Wednesday, 29 September 2010

الوجه الآخر لـ«القاعدة» (5 من 6)

الوجه الآخر لـ«القاعدة» (5 من 6) ... انضمام «الجماعة السلفية» ساهم في فكّ الطوق عن «القاعدة»

الاربعاء, 29 سبتمبر 2010

لندن - كميل الطويل

شكّل انضمام «الجماعة السلفية الى الدعوة والقتال» الجزائرية إلى تنظيم «القاعدة» في أواخر العام 2006 انتصاراً معنوياً كبيراً لأسامة بن لادن. فهذا الرجل المختبئ في مناطق الحدود بين باكستان وأفغانستان والذي لا يجرؤ على الظهور علناً خشية أن «يصطاده» الأميركيون، بات الآن في إمكانه أن يقول إن تنظيمه يتوسع عالمياً بدل أن يتقوقع ويتفكك على رغم كل الحروب التي يتعرّض لها. أتاح انضمام «الجماعة السلفية» إلى «القاعدة» الفرصة أمام زعيم هذا التنظيم كي يقول إن «الجماعات الجهادية» التي رفضت في وقت من الأوقات الانضمام إليه في «حربه العالمية» ضد الغرب باتت الآن تتهافت للالتحاق به. وبعد شهور فقط من خطوة الجماعة الجزائرية، أعلن تنظيم بن لادن أن قادة في جماعة مغاربية أخرى هي «الجماعة الإسلامية المقاتلة» الليبية قد التحقوا بدورهم بصفوف «القاعدة»، كما فعلت من قبلهم «ثلة» أخرى من «فرسان الجماعة الإسلامية» المصرية بقيادة محمد خليل الحكايمة، ومن قبل هؤلاء أيضاً «جماعة التوحيد والجهاد» في بلاد الرافدين وبلاد الشام. (راجع حلقة أمس وأول من أمس)



«قاعدة المغرب الإسلامي»



كُتب الكثير عن قصة التحاق «الجماعة السلفية» الجزائرية بـ «القاعدة»، وعن ملابسات ذلك الالتحاق وأسبابه (راجع مقابلات الكاتب مع الأمير السابق لـ «الجماعة السلفية» حسّان حطاب وقادة جماعته في الجزائر في العام 2008 وكتابه «إخوة السلاح» (brothers in arms) الذي صدر في 16 الشهر الجاري في لندن). لكن ربما ما لم يلق كثيراً من الاهتمام هو النتيجة التي أدى إليها ذلك الالتحاق، بالمقارنة مع ما حصل لجماعات أخرى التحقت كذلك بـ «القاعدة» وصارت فروعاً لها حول العالم.



المقارنة الأولى التي لا بد من أن تُجرى هي مع فرع «القاعدة في بلاد الرافدين». فقد كان تنظيم «جماعة التوحيد والجهاد» ناشطاً في شكل قوي في العراق عندما وافق أميره «أبو مصعب الزرقاوي» على الالتحاق بـ «القاعدة» في العام 2004. لكن مبايعة الزرقاوي لأسامة بن لادن أدت بدورها إلى تحويل جزء كبير من الدعم الخارجي الذي يصل إلى «الجهاديين» في العراق إلى تنظيمه هو تحديداً الذي بات يحمل إسم «تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين». وهكذا بدأ دفق المتطوعين «الجهاديين» يذهب إلى مجموعة الزرقاوي دون سواها في العراق، وهو أمر ساهم بلا شك وإلى حد كبير في جعل الزرقاوي أبرز قادة «المقاومة» بعدما وفّر له «غطاء القاعدة» عدداً كبيراً من المتطوعين لتنفيذ عمليات كان فرع «القاعدة» في العراق يصفها بأنها «استشهادية» لكنها مع الوقت صار ينظر إليها كثيرون على أنها ليست سوى عمل إجرامي يذهب ضحيته في الغالب أناس أبرياء.



هذا الدفق من «الجهاديين» على العراق بعد تحوّل تنظيم الزرقاوي إلى فرع لـ «القاعدة» هناك، حصل مثله لاحقاً دفق مماثل في اتجاه الصومال، وإن ليس بالكثافة ذاتها كما حصل في العراق (ربما انصب التركيز الإعلامي على «المتطوعين الجهاديين» إلى العراق كونهم يقاتلون الأميركيين، بينما قضية الصومال محلية في الأساس مع بعض الامتدادات الإقليمية). وقد جاء تدفق «الجهاديين» على الصومال على رغم أن «حركة الشباب المجاهدين» اكتفت حتى الآن بإعلان ولائها لتنظيم «القاعدة» من دون أن تنضم إليه رسمياً وتصبح فرعاً له في القرن الافريقي. وعلى رغم أن هذا الدفق في المتطوعين لـ «الجهاد» شمل خصوصاً صوماليين من أبناء الجالية المهاجرة في أنحاء العالم، بما في ذلك أميركا وأوروبا، إلا أن أعداد هؤلاء المتطوعين شملت أيضاً شباناً من جنسيات مختلفة، بما في ذلك الخليج العربي الذي يُعتقد أن عدداً لا يُستهان به من أبنائه قد التحقوا بما يعتبرونه «جهاداً» ضد قوات الحكومة الانتقالية الصومالية وداعميها من الجنود الافارقة، وقبل ذلك ضد القوات الإثيوبية التي انسحبت مطلع العام 2008. وفي أكثر من مناسبة، حرّض قادة تنظيم «القاعدة»، وعلى رأسهم أسامة بن لادن والدكتور أيمن الظواهري، الراغبين في «الجهاد» على الالتحاق بالقتال إلى جانب «الشباب».



ولكن في مقابل هذا الدفق من «الجهاديين» على العراق والصومال، لم تُسجّل، كما يلاحظ الاسلامي الليبي نعمان بن عثمان، حركة مماثلة للمتطوعين في اتجاه معاقل «الجماعة السلفية» في الجزائر، لا قبل تحوّلها الى فرع لـ «القاعدة» في المغرب الإسلامي ولا بعد ذلك (مطلع 2007). ولعل المتطوعين الوحيدين الذين سُجّل قدومهم إلى معاقل «القاعدة» في الجزائر كانوا من الشبان الليبيين والتونسيين الذين جاؤوا أساساً لتلقي تدريبات وتأمين طريقة لتهريبهم إلى العراق قبل أن «يعلقوا» هناك إثر تمكّن أجهزة الأمن من تفكيك الشبكات الأساسية التي تشرف على عمليات تهريب المتطوعين (والانهيار السريع لـ «الجهاد» في العراق).



والتفسير الأساسي لعدم التحاق متطوعين أجانب بفرع «القاعدة» المغاربي قد يكون مرتبطاً بأن كثيرين في العالم الإسلامي لم يعودوا ينظرون اليوم إلى القتال ضد الأنظمة العربية، بما في ذلك النظام الجزائري، على أساس أنه مقبول شرعاً، خصوصاً بعد المواقف والفتاوى الكثيرة التي صدرت عن قادة جهاديين بارزين تؤكد خطأهم في اعتبار تلك الأنظمة مرتدة يجوز قتالها. كما أن ذلك الامتناع عن الالتحاق بالجزائر قد يكون مرتبطاً أيضاً بعدم ثقة المتطوعين بأن الإسلاميين الجزائريين – «الجماعة السلفية» التي حلّت محل «الجماعة الإسلامية المسلحة» – لن يغدروا مجدداً بمن جاء لنصرتهم، كما حصل مع عناصر «الجماعة المقاتلة» الليبية عندما تم الفتك بهم خلال إمارتي جمال زيتوني وعنتر زوابري (خصوصاً في الأعوام 1995 و1996 و1997).



لكن نعمان بن عثمان، القيادي السابق في «المقاتلة» الليبية والذي كان على علاقة مباشرة بملف المقاتلين الليبيين في الجزائر آنذاك، يلفت إلى أمر آخر قد يكون سبباً في عدم التحاق متطوعين أجانب بفرع «القاعدة» في الجزائر حالياً. إذ يقول إن الأمر مرتبط بنوع العمليات التي يقوم بها فرع «القاعدة» المغاربي والتي تؤدي إلى مقتل مسلمين، سواء كانوا عسكريين أو مدنيين. ويلفت، في هذا الإطار، إلى أن عمليات التفجير التي قامت بها «الجماعة السلفية» بعد تحوّلها إلى فرع لـ «القاعدة»، في الشهر الأول من العام 2007، جاءت بـ «رد فعل عكسي من الشعب الجزائري الذي رأى هذا التنظيم يُرسل أشخاصاً كي يفجّروا أنفسهم في مواقع عامة ويزرعوا الرعب والدمار بين المواطنين»، في إشارة إلى التفجيرات التي قامت بها «القاعدة» في 11 نيسان (أبريل) و11 كانون الأول (ديسمبر) 2007 في العاصمة الجزائرية. ويقول إن «أحد الإخوة الليبيين (...)، وهو شاب في الـ 23 من عمره، كان يقاتل في الجزائر إلى جانب فرع القاعدة، لكنه فرّ الآن إلى ليبيا وعاد إلى مدينته درنة. لم يستطع أن يبقى معهم بعدما رأى أفعالهم. لقد كان معهم وفرّ. قدّرت السلطات الليبية مبادرته وعودته إلى البلاد وأفرجت عنه».



ويقول بن عثمان إن ما ينطبق على تصرفات «القاعدة» في الجزائر ينطبق على تصرفات بقية خلاياها في دول المغرب الإسلامي. ويوضح: «القاعدة لا تفكّر في عواقب أفعالها. عندما شنّت الحرب على موريتانيا في العام 2005 لم تقدّر عواقب عملها، تماماً كما لم تقدّر القاعدة عواقب عملها عندما قامت بهجمات 11 أيلول (سبتمبر) ضد الولايات المتحدة. في موريتانيا قتلوا الجنود في ثكنة لمغيطي خلال خروجهم من صلاة الفجر». ومعلوم أن ذلك الهجوم على الثكنة الموريتانية في عمق الصحراء نُفّذ في العام 2005 على يد القيادي في «الجماعة السلفية» مختار بلمختار، قبل إعلان ولائها لـ «القاعدة» في العام 2006 ثم إعلان تحوّلها إلى فرع رسمي للتنظيم في بلاد المغرب الإسلامي في الشهر الأول من العام 2007.



ولعل من الجدير ملاحظته في هذا السياق أيضاً أن نشاط «القاعدة» داخل الجزائر قد تضاءل إلى حد كبير خلال العامين الماضيين، وبات معظم نشاطها يتركز في منطقة الساحل جنوب الصحراء الكبرى (بعض أجزاء جنوب شرقي موريتانيا وأقصى جنوب الجزائر وشمال مالي وبعض أجزاء النيجر وتشاد). لكن هذا النشاط يكاد يكون محصوراً بخطف رعايا أجانب من أجل مبادلتهم بفديات مالية أو بسجناء من «القاعدة» في دول الساحل، وأحياناً بسجناء إسلاميين في دول أوروبية.



«الجماعة المقاتلة»



وكان لافتاً هنا أن هذا التمدد لفرع «القاعدة» المغاربي خارج الجزائر بقي محصوراً إلى حد كبير بموريتانيا ودول الساحل الأفريقي، خصوصاً مالي والنيجر، من دون تسجيل محاولات، مثلاً، لاختراق الساحة الليبية المفترض أنها تمثّل جزءاً لا يتجزأ من ساحة عمل الفرع المغاربي منذ العام 2007. وباستثناء قدوم بعض الشبان الليبييين إلى الجزائر للالتحاق بمعسكرات «القاعدة»، فإن «الجماهيرية» بقيت على ما يبدو خارج إطار عمل «قيادة القاعدة» في الجزائر والتي يرأسها عبدالمالك دروكدال (أبو مصعب عبدالودود). ويفسّر نعمان بن عثمان هذا الأمر بالقول إن الموضوع الليبي مرتبط بـ «قرار مركزي من قيادة القاعدة في مناطق الحدود الأفغانية – الباكستانية»، وإن الدكتور أيمن الظواهري نفسه هو الذي يمسك بملف ليبيا في إطار فرع «القاعدة» في المغرب الإسلامي. ويشرح بن عثمان: «ما أعرفه هو أن الدكتور الظواهري أعطى أوامر للقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، أي للجزائريين الذين يتولون قيادة التنظيم، بألا يتدخلوا في ليبيا إلا بأوامر شخصية منه. وما أعرفه أيضاً أن الدكتور الظواهري ينظر إلى ليبيا على أنها مرتبطة مباشرة بالشأن المصري، إذ إنها تستطيع، بحسب وجهة نظره، أن توثّر في أوضاع التيار الجهادي في مصر».



ومعروف أن الدكتور الظواهري كان الشخص الذي تولّى إعلان انضمام «ثلة» من أعضاء «الجماعة المقاتلة» إلى «القاعدة» في تشرين الثاني (نوفمبر) 2007، وقد ظهر معه في شريط إعلان الانضمام «أبو الليث الليبي» القيادي البارز في «المقاتلة» الذي قال إنه «بناء على ما يوجبه علينا الشرع نعلن عن انضمامنا الى تنظيم قاعدة الجهاد»، مشيداً بأسامة بن لادن وبـ «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي».



لم يشكّل ظهور «أبي الليث» مع الظواهري مفاجأة لكثيرين. فقد كان هذا الليبي موجوداً في مناطق الحدود الأفغانية – الباكستانية منذ نهاية العام 2001، عندما فشلت خطته في الدفاع عن كابول وانسحب عبر خوست إلى ميران شاه، في شمال وزيرستان. وعلى رغم أن «أبا الليث» نجح في تفادي السقوط في يد أجهزة الأمن الباكستانية وكان يمكنه أن يبقى مختبئاً هناك، إلا أنه كان متمسكاً بالمشاركة في ما اعتبره واجباً شرعياً وهو «الجهاد» ضد الأميركيين في أفغانستان. فأقفل عائداً إلى هذا البلد، وسرعان ما انخرط في معركة شاهي كوت الشهيرة بولاية بكتيا في آذار (مارس) عام 2002 والتي قُتل فيها عدد كبير من الجنود الأميركيين ومن مقاتلي «القاعدة» و «طالبان».



ظل «أبو الليث» يتنقل بين جانبي الحدود الأفغانية - الباكستانية طوال السنوات التي تلت 11 أيلول 2001، وإن كان يقضي معظم وقته في الجبال المحيطة بغارديز، في جنوب شرقي أفغانستان. ظل الأمر على هذا المنوال حتى العام 2007 عندما بات واضحاً أن «القاعدة» مصرّة على «عولمة الجهاد» من خلال بناء «وكالات» لها في دول العالم، كما ظهر في «بلاد الرافدين» و «بلاد الشام» و «بلاد الحرمين» و «أرض الكنانة» و «المغرب الإسلامي»، وأيضاً من خلال محاولة إنشاء وكالات أخرى في «أرض النيلين» (السودان) وفي القرن الافريقي (الصومال). كما أن «القاعدة» كانت بحلول ذلك التاريخ قد باتت تتحكم وحدها بساحة المقاتلين العرب الذين يأتون لـ «الجهاد» في أفغانستان (الحلقة الأخيرة غداً).



ويوضح بن عثمان أن انضمام الجزء الذي يقوده «أبو الليث» في «المقاتلة» إلى تنظيم «القاعدة» كان محور أخذ ورد دام فترة طويلة من الزمن ولم يتم فجأة. ويقول: «كان الأمر محور شد وجذب. أراد الشباب في البدء أن يبقوا ضمن السياق القتالي ويشاركوا في المعارك في أفغانستان، وأتكلم هنا عن أبي الليث والجماعة الذين كانوا معه. لكن هذه الفترة امتدت طويلاً. فقد كانت هناك تنظيمات بعيدة عن أفغانستان والتحقت بالقاعدة، مثل الجماعة السلفية في الجزائر، وقبلها نشوء جماعة «تنظيم القاعدة في بلاد الحرمين» وكذلك «القاعدة في بلاد الرافدين». كل هذه المجموعات كانت بعيدة عن ساحة القتال في أفغانستان لكنها التحقت بالقاعدة، في حين أن «أبا الليث» ومقاتليه من عناصر الجماعة المقاتلة كانوا هناك في الميدان ويرون بعضهم (عناصر القاعدة) لكنهم لم يلتحقوا بتنظيم القاعدة. لم يلتحقوا سوى في أيلول 2007. كان الأولى بهم أن ينضموا في 2002 أو 2003 أو 2004 أو 2005 أو 2006 أو بدايات 2007... لقد مرت فترة طويلة قبل أن يقرروا الالتحاق بالقاعدة. لم يكن أمراً سهلاً على هؤلاء المقاتلين أن يبقوا خارج القاعدة كل هذه الفترة. كان يُقال لهم: «أنتم معنا في الميدان ونقاتل إلى جانب بعضنا بعضاً، فلماذا لا تنضمون إلينا بينما التنظيمات الأخرى تنضم واحدة تلو الأخرى إلينا على رغم أنها ابعد منكم؟». كان الأولى أن ينضم «أبو الليث» والناس الذين كانوا معه قبل أن ينضم تنظيم الزرقاوي. ولكن حتى العام 2004 كانت قيادة الجماعة المقاتلة ما زالت مبعثرة، في الصين وغيرها من دول العالم. وهذا الأمر سبّب بعض العرقلة لأنه لا بد من أن يتم التفاوض معهم كلهم قبل إعلان خطوة التحاق المقاتلة بالقاعدة. «أبو الليث» كان بحاجة إلى أن يُقنع جزءاً من القيادة بالسير معه في مشروع الالتحاق بالقاعدة. ولكن ذلك لم يكن قراراً سهلاً بخاصة في ظل وجود قيادة كانت ما زالت حرة في تلك الفترة مثل أبي عبدالله الصادق وأبي المنذر وغيرهما. لكن أعتقد أيضاً أن من أهم العقبات التي بقيت عالقة (قبل الموافقة على انضمام «المقاتلة» إلى «القاعدة») أن «أبا الليث» والليبيين الذين كانوا ما زالوا معه أرادوا التأكد من موقف «الجماعة الإسلامية المقاتلة» نفسها: أين هي الآن، وماذا حلّ بها، وما هو موقفها من الصراع. كان «أبو الليث» يطمح قبل الانضمام إلى «القاعدة» أن يأخذ معه المجموعة كلها – أن يعيد ضم الشباب كلهم سواء كانوا في أوروبا أو في غيرها إلى الكتلة المقاتلة. أراد أن يثبّت سلطته على التنظيم كله قبل أن يلتحق بأسامة بن لادن. وبعد أن يتولى السلطة في التنظيم يتم الإعلان إذذاك عن انضمامه إلى القاعدة. وقد أُجريت فعلاً محاولات من «أبي الليث» كي يستقطب الناس (في المقاتلة) إليه».



ويكشف أن هناك مشكلة أخرى أخّرت الانضمام وهي علاقة الليبيين بالجزائريين في إطار الفرع المغاربي لـ «القاعدة». ويقول: «كانت هناك مشكلة أخرى وجدوا لها حلاً بعد ذلك وهي علاقة الليبيين بالجزائريين: كيف ستكون هذه العلاقة بعد الانضمام إلى القاعدة. وقد عالجوا هذه القضية بأن تم فصل الأمر إدارياً بحيث باتت ليبيا خارج إطار أوامر القاعدة في الجزائر. القيادة في الجزائر ليست لديها أي صلاحية أن تُصدر أوامر وقرارات وإجراءات تتعلق بالساحة الليبية، وانما تأتي هذه القرارات من مثلث أفغانستان – باكستان - إيران، وتحديداً من الدكتور الظواهري. هذا المشروع يراه الظواهري مشروعه الخاص به، وهو من أرسل الأوامر إليهم (القاعدة في الجزائر) بألا يتدخلوا في الشأن الليبي».



لكن «أبا الليث» عندما انضم إلى «القاعدة» لم تكن لديه بالفعل سلطة سوى على الناس الذين كانوا معه في مناطق الحدود الأفغانية - الباكستانية، وهو أمر فُسّر بأنه مثّل تجاوزاً لصلاحياته التي لا تجيز له أن يتخذ قراراً بمثل قرار ضم جماعة ليس هو أميرها إلى جماعة أخرى. ولذلك فقد كان واضحاً في «شريط الوحدة» الذي دام 28 دقيقة وتكلّم فيه الظواهري و «أبو الليث» مناصفة، أن هناك محاولة لاستقطاب قيادة «المقاتلة» المسجونة في ليبيا. فقد ذكر الظواهري بالإسم من وصفهم بـ «الأخ المجاهد» وسمّى «أبا عبدالله الصادق» و «أبا المنذر الساعدي» وقال: «إننا نعرف أنكم من المجاهدين». كان الظواهري يحاول بلا شك أن يوجّه ضربة إلى الحوار الذي كان قد بدأ في أول العالم 2007 بين قادة «المقاتلة» المسجونين وبين السلطات الليبية، برعاية مؤسسة القذافي للتنمية التي يرأسها الدكتور سيف الإسلام القذافي، نجل الزعيم الليبي. لكن الحكم الليبي - وعلى رغم انضمام «أبي الليث» وجناح من «المقاتلة» إلى تنظيم «القاعدة» - قرر مواصلة حواراته مع القادة المسجونين وعلى رأسهم أمير الجماعة أبو عبدالله الصادق ونائبه خالد الشريف (أبو حازم) والمسؤول الشرعي سامي الساعدي (أبو المنذر). ومثلما هو معروف، أثمرت هذه الحوارات عن إصدار قيادة «المقاتلة» مراجعات فقهية عُرفت باسم «دراسات تصحيحية في مفاهيم الجهاد والحسبة والحكم على الناس» وصدرت في صيف العام 2009. وكافأت السلطات الليبية الجماعة على مراجعاتها – التي تضمنت منع اللجوء إلى العنف لقلب أنظمة الحكم في العالم الإسلامي وإدانة كثير من الممارسات التي تُنسب إلى «القاعدة» باسم «الجهاد» – بأن أطلقت عشرات من سجنائها وقادتها ومن بقية المعتقلين «الجهاديين» على دفعات مختلفة بين العامين 2009 و2010.



ويعتقد بن عثمان، في هذا الإطار، أن «أبا الليث» كان يدرس في تلك الفترة إمكان السفر إلى الجزائر، ويربط ذلك بمعلوماته عن ليبيين أُرسلوا إلى هذا البلد لفتح قنوات اتصال مع فرع «القاعدة» هناك والتحضير لمجيء «أبي الليث» نفسه أو قيادي ليبي آخر بارز في «المقاتلة» ممن انضموا إلى «القاعدة» في وزيرستان، كعبدالله سعيد الليبي. لكن لم يُقدّر للرجلين تحقيق تلك الزيارة حتى ولو أرادا ذلك. فقد قُتل «أبو الليث» بغارة أميركية على مدينة مير علي في شمال وزيرستان في 28 كانون الثاني (يناير) 2008 بعد شهور فقط من انضمامه رسمياً إلى «القاعدة»، بينما قُتل عبدالله سعيد الليبي بغارة أخرى على وزيرستان في تاريخ غير محدد من عام 2009 (أكد مصطفى أبو اليزيد أمير «القاعدة» في بلاد خراسان مقتل سعيد الليبي في بيان أصدره في أواخر كانون الأول 2009 بمناسبة العملية التي نفّذها الدكتور هُمام خليل محمد البلوي أو «أبو دجانة الخراساني» ضد قاعدة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية «سي آي إيه» في خوست حيث قتل سبعة من أفرادها وضابطاً أردنياً كان يعتقد أنه تمكّن من تجنيده).



ومن أبرز القادة الليبيين الناشطين حالياً في مناطق الحدود الأفغانية - الباكستانية «أبو يحيي الليبي» الذي بات يُنظر إليه على أنه المنظّر الشرعي الأول لـ «القاعدة»، وربما يأتي مباشرة من حيث الأهمية بعد أسامة بن لادن والظواهري. أما الليبي الآخر البارز هناك فهو بلا شك عطية عبدالرحمن الليبي (عطية الله) الذي ينتمي إلى "القاعدة» منذ التسعينات من القرن الماضي، بعكس «أبي يحيى» الذي بقي عضواً في «المقاتلة» حتى العام 2007 عندما انضم مع «أبي الليث» إلى «القاعدة».

No comments: