Tuesday 23 November 2010

Quilliam roundtable ‘Al-Qaeda: past, present and future’

Quilliam roundtable ‘Al-Qaeda: past, present and future’
On Monday 22nd November, Quilliam held a roundtable entitled ‘Al-Qaeda: past, present and future’ with guest speaker Camille Tawil. Tawil is widely recognised in the Arabic-speaking world as one of the leading authorities on al-Qaeda and global jihadist movements. Educated in Lebanon, he has been a journalist at al-Hayat newspaper since 1991 where he has specialised in covering militant Islamist groups. He is the author of two important books in Arabic: ‘The Armed Islamic Movement in Algeria - from the FIS to the GIA’ and ‘Al-Qaeda and its Sisters: the Story of the Arab Jihadists’. His new book, ‘Brothers in Arms - the Story of al-Qaeda and the Arab jihadists’, has just been published in English by Saqi books. He recently authored a ground-breaking series of six articles recently published in Arabic by Al-Hayat newspaper entitled ‘The Other Face of Al Qaeda’, which were translated into English by Quilliam.
At this event, Tawil discussed three main subject areas: the structure and organizational capability of al-Qaeda in the period around 2001, ‘al-Qaeda central’ and its relationship with its franchises (particularly al-Qaeda in the Islamic Maghreb, al-Qaeda in the Arabian Peninsula and al-Qaeda in Iraq), and the current day leadership of al-Qaeda in Waziristan. There was a lengthy Q&A in which Tawil answered questions on related issues including al-Qaeda’s current relationship with the Afghan and Pakistani Taliban and with al-Shabaab in Somalia, how much the Taliban leadership knew prior to the 9/11 attacks, and Western governmental policy towards tackling the threat of al-Qaeda.

Monday 22 November 2010

Turquoise Mountain story

«جبل الفيروز» في كابول مدرسة لـ«إنقاذ» التراث الأفغاني (6 من 6)

الإثنين, 22 نوفمبر 2010
كابول - كميل الطويل


يحتل حصن من تسعة أبراج قمة تلة في ضواحي العاصمة الأفغانية. كان يوماً ما مقراً فخماً لإقامة أفراد من العائلة الملكية الحاكمة خلال رحلات الصيد التي اعتادوا القيام بها. لكن الحصن يعاني اليوم، ككثير غيره من البيوت الأثرية، من خطر الانهيار نتيجة إهماله لسنوات طويلة جراء الحروب الأهلية والأجنبية وما جرّته من دمار وخراب على سكان العاصمة الأفغانية.



على رغم تفسّخ بعض جدرانه الشاهقة وتداعي أبراجه، يعج هذا الحصن اليوم بالحياة. ففي أركانه الفسيحة غرف تحوّلت إلى مدرسة تهدف إلى بعث الحياة مجدداً من مهارات تكاد تنقرض من أفغانستان. إنه مشروع «جبل الفيروز» الذي أطلقه الرئيس الأفغاني حميد كارزاي وولي العهد البريطاني الأمير تشارلز في العام 2006 بهدف الحفاظ على التراث الأفغاني التقليدي، مثل مهارات الخط الإسلامي أو الحفر على الخشب والبلاط والتطريز.



«جبل الفيروز» إسم مستوحى من إسم العاصمة الأفغانية القديمة «فيروزكوه» (بالفارسية) والتي دمّرتها جيوش جنكيز خان في العام 1216. واختفى اليوم أي أثر لـ «جبل الفيروز» باستثناء «مئذنة جام» الرائعة في ولاية غور، وسط أفغانستان.



بدأ العمل في هذا المشروع غير الربحي عندما لاحظ القائمون عليه أن أجزاء واسعة من كابول القديمة يتم جرفها وإقامة مبان حديثة مكانها. وقد استهل القائمون عملهم بضاحية مراد خان التاريخية على ضفاف نهر كابول في قلب كابول القديمة والتي تُعرف بمنازلها التاريخية التي يتوارثها سكانها منذ مئات السنين إبناً عن أب وأباً عن جد. وعندما تم البدء في مشروع إنقاذ ضاحية مراد خان وبازارها الشهير الذي يرتاده أسبوعياً آلاف الأشخاص، كانت كل المنطقة «تغرق» فعلياً في أمتار من النفايات التي كانت تُرمى حول المنازل وتبقى هناك بسبب عدم وجود جهاز يتولى جمع الأوساخ من هذه المنطقة الفقيرة. كما كان على العمال حفر أقنية للمجاري الصحية التي لم تكن موجودة أصلاً في المنطقة التي لا تصل إليها أيضاً مياه الشفة ولا الكهرباء. وما زال العمل جارياً في المنطقة حتى اليوم بهدف الحفاظ على منازلها المتداعية وتأمين ما يمكن توفيره من البنية التحتية لسكانها، بما في ذلك أبسط أنواع الرعاية الصحية والتعليم. وغالبية سكان هذه الضاحية من أبناء طائفة «كازلباش» الشيعية، وقد تعرضوا سنوات طويلة للحرمان والاضطهاد.



مدرسة «جبل الفيروز» تضم هذه الأيام عشرات الطلاب والطالبات الذين يتعلمون فنوناً مختلفة مثل الخط الإسلامي والحفر على الأخشاب وأيضاً على القرميد والبلاط. وينتمي الطلاب والطالبات إلى إثنيات أفغانية مختلفة ومن ولايات مختلفة، إنطلاقاً من رغبة المؤسسة في الاستفادة من التنوع الثقافي الذي تتميّز به البلاد. وباعت مؤسسة «جبل الفيروز» حتى الآن أعمالاً فنية تقليدية من التراث الأفغاني بما قيمته مليون دولار أميركي، لكن تمويلها يأتي من مصادر متنوعة – أجنبية وعربية - تهتم بالحفاظ على التقاليد الأفغانية القديمة ومنع اندثارها كما اندثرت مدينة «جبل الفيروز»، عاصمة أفغانستان القديمة في العصور الوسطى.

Sunday 21 November 2010

Mazar-e-Sherif Afghanistan - American 'Civilian Surge'

أفغانستان: مدنيون أميركيون «يحاربون» أيضاً ... لإنعاش الاقتصاد الأفغاني (5 من 6)
الأحد, 21 نوفمبر 2010
مزار الشريف ( أفغانستان) – كميل الطويل
كان الشاب الأفغاني مختبئاً وراء كوخ بعيداً من عيون الزوار الأجانب قدموا لتفقّد المعمل الذي يشتغل فيه في مدينة مزار الشريف، عاصمة ولاية بلخ في شمال أفغانستان. لم يشأ، ربما، أن يروا يده المضمدة نتيجة إصابته بجروح خلال عمله على إحدى آلات معمل الحلويات.وربما أصحاب المصنع هم من طلبوا منه «الاختباء». لكن عينا ريتشاد فايت، المستشار الاقتصادي الأميركي في القطاع الشمالي من أفغانستان، رصدته من بعيد. 

اقترب فايت (63 سنة)، الطويل القامة وصاحب الشعر الأشيب الطويل واللحية المرخية التي تجعله يبدو كأي أفغاني آخر، من الشاب المصاب وعرض عليه، من خلال مترجم، أن تقدّم له أميركا أي مساعدة يحتاجها. 

لم يكن عرض المسؤول الأميركي «اصطناعياً» بهدف «تلميع» صورة بلاده. فهو تقصّد ألا يراه الصحافيون مع الشاب الأفغاني المصاب، وقدّم له عرض المساعدة وراء الكوخ الذي كان يختبئ فيه. 

فايت هو جزء من الزيادة الكبيرة «السيرج» في عديد المدنيين الأميركيين في أفغانستان (عددهم حالياً 1100 شخص)، الذي ترافق مع الزيادة الكبيرة التي أعلنها الرئيس باراك أوباما العام الماضي في عديد جنوده المنتشرين في هذا البلد والبالغ حالياً حوالى 80 ألفاً. 

وتعتبر الولايات المتحدة أن جُهد هؤلاء المدنيين لا يقل أهمية في نواح كثيرة عن جهد العسكريين. فهم أيضاً، كالعسكريين، «يحاربون» على أكثر من جبهة من أجل مساعدة الشعب الأفغاني على تحسين ظروف حياته. وبما أن الزراعة هي المصدر الأساس لرزق نحو 80 في المئة من الأفغان فليس مستغرباً بالتالي أن ينصبّ جزء أساسي من هذا الجهد على «الجبهة الزراعية» الأفغانية. 

يدير فايت من «كامب مرمل» في مدينة مزار الشريف، الهادئة نسبياً عن باقي أرجاء البلاد الغارقة في الفوضى، عملية التنسيق بين أربع فرق إقليمية تضم مستشارين زراعيين أميركيين يعملون انطلاقاً في مدن ميمنة (ولاية فارياب) ومزار الشريف (ولاية بلخ) وقندوز (ولاية قندوز) وفايز آباد (ولاية بادخشان). ويقضي هؤلاء معظم وقتهم في تقديم النصح للجانب الأفغاني، خصوصاً وزارة الزراعة والري والثروة الحيوانية، في شأن طُرق تحسين الإنتاج الزراعي. لكنه يُقر بأن هناك «عقبات عدة تعترض أن يكون عملنا فعّالاً هنا، خصوصاً المشاكل الأمنية». 

جال فايت بوفد من الصحافيين على مؤسسات مختلفة في مزار الشريف يُقدّم لها الأميركيون النصح والمشورة أو المساعدة المالية بهدف تحسين مستوى إنتاجها أو مساعدتها على الإنطلاق وتشغيل نفسها بقدراتها الذاتية في المستقبل. والهدف واضح من كل ذلك: تحريك الاقتصاد الأفغاني يعني توفير فرص عمل تقلل من فرص إلتحاق الشبان بالمتمردين. 

وأحد أبرز المشاريع التي يعمل عليها الأميركيون في شمال أفغانستان حالياً يتعلق بحماية نبتة الحنطة من انتشار مرض فطري ظهر في أفريقيا وبلدان آسيوية ويهدد بالفتك بالمحاصيل الزراعية في أفغانستان إذا ما وصل إليها. وقد أنهت وزارة الزراعة الأميركية أخيراً توزيع 150 طناً من بذور الحنطة )القمح) المقاومة لهذا المرض الفطري، وقد حصل عليها الأفغان مجاناً بعدما اشترتها الولايات المتحدة من مصر. ولأن واشنطن تعتبر أن انتشار هذا المرض يُهدد «أمن الشعب الأفغاني واستقراره» إذا ما أصاب محصايل الحنطة، فقد تحوّلت عملية نقل البذور إلى مهمة عسكرية تولتها وزارة الدفاع (البنتاغون). وتم نقل البذور على متن طائرات عسكرية إلى أفغانستان حيث وزعت على مراكز مختلفة لانتاج بذور الحنطة المقاومة للوباء الفطري، كالمركز الذي زارته «الحياة» في مزار الشريف. 

ويقول مسؤول أميركي إن هذه البذور المقاومة للوباء تُشكّل 65 في المئة من مجموع حاجة أفغانستان للبذور المطلوبة للزراعة في موسم 2011. والحنطة هي الغذاء الأساسي في أفغانستان، وتُزرع في 60 في المئة من أراضي البلاد الصالحة للزراعة. 

وبالطبع، لا يقتصر نشاط المدنيين الأميركيين على القطاع الزراعي. فهم يعملون أيضاً على تحفيز الشبان على المشاركة في مجالس شورى محلية كي يتعلموا كيف تعمل الحكومة وما هي مسؤولياتها، كما يجهدون لتعليم النساء مهارات عمل تمكنهن من تحصيل أجر يساعدهن في تربية أطفالهن. وقد زارت «الحياة» أحد هذه المشاريع وشاهدت نسوة أرامل يتعلمن الحياكة والنسج. وتعد المؤسسة التي تدربهن والتي تتلقى تمويلاً أميركياً بتوفير المستلزمات المطلوبة مثل آلات الحياكة والخيطان 
نساء يتدربن على الحياكة (الحياة).jpg
للنساء «الخريجات» كي يعملن من منازلهن. كما تعدهن بتقديم بدل مالي في مقابل بيع ما ينتجنه، مثل الأوشحة الحريرية المطرّزة. 

ويأمل الأميركيون بأن تُشكّل مثل هذه المشاريع التي يدعمونها مالياً فرصة للأفغان الراغبين في بدء شركات صغيرة كي يتمكنوا من «الإقلاع»، على أن يعمل أصحاب هذه الشركات، بناء على قواعد العرض والطلب في السوق، على تأمين مستقبل مشاريعهم بقدراتهم الذاتية ومن دون الحصول على مزيد من الدعم الأميركي. وهي سياسة مطابقة لما يقوم به الأميركيون أيضاً على صعيد تقديم الدعم لمؤسسات الأمن الأفغانية، على أمل أن تكون قادرة، بحلول العام 2014، على تولي زمام الأمور في أنحاء البلاد... ما يسمح للأميركيين بحزم حقائبهم والرحيل عنها، كما يأمل بلا شك كثيرون من الأفغان والأميركيين.

(غداً حلقة أخيرة)

Libya's External Security Organization

الاستخبارات الليبية على «الفيسبوك» ... لـ «حماية أمن الجماهيرية»
الأحد, 21 نوفمبر 2010
لندن - كميل الطويل
عندما تولّى السير جون سيوارز منصب رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية البريطانية «أم آي 6» في صيف العام الماضي ثارت ثائرة صحف يمينية انتقدت نشر زوجته صوراً «حميمية» له بملابس البحر على موقعها على شبكة الإنترنت. قال المنتقدون آنذاك إن «الفيسبوك» يُسهّل على أجهزة الاستخبارات «العدوة» جمع معلومات عن رئيس الـ «أم آي 6» ومن هم أصحابه، أو أصدقاء زوجته، وأماكن إقامتهم، وبالتالي تكوين صورة عنه قد تكون كافية لتهديد «الأمن القومي».
ومعروف أن أجهزة الأمن الاستخبارات والقوات المسلحة توصي باستمرار أفرادها بتجنّب استخدام موقع «الفيسبوك» (والمواقع الاجتماعية الأخرى) بطريقة يمكن أن تسمح لـ «الأعداء»، من دون قصد، بكشف أسرار، سواء من خلال نشر معلومة قد تكشف مكان تواجد الشخص، أو من خلال وضع صورة له قد تسمح بمعرفة تفاصيل عن حياته وحياة أفراد أسرته وتتيح بالتالي إمكان تعريضه لخطر الابتزاز.
جهاز الأمن الخارجي الليبي (الاستخبارات الخارجية) بدا أمس وكأنه يشذ عن هذه القاعدة. فبعدما جارى في الماضي أجهزة الاستخبارات الخارجية من خلال إنشاء موقع له على الإنترنت يتيح التواصل معه ويشرح أهدافه، لجأ الآن إلى إنشاء موقع جديد له على «الفيسبوك» لـ «تسهيل تقديم أي معلومات من شأنها حماية أمن وسلامة الجماهيرية العظمى»، كما قال. ويتولى أبو زيد دوردة حالياً منصب مدير جهاز الأمن الخارجي الليبي، خلفاً لوزير الخارجية الحالي موسى كوسة.
ويكرر الجهاز الأمني الليبي على «الفيسبوك» المعلومات التي يضعها على موقعه الرسمي على شبكة الإنترنت، لكنه يشدد في صدر صفحته على البيان الرسمي الذي صدر العام الماضي وتضمن توجيهات من الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي في شأن ضرورة «تسهيل عودة» المعارضين السابقين الذين يودون العودة إلى بلدهم من مقرات إقامتهم في الخارج. لكن موقع «الفيسبوك» يتميّز عن الموقع الرسمي بأنه يسمح للزوار بالاطلاع أيضاً على قائمة «أصدقاء» الجهاز، وهو أمر يوحي للوهلة الأولى بأن أسراراً ما سيتم كشفها من خلال رسم «خريطة عملاء الجهاز» في أنحاء العالم. لكن زيارة مواقع هؤلاء «المعجبين» بالجهاز (157 حتى بعد ظهر أمس) تكشف أنهم في الغالب يستخدمون أسماء وهمية ويضعون صوراً ليست لهم. فـ «حنان عمّار»، مثلاً، تضع رسماً لفتاة صغيرة على شكل ملاك بجناحين، و»ريمي أحمد» تضع صورة المغنية اللبنانية أليسا وتقول إنها تحب الكتب الثقافية والأفلام الكوميدية. أما «طارق الليبي» فيضع صورة شخص قد تكون صورته فعلاً ويحدد بالضبط تاريخ ميلاده، ويوضح أنه «مهندس حاسوب» يعمل في شركة ليبية في الزاوية بليبيا. ويكتب مشارك أطلق على نفسه اسم «صوت الثورة»: «مشكورون جهاز الأمن الخارجي على الدعم وإن شاء الله معاً يداً بيد سنقوم بكشف أي زمر متآمرة على أمن الجماهيرية العظمى». كذلك يكتب مشارك آخر باسم «محمد السلاك»: «ما أجمل أن تعود الطيور المهاجرة ويعم السلام والرخاء أرجاء الوطن الحبيب»، ويشكر «القائد» و «دكتور سيف» (سيف الإسلام نجل الزعيم الليبي) ويقول «هكذا عهدناكم دائماً وأبداً».
وكان لافتاً أن الموقع على «الفيسبوك» بدأ بعد ظهر أمس بنقل أخبار من مشاركين مجهولين تتضمن إطلاق إشاعات في شأن أشخاص ليبيين وأجانب وتزعم أنهم «عملاء» لأجهزة غربية أو يتعاملون معها، وهو تصرف من أفراد «مجهولين» ولا يعني أنه يتم برضى جهاز الأمن الخارجي الليبي.
ويقول الأمن الخارجي إن مهمامته الأساسية تتلخص في الحفاظ على «أمن وسلامة النظام الجماهيري» و «مكافحة الجاسوسية» و «حماية أسرار ومقدرات المجتمع الاقتصادية والعسكرية والسياسية» و»مكافحة الإرهاب». ويوضح أنه يعمل حالياً على «محاربة الإرهاب الدولي الذي يتخذ أشكالاً عدة (دينية وعرقية وغيرها)، ومكافحة تهريب الأسلحة والمخدرات لتمويل الجماعات الإرهابية» ومكافحة «غسيل الأموال»، والتصدي لـ «الجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية» و «متابعة تطور الأوضاع الأمنية والسياسية وضمان أمن وأستقرار المجتمع والنظام الجماهيري وتقوية المقدرات الاقتصادية والسياسية للدولة».

Saturday 20 November 2010

KABUL AND THE TALKS WITH THE TALIBAN

  • كابول تفتح «قنوات اتصال مع طالبان» لكن التحالف لن يتهاون مع رافضي الحوار (4 من 6)
    السبت, 20 نوفمبر 2010
    كابول – كميل الطويل
    بعد تسع سنوات من حرب استنزاف مُكلفة وفي ظل غياب أي مؤشرات إلى إمكان حسمها في المدى المنظور، أيقن الأميركيون في نهاية المطاف أن حركة «طالبان» لا يُمكن أن تُهزم فقط هزيمة عسكرية وأن المطلوب مقاربة مختلفة معها لحل الأزمة الأفغانية. تعلّموا درس الثور ومصارع الثيران. فقوتهم العسكرية، كما قالوا، ترد بطريقة تقليدية وطبيعية على هجمات المتمردين، تماماً كما يردّ الثور على استفزازات مصارع الثيران. يندفع الثور بقوة، بشكل طبيعي، مرة تلو المرة في اتجاه المصارع ورايته الحمراء، لكن في النهاية تخور قواه وينهار فيهزمه عدو أصغر منه. وهذا تماماً ما اكتشف الأميركيون أنه يحصل معهم في أفغانستان منذ العام 2001. إذ تهاجمهم «طالبان» فيردون عليها بعنف يؤلب ضدهم في كثير من الأحيان السكان المحليين الذين يحمّلونهم هم وليس المتمردين مسؤولية أي خسائر قد تلحق بهم، حتى ولو حصلت بدون قصد. وحتى قتل المتمردين أنفسهم اكتشف الأميركيون أيضاً أنه لا ينفع وحده لإنهاء التمرد. فقتل متمردين إثنين من مجموعة من 10 أفراد لا يعني بالضرورة أنها نقصت وباتت تضم ثمانية فقط، بل يعني أنها على الأرجح كبرت أكثر لأن أقرباء القتيلين وأبناء عشيرتهما باتوا الآن يريدون الثأر لهما.
    ولتلافي تكرار تجربة الثور ومصارع الثيران، أعلنت القوات الأميركية في أواخر العام الماضي استراتيجية جديدة لمكافحة التمرد تضمنت توجيهات إلى الجنود في شأن طبيعة الصراع ضد المتمردين وطريقة التصدي لهم بطريقة لا تؤدي إلى إثارة غضب الشعب الأفغاني.
    لكن هذا التغيير التكتيكي على الأرض والذي بدأ مع قائد قوات التحالف الجنرال الأميركي ستانلي ماكريستل واستمر مع خلفه الجنرال ديفيد بيترايوس، ترافق أيضاً مع تغيير في النظرة إلى حركة «طالبان». فقد أيقنت الحكومات الغربية، كما هو واضح، أن هذه الحركة تمثّل بالفعل جزءاً لا يُستهان به من المجتمع الأفغاني وأن غالبية عناصرها ليسوا بالضرورة متطرفين دينياً بل انضموا إلى التمرد لاعتبارات مختلفة. ونتيجة هذا الاقتناع، بات واضحاً أن أي حل للأزمة الأفغانية لا بد أن يأخذ «طالبان» في الاعتبار، أو على أقل تقدير بعض أطرافها المستعدين للسلام. وهذا تحديداً ما يبدو أنه يجري حالياً من خلال الاتصالات التي تحصل بين بعض قادة «طالبان» وحكومة الرئيس حميد كارزاي، بتسهيل من قوة المساعدة الدولية (آيساف).
    ما زالت هذه الاتصالات في بداياتها، كما تؤكد مصادر مختلفة، وليس واضحاً بعد ما إذا كانت ستؤدي إلى وقف حمّام الدم الأفغاني. لكن الأكيد أن الغرب قد تأخر طويلاً في الوصول إلى الاقتناع بضرورة دعم الحوار مع «طالبان».
    يقول مسؤول غربي بارز مطلع على الملف الأفغاني إن التحالف الدولي أقر «متأخراً» في العام 2009 بأن الأوضاع في أفغانستان «تتدهور بالفعل منذ العام 2005»، وإن التحالف يواجه «خطر الفشل» إذا استمر الوضع على ما هو عليه. ويلفت إلى أن «طالبان» كانت قد بدأت في التمدد خارج معاقلها الأصلية في الجنوب والجنوب الشرقي وصارت تنشط حتى في أقصى شمال أفغانستان وغربها، و «لتغيير هذا الوضع كان من الضروري وضع استراتيجية جديدة تتألف من عناصر عديدة أبرزها أن يكون لدينا عدد كاف من الجنود والمدنيين على الأرض، وهو ما لم يكن متوافراً في السابق». ويشير إلى أن تطبيق هذه الاستراتيجية الجديدة التي أعدها الجنرال ماكريستال، بدأ في أواخر 2009 لكن زيادة الانتشار العسكري والمدني surge) ) لم يكتمل سوى في أيلول (سبتمبر) من هذا العام. ويضيف: «سمح لنا هذا الأمر (زيادة عديد القوات) بأن نقوم بعمليات مكافحة التمرد في شكل صحيح».
    ويلفت هذا المسؤول إلى أن التحالف الغربي يعرف أن «ليس في الإمكان قلب الأمور رأساً على عقب خلال عام واحد. لكنه يعرف أن في إمكانه أن يستعيد المبادرة، وقد نجح في ذلك. فخلال العام 2010 تمكن التحالف من دفع المتمردين خارج معاقلهم في الجنوب، مثل مرجة التي كانت مقر قيادة لهم في الجنوب الغربي للبلاد. والأمر ذاته يتكرر في ناد علي ودوائر أخرى في ولاية هلمند. وفي الأسابيع الأخيرة بدأت قوات التحالف تقوم بالعمليات ذاتها في الدوائر الجنوبية لولاية قندهار، مثل مدينة قندهار نفسها ودائرة بنشواي. وعلى رغم أن العمليات في قندهار من نوع مختلف لعمليات هلمند، إلا أن هدفها واحد. والأمر نفسه يحصل في أورزغان. في هذه الولايات الثلاث الأساسية في الجنوب تمكّنت قوات التحالف من دفع المتمردين خارج المناطق الآهلة بالسكان».
    لكن المسؤول يُقر بأن قوات التحالف كان عليها في الوقت ذاته أن تتصرف بـ «اقتصاد» في تعاملها مع التمرد في ولايات الشرق والشمال الشرقي لأن معظم الإمكانات الجديدة المتاحة لها كانت تُرسل إلى معاقل التمرد في الجنوب (هلمند وقندهار). غير أنه يؤكد أن قوات التحالف «تمكنت، على رغم ذلك، من المحافظة على مواقعها على الأرض (في ولايات الشرق). دفعت بالمتمردين خارج بعض المناطق، لكنهم ما زالوا ينشطون في مناطق أخرى. التركيز حالياً يتم على الجنوب (طرد المتمردين من معاقلهم)، أما في الشرق فالهدف ينصبّ على منع التسلل من باكستان إلى أفغانستان، وهذا أمر يتم التعامل معه في شكل جيّد».
    غير أن المسؤول يُقر في الوقت ذاته بأن ضربات قوات التحالف لمعاقل المتمردين تترافق أيضاً مع فتح الحكومة الأفغانية قنوات اتصال معهم. ويلفت إلى أن مجلس السلام الأفغاني (جيركا السلام) برئاسة برهان الدين رباني قام بخطوات تساعد في فتح قنوات اتصال مع المتمردين الراغبين في التخلي عن السلاح والانضمام إلى عملية المصالحة. ويشمل عرض الحكومة الأفغانية قادة التمرد ومقاتليهم والذين غالباً ما يحاربون في مناطقهم الأصلية في داخل أفغانستان، كما أنه يشمل أيضاً القادة الذين يختبون في باكستان.
    لكن الظاهر أن قوات التحالف لا تنوي تخفيف ضغطها على المتمردين خلال الاتصالات الجارية بين بعض قادتهم وبين حكومة كابول. إذ أن استمرار الضغط العسكري يمكن أن يرسل إشارات إلى أن رافضي الحوار من بين المتمردين سيواجهون صعوبات أكبر بكثير مما يواجهونه حالياً، وأن هذا الضغط لن يأتي فقط من القوات التقليدية بل أيضاً من القوات الخاصة التي باتت الآن بمثابة رأس الحربة في القضاء على قادة التمرد، تماماً كما يحصل في ذروة الصراع مع قادة «القاعدة» في العراق. وتفيد احصاءات وزعتها «آيساف» أن القوات الخاصة قتلت أو اعتقلت مئات من قادة التمرد في الشهور الماضية، وأن «طالبان» تجد صعوبة في تعويض هذا النزف في قادتها.
    سدويل
    ويؤكد أرفع مسؤول مدني في حلف شمال الأطلسي (الناتو) في أفغانستان السفير مارك سدويل وجود اتصالات بين الحكومة الأفغانية وبعض قادة «طالبان»، لكنه يقول إن هذا الأمر يقوم به الأفغان أنفسهم و «دورنا أن ندعمهم فقط». ويوضح في لقاء مع مجموعة من الصحافيين في مقره في كابول أن «الوضع حالياً هو مجرد بناء قنوات اتصال بين الطرفين. لا يمكن وصفه بالمفاوضات». وفي حين أنه يُقر بأن ممثلي المتمردين يُعتبرون من «القادة الكبار» في «طالبان» وبعض الجماعات المتمردة الأخرى، إلا أنه يرفض الخوض في التفاصيل، لحساسية هذا الأمر على ما يبدو.
    غير أن معلومات توافرت لـ «الحياة» من أكثر من مصدر تؤكد أن بعض هؤلاء القادة يزعم أن الملا عمر، زعيم طالبان، أبدى موافقته على الاتصالات التي تتم مع الحكومة الأفغانية، وأن «شورى كويتا»، الهيئة القيادية لـ «طالبان»، أذنت بها. وتؤكد المصادر ذاتها أن قوات التحالف في أفغانستان «سهّلت» بالفعل وصول مفاوضين من «طالبان» إلى كابول للقاء مسؤولي حكومة كارزاي، علماً أن الملا عمر نفى في رسالته الأخيرة بمناسبة عيد الأضحى وجود أي اتصالات تتم مع السلطات الأفغانية.
    وفي هذا الإطار، يكشف السفير البريطاني في كابول السير وليام بيتي، في لقاء مع مجموعة من الصحافيين في كابول، إنه عندما كان سفيراً لبريطانيا في الرياض تحدث إلى رئيس جهاز الاستخبارات العامة السعودي الأمير مقرن بن عبدالعزيز في شأن ما إذا كان في إمكان السعوديين أن يتوسطوا في الأزمة الأفغانية. لكنه قال إن السعوديين واضحون في شأن الحدود التي يرغبون في التحرك في إطارها والتي تتضمن إقراراً خطياً من الملا عمر برغبته في أن يتحركوا للمساهمة في جهود حل القضية الأفغانية وبرغبته في قطع العلاقات مع «القاعدة». وأضاف أن السعودية لم تتلق بعد هذا الإقرار الخطي.
    والظاهر أن اتصالات الحكومة الأفغانية مع بعض قادة «طالبان» تتناول هذا الإطار العام نفسه والذي يتضمن ضرورة «قطع العلاقة مع القاعدة» والعمل في إطار الدستور الأفغاني والتخلي عن السلاح. وهذه الأمور ليست بالطبع شروطاً مسبقة قبل بدء الاتصالات بين الحكومة وقادة «طالبان»، لكنها ستكون الإطار العام الذي يعرف المتحاورون أن المطلوب قبوله قبل مناقشة أي قضايا أخرى. ومعلوم أن «طالبان» تقول رسمياً إن شرطها الأول هو انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان وإنها ليست مستعدة للمفاوضات سوى إذا تمت الموافقة على هذه الشرط.
    لكن مسؤولاً غربياً يقول لـ «الحياة» إن «طالبان» مُخطئة في هذا الأمر، «فنحن نريد الإنسحاب من أفغانستان وسننسحب تدريجياً في فترة انتقالية نتوقع خلالها أن تتسلم الحكومة الأفغانية المهمات القتالية في كافة ربوع البلاد بحلول العام 2014. طالبان ترتكب خطأ إذا اعتقدت أن عرض (حكومة كارزاي) الحوار معها يُقدّم من نقطة ضعف. أعتقد أنها ستكون أمام مفاجأة ليست سعيدة بالمرة. بالطبع هناك قادة في طالبان يعتقدون أن قوات التحالف لن تكون هنا لوقت طويل وأن كل ما عليهم القيام به هو خفض رؤوسهم حتى رحيلها وعندها يستولون على الحكم. وهنا أيضاً أعتقد أنهم يرتكبون خطأ إذا ما ظنّوا هذا الأمر. لن ترحل قوات التحالف إلا إذا قامت بما هو مطلوب. وحتى خفض عديد القوات لن يتم سوى عندما تكون قوات الأمن الأفغانية قادرة على ملء الفراغ».
    ويوضح أن الغرب «يعرف أن نزاعات - مثل هذا النزاع في أفغانستان - غالباً ما تنتهي بتسوية سياسية. لا نريد أن نضطر إلى قتل أو اعتقال كل شخص يقاتل في صفوف التمرد. معظمهم هؤلاء، كما قال الرئيس كارزاي ولجنة السلام الأفغانية، رجال مستاؤون يشعرون بالتهميش وليسوا إرهابيين متعصبين. لا شك أن علينا هزيمة المتمردين الإرهابيين المتعصبين، وستتم هزيمتهم وقتلهم أو اعتقالهم. لكن ما نسبته 80 في المئة تقريباً من طالبان ليسوا سوى أفغان التحقوا بالتمرد لأسباب مختلفة وليس عن تعصّب أيديولوجي».
    من جهته، يشدد البريغادير جنرال جوزف بولتز، الناطق باسم «آيساف»، على أن إعلان الرئيس باراك أوباما البدء في خفض عديد القوات الأميركية اعتباراً من تموز (يوليو) 2011 لا يعني الانسحاب من أفغانستان، بل يعني ضرورة الإسراع في بناء القدرات الأفغانية الذاتية تمهيداً لتسلم الأفغان أنفسهم مسؤوليات بلادهم. ويلفت إلى أن ذلك يتحقق بالفعل على أكثر من صعيد بما في ذلك بناء قوات الأمن الأفغانية التي بات عديدها الآن 140 ألف جندي و122 ألف شرطي.
    ويقول إن قوات التحالف حققت بالفعل إنجازات على الأرض تتمثل خصوصاً في طرد مقاتلي «طالبان» من العديد من معاقلهم في الجنوب، لكنه يُقر بأن «هذه الإنجازات ما زال يمكن أن تتعرض لانتكاسة». ويعتبر أن المرحلة المقبلة من جهود قوات التحالف وقوات الحكومة الأفغانية ســتركّز على ولايات الشرق، مثل كونار ونورستان، بعد طرد «طالبان» من معاقلها في الجنوب.
    (غداً حلقة خامسة)

Friday 19 November 2010

RING OF STEEL - KABUL

«الحزام الفولاذي» يحمي كابول من «هجمات الانتحاريين»... لكنها أشبه بثكنة عسكرية (3 من 6)
الجمعة, 19 نوفمبر 2010
كابول - كميل الطويل
تقف السيارات في طوابير طويلة تتقدم ببطء شديد في شوارع العاصمة الأفغانية كابول المحاطة بسلسلة جبال بدأت الثلوج تغطي قممها مع دنو فصل الشتاء. أسواق المدينة مكتظة بالمتسوقين، وطرقاتها تزدان بالإعلانات عن ماركات جديدة بدأت «تغزو» السوق الأفغانية الوليدة.
إنه بالطبع ليس منظراً يوحي بأن المدينة تعيش حال حرب في بلد ينتشر فيه 150 ألفاً من الجنود الأجانب وأكثر من ضعف هذا الرقم من القوات النظامية المحلية (جيش وشرطة) وقرابة 40 ألف «متعاقد» من المسلحين المحليين والأجانب العاملين في شركات أمنية خاصة، وفي مقابل جميع هؤلاء هناك أيضاً عشرات آلاف المتمردين المنتمين إلى حركة «طالبان» و «شبكة حقاني» التابعة لها وإلى الحزب الإسلامي بقيادة قلب الدين حكمتيار.
لكن على رغم ذلك تبدو كابول هذه الأيام وكأنها تعيش حال انتعاش لافتة بعد التراجع الكبير في أعمال العنف فيها، بما في ذلك الهجمات «الانتحارية» التي كادت أن تكون «وجبة يومية» يدفع ثمنها من دمائهم وأرواحهم المواطنون الأفغان وأفراد القوات الحكومية أو الأجنبية. وعلى رغم التفجير الذي تعرّض له موكب لقوات المساعدة الدولية (آيساف) قبل أيام في جنوب كابول، إلا أن الملاحظ أن المدينة لم تشهد منذ فترة طويلة أي عملية أمنية ضخمة، وتحديداً على مدى الشهور الأربعة الماضية.
وتمثّل آخر حادث أمني بارز في إطلاق صواريخ على اجتماع لمجلس السلام الأفغاني انعقد برئاسة الرئيس حميد كارزاي في كابول في حزيران (يونيو) الماضي. وأدى ذلك الحادث (الذي أخطأ هدفه بمئات الأمتار) إلى إطاحة وزير الداخلية محمد حنيف أتمار (بشتوني) ورئيس مديرية الأمن الوطني (جهاز الاستخبارات) أمر الله صالح (طاجيكي)، وكلاهما معروف بتحفظه عن سياسة كارزاي في المصالحة مع حركة «طالبان» والانفتاح أكثر على باكستان التي يشتبه هذان المسؤولان السابقان في أنها تدعم سراً المتمردين الأفغان، خصوصاً شبكة حقاني المسؤولة عن أكثر الهجمات دموية في كابول.
ومنذ إطاحة أتمار وصالح لم تشهد كابول أي هجوم جديد تشنه حركة «طالبان»، علماً أن الهجوم ضد «آيساف» الجمعة الماضي تبناه الحزب الإسلامي وليس «طالبان». ويقول أفغان متشككون في سياسات إسلام آباد إن وقف هجمات «طالبان» في كابول ربما يكون علامة رضا باكستانية على إطاحة غريميها أتمار وصالح. لكن حكومة إسلام آباد نفت دائماً المزاعم بأنها من يحرّك المتمردين الأفغان، ووعدت بأن تبذل ما تستطيع لتحقيق المصالحة بين جيرانها.
وبغض النظر عن صحة أو خطأ مزاعم المشككين في نيّات باكستان، لا شك في أن الأوضاع في كابول نفسها تتحسن بشكل كبير، كما تدل على ذلك زحمة السير وحشود المارة في شوارعها وأسواقها. لكن الحقيقة أيضاً أن جزءاً لا يُستهان به من هذه الزحمة يرتبط بتحركات قوات «آيساف» والقوات النظامية الأفغانية، كما يرتبط بنسبة مماثلة بنشاط «المتعاقدين» لدى شركات الأمن الخاصة الذين يجوبون شوارع كابول ناقلين «الضيوف» الأجانب من موقع إلى آخر في سيارات مصفّحة مقاومة للعبوات الناسفة والرصاص.
ويُشكّل هؤلاء المتعاقدون نقطة خلاف شديدة بين الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، وبين إدارة الرئيس كارزاي التي أعلنت الغاء تراخيص عملهم بدءاً من شباط (فبراير) المقبل، بعدما كانت في البدء قد حددت نهاية هذه السنة موعداً لتطبيق هذه السياسة.
ومن بين 112 ألف «متعاقد» مع الحكومة الأميركية في أفغانستان يعمل قرابة 17 ألفاً من هؤلاء في شركات أمنية تتولى حماية الشخصيات والضيوف الزوار والعاملين في وكالات أميركية مختلفة. و93 في المئة من هؤلاء المسلحين الـ 17 ألفاً هم من الأفغان، والبقية من الأجانب.
ولا شك في أن تحسن الأوضاع الأمنية في كابول يرتبط أيضاً بما بات يُعرف في أفغانستان باسم «الحزام الفولاذي» الذي يتألف من 25 حاجزاً أمنياً يُفترض أن تُشرف على كل منافذ العبور البرية إلى كابول وتمنع وصول «الانتحاريين» سواء كانوا مشاة أو يقودون سيارات مفخخة. وقد بدأ تطبيق خطة «الحزام الفولاذي» منذ العام الماضي، لكنها كانت في البداية عبارة عن حواجز متفرقة وغير ثابتة. اما اليوم فأصحبت تتألف من لواء كامل يضم 800 جندي يتولون تفتيش الداخلين إلى كابول أو الخارجين منها.
كما باتت هذه الحواجز الـ 25 ركناً ثابتاً يتناوب عليه حراس في نوبات متتالية لمنع خلو أي حاجز من الجنود في أي وقت من الليل والنهار. وإضافة إلى هذه الحواجز نُصبت شبكة من كاميرات المراقبة في كابول تتولى مراقبة العابرين على الحواجز (كشفت حالات تلقي شرطيين رشاوى للسماح بتمرير عربات غير مرخصة). كما تسجّل الكاميرات، على ما يبدو، أرقام سيارات العابرين لتحديد هوية أصحابها والمكان الذي قدموا منه، كما تراقب أيضاً بعض المواقع الحساسة في قلب العاصمة الأفغانية.
وإضافة إلى شبكة «الحزام الفولاذي» وكاميرات المراقبة، هناك أيضاً شبكة من «التحصينات الأمنية» التي تحيط بسواتر اسمنتية المنشآت التي يسكنها أجانب مثل السفارات ومباني الشركات أو المؤسسات الإنسانية الغربية، وكذلك أي فندق أو مطعم يرتاده أجانب في العاصمة الأفغانية.
ونتيجة كل هذه الإجراءات تبدو أجزاء واسعة من كابول حالياً وكأنها أشبه بثكنة عسكرية على غرار «المنطقة الخضراء» في العاصمة العراقية بغداد. كما تشهد بعض مناطق كابول، كحي وزير أكبر خان الراقي الذي يضم فيلات يسكنها علّية القوم الأثرياء وكان يسكنها في الماضي بعض قادة «القاعدة» وجماعات «الجهاد» العربية، انتشاراً أمنياً لافتاً يتوزع فيه رجال أمن على بعد أمتار من بعضهم البعض طوال ساعات الليل والنهار.
والواضح أن الهدف من نشر هؤلاء إشاعة الطمأنينة في أوساط سكان الحي، وجعل مقاتلي «طالبان» يفكّرون أكثر من مرة قبل أن يقتربوا من المنطقة.
لكن هذا الشكل من الانتشار المسلح لا يسمح في واقع الأمر للزائر الأجنبي الا بتكوين انطباع أن العاصمة التي يزورها ويرى بعينه الفورة الاقتصادية التي تشهدها ليست في الحقيقة الا «ثكنة عسكرية» ضخمة يحميها جنود محليون وأجانب ... وجيش من «المتعاقدين».
* (غداً حلقة رابعة)

Thursday 18 November 2010

majalla

يركز على مصر والجزائر وليبيا

«إخوة في السلاح» يرصد تاريخ الجهاديين منذ «ورطة الروس» وحتى الآن

يقدم الصحافي اللبناني كميل الطويل في كتابه «إخوة في السلاح» تاريخا تفصيليا لتنظيم القاعدة بدءا من نشأته عام 1988 ونهاية بنظرة عامة حول فروع «القاعدة» في المنطقة في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول). ويستعين الطويل بالروايات واللقاءات لرصد تطور تلك الشبكة الرخوة من الجهاديين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مع تركيز خاص على تأثير الحركة في الجزائر ومصر وليبيا.
«إخوة في السلاح: قصة تنظيم القاعدة والجهاديين العرب»
كميل الطويل
الساقي 2010
14.99 جنيه إسترليني
في تلك الترجمة الإنجليزية المكثفة لكتاب كميل الطويل الصادر أساسا باللغة العربية، يرصد الكاتب اللبناني التاريخ الحديث لحركات الجهاد. وهو يستخدم «ورطة الروس» في أفغانستان في الثمانينات كنقطة البدء لإلقاء الضوء على الانتصارات السياسية والعسكرية التي تلتها في المنطقة، وهو ما يوضح إلى حد كبير التحولات الآيديولوجية والقتال اللذين حدثا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ويرصد كتاب «إخوة في السلاح» قصة انضمام أعضاء محددين إلى تلك الجماعات، وتكوينهم للاتصالات الإقليمية وحصولهم على التدريبات العسكرية، وتجوالهم في العالم لإتمام واجبهم الجهادي سواء باستقطاب أعضاء جدد في لندن أو الهروب إلى أراض أجنبية مثل الصين، بحثا عن ملجأ آمن.
وهو يكشف، على نحو خاص، الصداقات والروابط العسكرية والعائلية والالتزام الثقافي صوب الدين والحفاظ على الولاءات التي ساهمت في تكوين تلك التحالفات غير المستقرة. وينتقل الطويل بين حركات إسلامية منفصلة من بلدان مختلفة وهو ما يجعل من الصعب على القارئ الذي يفتقر إلى المعلومات الأساسية حول تلك المنطقة واللاعبين الأساسيين بها والأحداث السياسية الأخيرة أن يتابعه. وفي ذلك السياق، يصبح شرح الاختصارات الذي قدمه الطويل في الصفحة السابعة مرجعا ضروريا، حيث يشير عبره لخصائص الجماعات المختلفة.
جور تاريخي، ومحاكمات سرية، وولاءات متغيرة، ساهمت جميعا في تشكيل ديناميكيات الحركات الجهادية العربية، وهي الصورة التي أجاد الطويل في رسمها من خلال المزج بين كثير من الروايات. فعلى سبيل المثال، أوضح الطويل العلاقة المضطربة بين المجاهدين العرب والأفغان عبر قصة تروي محاولة أعضاء جماعة مسلحة خلع أحد كبار القادة من خلال محاكمته غيابيا بزعم سلوكه العلماني. وفي مرحلة لاحقة من الكتاب، يرصد الطويل المنطق خلف قرارات زعماء الجماعة، ويفترض تكتيكات محددة ويضع تفسيرات مهمة لأفعال أسامة بن لادن والحركات الإقليمية في بداية الألفية الثالثة.
وعلى الرغم من أنه كان يشير باستمرار إلى الصلات بالحركات في الجزائر ومصر وليبيا، فإن التركيز الأساسي كان على تنظيم القاعدة، وهي الجماعة ذات الشبكة شديدة التعقيد التي تقع في مركز حرب الولايات المتحدة الأميركية على الإرهاب. وعلى الرغم من أن الحرب ضد روسيا عملت على توحيد حركات الجهاد، فإن جهود توحيد تلك الحركات في أعقاب الحرب الباردة باءت بالفشل، نظرا لأن القادة قد اختاروا التركيز على أجنداتهم الوطنية والأعداء الأقرب.
ويربط الطويل تشكيل الآيديولوجيا الجهادية لتنظيم القاعدة مباشرة بآيديولوجيا حركة الجهاد المصرية التي أدانت الحكومات العربية التي لا تحكم بالشريعة الإسلامية وغيرها من الحركات التي رفضت الانضمام إلى الجهاد. وقد عملت منشورات حركة الجهاد المصرية كنصوص أساسية في معسكرات تدريب تنظيم القاعدة. في أواخر التسعينيات، كانت حملة بن لادن لتركيز الجهاد على العدو البعيد، أو الولايات المتحدة، تتخذ جذورا لها وتعمل على خلق جبهة متحدة. سوف يتحد تنظيم الجهاد المصري وتنظيم القاعدة لاحقا في يونيو (حزيران) 2001، وقبل عدة أشهر من هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول).
وسرعان ما أوضح الطويل أن التغير في الآيديولوجيا من الجهاد الدفاعي، الذي حمت عبره الحركات الإسلامية أراضيها من الغزاة، إلى الهجومي، الذي سعت من خلاله وراء الأعداء، لم يلق إعجاب كافة الجهاديين في المنطقة؛ فقد شعر البعض أن بن لادن قد أفسد الآيديولوجيا، وبالتالي عرقل أجنداتهم الوطنية التي تسعى للحصول على التأييد تحت الشعارات الدينية. وعلى الرغم من ذلك اتهم الطويل زعماء الولايات المتحدة بالتبسيط المخل في تعريفهم للجهاديين ووضعهم جميعا في فئة واحدة، وهو ما لم يسفر سوى عن إغضابهم ودفعهم للتوحد ضد الولايات المتحدة.
وبالإضافة إلى ذلك، تحدث «إخوة في السلاح» حول عمق معلومات الاستخبارات الأميركية حول بن لادن وتنظيم القاعدة وكيف أهملت الولايات المتحدة فرصتين للقبض عليه والتعامل مع المخاطر المتنامية التي مثلتها حركته في أواخر التسعينيات. ويوازي الطويل بوضوح بين الحرب على الإرهاب والوجود الروسي في أفغانستان في الثمانينيات موضحا أن التمرد الإشكالي في العراق منح تنظيم القاعدة «المتنفس الذي كانوا بحاجة إليه لكي يتوحدوا مرة أخرى».
ومن ثم، في عام 2003، أصبح تنظيم القاعدة فضفاضا حيث أصبحت الحركات الجهادية تستغل اسم التنظيم دون الخضوع لأي إدارة مركزية. ويقدم الطويل تفاصيل جديدة حول الصراع بين أبو مصعب الزرقاوي من تنظيم القاعدة في العراق والشخصيات الأساسية في تنظيم القاعدة نظرا لاختلافهم حول تكتيكات الزرقاوي الإقصائية والقهرية.
ويكتسب الكتاب زخما في نهايته عندما يتجه صوب الأحداث الدرامية التي أدت إلى هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول). حيث يصطحب القارئ في جولة مكوكية حول فروع تنظيم القاعدة الموجود في شبه الجزيرة العربية، والعراق، والجزائر، وليبيا.
ومع ذلك، فإن الاستنتاج - الذي يأتي في صفحة واحدة - يفتقر إلى عنصر الترابط؛ حيث يبدو الصحافي اللبناني، الذي وهب جانبا كبيرا من حياته للبحث في تلك القضايا وفي إيجاد مصادر لمعلوماته، مترددا في وضع خلاصة خبرته في استنتاج نهائي. وفي ظل التعقيدات المعروفة للتكتيكات الغربية لمواجهة التمرد في العراق والمشكلات المستمرة مع حركة طالبان أفغانستان، كان من المتوقع أن يتخذ الكاتب موقفا أكثر تحديدا حول كيفية تطوير العمليات المناهضة للمسلحين.
وربما يكون الافتقار للتحليل قد جاء في إطار محاولات الطويل تقديم رواية صحافية موضوعية للأحداث، أو ربما كان ذلك في إطار جهوده للسماح للقارئ بتكوين رأيه الخاص. وفي كلتا الحالتين، يترك الكتاب القارئ بفهم أعمق لتنظيم القاعدة الغامض، ولكن مع كثير من الأسئلة غير المجابة حول الاتجاه المستقبلي للحركات الجهادية العربية.

Camp Leatherneck

الأميركيون «الواثقون بالفوز» يعانون «صعوبات» في جنوب أفغانستان وتجربة «صحوات الأنبار» تتكرر في هلمند (2 من 6)
الخميس, 18 نوفمبر 2010
كامب لذرنك (صحراء هلمند) – كميل الطويل
ارتمى العسكريون الأفغان أرضاً وأخذوا يُطلقون رصاصهم الحي على أهداف مثبّة مواجهة لهم في عمق الصحراء في ولاية هلمند، جنوب أفغانستان. ثم علا هتافهم وهتاف مدرّبيهم الأميركيين. فقد أصاب معظمهم، على ما يبدو، الأهداف الماثلة أمامهم والتي يُفترض أنها تمثّل مقاتلي «طالبان» الذين سيتواجهون معهم عندما يتم نشرهم خلال الأيام المقبلة في هذه الولاية المضطربة التي تشكّل أحد أهم معاقل المتمردين.
ينتمي هؤلاء العسكريون إلى وحدة تُسمّى «شرطة النظام العام الوطني الأفغاني»، وهي تتبع وزارة الداخلية مثلها مثل الشرطة العادية لكنها تضم أفراداً لديهم تكوين علمي (القراءة والكتابة على أقل تقدير) ويُفترض أنهم غير فاسدين، بعكس كثيرين من زملائهم أفراد الشرطة الأفغانية الذين تنظر إليهم شريحة واسعة من المواطنين على أنهم فاسدون أو مرتشون. وقد كان أفراد هذه الوحدة، وعددهم 316 شرطياً، يتلقون دورة تدريب سريعة مدتها 10 أيام فقط قبل نشرهم في دوائر مرجة وناد علي وسانغين، في هلمند، لفترة شهرين يعودون بعدها إلى مقر قيادتهم في ولاية بكتيا، في جنوب شرقي أفغانستان. ويراهن الأميركيون على أن نشر هؤلاء، وهم من ولايات غزني وبكتيا وكابول، يمكن أن يشكّل عنصراً مساعداً يشجّع شبان هلمند على التطوّع للانخراط في الشرطة المحلية تمهيداً لتسليمهم مسؤوليات الأمن في ولايتهم.
ويقول أحد قادة هذه الوحدة المتدربة الكولونيل شاه خان هوتك، في لقاء مع «الحياة» في منطقة مجاورة لمعسكري «باستيون» البريطاني و «لذرنك» الأميركي في صحراء هلمند، إن جنوده يتطلعون إلى بدء مهماتهم في مرجة وناد علي وسانغين، وهي مناطق ما زالت قوات التحالف الغربي تواجه صعوبات شديدة في حفظ الأمن فيها. وشدد على أن أفراد قوته مدرّبون عسكرياً لكنهم يخضعون حالياً فقط لدورة سريعة قبل نشرهم على الأرض. وشدد على أن هؤلاء العسكريين (وهم رتباء) ينتمون إلى إثنيات أفغانية مختلفة، إذ أن بينهم البشتون والطاجيك والهزارة والأوزبك، على رغم أن ولاية هلمند التي سينتشرون فيها يغلب عليها البشتون، عصب التمرد الذي تقوده حركة «طالبان».
وتضم شرطة النظام العام أربعة ألوية في العاصمة كابول وبكتيا (الجنوب الشرقي) وقندهار (جنوب) وهرات (غرب) ويبلغ عديدها خمسة آلاف جندي يمكن نشرهم في أي ولاية أفغانية، بعكس الشرطة المحلية التي ينتشر أفرادها في منطقتهم فقط. ولا تعاني شرطة النظام العام من حالات فرار مرتفعة لعناصرها، بعكس الشرطة المحلية، ربما لأن رواتب أفرادها مرتفعة مقارنة برواتب زملائهم المحليين، إذ أنهم يتقاضون نحو 400 دولار شهرياً بما في ذلك «علاوة» الانتشار في «مناطق خطرة»، في مقابل 165 دولاراً لأفراد الشرطة المحلية.
ويبدو أن نشر هؤلاء العسكريين في هلمند يدخل ضمن استراتيجية أميركية تهدف إلى الإظهار للأفغان أن قواتهم الذاتية هي التي ستتولى شؤونهم في نهاية المطاف بعد طرد مقاتلي «طالبان» من الولاية. كما أن الأميركيين يعتقدون بلا شك أن نشر هؤلاء الشرطيين الجدد «غير الفاسدين» سيُظهر للمواطن العادي أنه بات في إمكانه اللجوء إليهم للشكوى من دون أن يخشى أحداً، وهو أمر لم يكن سهلاً في السابق مع الشرطة المحلية المكروهة بسبب الفساد المستشري في صفوفها وظاهرة تعاطي أفرادها المخدرات. ويأمل الأميركيون، على ما يبدو، في أن يشجع هذا الوجود الرسمي الأفغاني المواطنين على الانخراط أكثر في مؤسسات الدولة، بما في ذلك الانضمام إلى الشرطة المحلية التي ما زالت تعاني، على ما يبدو، نقصاً شديداً في نسبة الراغبين في الانضمام إلى صفوفها. ولعل أكثر الأمثلة وضوحاً على فداحة هذه المشكلة هي دائرة مرجة التي «حررها» الأميركيون من قبضة «طالبان» في آذار (مارس) الماضي بعدما كانت مقراً أساسياً للمتمردين وصلة الوصل بينهم وبين تجّار المخدرات. ففي الشهور الثمانية التي انقضت على دخول الأميركيين مرجة، لم تتمكن الإدارة الجديدة التي نصّبتها الحكومة في هذه الدائرة سوى من تجنيد 91 شرطياً من السكان المحليين. وبما أن مرجة تضم ما بين 30 إلى 40 ألف ساكن، فإن رقم الـ 91 شرطياً قد يعني إما أن السكان ما زالوا يخشون «انتقام» حركة «طالبان» إذا ما أيّدوا الحكومة الأفغانية، وإما أنهم فعلاً من مؤيدي «طالبان» ويريدون خروج القوات الأجنبية من أرضهم.
لكن الكولونيل تيري والكر، وهو ضابط متقاعد خدم 34 سنة في المارينز ويُشرف حالياً على عملية تدريب العسكريين الأفغان في صحراء هلمند، يلفت إلى أن القوات الأميركية حققت نجاحات كبيرة بعد عام واحد من بدء انتشارها في هلمند التي كانت في السابق تخضع فقط للقيادة البريطانية (عديد البريطانيين حالياً أقل من عشرة آلاف جندي في مقابل 20 ألفاً من المارينز الأميركيين). ويعتبر والكر أن «من الأفضل عدم وجود شرطة أفغانية بالمرة إذا كان عناصرها غير مدرّبين أو فاسدين»، كما كان الحال إلى وقت قريب في كثير من قطاعات الشرطة المحلية في هلمند. ويضيف: «إننا اليوم، بعد سنة من العمل، نملك فعلاً شرطة أفغانية قادرة على أن تقاتل وأن تنقل المعركة إلى صفوف العدو». ويشير إلى أن الأميركيين يدربون عناصر الشرطة ليس فقط على تقنيات القتال، بل أيضاً على حكم القانون وقيادة العربات العسكرية (يسقط عدد كبير من الضحايا جراء حوادث السير) والإسعافات الطبية وأيضاً على القراءة والكتابة.
ويقول والكر، الذي سبق أن خدم في العراق وشارك في جهود «مكافحة التمرد» هناك ومضى 18 شهراً على وجوده في أفغانستان، إن تدريب هؤلاء العسكريين الأفغان يساعد في تسريع نقل عملية تدريب قوات الأمن الأفغانية إلى الأفغان أنفسهم، بحيث تتولى الوحدات الأفغانية التي درّبها الأميركيون تدريب الوحدات الأفغانية الجديدة، وهكذا دواليك حتى تصبح العملية برمتها في يد الأفغان. ويضيف: «إنني أرى النجاحات التي نحققها في عيون العسكريين الأفغان الذين ندربهم. أراها عندما يتمكنون من القراءة والكتابة، وعندما يعرفون مهارات قيادة السيارات، وعندما يعرفون حكم القانون...».
ويتحدث الكولونيل في المارينز عن عملية تجنيد شبان مرجة للانخراط في الشرطة المحلية، قائلاً إن الأميركيين بنوا ثلاثة مراكز جديدة للشرطة ويعملون على تجنيد مزيد من رجال الشرطة من أهل المنطقة. ويتابع: «إننا نريد أن ينضم أسود مرجة إلى شرطة منطقتهم لأنهم يعرفون أكثر من غيرهم من هو المتمرد ومن هو غير المتمرد». ويلفت إلى أن عملية تجنيد العسكريين الجدد تتألف من مراحل عدة لضمان عدم «تغلل» المتمردين في القوة الجديدة، إذ يتطلب الانضمام إلى الشرطة تعهد مجلس محلي للشورى من أعيان المنطقة أن الشرطي الجديد ليس من «طالبان»، كما يتطلب أخذ بصمات المتطوع البيومترية (يسمح ذلك بكشف ما إذا كان مطلوباً أو سبق أن تم اعتقاله). ويمكن للمتطوع الجديد أن ينضم إلى الشرطة إذا ما كشف عن انتمائه في السابق إلى المتمردين وتعهد أن يعمل في المستقبل لمصلحة الحكومة الأفغانية ويحترم دستور بلده.
ويقول والكر إنه تعلّم من تجربته في الأنبار أهمية تجنيد مواطنين محليين في «مكافحة التمرد»، ويكشف أن الأميركيين يعملون حالياً على تكرار تجربة «الصحوات» العراقية في أفغانستان من خلال الاتصال بممثلي القرى النائية وتشجيعهم على تكوين فرق «دفاع ذاتي» تكون خاضعة لوزارة الداخلية ومرتبطة بالسلطات المحلية. ويسعى الأميركيون حالياً من خلال الاتصال بقادة من أيام الجهاد الأفغاني إلى تشكيل قوة دفاع ذاتي من نحو 30 ألف فرد من سكان القرى النائية في الجنوب خلال فترة الشهور الستة المقبلة. ويشدد والكر على أهمية «بناء قوات الأمن الأفغانية الذاتية للدفاع عن البلد وضمان أن لا يستخدمه الإرهابيون... إننا لا نستطيع الفوز إذا لم يكن الأفغان يريدون أن يقاتلوا من أجل بلدهم».
لكن والكر يبدو متفائلاً، إذ يقول إن «نجاحنا مضمون... لقد فزنا في المعركة»، ويشير إلى «أننا تعلمنا من الأنبار (في العراق) أن الفوز ممكن. الأنبار كانت قلب التمرد السني وقاعدة العشائر المتمردة. لكن تنظيم القاعدة بدأ بقتل الناس المحليين، ثم ظهر عبدالستار (أبو ريشة) ووقف في وجههم وبدأوا (العشائر والصحوات) يقولون للأميركيين ساعدونا في التصدي للقاعدة. والآن يتكرر الأمر ذاته في هلمند التي يأخذها المتمردون قاعدة لهم ولتجّار المخدرات. عندما يوقن المواطنون المحليون أنك (الجندي الأميركي) مستعد أن تموت من أجلهم فإنهم سيغيّرون رأيهم بلا شك في التمرد».
ويدافع والكر عن سياسة «الانخراط» بين الجنود الأميركيين وزملائهم الأفغان بما في ذلك حمل الأسلحة المحشوة بذخائر حيّة، قائلاً إن لا بد من وجود ثقة بين الطرفين. وسألته «الحياة» عن حادث وقع قبل أيام فقط في قاعدة أميركية في سانغين وأطلق فيها شرطي أفغاني النار فقتل اثنين من مدرّبيه الأميركيين، فرد قائلاً إن التحقيق الجاري سيكشف دوافع هذا «العمل الإجرامي». لكنه زاد: «دعني أؤكد لك: لا شيء، لا شيء أبداً، يمكن أن يوقف أميركا وحلفاءها عن إلحاق الهزيمة بالإرهابيين والمتمردين».
من جهته، يؤكد الكولونيل في المارينز بول لابادين، المسؤول في فرق إعادة الإعمار في هلمند، إن الأميركيين حققوا فعلاً أمراً بالغ الأهمية في الولاية وهو «زيادة مستوى الاستقرار الأمني الذي يسمح للمواطنين بأن يكونوا على احتكاك أفضل مع حكومتهم. يمكن رؤية الفرق الذي تحقق الآن على الأرض. إننا نُحقق تقدماً، لكن ما زالت هناك مشاكل». ويوضح أن الأميركيين يتصلون بالمواطنين الأفغان ويعرضون تقديم مساعدات لمن يريد أن يقوم بمشاريع تجارية، وذلك بهدف تحريك الاقتصاد وإيجاد فرص عمل للسكان المحليين، ما يقلل من فرص التحاقهم بالتمرد. لكنه يُقر بأن بعض الأفغان في هلمند ما زال يخشى «انتقام طالبان» إذا ما وافق على قبول مساعدة أميركية. ويضيف رداً على سؤال لـ «الحياة»: «نعم، بعض الناس ما زال متردداً في قبول المنح (الأميركية) على رغم موافقته المبدئية على ذلك. لقد رأينا محلات أقفلها أصحابها خشية تعرضهم للانتقام. رأينا أطفالاً يتم قتلهم (بسبب التحاقهم بمدارس بناها الأميركيون). لكن هذا لا يعني أن علينا أن نتوقف عن محاولة تقديم المساعدة للمواطنين الأفغان لتحسين حياتهم... إننا نربح المعركة بلا شك، لكننا نحتاج إلى وقت».
(غداً حلقة ثالثة)

Wednesday 17 November 2010

Helmand Story

هلمند: الحياة تتحسن في «معقل طالبان»... لكن «إنجازات» البريطانيين لا يمكن معاينتها إلا من وراء «زجاج مصفّح» (1 من 6)
الاربعاء, 17 نوفمبر 2010
لشكرغاه (عاصمة هلمند، جنوب أفغانستان) – كميل الطويل
تعكس أسواق لشكرغاه، عاصمة ولاية هلمند، صورة قد تكون مختلفة إلى حد كبير عما يبدو عليه الحال في كثير من مناطق جنوب أفغانستان معقل التمرّد البشتوني بقيادة حركة «طالبان». فالحياة تدب في أسواق هذه المدينة حيث ينتشر مئات المتسوقين بين محال صغيرة مبنية من الطين أو الخشب ويبيع أصحابها بضائع مختلفة أبرزها الخضار والفاكهة والدواجن واللحوم والأخشاب والملابس والخردة. أما شوارع لشكرغاه فلا تقل زحمة عن أسواقها، إذ تعج بالسيارات والباصات والشاحنات والدراجات وكلها تتنافس في فوضى عارمة على أولوية «حق المرور» أمام أعين رجال الشرطة المكلّفين حفظ الأمن.
زحمة أسواق لشكرغاه وشوارعها ليست في الحقيقة سوى مصدر سعادة للبريطانيين. فهي تُثبت، كما يبدو، ما دأبوا على تأكيده منذ شهور في شأن نجاحهم في إنعاش الأوضاع الاقتصادية في عاصمة هلمند التي تسلّموا المسؤولية فيها منذ عام 2006. ويقول البريطاني مايكل أونيل، رئيس فريق إعادة البناء الإقليمي في هلمند، إن غالبية دوائر الولاية وليس فقط العاصمة لشكرغاه باتت تشهد اليوم تحسناً ملحوظاً في الأمن والاقتصاد وحكم القانون والصحة والعدل والتعليم.
ويضيف في لقاء مع مجموعة من الصحافيين شاركت فيه «الحياة» في مقره المحصّن في عاصمة هلمند: «لقد تحسّنت الأوضاع بالتأكيد، لكنها ما زالت معقّدة وصعبة». ويوضح أن 12 دائرة من أصل 14 تتألف منها ولاية هلمند بات لها اليوم حاكم يمثّل الحكومة الأفغانية، مع إقراره في الوقت عينه بأن هذا الوجود الحكومي يختلف من دائرة إلى أخرى بحسب قوة المتمردين. ويمثّل ذلك بلا شك تقدّماً كبيراً مقارنة بما كان عليه الوضع قبل سنوات قليلة فقط، إذ لم يكن هناك حكّام يمثّلون الدولة سوى في خمس دوائر من أصل الدوائر الـ 14 في هلمند بحلول نهاية عام 2008.
ويقول أونيل، المبعوث البريطاني الخاص سابقاً للسودان، إن المشكلة الأساسية على الصعيد الأمني تبدو منحصرة حالياً في عدد قليل من الدوائر في شمال الولاية وجنوبها «لكن الأمن مستتب إلى حد كبير في المنطقة السهلية وسط هلمند» على ضفاف نهر هلمند أطول أنهار أفغانستان (1150 كلم) والذي يشق لشكرغاه في طريقه من منبعه في جبال الهندوكوش قرب كابول إلى مصبه في سيستان وبلوشستان في إيران. ويشكّل نهر هلمند عصب الحياة الاقتصادية في هلمند، إذ إنه يحوّل أراضيها الجرداء إلى حقول مثمرة تُنتج أنواعاً مختلفة من المزروعات، وإن كان أكثرها رواجاً نبتة الخشخاش التي يُستخرج منها مخدّر الأفيون. ويُشكّل انتاج ولاية هلمند وحدها من الأفيون أكثر من نصف الانتاج العالمي كله.
لا يسمّي أونيل – الذي يقود من لشكرغاه فريقاً مدنياً وعسكرياً يضم جنسيات مختلفة - الدوائر التي ما زالت تشهد توتراً أمنياً، وإن كان واضحاً أنه يقصد سانغين وكاجاكي وموسى قلعة (في شمال هلمند) ومرجة (قرب لشكرغاه في الوسط) وديشو (في أقصى الجنوب على الحدود مع باكستان). وهو يعتبر أن جزءاً كبيراً من الفضل في تحسّن الأوضاع في هلمند يعود إلى الأداء الجيّد الذي يقوم به حاكم الولاية منذ سنتين غلاب منغل الذي يبدو فعلاً أنه يحظى باحترام واسع بين السكان، وكذلك بسبب الزيادة الضخمة في عديد القوات الأميركية التي باتت تبلغ حالياً 20 ألف جندي في هلمند مقارنة بأقل من 10 آلاف جندي بريطاني. وقد سمحت هذه الزيادة الأميركية بنقل بعض أكثر المناطق خطراً من يد البريطانيين إلى قوات المارينز التي باتت تنتشر اليوم في دائرة سانغين التي شكّلت على مدى سنوات مستنقعاً استنزف قدرات الجيش البريطاني وألحق به أكبر نسبة من الخسائر التي مُني بها طوال السنوات التسع من الحرب الأفغانية (344 قتيلاً). وإضافة إلى سانغين، دخل الأميركيون دائرة مرجة – مقر قيادة «طالبان» ومحور «التحالف» المزعوم بينها وبين تجّار المخدرات - في آذار (مارس) الماضي، لكنها ما زالت إلى اليوم تشكّل مصدراً كبيراً للقلق بسبب نجاح مقاتلي الحركة الإسلامية في التسلل إليها مجدداً.
جولة في لشكرغاه
أراد البريطانيون عرض «الإنجازات» التي تشهدها لشكرغاه على الوفد الصحافي الزائر الذي ضم «الحياة» بدعوة من وزارة الخارجية الأميركية. توزّع الصحافيون الذين جاؤوا من دول عربية عدة، على سيارات حراسة خاصة مصفّحة يقودها مسلّحون من شركة أمنية بريطانية خاصة، وانطلقوا من مقر فريق إعادة الإعمار في عاصمة الولاية إلى وسط المدينة. زجاج سيارة مراسل «الحياة» بدا وكأنه قد أُمطر بالرصاص، لكن الحارس قال إن هذه الآثار نتجت فقط من «حجارة رشقنا بها صبية أفغان... يحدث ذلك من وقت إلى آخر».
كانت طرقات لشكرغاه معبّدة في معظمها، وهو أمر نادر في كثير من المدن الأفغانية بما في ذلك كابول. عمليات البناء كانت أيضاً تجري على قدم وساق بما في ذلك بناء شقق جديدة تُشيّد على الطراز الحديث، في اختلاف صارخ عن نسق البيوت التقليدية الأفغانية المبنية من الطين والخشب. أما أسواق المدينة فقد ظهرت وهي تعجّ بالمتسوقين. البريطانيون، إذاً، لا يضخّمون انجازاتهم. فالحياة حقاً تبدو وقد تحسّنت. الأمن مستقر واقتصاد المدينة مزدهر. لكن ثمة مشكلة هنا. فمعاينة هذا الازدهار الاقتصادي والاستقرار الأمني لا تمكن إلا من وراء «زجاج مصفّح» في سيارات جيب يحرسها مسلحون يشهرون رشاشاتهم ولا يتوقفون عن التطلع يميناً ويساراً خشية السقوط في «مكمن طالباني» أو الوقوع ضحية سيارة أو دراجة يقودها «انتحاري». لم يكن الخروج من السيارات المصفحة ممكناً الا بعد أن تكون طليعة الحراس المسلحين في مطلع الموكب قد وصلت لتأمين موقع الزيارة. الموقع الأول الذي زاره الصحافيون كان مسجداً ضخماً بقبب خمس تُشارف أعمال البناء فيه على الانتهاء وتموّله الإمارات العربية المتحدة. ويقول المهندس الأفغاني فضل فهد المعروف بـ «إنجينير فهد» إن المسجد سيتسع لأربعة آلاف مصلٍّ، وإن مسؤولين إماراتيين سيحضرون افتتاحه. ويضيف: «الإسلام يعني الكثير للأفغان. لقد حاربنا روسيا وطردناها من بلادنا بسبب الإسلام، واليوم نريد أن نعيد بناء بلدنا». زار الوفد، بعد تفقّد المسجد الإماراتي، مصنعاً للرخام يشهد طفرة في أعماله، ربما بسبب ازدهار أعمال البناء والإعمار في ربوع الولاية. وانتهت الزيارة بتفقد معهد علمي يدرس فيه عشرات الشبان تخصصاً في الهندسة الزراعية، وهو أمر بالغ الأهمية في إطار الجهود التي تُبذل لإقناع مزارعي هلمند باعتماد زراعات بديلة عن نبتة الخشخاش. (في هلمند حالياً أكثر من 81 مدرسة تضم ما يزيد على 45 ألف تلميذ و14 ألف تلميذة، وهو رقم كبير في ولاية كانت إلى سنوات قليلة مضت تمنع تدريس البنات خلال حكم «طالبان»).
انتهت الزيارة كما بدأت. وضع الحراس الصحافيين في السيارات المصفّحة وأقفلوا عائدين إلى مقرهم في القاعدة البريطانية في لشكرغاه. ومثلما جاؤوا إلى هذه القاعدة بطائرة مروحية عسكرية أنزلتهم فيها وغادرت، جاءت مروحية أخرى ونقلتهم منها مجدداً إلى مقر القيادة العسكرية البريطانية (كامب باستيون) والأميركية (كامب لذرنك) في عمق صحراء هلمند.
هل تتحسن الحياة فعلاً في هلمند؟ لا شك في ذلك. لكن طريق السلام ما زالت، كما بدا من الزيارة، شائكة ومحفوفة بالأخطار.
(غداً حلقة ثانية)

الأمن يتحسن في «معقل طالبان»... لكن من وراء «زجاج مصفح»

This is an introduction to a six-part series on my visit to Afghanistan - Kabul, Helmand and Mazar:

 
الأمن يتحسن في «معقل طالبان»... لكن من وراء «زجاج مصفح»
 
الاربعاء, 17 نوفمبر 2010
كابول - كميل الطويل
عشية قمة لشبونة التي تُعقد الجمعة ويُتوقع أن يؤكد فيها قادة حلف شمال الأطلسي (الناتو) التزامهم البعيد المدى باستراتيجية تسليم الحكومة الأفغانية تدريجاً مسؤوليات الأمن في أقاليم البلاد بحلول عام 2014، قامت «الحياة» بجولة ميدانية في ثلاث ولايات أفغانية عاينت خلالها التقدم الحاصل في مجالات عدة (الحلقة الاولى)، لا سيما الأمن والاقتصاد، قبل أقل من سنة من الموعد المفترض لبدء سحب القوات الأميركية في تموز (يوليو) 2011، بحسب ما أعلن الرئيس باراك أوباما. وإذ أظهرت الجولة التي شملت العاصمة كابول وولايتي هلمند (جنوب) وبلخ (شمال)، أن هناك بالفعل تحسناً كبيراً في الكثير من نواحي الحياة، إلا أنه كان واضحاً أيضاً أن طريق السلام ما زال بعيد المنال ومحفوفاً بالمخاطر.
الجولة التي دامت أسبوعاً لمجموعة من الصحافيين العرب ورعتها وزارة الخارجية الأميركية، بدأت في كابول التي بدت مدينة تعج بالحياة، إذ اكتظت أسواقها بالباعة والمتسوقين، وغصّت شوارعها بطوابير من السيارات في زحمة سير خانقة. لكن العاصمة الأفغانية بدت أيضاً وكأنها «ثكنة عسكرية» أو نموذج مكرر لـ «المنطقة الخضراء» في بغداد. فقد نشرت قوات الأمن الأفغانية حول مداخل كابول 25 حاجزاً أمنياً ثابتاً في ما يُطلق عليه «الحزام الفولاذي»، وفي داخل المدينة انتشرت الحواجز الاسمنتية حول المنشآت الحكومية ومقرات البعثات الأجنبية ووكالات الإغاثة الغربية. كما انتشر مئات المسلحين على مسافة أمتار فقط من بعضهم بعضاً في شوارع ضاحية وزير أكبر خان التي يسكن فيلاتها حالياً علّية القوم الأفغان بعدما كانت في أيام حركة «طالبان» مقراً لبعض قادة «القاعدة» والجهاديين العرب.
أما في لشكرغاه، عاصمة ولاية هلمند ومعقل التمرد «الطالباني»، فقد ظهر واضحاً أن البريطانيين نجحوا إلى حد كبير في إنعاش المدينة بسلسلة مشاريع حرّكت اقتصادها، في خطوة يأمل التحالف الغربي بأن تتكرر في بقية الدوائر الـ 14 في هذه الولاية المحاذية لقندهار، «العاصمة الروحية» لـ «طالبان». ويُقر المسؤولون البريطانيون بأن التحسن الأساسي يحصل في دوائر «وسط هلمند»، في حين أن الوضع الأمني «ما زال صعباً» في عدد من الدوائر في شمال الولاية وجنوبها، مثل سانغين ومرجة اللتين تسلّمتهما قوات المارينز الأميركية لكنها ما زالت تجد صعوبة بالغة في منع «طالبان» من العودة إليهما.
وعاينت «الحياة» أسواق لشكرغاه المكتظة بالمتسوقين وجالت في شوارعها الغارقة في زحمة السير، لكن ذلك لم يكن ممكناً «لأسباب أمنية» سوى من وراء «زجاج مصفح» في سيارات يحرسها رجال مدججون بالأسلحة. ولم يكن ممكناً سوى تفقد مشاريع معيّنة يمكن الحراس تأمين الوصول إليها وحمايتها، كزيارة مسجد ضخم تبنيه الإمارات العربية المتحدة ومدرسة زراعية ومصنع للرخام. وكان لافتاً أن الوصول إلى قلب لشكرغاه تطلب «إنزالاً» بطائرات مروحية عسكرية، كما كان حال مغادرتها إلى القاعدة الأساسية الأميركية - البريطانية (كامب لذرنك وكامب باستيون) في عمق صحراء هلمند، ما يؤكد أن الأوضاع الأمنية ما زالت غير مستقرة في «معقل المتمردين».
أما في مزار الشريف، عاصمة ولاية بلخ الشمالية، فقد كان واضحاً أن الأوضاع الأمنية أكثر استقراراً، ربما لكون المدينة لا تضم سوى نسبة قليلة من البشتون، عصب التمرد الطالباني. وعاينت «الحياة» في مزار الشريف سلسلة مشاريع يقوم بها الأميركيون بهدف إيجاد فرص عمل للأفغان ومساعدتهم في إطلاق مشاريع اقتصادية. ويهدف أحد هذه المشاريع إلى التصدي لمرض فطري يفتك بنبتة القمح، قبل أن يصل إلى الحقول الأفغانية، مع العلم أن المرض قد انتشر في عدد من دول الشرق الأوسط، بما فيها إيران.
وأكد مسؤولون غربيون كبار لـ «الحياة»، خلال الجولة، أن اتصالات تجرى بالفعل بين الحكومة الأفغانية وقادة بارزين في حركة «طالبان»، على رغم نفي الملا عمر، زعيم الحركة، مثلَ هذه الاتصالات. وفي حين قال الممثل المدني الأبرز لحلف «الناتو» في أفغانستان البريطاني مارك سدويل إن هذه الاتصالات ما زالت في مرحلة «فتح قنوات الاتصال» بين الطرفين ولا ترقى بعد إلى مستوى «المفاوضات»، أكد السفير البريطاني في كابول السير ويليام بيتي أن السعودية تطلب موافقة خطية من الملا عمر للانخراط في ترتيب عملية المصالحة بين حكومة الرئيس حامد كارزاي وبين المتمردين، لكنها لم تحصل حتى اليوم على مثل هذا التعهد المكتوب. لكن مسؤولاً غربياً بارزاً قال لـ «الحياة» إن بعض الذي شاركوا في الاتصالات الأخيرة مع حكومة كابول «زعموا أنهم جاؤوا بموافقة الملا عمر» وأنهم يمثّلون «شورى كويتا» التي تقود من باكستان التمرد في جنوب أفغانستان.