Monday, 27 September 2010

الوجه الآخر لـ«القاعدة» (3 من 6)


الوجه الآخر لـ«القاعدة» (3 من 6) ... الزرقاوي منح «القاعدة» السيطرة على «معابر الجهاديين» إلى العراق
الإثنين, 27 سبتمبر 2010
لندن - كميل الطويل
كانت أفغانستان في مطلع العام 2002 تستعد لبدء حقبة جديدة من تاريخها الحديث. إنهار حكم حركة «طالبان» المستمر منذ العام 1996، ورحل معه أي نفوذ لتنظيم «القاعدة» الذي تشتت بالكامل في أعقاب معركة تورا بورا، في نهاية كانون الأول (ديسمبر) 2001. تولى الحكم الجديد في كابول زعيم بشتوني مناوئ لـ «طالبان» هو حامد كارزاي، لكن إدارته هيمنت عليها الأطراف المكوّنة لـ «تحالف الشمال»، خصوصاً الطاجيك والأوزبك والهزارة.

ولكن في حين إنكفأت حركة «طالبان» على نفسها تعيد لملمة أوصالها المقطّعة تمهيداً لبدء جولة جديدة من القتال ضد الحكم الجديد في كابول وداعميه الأميركيين، بدا أن جموع العرب الذين كانوا في أفغانستان انكفأوا بدورهم إلى خارج هذا البلد يفتشون عن ملجأ آمن جديد لهم. غالبيتهم العظمى نزحت في اتجاه باكستان حيث سقط المئات منهم في قبضة أجهزة الاستخبارات التي سلّمتهم بدورها إلى أجهزة الاستخبارات الأميركية. لكن مئات آخرين من هؤلاء النازحين الذين نجوا من قبضة الأجهزة الباكستانية أو من الذين فروا مباشرة من أفغانستان نجحوا بدورهم في العبور إلى إيران التي أوقفت عدداً كبيراً منهم ووضعتهم في إقامات تُشرف عليها أجهزة تابعة للحرس الثوري في انتظار بت مصيرهم.

حاول تنظيم «القاعدة» في البدء وقف حركة النزوح العربية إلى خارج منطقة النزاع في أفغانستان – باكستان. ولتحقيق هذا الهدف، سعى بعض مؤيدي التنظيم إلى استصدار فتاوى من علماء بارزين تحذّر «المجاهدين» من مغبة مغادرة «أرض المعركة». ويقول نعمان بن عثمان في هذا الشأن: «حصل آنذاك صراع فتاوى. حاول بعض الناس الاتصال بلندن لاستصدار فتوى تقول إنه ممنوع مغادرة أفغانستان لأن ذلك يثبّط من عزائم المجاهدين. لقد كنت شاهد عيان على ذلك. الهواتف كانت مفتوحة أمامي وكنت شاهداً على النقاشات الجارية. كانوا يريدون استصدار فتوى يكون لها تأثير في الأوساط الجهادية تنص على أن ترك ساحة القتال في أفغانستان لا يجوز لأن ذلك يثبط من عزائم المجاهدين».

لكن حتى صدور فتاوى بهذا المعنى مهما علا شأن من ستصدر عنهم ما كانت لتنجح على الأرجح في وقف حركة النازحين من أفغانستان، خصوصاً بعدما إنهارت «طالبان» في قندهار وهُزمت «القاعدة» في تورا بورا. كثيرون، في الحقيقة، كانوا يغادرون وهم يحمّلون أسامة بن لادن شخصياً مسؤولية ما لحق بهم من كوارث ونكبات نتيجة هجمات 11 سبتمبر. غير أن عدداً من قادة الجهاديين العرب اعتبروا، من منطلقات شرعية، أن لا بد من البقاء في أفغانستان للدفاع عنها ضد «الغزاة» الأميركيين، مهما كان الخطأ الذي ارتكبته «القاعدة».

كان «أبو الليث الليبي» واحداً من هؤلاء. فبعدما فشل هذا القيادي في «الجماعة المقاتلة» في صد الهجوم على كابول عند «جبهة شمالي»، شقّ طريقه نحو ولايات الجنوب الشرقي الأفغاني، وتحديداً ولايات خوست وبكتيا وبكتيتا. كان من ضمن القوافل التي أقلّت عائلات العرب النازحين في اتجاه أفغانستان. لكنهم ما أن وصلوا إلى خوست حتى أغارت عليهم الطائرات الحربية الأميركية وقتلت العشرات منهم. قُتل في تلك الغارات، كما بات معروفاً، بعض أبرز قادة «جماعة الجهاد» المصرية، مثل طارق أنور قائد «العمليات الخاصة» ومحمد صلاح عضو مجلس الشورى، كما قُتلت زوجة الدكتور أيمن الظواهري، عزة نوير، وبعض أفراد عائلته، إضافة إلى عشرات من أفراد أسر «الجهاديين العرب» المنسحبين. وفي ظل الفوضى التي كانت تعصف بأوساط المنسحبين اختلف هؤلاء في ما بينهم في شأن من يجب أن يكون أميراً عليهم. سعى بعضهم إلى تعيين «أبي الليث» الليبي أميراً. لكن «القاعدة» أصرّت على أن تمسك هي بالإمارة التي تولاها عبدالهادي العراقي، وهو من قادة «القاعدة» القدامى منذ أيام الجهاد الأفغاني في الثمانينات. وعلى رغم خلافاتهم هذه، نجح الناجون من غارات خوست في الوصول إلى قواعد آمنة في باكستان بعدما ساروا في اتجاه ميران شاه، كبرى مدن إقليم شمال وزيرستان. حصل ذلك في وقت كانت «القاعدة» تخوض معركتها الأخيرة في تورا بورا وتنسحب بدورها عبر طريق آخر في اتجاه باكستان (من ولاية ننغرهار في اتجاه بيشاور).

لم يوافق «أبو الليث» على البقاء في باكستان. طلب إذناً من جماعته، بحسب ما يقول صديقه السابق نعمان بن عثمان، كي يعود إلى أفغانستان للقتال و»قد تمت الموافقة على طلبه». ويكشف بن عثمان، للمرة الأولى، أن «أبا الليث» كان على اتصال به خلال وجوده في باكستان، وأنه هو من أبلغه بما حصل معه في معركة كابول وفي قصف خوست وبقراره العودة للقتال في أفغانستان. كان «أبو الليث» يعرف منذ أيام الجهاد الأفغاني عدداً من قادة المجاهدين، خصوصاً في غارديز (جنوب شرقي أفغانستان) حيث كان لـ «الجماعة المقاتلة» مواقع خاضت فيها معارك عنيفة ضد القوات الشيوعية. ومنذ ذلك الوقت بنى «أبو الليث» صداقات وثيقة مع مجاهدي تلك المنطقة، ولذلك فقد قرر أن يعود إلى تلك الجبال التي يعرفها معرفة جيّدة للالتحاق بـ «الجهاد» مجدداً هناك - هذه المرة ضد الأميركيين.

لم ينجح كثيرون آخرون من «الجهاديين» المنسحبين من أفغانستان في أن يسلكوا طريق «أبي الليث» ويعودوا للقتال في هذا البلد. بعضهم في الحقيقة لم يرد أن يعود، وبعضهم الآخر لم تُتح له فرصة العودة حتى ولو أراد ذلك. فمن هؤلاء من اعتُقل فور وصوله إلى باكستان، كابن الشيخ الليبي (أمير معسكر خلدن، اسمه الحقيقي علي محمد عبدالعزيز الفاخري) الذي سقط في قبضة أجهزة الأمن الباكستانية ضمن عشرات المنسحبين من تورا بورا، وقد سُلّم إلى الأميركيين بعد كشف هويته الحقيقية (سُلّم لاحقاً إلى ليبيا حيث «انتحر» في سجنه، كما أعلنت السلطات الليبية عام 2009). «أبو يحيى الليبي» (حسن قايد)، القيادي في «الجماعة المقاتلة»، اعتُقل في كراتشي ثم سُلّم إلى الأميركيين الذين نقلوه إلى قاعدة باغرام (وربما لو لم ينقله الأميركيون إلى هناك حيث تمكن من الفرار عام 2005 لما كان هذا الرجل قد عاد إلى أفغانستان وبات اليوم واحداً من أبرز منظّري «القاعدة» الشرعيين). «أمير المقاتلة» أبو عبدالله الصادق انسحب بدوره من تورا بورا إلى باكستان لكنه نجح في أن ينتقل من هناك – مع رفيقه المسؤول الشرعي في «المقاتلة» أبي منذر الساعدي – إلى إيران، ومنها لاحقاً إلى دول أخرى (الصين وتايلاند).

أبو مصعب الزرقاوي كان أيضاً واحداً من هؤلاء المنسحبين العرب من أفغانستان. لا يبدو أنه كان مقتنعاً بأن عليه البقاء لـ «الجهاد» هناك بعد الغزو الأميركي. فلو كان مقتنعاً فعلاً بأن القتال في أفغانستان فرض «جهادي» لكان الأولى به بالتالي أن يبقى هناك ويقاتل، مثلما فعلت «القاعدة» التي أعادت - بعد هزيمتها العسكرية - تموقعها في بلاد القبائل الباكستانية وبعض المناطق النائية في ولايات جنوب شرقي أفغانستان. لكن عين الزرقاوي كانت تبحث عن «جهاد» من نوع آخر. فهو ما ذهب إلى أفغانستان وبنى مجموعته الخاصة به هناك في أواخر التسعينات – معسكره الشهير في هرات وقاعدته في لوغر- سوى لأنه يريد القيام بعمل «جهادي» ضد الحكم الأردني. لم يذهب الزرقاوي إلى أفغانستان خلال حكم «طالبان» لأنه يريد أن يدافع عن هذه الحركة كي تبسط نفوذها على بقية البلد في مواجهة خصومها من «تحالف الشمال». لم يكن ذلك هدفه. ولذلك، فإن الزرقاوي سرعان ما انطلق بعد سقوط حكم «طالبان» يبحث عن مكان آمن آخر يبني فيه قواته لتنفيذ ما يطمح إليه في الأردن. وبما أنه كان على ارتباط وثيق بمجموعة من رفاقه الأردنيين والفلسطينيين الذين بنوا معسكراً لهم تحت عباءة تنظيم «أنصار الإسلام» في كردستان العراقية منذ التسعينات، فقد كان طبيعياً أن يلتحق بهم هناك. انتقل الزرقاوي إلى العراق وعينه، على الأرجح، منصبّة على بلده الأم الأردن، وليس لأنه كان يتوقع أن الأميركيين سيغزون في 2003 «بلاد الرافدين» بهدف إطاحة حكم الرئيس صدام حسين.

يقول الليبي بن عثمان الذي كان بحكم اتصالاته الواسعة مع «الجهاديين العرب» في أفغانستان على احتكاك وثيق مع أعضاء في مجموعة الزرقاوي، إن الأخير كانت لديه تحفظات شرعية عن بعض سياسات حركة «طالبان»، إذ كان يراها «متساهلة» في أمور عقائدية مرتبطة مثلاً بمسألة الولاء والبراء. ويوضح: «كانت لأبي مصعب بعض الملاحظات (على «طالبان) إنطلاقاً من قضايا التوحيد والولاء والبراء التي كان يعتبر أنها يجب أن تكون صافية تماماً لا تشوبها شائبة. بقي مع مجموعة تضم قرابة 80 شخصاً في لوغر– وقد تغديت معهم هناك في موقعهم الذي كان بيتاً قديماً لقلب الدين حكمتيار. أكثر من 99 في المئة من عناصر المجموعة كانوا أردنيين أو فلسطينيين. حافظ الزرقاوي على مجموعته الخاصة هذه في أفغانستان وتولى قيادتها. بعد سقوط نظام حركة «طالبان» انتقل إلى إيران ومنها إلى العراق وقطن في أحد أحياء بغداد، ولكن هدفه كان الأردن. لم يكن يعرف أن الأميركيين سيدخلون العراق عندما ذهب إلى هناك. ذهب أولاً إلى كردستان بحثاً عن مكان آمن تحضيراً لإعلان الجهاد في الأردن. هذا ليس تحليلاً بل هو مبني على معلومات مباشرة من مصادرها الأصلية. لقد ذهب معه إلى العراق بعض الناس الذين أعرفهم، وبينهم ليبيون. صمتت على هذه المعلومات والتقارير لفترة طويلة، ولكن اليوم لم يعد لها أهمية أمنية».

ويقول بن عثمان إن «القاعدة» نجحت في بناء أول فرع فعّال لها عندما تمكنت من استقطاب الزرقاوي. ويوضح: «خدم انضمامه القاعدة في شكل كبير، لكنه جاء عليها أيضاً بأمور سلبية. ففي الجانب الإيجابي أعطى الزرقاوي «القاعدة» ما كانت تسعى إليه: وجود قتالي عسكري في شكل يومي ضد المحتلين الأميركيين في منطقة عربية. سلّم الزرقاوي «القاعدة» جماعة جاهزة لم يبنوها هم. كانت لديه «جماعة التوحيد والجهاد» منذ أيام معسكر هرات، وهو سلّمهم هذه الجماعة جاهزة في الفلوجة عندما انضم إلى «القاعدة» عام 2004». ويتابع: «في المقابل، عندما حصل الانضمام إلى القاعدة هم أعطوه إسمهم، وهذا شكّل مصدر راحة لجماعة التوحيد والجهاد التي كانت تتصارع مع تنظيمات أخرى حتى داخل الفلوجة المحاصرة من الأميركيين. فقد كانت جماعة الزرقاوي تتجادل مع جماعات أخرى حول مسائل من قبيل: من قتل من؟ نحن أم أنتم؟ كانوا يتصارعون حول من يمسك بالمعركة في الشارع الفلاني أو الحي الفلاني. عندما انضم الزرقاوي إلى القاعدة خرج من هذه الدوامة، وصار جزءاً من معركة عالمية وليس جزءاً من صراع محلي ضد جماعة منافسة له. الانضمام وفّر له تفوّقاً على غيره من الجماعات المحلية».



«رئة الجهاديين»

قبل أن ينضم الزرقاوي إلى صفوف «القاعدة» كانت خلاياه قد نجحت في التمدد في أكثر من دولة في المشرق العربي، بما في ذلك سورية التي كانت «الرئة» الخارجية الأساسية التي يتنفس منها «الجهاديون» في العراق. فقد فرض تنظيم الزرقاوي منذ نهايات 2003 سيطرته على المعابر التي تسلكها «قوافل» المتطوعين المتدفقين عبر سورية للمشاركة في قتال الأميركيين. ويوضح بن عثمان في هذا الإطار: «كانت للحدود السورية - العراقية خمسة مداخل يسلكها المتطوعون. مهما كانت الجهة التي تُرسلك إلى العراق لا بد لك من أن تمر عبر هذه النقاط الخمس التي يسيطر عليها الزرقاوي. وقد ورثت القاعدة السيطرة على هذه المعابر بعد انضمامه إليها».

لكن «القاعدة» لم تتمكن أبداً من التحكّم في تصرفات الزرقاوي. وقد أظهرت الأيام مدى الصعوبات التي واجهتها «قيادة القاعدة» (التنظيم الأم) في وزيرستان الباكستانية في إقناع الزرقاوي بتعديل سياساته والخضوع لتوجيهات بن لادن وقادة تنظيمه. بعثت له قيادة «القاعدة» في أكثر من مناسبة برسائل تدعوه فيها إلى تعديل سياساته، مثل الذبح أمام الكاميرا والقتل العشوائي البشع الذي لا يفرّق في كثير من الأحيان بين مواطنين مدنيين عاديين وبين قوات الاحتلال. وعلى ما يبدو، لم يقتنع الزرقاوي أيضاً بالدعوات التي حضته على وقف هجماته ضد من يسميهم الشيعة «الروافض»، على رغم أن هذا العمل يكاد يشعل حرباً أهلية بين العراقيين أنفسهم، كما أنه يثير حنق الإيرانيين الذين يمسكون بعدد كبير من «ضيوفهم» من قادة «القاعدة» الذين فروا من أفغانستان في نهاية العام 2001. لكن الشكاوى ضد أمير فرع «القاعدة» في «بلاد الرافدين» بلغت درجة لم يعد يمكن تجاهلها عندما قرر فتح معركة ضد خصومه من العشائر السنّية التي كانت حاضناً أساسياً لـ «فصائل المقاومة» منذ اليوم الأول للغزو في 2003، وأيضاً عندما انخرط في قتال فصائل المقاومة الأخرى الرافضة الخضوع لإمارته وعلى رأسها «الجيش الإسلامي».

أرسلت «القاعدة» آنذاك رسائل عديدة إلى الزرقاوي تدعوه فيها إلى التعقّل. راسله مثلاً الدكتور أيمن الظواهري وأبو يحيي الليبي وعطية عبدالرحمن الليبي (الأخير وقّع الرسالة باسم «قيادة القاعدة في وزيرستان»). وعندما بلغت الأمور حداً لم يعد في الإمكان احتمالها قررت «قيادة القاعدة» أن ترسل عراقياً من أبرز قادتها الميدانيين – عبدالهادي العراقي – في محاولة لتسوية النزاعات قبل استفحالها. لكن عبدالهادي سقط من مكمن نصبه له الأميركيون في بلد شرق أوسطي قبل وصوله إلى العراق.

وفي هذا الإطار، يقول بن عثمان إن قيادة «القاعدة» تلقت شكاوى شديدة اللهجة من بعض مؤيديها في شأن تصرفات الزرقاوي. ويوضح أن بعض هذه الشكاوى مصدره «الجيش الإسلامي» الذي نقل إلى متعاطفين مع «القاعدة» في الخليج تفاصيل عن ممارسات منسوبة إلى الزرقاوي وقادة تنظيمه الميدانيين. ويشرح: «نقل الجيش الإسلامي اعتراضاته على تصرفات الزرقاوي إلى علماء وطلبة علم في دول الخليج، مثل السعودية والكويت. كان هناك في الحقيقة تأييد واسع في أوساط الجهاديين في الكويت لـ «الجهاد» في العراق، بحيث كان يتطوّع كثيرون من الشبان الكويتيين لتنفيذ عمليات تفجير في بلاد الرافدين. وما زاد الطين بلة أن أبا مصعب أصر على نقل المعركة إلى الأردن في عملية تفجير الفنادق في عمّان (تشرين الثاني/نوفمبر 2005) بحجة أنها تحوي مكاتب للمخابرات الأميركية. أوقعت التفجيرات عشرات القتلى المدنيين من المسلمين وأثارت استياء واسعاً في العالم العربي».

لم تمر شهور على عملية الفنادق حتى تمكن الأميركيون، في حزيران (يونيو) 2006 من قتل الزرقاوي نفسه في بعقوبة بعد معلومات ساهم الأردنيون، كما يُزعم، في توفيرها عنه.



انهيار «الجهاد» في العراق

لكن قبل مقتله كان الزرقاوي قد ساهم ببعض تصرفاته في ضرب أي مشروعية لشن «جهاد» ضد الأميركيين في العراق، حتى في أعين كثير من مناصريه. ذلك أن بعض الشبان الذين التحقوا بـ «الجهاد» في العراق وجدوا أنفسهم منخرطين في أحيان كثيرة في عمليات لا تستهدف الأميركيين بل أطياف من أبناء الشعب العراقي، خصوصاً الشيعة و»الجيش الإسلامي». ويقول بن عثمان إن بعض هؤلاء الجهاديين قد نجح في الفرار من العراق بعدما صار يجد نفسه في معمعة قتل عشوائي لا يمكنه أن يجد لها مبرراً وفق فهمه للشرع الإسلامي. ويوضح في هذا الإطار: «هناك شهود يتمتعون بالصحة والعافية والحرية عادوا إلى ليبيا الآن ويعرفون حقيقة ما حصل في العراق. بعضهم هرب من العراق إلى سورية حيث سلّم نفسه إلى السلطات هناك أو اتصل مباشرة بالسفارة الليبية طالباً إعادته إلى بلاده. وقد أفرجت ليبيا عن هؤلاء اليوم وعادوا إلى بيوتهم. بقوا في العراق 3 أو 4 سنوات، لكنهم قرروا ترك الجهاد هناك والعودة إلى ليبيا. يروون قصصاً عن تمردات حصلت خلال تنفيذ العمليات. فقد كان كثيرون من الشبان يعترضون على القتالات الداخلية، خصوصاً بعد دخول القاعدة في حرب ضد الجيش الإسلامي. صارت تحصل عمليات قتل دموية في ما بينهم، وصارت «القاعدة» تأخذ الشبان للقيام بعمليات من دون أن يعرف المشاركون فيها إلى أين يذهبون. وعندما كان بعضهم يسأل إلى أين نحن ذاهبون، يجيبه مسؤول العملية: لا تسأل حتى نصل إلى الميدان. كانوا يتحججون بالسرية، ولكن الحقيقة أن الهدف كان مرتبطاً بغياب عامل الثقة في أن الشباب سيوافقون على القيام بالعملية إذا ما عرفوا الهدف منها. بعض الليبيين وقعوا في مثل هذه المصيبة. أحدهم وجد نفسه يقاتل الجيش الاسلامي. رأى نفسه يقاتل أخوة يصلون ويكبّرون ويقاتلون الأميركيين. عندما كان ينتقد كان يُقال عنه إنك عميل أو خائن».

ومع غرق «جهاد القاعدة» في العراق في مستنقع الصراعات الداخلية مع بقية فصائل المقاومة واستفادة الأميركيين من ذلك لشن حملة واسعة لطرد «القاعدة» من معاقلها وتفكيك خلاياها، بدأ يُسجّل تراجع ملحوظ في اهتمام «قيادة القاعدة» – التنظيم «الأم» - بما يحصل في «بلاد الرافدين». لم يعد منظّرو التنظيم في وزيرستان يتحدثون سوى في النادر عما يحصل في العراق، وغالباً في إطار إصدار رثاء لقادة قُتلوا أو الإشادة بعمل ما نفّذته «دولة العراق الإسلامية» التي حلّت محل «القاعدة» إثر مقتل الزرقاوي آثار تفجير قامت به «القاعدة» في كربلاء. (رويترز).jpgفي 2006.

ولا شك أن قيادة «القاعدة» ستجد نفسها مضطرة – إن لم تكن قد فعلت ذلك بعد – إلى مراجعة وضع فرعها في العراق لمعرفة هل تسرّعت فعلاً في استنتاج أن «الجهاد» هناك بقيادة الزرقاوي قد «خرج من عنق الزجاجة» ولم يعد في الإمكان وقفه. وعلى رغم الانشقاق الأخير في «الجيش الإسلامي» وظهور قيادة في داخل العراق ترفض موقف قيادة الخارج المعادي لـ «القاعدة»، إلا أن الأوضاع حالياً في بلاد الرافدين تدل على أن تنظيم بن لادن قد أخطأ بلا شك في استنتاجاته في خصوص الأوضاع في هذا البلد. ذلك أن «قاعدة بلاد الرافدين» تعاني في شكل جليّ نزفاً كبيراً يُنذر بانهيار كامل إذا ما استمر على هذه الوتيرة من تساقط سريع للخلايا واحدة تلو الأخرى.

No comments: