Monday 12 April 2010

مسؤول أميركي لـ«الحياة»: فرع «القاعدة» المغاربي حالة شاذة

مسؤول أميركي لـ«الحياة»: فرع «القاعدة» المغاربي حالة شاذة

السبت, 10 أبريل 2010

لندن - كميل الطويل

Related Nodes:

100405.jpg

أكّد مسؤول أميركي أن بلاده لا تشارك مباشرة في جهود التصدي لـ «تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي» بل تقدّم مساعدات - تتضمن معلومات استخباراتية - لدول المنطقة في جهودها لمكافحة هذا التنظيم. وقال جيسون سمول، نائب مدير مكتب غرب افريقيا في وزارة الخارجية الأميركية، إنه بلاده تشعر بالقلق لاحتمال وجود تحالف بين فرع «القاعدة» المغاربي ومنظمات تهريب المخدرات، لكنه أقر بأنه لا يملك دليلاً جازماً على وجود مثل هذا التحالف. ورفض سمول، المسؤول عن موريتانيا ومالي والنيجر ونيجيريا في دول الساحل، دعوات أُطلقت أخيراً لتقسيم نيجيريا إلى دول متعددة.



وقال سمول في لقاء مع «الحياة» في لندن أمس إن فرع «القاعدة» المغاربي يمثّل تهديداً فعلياً لدول الساحل الأفريقي على رغم أن قيادته لا تزال متمركزة في الجزائر. وأوضح: «يجب أن ننظر إلى كيف تنظر دول المنطقة نفسها إلى تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي. إن أيديولوجية «القاعدة» وتكتيكاتها لا تشترك فيها الغالبية العظمى من شعوب المنطقة حيث ينشط هذا التنظيم الذي يمثّل في الواقع حالة شاذة وليس موضع ترحيب. وفي الواقع، هناك جهود تقوم بها دول المنطقة لاحتواء قدرة التنظيم على العمل، ونحن من جهتنا نأخذ نشاطات فرع «القاعدة» ببلاد المغرب الاسلامي في شكل جدي جداً، فقد خطف رهائن ونفّذ عمليات إرهابية».



وأقر بأن التنظيم في وضعه الحالي لا يمثّل تهديداً لحكومات المنطقة. وقال: «إذا نظرنا إلى رد فعل دول المنطقة نفسها فإننا نعرف أنها تأخذ التهديد الذي يمثّله التنظيم في شكل جدي. لكنني لم أسمع أحداً (من قادة المنطقة) يقول إن التنظيم يمثّل تهديداً للحكومات نفسها، غير أن الإرهاب يمثّل تهديداً لنا جميعاً، وعلى هذا الأساس فإننا نعمل في شراكة للتصدي لمثل هذا النوع من التهديدات».



وعن نوع المساعدة التي تعرضها الولايات المتحدة على هذه الدول، قال: «لدينا منذ عام 2005 برنامج «شراكات مكافحة الإرهاب عبر الصحراء» بقيمة 150 مليون دولار تقريباً سنوياً، وهو يتكوّن من عناصر عدة. إننا نعمل بالاشتراك مع دول المنطقة للتجاوب مع حاجاتها، ولا نأخذ دور القيادة في تحديد حاجات دول المنطقة في محاربة تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي. إن تحركاتنا إذاً هي لدعم جهود دول المنطقة. إن برنامج شراكات لمكافحة الإرهاب يتكون من عنصر تتولاه منظمة «يو أس أيد» (برنامج المساعدات الأميركي) التي تشرف على مشاريع عدة في دول المنطقة للترويج للأفكار غير العنفية والمعتدلة وعلى الترويج للتعليم. وندعم مشاريع أخرى هناك تعنى بالمصالحة. من الأمور التي تثير قلقنا وضع المناطق التي لا تخضع لسيطرة مباشرة من الحكومات، كشمال مالي مثلاً. هل يمكن تخيّل منطقة أكبر من ولاية تكساس الأميركية - إحدى أكبر الولايات في الولايات المتحدة - ليس فيها سوى القليل من التمثيل الحكومي؟ مثل هذا الأمر يمنح الجماعات (المسلحة) مساحة للعمل بحرية. ولذلك فإن علينا أن نعمل لتعزيز وجود حكم رشيد غير فاسد في تلك المناطق، وهذا الأمر يمثل مكوّناً أساسياً من مكوّنات عملنا. كما أن هناك جهوداً أخرى للتواصل مع سكان تلك المناطق من خلال برامج إذاعية. كذلك فإن هناك مكوّناً أساسياً يتمثّل في تدريب القوات المسلحة الأميركية للقوات المسلحة وقوات الأمن في بلدان الساحل. لدينا برامج في هذا المجال في مالي وموريتانيا ودول أخرى، ويتضمن هذا الأمر توفير أجهزة اتصالات ومشاركة في مجال تبادل المعلومات الاستخباراتية. كذلك فإننا نقدّم مساعدة في مجالات ضبط الحدود ومكافحة الجرائم المالية الإرهابية مثل ملاحقة مصادر تمويل تلك الجماعات. وهذا البرنامج طويل المدى وليس برنامجاً يقدم حلاً سريعاً».



وهل لديكم جنود على الأرض هناك؟ رد: «لدينا علاقة من جيش إلى جيش مع عدد من حكومات المنطقة، وهناك تعاون يجرى هناك ولكن إلى حد كبير في شكل تقديم النصح والمساعدة». وهل تشارك أميركا مباشرة في مكافحة «القاعدة» هناك؟ أجاب: «مثلما قلت، إن جهودنا هناك تنصب على مساعدة تلك الدول في جهودها. لم يطلبوا منا أي نوع محدد من عمل مباشر نقوم به. ودورنا يستمر في أن يكون دوراً مساعداً في تحقيق هدفنا المشترك في القضاء على القاعدة».



وهل لدى الولايات المتحدة أدلة قوية على المزاعم عن وجود علاقة بين فرع «القاعدة» المغاربي ومنظمات تهريب المخدرات؟ قال: «مشكلة المناطق التي تخضع لسيطرة حكومية هي أنه يمكن أن يحصل فيها الكثير من النشاط غير المشروع. وبالتأكيد فإن الاتجار بالمخدرات يمثّل أمراً مقلقاً لدول المنطقة والولايات المتحدة وأوروبا. ولذلك من الصعب القول ما إذا كان هناك تحالف بين «القاعدة» في بلاد المغرب وجماعات تهريب المخدرات. ولن أُفاجأ إذا كانت هذه العلاقة موجودة. لكن ما يكشفه لنا هذا الأمر هو أننا نواجه تحدياً متعدد الأوجه». وتابع: «ليس المهم إذا كان هناك علاقة أم لا بين «القاعدة» ومنظمات تهريب المخدرات. المهم هو أن نعمل للقضاء على هاتين المشكلتين».



وعن قضية دفع فديات لـ «القاعدة» لقاء الإفراج عن الرهائن، قال: «إن الخطف عمل مثير للاشمئزاز. كثيرون من الذين خُطفوا بقوا معتقلين لشهور، كما تعرض بعضهم للقتل. ولذلك فإن هذا الأمر يمثّل مصدر قلق كبير. إن سياسة الولايات المتحدة وسياسة دول أخرى هي عدم تقديم تنازلات (لخاطفي الرهائن). دول أخرى لا تشترك معنا في هذه النظرة. لذلك علينا أن نعمل معاً لتنسيق مواقفنا وسياساتنا».



وما رأي الولايات المتحدة بالدعوات التي أُطلقت أخيراً لتقسيم نيجيريا كحل للأزمات التي تعاني منها؟ أجاب: «إن أحد العوامل التي تشير إلى قوة نيجيريا هو أنها دولة متعددة الأديان والثقافات، فهي واحدة من عدد قليل من الدول التي ينقسم شعبها بالنصف تقريباً إلى مسلمين ومسيحيين. أن يكون موجوداً مثل هذا التنوع فإن ذلك يجب أن يكون موضع فخر وقوة للدولة النيجيرية التي تعاملت في الماضي بنجاح مع مثل هذه المسائل ولديها مؤسسات ديموقراطية قوية، الأمر الذي يدل على أنها لاعب استراتيجي في المنطقة».

Sunday 4 April 2010

نعمان بن عثمان: سيف الإسلام القذافي قاد الحوار وأقنع والده وأجهزة الأمن ... وبدّد الصعوبات

نعمان بن عثمان: سيف الإسلام القذافي قاد الحوار وأقنع والده وأجهزة الأمن ... وبدّد الصعوبات

الثلاثاء, 30 مارس 2010

لندن – كميل الطويل

يشعر الليبي نعمان بن عثمان بنشوة نصر ما. فقد تحقق له ما أراد. قبل ثلاث سنوات أبلغني أنه عائد إلى ليبيا التي غادرها في نهايات الثمانينات للمشاركة في «الجهاد الأفغاني» قبل أن ينخرط مع «الجماعة الإسلامية المقاتلة» في محاولة فاشلة لقلب نظام العقيد معمر القذافي. قال إنه عائد كي يساهم في حوار تنوي السلطات الليبية مباشرته مع قادة «المقاتلة» المسجونين، برعاية «مؤسسة القذافي للتنمية» التي يرأسها سيف الإسلام القذافي، نجل الزعيم الليبي. عندما كشفتُ خبر زيارته في «الحياة» والحوار بين قادة «المقاتلة» والسلطات، تعرّض بن عثمان لحملة انتقادات شديدة صدر معظمها من «اخوته» السابقين في جماعته. شكك كثيرون من هؤلاء في مدى صدقيته، قائلين إن قادة جماعتهم لا يمكن أن يوافقوا على مثل هذا الحوار مع نظام العقيد الليبي.



لكن الحوار كان حقيقياً. جلس قادة أجهزة الأمن الليبية وجهاً لوجه أمام ستة من قادة الجماعة المسجونين في أبو سليم بطرابلس. شارك في جلسات الحوار دائماً ممثلو سيف الإسلام، وكان يحضرها من حين إلى آخر وسيطان من خارج ليبيا: بن عثمان من لندن، والشيخ الليبي علي الصلابي من قطر.



مرّت جلسات الحوار بمشاكل عديدة. كلما تحقق تقدّم ما كانت تأتي تطورات تهدد بإضاعة كل شيء. لم تساعد «المقاتلة» نفسها أحياناً، خصوصاً عندما أعلن قادتها في أفغانستان انضمامهم إلى تنظيم «القاعدة» في عام 2008. لم تساعد أيضاً «الضبابية» التي كانت تميّز في أحيان كثيرة مواقف الحكم الليبي. فراعي الحوارات الوحيد كان سيف الإسلام القذافي، وهو على رغم نفوذه الواسع يبقى يمثّل شخصه فقط كونه لا يشغل منصباً رسمياً يسمح له بتمثيل الدولة. لكن سيف لم ييأس، وبدا في كل مرة يواجه الحوار مشكلة جديدة أكثر إصراراً على إنجاحه. وبعـدما حـقـق انجازاً كبيراً في الصيف الماضي من خلال السماح لقادة «المقاتلة» بإخراج مراجعاتهم التي أعدوها في السـجن وأعلنوا فيها نبذ العنف وسيلة لقلب الأنظمة العربية والإسلامية، تعرّض مـشـروعه كله لخطر الانـهيار في مطلع عام 2010. فقد أعلن والده العقيد القذافي أمام مؤتمر الشعب العام (البرلمان) معارضته الإفراج عن سـجـناء إسـلاميين بـرّأهـم القضاء ووصفهم بأنهم «زنادقة» مرتبطون بـ «القاعدة» وقد يشكّلون خطراً أمنياً على البلد إذا ما أُفرج عنهم. بدا المقصود بكلامه قادة «المقاتلة»، وأخذت التحليلات «تنعى» مشروع سيف الإسلام وتعتبر كلام والده بمثابة دق إسفين في نعش مبادرة الحوار برمتها، وهو امر لم يكن صحيحاً.



بعد شهرين من كلام القذافي الأب، دعا القذافي الإبن إلى مؤتمر في طرابلس حضره سفراء دول أجنبية كبرى، وشخصيات من خارج ليبيا بينها الصلابي وبن عثمان. جاء سيف الإسلام إلى المؤتمر ومعه ثلاثة من قادة «المقاتلة» هم أميرها عبدالحكيم الخويلدي بلحاج (أبو عبدالله الصادق) ونائبه خالد الشريف (أبو حازم) والمسؤول الشرعي سامي الساعدي (أبو المنذر). كذلك حضر كبار مسؤولي أجهزة الأمن التي شاركت في جلسات الحوارات المضنية على مدى السنوات الثلاث الماضية. أعلن نجل القذافي أن الثلاثة باتوا الآن أحراراً طلقاء وأن أكثر من 200 آخرين من السجناء الإسلاميين («مقاتلة» و «شبكات العراق» و «جهاديين» لا ينتمون إلى تنظيم معيّن) سيخرجون من أبو سليم فوراً، على أن يتم الإفراج عن بقية السجناء لاحقاً.



خرج السجناء وتم رسمياً طي ملف «المقاتلة» التي لم تعد موجودة بعدما وافق قادتها على حلّها. عاد بن عثمان إلى لندن وهو يشعر بلا شك بنوع من الزهو. فقد تحقق مشروعه.



«الحياة» التقت الأسبوع الماضي هذا القيادي السابق في «المقاتلة» وحاورته في شأن قصة الحوارات من بدايتها وإلى نهايتها «السعيدة».



> عندما بدأت الحوارات ألم تفكّر كيف أن العقيد معمر القذافي، المعروف بحزمه الشديد ضد خصومه، يمكن أن يوافق يوماً على الإفراج عمن تآمر على قتله من «المقاتلة»؟



- كنت مطمئناً أنه إذا اقتنع قائد الثورة فلن يتردد في الموافقة على الإفراج عنهم. فخلال المفاوضات (السرية) التي جرت بين ليبيا والغرب في خصوص تفكيك المشروع النووي الليبي (عام 2003) بدأ الطرفان يدرسان الخطوات العملية لطريقة تخلي ليبيا عن برنامجها لأسلحة الدمار. قدّم الغربيون مطالبهم للتأكد من أن ليبيا ستتخلى فعلاً عن كل برنامجها ولن تُخفي شيئاً منه، وقدّمت ليبيا مطالبها في المقابل (إعادة اندماجها في المجتمع الدولي ورفع العقوبات عنها). عند هذا الحد ذهب (مسؤول الاستخبارات الليبية) العميد عبدالله السنوسي إلى قائد الثورة وشرح له أين أصبحت المفاوضات، قائلاً إن عملية تخلي ليبيا عن برامجها أمر سهل، لكن الخوف الذي يتملك أجهزة الأمن والقيادات السياسية هي أن الزعيم الليبي نفسه هو من يستهدفه الغرب من خلال استنساخ التجربة التي حصلت في العراق، مشيراً إلى ما قام به الغرب مع الرئيس صدام حسين وكيف كان يتم تفتيش قصوره بحجة البحث عن أسلحة يخفيها فيها. ثم قال إن ليبيا مستعدة لخوض الحرب للدفاع عن زعيمها.



بعدما استمع (القذافي) إلى هذا التقييم، توجه بسؤال إلى العميد السنوسي. قال له: أين كنت عندما قامت الثورة في سنة 1969؟ هل كنت موجوداً هناك؟ فأجاب العميد عبدالله: بالطبع لا، لم أكن هناك. فتابع قائد الثورة: مثلما تدبّرت أمري في ليلة الثورة وتحملت مخاطرها، خصوصاً ما يتعلق بأمني الشخصي، فأنا قادر على أن أقوم بذلك مجدداً، فاذهب واهتم بشؤون الدولة واكمل هذا الموضوع (تفكيك برامج أسلحة الدمار) ودع عنك ما يتعلق بقضية معمر القذافي شخصياً. عندما علمت بذلك، ومن خلال تجربتي المتواضعة جداً، أيقنت أن شخصاًً من هذا النوع لن يتردد إطلاقاً - إذا ما اقتنع - في الموافقة على قرار بالإفراج عن قيادة «الجماعة المقاتلة» فضلاً عن أعضائها.



> وما الضمانات التي تم تلقيها للإفراج عن هؤلاء؟



- في الحـقـيقة، لم تـكن هـناك أيـة ضـمـامـات مـمـا هـو متعارف عـليه في الـغرب، بمعنى أن تـكون هـناك متابعـات مـعـيّنة علـى المـفرج عنهم أن يخضعوا لها. الشيء الوحيد الذي تم اعتماده هو تقييم الأجهزة الأمنية للأفراد الذين يُرشّحون للإفراج عنهم. بين الفترة والأخرى كان يتم ترشيح عدد من السجناء للإفراج عنهم والعودة للاندماج في المجتمع. كانت عملية التقييم تمر بمراحل عدة إلى أن تصل إلى مرحلتها النهائية التي تتطلب توقيع قائد الثورة كون القضايا مرتبطة بأمن الدولة. وقد يكون غريباً في مثل هذه الحالة أن الضمانة الوحيدة كانت عامل الثقة الذي تكوّن بين أجهزة الأمن والجماعة المقاتلة.



> وكيف تم الوصول إلى هذه الثقة؟



- يعود الفضل في ذلك بعد الله سبحانه وتعالى إلى الدكتور سيف الإسلام الذي فرض على جميع الأطراف المتناقضة المتناحرة أن تجلس وتتحاور لحل خلافاتها. وهكذا تم تغيير البيئة السابقة حيث كانت علاقة الأطراف بعضها ببعض علاقة تقاتل وتنافر. فدخلنا في مرحلة تعارف، ثم حوار، ثم بداية البحث عن قواسم مشتركة. ولعل أعلى درجات الثقة التي وصلنا إليها لا تتمثل بمجرد إطلاق السجناء بل بما حصل في أثناء الحوارات نفسها عندما وافق جهاز الأمن الداخلي وإدارة سجن بو سليم العسكري على إجراء ترتيبات في داخل السجن من خلال نقل سجناء من مكان إلى آخر والسماح لجميع أعضاء «الجماعة المقاتلة»، قيادة وأفراداً، بهامش لم يكن موجوداً في السابق من الحرية واللقاء ببعضهم بعضاً والتحاور. وقد مكّن هذا الإجراء قيادة الجماعة في السجن من استعادة قدرتها وقيادتها (على عناصرها). وهذا الأمر لم يتم الوصول إليه بسهولة لأنه قوبل برفض فوري وصارم عندما طُرح للمرة الأولى. ومن حق أجهزة الأمن أن تأخذ مثل هذا الموقف لأنه يضع أمن السجن في حال الخطر.



> لماذا السماح للسجناء بلقاء بعضهم يمثّل تهديداً؟



- المهندس صبري حليل مقدّم في جهاز الأمن الداخلي، وهو شخص يحظى باحترام في هذا الجهاز وكان، بالمناسبة، زميلاً لأبي منذر الساعدي في كلية الهندسة في أيام الدراسة الجامعية. جئت إلى مكتبه في إدارة جهاز مكافحة الزندقة وبدأت أشرح له أهمية موافقته على القيام ببعض الترتيبات في السجن والتي يطلبها قادة «المقاتلة» كي يتمكنوا من محاورة أعضاء جماعتهم. بعد أن أنهيت حديثي، ضحك «الحاج صبري» وقال: أخي نعمان، أنت محق ولا يوجد تحفظ على كلامك، والإجراء قد يساهم فعلاً في إنجاح الحوار. لكنني شخصياً إذا ما اقتنعت بتلبيته فسأعتبر نفسي مجنوناً وعليّ أن أقدم استقالتي من جهاز الأمن الداخلي. فقلت له: ما هذا التناقض؟ فرد: لأنني جالس على هذا الكرسي (إدارة جهاز مكافحة الزندقة) لا أستطيع أن اقتنع بكلامك، فسأكون أضع أمن السجن كله في خطر إذا مكّنت (سجناء) «المقاتلة» من الجلوس في قاعة واحدة مع بعضهم بعضاً بالطريقة التي تطلبونها. بعد ذلك، تم الاستنجاد بشخصيات أمنية كبيرة في الدولة وكذلك بالدكتور سيف الإسلام إلى أن اقتنع جهاز الأمن الداخلي وإدارة السجن بالسماح للسجناء بأن يكونوا مع بعضهم، وقد حصل ذلك بدءاً من نيسان (إبريل) 2009.



> كان الدكتور علي الصلابي شخصية أساسية في كل جلسات الحوار التي جرت. فما علاقته بـ «المقاتلة»؟



- في الحقيقة، التقيت الدكتور علي الصلابي للمرة الأولى في الحرم النبوي عندما كان يُعرف بـ «أبي جندل» وكان طالباً في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة. لم يكن الشيخ الصلابي في يوم من الأيام مؤيداً لأي عمل عنيف أو مسلح، ولم ينتم إلى أي تيار جهادي منذ انخراطه في مجال الدعوة الإسلامية. لكن مشاركته في جلسات الحوار كانت بالغة الأهمية، وهو طوّر فيها منظومة أسلحة غير قابلة للمصادرة وكانت تتكون من حوالى خمس أو ست آيات قرآنية هي مجتمعة بمثابة منظومة صاروخية بعضها هجومي بعيد المدى وبعضها دفاعي قصير المدى. وقد انتبه مسؤول أمني بارز إلى هذه الاستراتيجية وعلّق عليها خلال الحوارات. أقول ذلك لأن مرحلة الحوار مرّت بمراحل كثيرة من اليأس والإحباط والهم والغم والحزن، وكنت حريصاً مع أخي الشيخ الصلابي على أن لا نُظهر ذلك للناس. والآن أستطيع أن أقول كم كان الشيخ الصلابي يتألم (عندما يتعرقل الحوار). في أحد الأيام خرجنا من السجن بعد انتهاء إحدى جلسات الحوارات وصرنا نمشي في شوارع طرابلس لزمن طويل – ننتظر صلاة العصر - وكنا نتبادل الأحزان والهموم بسبب الكم الكبير من الصعوبات التي واجهت الحوارات آنذاك. ولولا وجوده في الحوارات لكان مصيرها اقرب الى الفشل منه الى النجاح، في اعتقادي.



> وكيف تم تجاوز ذلك الإحباط؟



- عندما وصلت الأمور إلى مرحلة ظهرت فيها عراقيل كثيرة وتضارب واسع في المصالح بين الأطراف المنخرطة في الحوارات، وجدت أنه لم يبق أمامي سوى أن استوضح الأمر من قائد الثورة شخصياً كي أعرف رأيه في مسألة الحوار مع «المقاتلة». فأرسلت إليه تساؤلاً لأعرف هل لديه اعتراض على الحوار، لأنه إذا كان هذا هو الحال فإنني مستعد أن أعلّق الملف وأعود من حيث أتيت، وسأحترم قراره. فجاءني الرد بعد أسبوع بأن القائد يبارك هذا الحوار ويراقبه، وإذا وصل إلى نتائج إيجابية وفق ما تتطلع إليه الدولة الليبية وما ترغب فيه فإن القائد لا يمانع. فعرفت أن هذا الأمر لن يستطيع أحد أو يوقفه. الشخص الذي سألته نقل الرسالة وجاء برد عليها كان العقيد عبدالله منصور الذي لا بد من أن أشكره هو والعميد عبدالله السنوسي وغيرهم من المسؤولين الأمنيين الذين ساهموا في إنجاح الحوارات.



> ما هي الفروق الأساسية بين تجربتي ليبيا والمملكة العربية السعودية في مجال التعاطي مع ملف الإسلاميين الذين يعتمدون العنف؟



- لقد لاحظت للأسف في الشهور الأخيرة أن هناك من يضع التجربتين السعودية والليبية في مقام المنافسة وليس في موضع التكامل، وهذا خطأ. التجربة الليبية تُقدّم نموذجاً متكاملاً للحوار مع الجماعة، قيادة وأفراداً. نجحت التجربة الليبية من خلال الحوار مع ستة أعضاء فقط من مجلس الشورى استطاعوا أن يُنجزوا المهمة وحدهم (أصدروا المراجعات التي تحمل اسم «الدراسات التصحيحية»). وهذا نموذج مهم لدرس حالات التحاور مع قيادة جماعة مكوّنة من عدد من الأشخاص وكيف يؤدي هذا التحاور بالتتابع إلى تحقيق إنجاز مع مئات من أفرادها.



النموذج السعودي، في المقابل، يتعامل مع حالة مختلفة تماماً. فقد واجه النموذج السعودي أفراداً مندفعين إلى العمل المسلح ولكن قيادتهم غير موجودة في المملكة العربية السعودية بل في أفغانستان. ومما يجعل الأمر أكثر تعقيداً أن هذه القيادة ليست سعودية فقط، فهي تشكيل من جنسيات عدة. اعتمدت الجهات المعنية المسؤولة في السعودية أسلوب مناصحة وإعادة تأهيل يستهدف الفرد لتجاوز عقبة عدم وجود جماعة. وقد خرّج هذا البرنامج حتى اليوم أكثر من 900 شخص ولا يزال تحت التأهيل أربعة آلاف، ونسبة الخطأ في البرنامج حالياً تقدر بقرابة 10 في المئة، وغالبيتهم ممن عادوا من غوانتانامو. وأقصد بذلك (نسبة الخطأ) من يعود إلى ممارسة العنف بعد أن يكون قد تعهد بالتخلي عن ذلك. إذن نحن أمام تجربتين ترعرعتا في بيئة إسلامية عربية تُكمل إحداهما الأخرى.



> وماذا تقول «الدراسات التصحيحية» لمن يريد حمل السلاح ضد نظام بلاده؟



- كانت الدراسات واضحة في عدم جواز حمل السلاح لقلب الأنظمة العربية، لكنها استثنت البلدان التي تقع تحت احتلال أجنبي.



> عندما يكون احتلال يجوز الجهاد إذن؟



- سُئل «أبو المنذر الساعدي» في نهاية المؤتمر الصحافي (الذي عقده سيف الإسلام لإعلان طي ملف «المقاتلة») حول رأيه في الذهاب إلى العراق ورسالته الى الشباب المندفع للقتال هناك، فرد بأنه يوجّه رسالة إلى القوات الأميركية كي تنسحب أولاً من العراق، ثم قال إنه ينصح جميع الشباب الليبي بالتريث وعدم الاستعجعال لأن هناك نوعاً من «الغبش» حول هوية ونوع القتال الدائر في العراق الآن لأنه قد يكون أشبه بالحرب الأهلية منه إلى الجهاد. هذا الجواب يوضح كيف تفكّر قيادة «الجماعة المقاتلة» في الموضوع وكيف أنها تفرّق بين القيام لقلب الأنظمة في العالم الإسلامي وبين الخروج لمقاومة الاحتلال.



> كان سيف الإسلام القذافي الشخصية الرئيسية التي أنجحت الحوارات، أليس كذلك؟



- كان الدكتور سيف الإسلام متواضعاً جداً في مؤتمره الصحافي عندما قال انه لم يلعب أي دور، فهو يعلم دوره ونحن نعلم أن هذا الكلام لا يعكس الواقع أبداً. كانت هناك عقبات متكررة لم يستطع أحد أن يتجاوزها سوى سيف الإسلام. كان الحوار يتوقف أحياناً شهرين أو ثلاثة بسبب عقبات حقيقية، ولا تعود الأمور إلى مجراها سوى بعد تدخله. وإذا سألت الإخوة في السجن – قيادة المقاتلة وبقية المساجين – فإنهم جميعهم شاركوا في الحوارات بضمانة واحدة فقط وهي معرفتهم بأن سيف الإسلام هو صاحب المبادرة والضامن لها. وكان واضحاً أنه لن يسمح للمبادرة بأن تنهار.



> وكيف استطاع أن يُقنع والده بها؟



- أعتقد أن هناك ثقة واضحة جداً من القائد بسيف الإسلام، كما أنه كان هناك جنود أوفياء لم يظهروا في الصورة علناً وساهموا كثيراً في تذليل العقبات التي كانت تنشأ أحياناً بسبب سوء فهم بين سيف الإسلام ووالده.



> وما هو مصير سجناء «المقاتلة» الذين خرجوا من السجن؟



- أعتقد أن هناك وعياً من الدكتور سيف الإسلام لمسألة ما بعد استعادة هؤلاء حريتهم. ما فهمته، وقد أكون مخطئاً، أن وجهة نظر الدكتور سيف أن هناك من سيتم دمجه في المجتمع من خلال إيجاد فرص عمل له أو منحه مسكناً ومنحاً مالية وغير ذلك من المساعدات التي تقدم لإنسان غاب فترة عن مجتمعه. وتنتهي الأمور عند هذا الحد. لكن هناك أشخاصاً، وهم قلة مقارنة بمجمل السجناء الذين أفرج عنهم، أعتقد أن سيف الإسلام يؤمن بأن من مصلحة الوطن أن لا يقتصر الأمر على دمجهم في المجتمع بل أيضاً الاستفادة من خبراتهم ومهاراتهم بشرط انتفاء المانع الأمني لذلك. وليس بالضرورة أن يكون ما ذكرته الآن أو ما أتصور انها رؤية الدكتور سيف للموضوع هو أيضاً وجهة نظر الدولة الليبية.



> وما هو موقف قيادات «المقاتلة» في الخارج مما حصل؟



- لم تعد هناك جماعة حتى نقول أن هناك قيادة، وهذا الأمر كان معروفاً لقيادة «المقاتلة» منذ بدأ الحوار. فنظام الجماهيرية لا يسمح بوجود جماعات أو أحزاب في ليبيا، وهذا الأمر ليس خاصاً فقط بـ «المقاتلة». الإخوة تقبلوا هذا الأمر، لذلك فإن الجماعة بصيغتها المعروفة لم تعد موجودة. أما الإخوة الموجودون في الخارج فقد أيّدوا القيادة في ما قامت به وتقبلوا «الدراسات التصحيحية» وهم في كامل حريتهم، مع تأكيد بعضهم أنه لا يزال لديه موقف سلبي تجاه الدولة الليبية كنظام سياسي.



ويبقى هناك الإخوة الموجودون في أفغانستان، وأعتقد أن من غير المعقول أن يتم التعامل معهم ضمن إطار «الجماعة المقاتلة» لأنهم الآن أعضاء ضمن تنظيم «القاعدة» ومواقفهم تعبّر عن هذا التنظيم. وهذا خيارهم الشخصي وهم أحرار فيه لكنهم لا يمثّلون «المقاتلة».

أبو صهيب الليبي لـ«الحياة»: «المقاتلة» ليست جزءاً من «القاعدة»... ونؤيد الحوار مع الحكم

THIS WAS AN ARTICLE/INTERVIEW PUBLISHED LAST AUGUST. CAMILLE

 أبو صهيب الليبي لـ«الحياة»: «المقاتلة» ليست جزءاً من «القاعدة»... ونؤيد الحوار مع الحكم


الجمعة, 07 أغسطس 2009

لندن – كميل الطويل

أوضح قيادي في «الجماعة الإسلامية المقاتلة» الليبية أن هذه الجماعة ليست جزءاً من تنظيم «القاعدة». وأكد «أبو صهيب الليبي»، عضو اللجنة الشرعية في «المقاتلة»، في مقابلة مع «الحياة» في لندن، صحة البيان الذي صدر عن قيادات «المقاتلة» في بريطانيا الشهر الماضي والذي تضمن تأييداً للحوارات الجارية بين قادة الجماعة المسجونين والحكم الليبي. وقال إن رسالة أمير الجماعة أبو عبدالله الصادق تُعد دليلاً على أن الحوارات تُجرى من دون اكراه ونتيجة قناعات القادة المسجونين.



وفي ما يأتي نص المقابلة:



> ما هي علاقتك بالجماعة الإسلامية المقاتلة؟



- أبو صهيب الليبي خريج قسم الجيولوجيا في كلية العلوم في جامعة قار يونس في بنغازي. غادر ليبيا عام 1991 متوجهاً الى السعودية حيث درس في كلية الشريعة في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة. وهو يعد من أعضاء اللجنة الشرعية في الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة، وتعتبره الأجهزة الأمنية من قيادات الجماعة المقاتلة في بريطانيا.



> ما خلفية صدور البيان الأخير عن أعضاء الجماعة المقاتلة في بريطانيا: تقولون إن البيان صدر بناء على رغبة قيادة الجماعة في ليبيا. من هم هؤلاء القادة ولماذا يصدر موقفكم الآن بعد أكثر من سنتين على بدء الحوارات في السجن في طرابلس؟ هل هذا يعني ان الحوارات بلغت مرحلة مهمة تتطلب صدور موقف منكم يؤيد ما تقوم به القيادة؟



- المقصود بقيادة الجماعة أميرها أبو عبدالله الصادق، والمسؤول الشرعي الشيخ أبو المنذر الساعدي، وبقية أعضاء مجلس شورى الجماعة المعتقلين في سجن أبو سليم في طرابلس. أما سبب تأخير البيان فهو حالة الشك وعدم التصديق التي غلبت على الكثير من المتابعين للحوار الداخلي، إضافة الى ندرة المصادر الموثوقة لنقل الصورة كما هي، ثم شيئاً فشيئاً وبعد بدء ورود المعلومات من بعض المصادر الموثوقة بدأت الصورة تتضح تدريجاً، حتى جاءت رسالة أمير الجماعة بخط يده فيصلاً في ذلك، مما أكد لنا صدقية هذا الحوار وأنه تم برضا قيادة الجماعة وأنه قد بلغ مرحلة متقدمة، ما تطلب منا إبداء موقفنا نزولاً عند رغبة قيادة الجماعة.



> ورد في البيان انكم مع الحوار إذا أدى الى فك اسر السجناء وإتاحة الفرصة للعمل الدعوي وغيرها من المصالح، هل تعتبرون تحقيق ذلك شرطاً لتأييد الحوار بمعنى أنكم مع النتائج ولستم مع الحوار؟



- هذه مطالب منطقية ومشروعة وليست شروطاً، فإذا كان النظام يريد تجاوز المرحلة الماضية فيجب إتاحة الفرصة للناس للعمل الدعوي والسياسي والنشاط الشرعي، كما أن تجاوز المرحلة الماضية يقتضي على الأقل فك اسر السجناء ولمّ شمل عائلات هؤلاء الاخوة، وتعويض المتضررين منهم، وإشاعة الأمن والعدل، ورد الحقوق الى أصحابها، في كل القضايا وعلى رأسها قضية مجزرة سجن أبو سليم التي راح ضحيتها ما يزيد على 1200 شهيد من أبناء التيار الإسلامي ومن ضمنهم الكثير من أبناء الجماعة المقاتلة، ومحاكمة المسؤولين عن هذه الجريمة النكراء، وضمان ألا تحدث انتهاكات جديدة تمس أياً كان في المستقبل، باختصار شديد هذه أرضية الحوار التي ينبغي أن ينطلق منها.



> ورد في البــيان أيضاً «انكم تحــتفظون بحقكم في معارضة النظام ما لم يتراجع عن سياساته الســابقة التي أدت الى التأزم والانــسداد». هل يعنى ذلك عودة الجماعة الى العمل العسكري ضد النظام في حال عدم تحقيق الحوار للــنتائج التي تريدونها؟



- أوقفت الجماعة العمل العسكري عام 2000 بناء على دراسة ومراجعة لخطة الجماعة وتقدير إمكانات النجاح والإخفاق، وهذا القرار سبق تسليم قيادة الجماعة للنظام الليبي بخمس سنوات، فهو نتيجة تقدير للأمور وليس نتيجة فعل ورد فعل. وقد أشرنا في البيان الى أن العمل العسكري لم يحقق أهداف الجماعة بكل صراحة ووضوح تامين، والجماعة لن تقوم بعمليات لمجرد إثبات الوجود أو لإرضاء الأنصار والمتعاطفين معها أو غير ذلك، لكننا نحتفظ بحقنا السلمي في معارضة النظام ما لم نرَ تغييراً حقيقياً في سياساته.



> هل البيان الذي صدر أخيراً كان محصلة آراء أعضاء الجماعة وقادتها في الخارج، وهل يمكنكم الجزم بأن ليس هناك معارضة فعلية لذلك؟



- نعم لقد تمت استشارة الاخوة المعنيين في هذا البيان وأستطيع الجزم – بحسب علمي - أنه لم تكن هناك معارضة للبيان، وقد صدر البيان بصورة جماعية ولاقى استحساناً وتأييداً من الجميع سواء في بريطانيا أو في غيرها.



> ما موقفكم من المراجعات الفقهية التي يقوم بها القادة المسجونون: هل أنتم مستعدون لتأييدها إذا صدرت عن القادة السجناء وأكدت عدم جواز تكفير الحكم الليبي أو قتاله؟ وما هو موقفكم من الحكم في ليبيا، وعلى أي أساس كنتم تقاتلونه في السابق (هناك من يأخذ عليكم مثلاً أنكم لم توقفوا قتال الحكم الليبي إلا بعدما فشلتم في ذلك، أي أنكم توقفتم عن عجز وليس عن اقتناع بأن النظام ليس مرتداً).



- دعني أؤكد لك ابتداءً مسائل مهمة في منهج الجماعة المقاتلة، أولاً معتقد الجماعة المقاتلة في مسألة تكفير المعين هو عقيدة أهل السنّة والجماعة، وهي بريئة مما يخالف ذلك سواء نسب الى الجماعة أو الى غيرها، وقد ردت الجماعة سابقاً على مسألة تكفير أعيان او أفراد الحكومات والأنظمة بكتاب «نظرات في الإجماع القطعي» وأوضحت أن ادعاء الإجماع في كفر المعين استدلالاً بفعل الصحابة في قتال مانعي الزكاة باطل شرعاً.



ثانياً: الجماعة ترفض استهداف المدنيين، أو إفساد المال العام كحرق المدارس والمراكز وغيرها، وهي رفضت أساليب التفجيرات التي لا يمكن التنبؤ بدائرة تأثيرها لما قد يلحق بالناس غير المستهدفين من أضرار، وحتى في مسألة مواجهة النظام عسكرياً وجدوى ذلك تعتقد الجماعة أن الأمر منوط بالقدرة، والنظر في المآل، والجدوى من العمل وليس المقصود القتال لمجرد القتال وإنما لتحقيق مصالح الأمة من ذلك، ولهذا أعلنت الجماعة - كما أشرت سابقاً - في عام 2000 وقف أي أعمال عسكرية في ليبيا لعدم الجدوى، أما غير ذلك من مسائل فننتظر حتى نرى ما يصدر حولها.



> ما هي معلوماتكم عن الحوارات القائمة بين القادة المسجونين والسلطات الليبية: هل القادة مكرهون على ما يقومون به، أم أنهم مقتنعون بما يقومون به؟



- أعتقد أن رسالة أمير الجماعة بخط يده تعد اشارة قوية الى اقتناعهم بما يقومون به، ومعلوماتنا تشير الى أنه أتيح لقيادة الجماعة الاجتماع بالأعضاء في داخل السجون، وتدارس الأمر بتمعن، وكما تعلم فقد استغرق هذا الأمر أكثر من سنتين، وقد بلغنا أن قيادة الجماعة في طور الانتهاء من كتاب يعبّر عن آرائها الفكرية والشرعية في القضايا المهمة مثل مسألة التكفير، وحكم الأعمال المسلحة في بلاد المسلمين وفي بلاد الغرب، وقضايا استحلال المال العام، وغيرها من القضايا التي هي محل الأخذ والرد، ويفترض أن يكون الكتاب جاهزاً في القريب، وسيعرض على مجموعة من العلماء والمشايخ داخل ليبيا وخارجها.



> حمل البيان نقطتين جوهريتين عن علاقة الجماعة المقاتلة بتنظيم «القاعدة». هل يمكن أن تقدّم شرحاً للعلاقة بين الطرفين منذ البدء وحتى اليوم: كيف كانت علاقتكم بأسامة بن لادن عندما كان في السودان في منتصف التسعينات من القرن الماضي، وماذا كان موقفكم من إعلان بن لادن إنشاء «الجبهة الإسلامية العالمية» عام 1998، وماذا كان موقفكم من هجمات 11 أيلول (سبتمبر)، وما هي ملابسات إعلان أبو الليث الليبي الانضمام الى «القاعدة»؟



- ابتداء يعلم الجميع وعلى رأسهم أجهزة المخابرات المختلفة أن لا علاقة تنظيمية للجماعة المقاتلة بغيرها من التنظيمات سواء في السودان أو في أفغانستان أو في غيرها، وقد تميزت الجماعة باستقلالية تامة يشهد عليها الجميع، وقد رفضت وبإجماع قيادتها الانضمام الى الجبهة العالمية التي تكونت من تنظيم «القاعدة» وبعض الجماعات المتحالفة معه، وكما ذكرت أنت في كتابك «القاعدة وأخواتها»، فإن موقف الجماعة المقاتلة كان الأكثر وضوحاً منذ البداية.



أما أحداث أيلول (سبتمبر) فالجماعة لم تستشر في ذلك ولم يكن لها أي دور فيها إطلاقاً، بل عندما اعتقل الأميركيون أمير الجماعة أبو عبدالله الصادق والشيخ أبو المنذر الساعدي عام 2004 وتم التحقيق معهما حول ذلك، أقر الأميركيون بأن لا علاقة لهما أو للجماعة بتلك الأحداث، ومع ذلك تم تسليمهما الى النظام الليبي.



أما ما يخص إعلان الشيخ أبو الليث الليبى - رحمه الله - الانضمام الى القاعدة، فنحن نؤكد أنه اذا فهم من كلامه الانضمام الى القاعدة فهو انضمام فردي وليس انضماماً كاملاً الى الجماعة، وهو الأمر الذي أكده الدكتور أيمن الظواهري عندما سئل عن ذلك في لقاء عبر الانترنت حيث ذكر أنه لم يقل إن الجماعة المقاتلة انضمت الى تنظيم «القاعدة»، وهذا التصريح من الدكتور الظواهري يسقط دعوى انضمام الجماعة الى القاعدة بالكامل.



وقد ذكرنا أن إعلان الانضمام الى القاعدة من طرف أبو الليث يعد - على فرض أن ذلك مراده - مخالفاً للائحة الأساسية للجماعة التي تشترط موافقة معظم أعضاء مجلس الشورى في مثل هذه القرارات المصيرية، والأخ أبو الليث يعلم ذلك تمام العلم ولا نعلم عن الظروف التي جعلته يتجاوز تلك اللائحة.



أما العلاقة بالفرع المغاربي للقاعدة - كما ذكرت - فأؤكد لك مرة أخرى أن الجماعة المقاتلة تنظيم ليبي ليس له أي ارتباطات مع جماعات أخرى، سواء تنظيم «القاعدة» في أفغانستان أو فرعها في الجزائر أو غيرها.



> هل يمكن القول إن جزءاً فقط من المقاتلة انضم إلى «القاعدة» وهو الجزء الذي يضم عناصرها في أفغانستان وباكستان وإيران؟



- أتصور أن مرد سؤالك يرجع الى إعلان الشيخ أبو الليث انضمام الجماعة المقاتلة الى «القاعدة» وقد بينت لك سابقاً خلفية هذا الإعلان. وبحسب علمي أن أحداً غيره لم يعلن انضمامه الى القاعدة.



وهناك أمر في غاية الأهمية، وهو أن المعلومات المتوافرة لدى هؤلاء الاخوة عما يجري في السجن من حوارات وما قد يتبع ذلك من نتائج قد لا تكون كما هي عندنا نظراً للظروف الأمنية الخاصة بهم... وبحسب تقديري، فإن اطلاعهم على هذه المعلومات سيكون له الأثر الكبير في تحديد موقفهم من الحوار.



> تشكون من أن حكومات غربية وصمت الجماعة المقاتلة بالإرهاب. أعتقد أنكم تقصدون تحديداً بريطانيا التي حظّرت الجماعة واعتبرتها إرهابية وحاولت ترحيل الكثير من عناصرها إلى ليبيا. ألا تعتقد أن العلاقة بين «المقاتلة» و «القاعدة» متداخلة في شكل لا يسمح لبريطانيا أو لغيرها من الدول بأن تلاحظ أن هناك فروقاً بين الطرفين، خصوصاً عندما يُعلن أبو الليث مثلاً الانضمام إلى «القاعدة» ولا يصدر نفي لذلك طوال عامين تقريباً؟



- ابتداء، أريد أن أبين تعريف الإرهاب في القانون البريطاني الذي صدر عام 2000 حيث نص على أنه «أي عمل استُخدم فيه العنف كوسيلة للتغيير سواء كان في بريطانيا أم في خارجها». وهذا تدخل فيه محاولة تغيير الأنظمة الديكتاتورية من طريق استخدام القوة.



أما ما يتعلق بوضع اسم الجماعة في قائمة الإرهاب فكلامك يكون له وجه إذا تم إدراج الجماعة في اللائحة بعد أحداث 11 أيلول 2001 أو حتى بعد إعلان الشيخ أبو الليث الانضمام الى تنظيم «القاعدة» في 3/11/2007 لوجود شبهة التداخل التي ذكرتَ وعدم المقدرة على التفريق بينهما... ولكن تم إدراج اسم الجماعة المقاتلة في هذه القائمة بتاريخ 18/10/2005، أي بعد اكثر من أربع سنوات من أحداث أيلول وقبل اعلان الاخ أبو الليث الانضمام الى القاعدة وبعد أكثر من عام على تسليم قيادة الجماعة من طرف الأميركيين الى النظام الليبي، وهذا يؤكد عدم وجود أي إشكالية في التمييز بين الجماعتين عند من يعتقد ذلك.



اعتقد بأن هناك أسباباً وعوامل سياسية أخرى كان لها الأثر الأكبر وراء إدراج اسم الجماعة في قائمة الحركات الإرهابية لعل من أهمها أحداث لندن بتاريخ 7/7/2005 وما ترتب عليها من تغير سياسة الحكومة البريطانية تجاه الجماعات الإسلامية الموجودة على الساحة، كما صرح وقتها رئيس الوزراء البريطاني توني يلير بأن قواعد اللعبة قد تغيرت.



إضافة الى التحسن الكبير الذي طرأ على العلاقات الليبية - البريطانية، ولا أدري هل كان هناك تعمد في إدراج اسم الجماعة في قوائم الإرهاب في اليوم والشهر ذاتهما اللذين أعلنت فيهما الجماعة عن ظهورها في 18 تشرين الأول (أكتوبر) 1995 وبعد عشر سنوات من عمر الجماعة.



> صدر أخيراً بيان من جهاز الأمن الخارجي الليبي بتاريخ 16/07/2009 يدعو المعارضين للنظام للعودة الى ليبيا، فما موقفكم من ذلك؟



- في الحقيقة لا أستغرب صدور مثل هذا البيان الاستفزازي باعتبار أنه الأسلوب السابق ذاته الذي عهدناه عن الأجهزة الأمنية واللجان الثورية طوال قرابة الأربعين سنة، والواقع أن النظام لم يأت بجديد في ما يخص عودة المعارضين الى البلاد، فقد سبق أن شكل وزارة للمغتربين، وأعطت مؤسسة سيف الإسلام (القذافي) وعوداً بسلامة من يرجع، لكنني أعلم عن بعض الحالات ممن رجع من طريق المؤسسة ولا يزال يقبع في السجن الى يومنا هذا، وحتى من يفكر بالرجوع والاستقرار في وطنه سواء لأسباب عائلية أو لغيرها من الأسباب يعلم علم اليقين أن لا ضمانات لأمنه الشخصي أو الأسري نتيجة أن البلد تدار بالكامل بالعقلية الأمنية، وقد يجد نفسه معتقلاً من دون سابق إنذار عند وقوع أي حدث في البلاد.



والأمر الآخر الذي يلاحظه كل من يقرأ بيان الأمن الخارجي هو أن ملف عودة المعارضين الليبيين كان من اختصاص مؤسسة سيف الإسلام لحقوق الإنسان، فانتقال هذا الملف الى جهاز الأمن الخارجي يؤكد ما قلته سابقاً من أن البلاد ما زالت تدار بالعقلية الأمنية.