شك موقعاً أهم في أي نقاش مقبل مع «طالبان» عندما تنقشع غبار المعارك».

وواضح أيضاً أن «القاعدة» تعرف أنها لا تمثّل أي ثقل عسكري في موازين القوى في المعركة داخل أفغانستان، إذ إن القتال يخوضه الأفغان أنفسهم ضد القوات الأميركية والحكومة الأفغانية. ويوضح ابن عثمان أن «القاعدة تعتبر ما يحصل في أفغانستان حالياً – كما هو واضح من أدبيات التنظيم وبياناته – تمرداً ضد حكومة حامد كارزاي وقوات حلف شمال الأطلسي يقوم به طرفان: المقاتلون التابعون مباشرة لـ «الإمارة الإسلامية» بقيادة حركة «طالبان»، أو الأنصار وهم المقاتلون الذين يشنون هجمات ضد الأميركيين وقوات الحكومة الأفغانية من دون أن يكونوا أعضاء مرتبطين مباشرة بطالبان».

وهذا الأمر يختلف في شكل جذري عن نظرة العرب إلى أفغانستان خلال حقبة الجهاد الأولى ضد السوفيات ثم ضد حكومة نجيب الله الشيوعية في كابول. آنذاك كان العرب يلتحقون بسبعة فصائل من فصائل المجاهدين الأفغان ويمكنهم أن يلتحقوا بأي منها – مثل حكمتيار ورباني وسيّاف. أما الآن فهناك طرفان لا ثالث لهما: إما «طالبان» وإما الأنصار. وهذا يعكس فهماً معيّناً ينص على أن «طالبان» هم أهل الدار وأهل السلطة وأهل الولاية السياسية، في حين أن الآخرين جميعهم هم أنصار لطالبان. وهكذا يمكن تفادي أي نزاع على السلطة قد ينشب لاحقاً بعد انسحاب القوات الأجنبية – إذ لا يمكن أحداً الآن أن يجادل في حق طالبان في السلطة. الأنصار هم دائماً أنصار لأصحاب الأرض، ولا يمكنهم أن ينازعوهم السلطة عليها».

وعلى رغم أن المقاتلين العرب ليسوا عنصراً مؤثراً في القتال داخل أفغانستان إلا أنهم يشاركون بلا شك في المعارك على جبهات «طالبان»، وإن كان الأرجح أنهم يتركّزون خصوصاً في مناطق «شبكة حقاني» في جنوب شرقي أفغانستان وليس في مناطق الجنوب التابعة مباشرة لـ «شورى كويتا» بقيادة الملا عمر.

أفغانستان ومشروع «القاعدة»

ويعتبر ابن عثمان أن «القاعدة لا تنوي البقاء في افغانستان. ليس مشروعها أن تقيم دولة أو خلافة أو أي شيء من هذا النوع في أفغانستان. هذا واضح من رسائلهم. وضعهم في أفغانستان هو وضع دفاعي. يقولون: إن الوضع في أفغانستان هو احتلال ونحن ننوي تحريرها من الاحتلال. لكن رسائلهم الأساسية التي يتحدثون فيها – من خلال فروعهم وتنظيماتهم - متعلقة بالعالم العربي والشرق الأوسط». ويضيف: «سعت القاعدة إلى تطوير جوهر الصراع الذي تخوضه منذ أن نجحت في استقطاب أبي مصعب الزرقاوي إلى صفوفها في عام 2004. في تلك الفترة وضعت القاعدة رؤية - أو تصوراً - يقوم على الآتي: هناك ضرورة لإثبات وجود القاعدة على خط القضية الفلسطينية، كونها جوهر الصراع في الشرق الأوسط وكون كثير من الانتقادات التي توجّه إليها - منذ ما قبل 11 سبتمبر - أنها تتكلم عن فلسطين لكنها لا تفعل شيئاً من أجلها. لذلك، رأت قيادة القاعدة أن العراق بعدما غزاه الأميركيون في 2003 يمكن أن يكون مركز جذب يسمح لها بمد نفوذها في دول المنطقة، لا سيما المشرق العربي وتحديداً بين الفلسطينيين. وقد ركّزت القاعدة في تلك الفترة على ضرورة ربط ما يحصل في العراق بالأوضاع في سائر بلاد الشام، مثل سورية والأردن ولبنان والمناطق الفلسطينية. ومن خلال هذا الربط يتم تحقيق مد نفوذ القاعدة في إقليم بلاد الشام ويمكن استقطاب الأفراد لبناء شبكات للقاعدة في هذا الإقليم». لكنه يضيف أن «من الأخطاء الجوهرية التي ارتكبتها القاعدة، في هذا المجال، أنها بنت استراتيجيتها على أساس أن الجهاد في العراق بقيادة القاعدة قد تجاوز عنق الزجاجة ولم يعد في الإمكان إيقافه. قالوا عنه إنه «شبّ عن الطوق»، بحسب ما قال أحد قادة القاعدة عما يحصل في العراق، و «لن يضره شيء» مهما حصل. لكن الناظر اليوم إلى هذه الخلاصة يعرف كم كانت القاعدة مخطئة. ولذلك فقد انهار مشروعها في المنطقة كلها بما فيها العراق».

ويشير الإسلامي الليبي أيضاً إلى أن «ما لم تنتبه إليه القاعدة هو أنها دخلت في الدوامة نفسها التي دخلتها في السابق الحركات القومية: الهدف فلسطين، وأي خطاب للقاعدة اليوم لا بد من أن يتضمن تأكيد أن ما تقوم به من معارك هو في سبيل تحرير فلسطين. فكل ما يحصل اليوم من قتال ومن زعزعة للاستقرار في السعودية والأردن ومصر وسورية ولبنان وغزة وغيرها من الأماكن يقولون إنه يحصل لأنهم يريدون أن يكونوا على خط تماس مع الساحة الفلسطينية. ولذلك لا يصح لأي كان أن ينتقدنا أو أن يكلمنا أو يشكك في عملنا أو في أية أخطاء قمنا بها لأن هذا سيؤثر في المعركة الحقيقية مع العدو».

وجود أمني

وبما أن «القاعدة» تعرف أن هدفها الأول هو الشرق الأوسط وأن وجودها العسكري ليس مهماً على صعيد المعارك داخل أفغانستان، فإنها طوّرت طبيعة وجودها في مناطق الحدود الأفغانية – الباكستانية بحيث بات وجوداً أمنياً أكثر مما هو وجود عسكري. ويُلاحظ أن هذا الانتشار يتوزّع خصوصاً بين منطقتين أساسيتين: داخل أفغانستان ومعظم هؤلاء من المقاتلين، وداخل وزيرستان حيث الوجود غالباً ما يكون للقيادات الذين تريد القاعدة أن يكونوا على اتصال مع العالم الخارجي – من خلال توجيه رسائل عبر الانترنت أو الاتصال بأماكن أخرى في العالم بالبريد الالكتروني أو الاتصالات الهاتفية أو حتى إرسال رسائل خطية أو شفوية من خلال رُسل يتولون نقل ما هو مطلوب منهم. ومعلوم أن هذا الوجود في وزيرستان هو الذي يحاول الأميركيون يومياً استهدافه بغارات طائراتهم التي تُدار من بُعد وبلا طيّار. ويعتبر ابن عثمان، في هذا الإطار، أن «القاعدة تريد بلا شك أن تجنّب هؤلاء القادة في وزيرستان خطر أن يُستهلكوا في الحرب في أفغانستان، ربما لأهميتهم من ناحية التواصل الإعلامي». ويُرجّح، في هذا المجال، أن «القاعدة» لديها شبكة من العناصر الذين يتولون متابعة أحداث العالم، سواء من خلال الانترنت أو الصحف أو التلفزيونات، ثم يُعد هؤلاء ملخّصاً يطلع عليه عدد من قادة التنظيم الممكن أن يتولوا الرد أو التعليق.

ويقول ابن عثمان إن «ذلك يعكس فهم القاعدة أنها ليست مهمة عسكرياً في أفغانستان، فهي لا تمثّل سوى نقطة في بحر القتال الذي تخوضه حركة طالبان، وبالتالي فإنها لا تستطيع أن تغيّر مسار معركة مهما دفعت بها من رجال. والحقيقة أن القاعدة تعرف أيضاً أن هدفها – مشروعها – لا يركّز على أفغانستان، ولم يركّز يوماً على هذا البلد. فالقاعدة منذ التسعينات تعتبر مشروعها في الشرق الأوسط، وليس في جنوب وجنوب شرقي آسيا، مهما كان تعاطفها مع قضايا المسلمين في هذه البقعة من العالم». ويلفت ابن عثمان إلى أن «المعركة الثانية المهمة للقاعدة هي المعركة ضد الغرب، وهذه المعركة ليست حركة طالبان طرفاً فيها، باستثناء ما تعلّق بما تعتبره الحركة احتلالاً لأفغانستان من الدول الغربية، وهو نزاع ينتهي بانسحاب هذه الدول من أفغانستان. لذلك فإن القاعدة مضطرة أن تترك عدداً من قادتها للاهتمام بالمعركة الإعلامية ضد الغرب».

والملاحظ أن «القاعدة» قد طوّرت خلال السنوات الماضية أسلوب إرسال التقارير إلى قيادتها، الموجودة غالباً في وزيرستان. وتتعلق هذه التقارير بالأوضاع الميدانية داخل أفغانستان وتشرح أوضاع المعارك ودور العرب فيها والإنجازات التي يتم تحقيقها. وعلى رغم أن هذه التقارير كانت تُرسل إلى القيادة في باكستان، إلا أن معديها كانوا يعملون ميدانياً على الأرض داخل أفغانستان ويُفترض بالتالي أن يكون أميرهم مصطفى أبو اليزيد الذي عُيّن أميراً للقاعدة في بلاد خراسان (أفغانستان وباكستان وبعض أجزاء إيران) قبل أن يُقتل بغارة أميركية في وقت سابق من هذا العام.

وعلى رغم أن أبو اليزيد كان الشخص المفترض أن يتلقى تقارير عناصر «القاعدة» الموجودين على الأرض داخل أفغانستان بصفته أميرهم، إلا أن هناك أدلة على أن التقارير كانت تُرسل إلى قادة آخرين في وزيرستان ربما هم المسؤولون مباشرة عن العمل الميداني. ويلاحظ تقرير مرسل من عضو في «القاعدة» داخل أفغانستان إلى قيادته في وزيرستان أن «كل يوم الوضع أحسن من أمس. والآن الذين يقومون بالعمليات والتحضير لها هم الأنصار بأنفسهم وعوام الناس يساعدون المجاهدين ويخدمونهم ولم يعودوا يخافون مثلما كانوا من قبل وذلك لقوة الطالبان وسيطرتهم على المناطق». وعلى رغم أن تاريخ كتابة التقرير ليس واضحاً، لكن الأدلة تشير إلى أنه أُرسل على ما يبدو في وقت ما من عام 2007، بحسب ابن عثمان الذي يورد مثالاً آخر من تقرير مختلف يتضمن تقويماً ميدانياً للوضع على الأرض: «... أبشركم بكل خير عن الجهاد والمجاهدين في هذه البقاع. فالمناطق المفتوحة كثيرة جداً وتمركز العدو فقط في مراكز الولايات وعلى الطرق الرئيسة. والحمد لله معنويات العدو تنهار يوماً بعد يوم وبدأ الضعف يدب في صفوفهم حسب ما نراه وما يأتينا من أخبارهم». ويتابع كاتب التقرير: «أنا أكتب إليك هذا التقرير ونحن على نيّة الذهاب إلى الخط (أي الجبهة). مع العلم أن الخط يحوط به الطلبة والأنصار من سائر الجهات، والعدو في المنتصف، وقد أخذت دورة كاملة على الخط، فما نمر بمنطقة إلا وهم طلبة أو أنصار».

ويلفت تقرير آخر يعود إلى صيف عام 2008 إلى «(أننا) وجدنا الأنصار يزدادون يوماً بعد يوم وعوام الناس يحبون الطلبة ويتحاكمون إليهم في المنازعات التي تقع بينهم، والاستشهاديون من الشباب يزدادون ويطلبون ويلحّون في تقديمهم العمليات الاستشهادية. أعمارهم ما بين الـ 15 و17 (سنة)، وعندهم حُب كبير للتضحية والفداء». ويكشف هذا التقرير أيضاً أن «القاعدة» لا تكتفي بالمشاركة في القتال داخل أفغانستان بل هي تسعى أيضاً إلى نشر أفكارها «السلفية» بين الأفغان. إذ يتابع كاتب التقرير: «وجدنا الطلبة منظمين جداً ولهم اتصال مع بعضهم بعضاً من مدينة إلى أخرى ومن قرية إلى قرية، وهناك الحراسات الأمنية في المناطق التي استولوا عليها من الحكومة». ويتابع: «الغنائم تزداد ما بين فترة وأخرى وخاصة من المرتدين. قمنا بواجب الدعوة ولله الحمد فإذا مررنا بأحد المساجد تكلمنا في 3 قضايا: أهمية التوحيد في حياة الإنسان، وشروط قبول العمل الصالح (الإخلاص والمتابعة)، وفضل الجهاد ووجوب نصرة المجاهدين».

«جيش الظل» و «الكتيبة 313»

والملاحظ، في هذا الإطار، أن «القاعدة» أنشأت جهازاً جديداً لقيادة عملياتها داخل أفغانستان وخارجها، انطلاقاً بالطبع من مناطق القبائل وبتنسيق مباشر مع الفرع الباكستاني لحركة «طالبان». وهذا الجهاز هو «جيش الظل» الذي يضم عدداً من المكوّنات أبرزها «الكتيبة 313» التي تربطها تحقيقات أجهزة استخبارات خارجية بعدد من المخططات لتنفيذ هجمات في بعض دول العالم. ولا يُعرف الكثير عن «جيش الظل»، لكن ما يُعرف عن «الكتيبة 313» هي أنها تجمّع للمهاجرين غير الأفغان وعلى رأسهم العرب، وقد جاءت نتيجة توحّد جماعات مختلفة بينها حركة الجهاد الإسلامي ولشكر جانغفي ولشكر طيبة وجيش محمد وكلها جماعات تنشط في داخل باكستان (وكشمير). ولا تهتم هذه الكتيبة فقط بأفغانستان، بل هي تتولى إدارة الصراع في مناطق عدة في العالم، بحسب ما يقول ابن عثمان الذي يشير إلى أنه تناوب على قيادتها أو تولى مسؤوليات رفيعة فيها عدد من القادة «الجهاديين» حتى ممن لم يكونوا أعضاء في «القاعدة» لكنهم التحقوا بها لاحقاً. وبين هؤلاء «أبو الليث الليبي» (الذي قُتل في وزيرستان في كانون الثاني/يناير 2008) وعبدالله سعيد الليبي (قُتل في عام 2009 في وزبرستان أيضاً). ويتولى قيادة هذه الكتيبة حالياً «إلياس الكشميري» الذي تردد أنه قُتل بغارة أميركية في قرية توري خل قرب مدينة مير علي في شمال وزيرستان يوم 14 أيلول (سبتمبر) الجاري. والكشميري جندي سابق في القوات الخاصة الباكستانية ويُزعم أنه متورط في كثير من الاغتيالات أو محاولات الاغتيال التي استهدفت عدداً من القادة الأمنيين الباكستانيين. ويكشف ابن عثمان أن هذه الكتيبة سُمّيت بهذا الاسم تيمّناً بعدد الصحابة (313) الذين شاركوا في «غزوة بدر»، أول معركة بعد نزول الإسلام.

«عولمة الجهاد»

والواضح اليوم أن «القاعدة» تنظر حالياً إلى الصراع الذي تخوضه على أنه عالمي، وهي تسعى بالتالي إلى «عولمة الجهاد» كي تتمكن من خوضه. ويعني ذلك، كما يقول ابن عثمان، «أن القاعدة مضطرة أن تعيد بناء هياكلها لتكون مبنية على أساس عالمي – أي أن يكون التنظيم عالمياً يعرف بيئته ويعرف كيف يتعامل مع واقعه.

وهذا الأمر لا يمكن فهمه سوى من خلال كيف ينظر التنظيم إلى نفسه وليس كيف يُنظر إليه». ويوضح أن خوض هذا الصراع ينقسم إلى ثلاثة مستويات أساسية:

الأول يضم القيادة العامة للقاعدة، بحسب التسمية الرسمية، وهي موجودة على الأرجح في وزيرستان، لكنها تنتشر في مناطق خراسان. وهذا التنظيم هو بمثابة القلب، ومهمته الرئيسة هي شن الحرب الإعلامية – معركة الأيديولوجيا. فهو الطرف الذي يحتكر حق نشر «رسالة القاعدة» التي تُنقل على لسان قادة التنظيم ومنظّريه البارزين مثل بن لادن والظواهري وعطية عبدالرحمن وأبو يحيي الليبي. وجميع هؤلاء يوجّهون رسالة «عالمية» باسم «القاعدة»، وهي رسالة تتضمن أبرز مواقف التنظيم مما يحصل مثل الرد على المراجعات التي يصدرها الجهاديون ضد الغلو الذي يحصل باسم الجهاد، أو الهجوم على العلماء المسلمين الذين تعتبرهم القاعدة معارضين لمواقفها ومؤيدين لحكومات بلدانهم. كما تشمل هذه الرسالة شرح مواقف القاعدة من الأمور البارزة في العالم مثل القضية الفلسطينية (بما في ذلك تأصيل هجوم «القاعدة» على «حماس»). وقد تكلّم في هذا الشأن الدكتور الظواهري، كما تكلم فيه عطية عبدالرحمن الذي تناول قضية «حزب الإسلام» في غزة وقضية «فتح الإسلام» في بلاد الشام.

المستوى الثاني هو مستوى الأقاليم، أي فروع القاعدة في بلاد الرافدين والمغرب الإسلامي وجزيرة العرب. كما أن هناك فروعاً لم يكتمل إنشاؤها بعد في أقاليم أخرى مثل قاعدة أرض الكنانة وقاعدة بلاد الشام. كما أن العمل يبدو جارياً حالياً على تسوية علاقة «حركة الشباب» الصومالية بـ «القاعدة»، إذ إن الحركة الصومالية أعلنت حتى الآن ولاءها للقاعدة من دون أن تتحول 
DSCF2994.jpg
إلى فرع رسمي لهذا التنظيم.

أما المستوى الثالث فهو يتعلق بمناصري القاعدة ومؤيديها حول العالم. وهؤلاء يتحركون أفراداً أو خلايا محلية من دون أن تكون لهم علاقة بالقيادة الأم في وزيرستان ولا بفروع القاعدة في أنحاء العالم. وهؤلاء العناصر لم ينضموا رسمياً إلى القاعدة ولم يبايعوا زعيمها على السمع والطاعة، لكنهم يدعمون في شكل مستمر «جهود الحرب» التي تخوضها القاعدة على المستويات المختلفة – الإعلامية والمالية والعسكرية، كونهم يقتنعون بأفكار هذا التنظيم. وهذه الشريحة من المتعاطفين تنتشر في أنحاء العالم. لكن عدم خبرتهم في الأمور العسكرية وعدم خضوعهم لتأصيل ديني قد يدفعهم إلى القيام بعمليات غير محمودة العواقب وقد تكون مفاجئة وغير مخطط لها لكنها تنطلق من قناعة بأنها تدخل في إطار «العمليات الاستشهادية»، كما ينظرون إليها.

No comments: