Thursday, 3 January 2008

Al-Jazeera interv on zakeria musawi مقابلة الجزيرة عن كتاب عن زكريا موسوي






زكريا موسوي.. صناعة إرهابي

مقدم الحلقة:
خالد الحروب
ضيوف الحلقة:
كميل الطويل: الكاتب الصحفي في صحيفة الحياة
رفيق عبد السلام: باحث في الفكر السياسي
تاريخ الحلقة:
12/08/2003

- الظروف الاجتماعية القاسية التي مر بها زكريا الموسوي
- أثر العنصرية التي لاقاها زكريا في الأحياء الفرنسية في تكوين شخصيته
- البحث عن الهوية وأثره في ما آل إليه الموسوي
- محاولة الكتاب تحليل ظاهرة الإسلام السياسي
- انتقال الموسوي للندن والتحاقه بالقاعدة
- رؤية الكتاب لعوامل إنتاج الإرهابي






خالد الحروب: أعزائي المشاهدين، أهلاً وسهلاً بكم.

جليس اليوم كتاب يتناول كيفية تحول شاب مغربي الأصل فرنسي النشأة من بيئة فقيرة ومتوسطة إلى متطرف أو إرهابي بحسب وصف محاكميه، ومتهم بأنه العضو العشرون في المجموعة التي نفذت تفجيرات الحادي عشر من أيلول ضد برجي التجارة العالمية في نيويورك ومقر البنتاجون في واشنطن ويقبع الآن في السجون الأميركية.

عنوان الكتاب "زكريا الموسوي صناعة إرهابي" وهو من تأليف شقيقه عبد الصمد الموسوي المقيم في فرنسا.

أهمية الكتاب تكمن في أنه يقدم تفصيلاً اجتماعياً دقيقاً للحياة التي نشأ فيها زكريا الموسوي بدءًا من هجرة العائلة من المغرب في حقبة الستينات بحثاً عن فرص عمل أفضل في فرنسا، إلى تنقلها بين الأحياء الشعبية الفقيرة في المدن الفرنسية ومعاناتها من العنصرية المحيطة بها، وكيف أثر ذلك كله على تحويل الموسوي الذي لم يكن يتحدث العربية من شابٍ طامح لاستكمال دراسته التعليمية الجامعية إلى متطرف انزلق إلى مربع الجماعات الإسلامية العنفية وأصبح ناقماً على كل ما له علاقة بالغرب.

إلى أي مدى تمثل حالة الموسوي نموذجاً يمكن الاستفادة منه في تفسير انجذاب شرائح لا يستهان بها من الشبان المسلمين في الغرب إلى خطاب التطرف والعنف وعلى من تقع المسؤولية؟

هذه الأسئلة وغيرها يحوم حولها الكتاب، وسنناقشها هنا مع ضيفينا الكريمين الدكتور رفيق عبد السلام من جامعة (وست منستر) في لندن (الباحث في الفكر السياسي) والأستاذ كميل الطويل (الكاتب والصحفي المتابع لشؤون الحركات الإسلامية من جريدة "الحياة" في لندن)، فأهلاً وسهلاً بهما.

د. رفيق عبد السلام: أهلاً وسهلاً.

كميل الطويل: أهلاً وسهلاً.

خالد الحروب: دكتور رفيق إذا بدأنا معك بشكل أولي واستهلالي كيف ترى هذا الكتاب؟ ما الذي يضيفه إلى فهمنا لمآلات ومسارات هذه الحركات الإسلامية وأفرادها؟

د. رفيق عبد السلام: هو هذا الكتاب كما ورد في التقديم أستاذ خالد هو أهميته أنه متابعة دقيقة ولصيقة للحياة الشخصية لزكريا موسوي يسردها شقيقه الشخصي عبد الصمد موسوي وهو كما ذكرت متابعة دقيقة ومتابعة لحياته الشخصية باهتزازاتها وعملية انتقاله، التصدعات الاجتماعية، الصعوبات العائلية، فهو ملخص لحياته الشخصية ولكنه في نفس الوقت ملخص لمشهد أعم يعكس الحياة.. حياة عائلة مهاجرة من أصول مغاربية وطبيعة الصعوبات التي واجهتها، وهو بشكل أو بآخر فيه أيضاً محاكمة أو إدانة للنظام الاجتماعي والنظام السياسي الفرنسي وما تتعرض له هذه العائلة المهاجرة كعينة ربما ممثلة لحالة أوسع من المهاجرين الذين ينحدرون من أصول مغاربية أو شمال إفريقية، ثم هو أيضاً يتابع مصادر تكوين شقيقه وكيف انتقل من شاب عادي مفعم بالحياة ويعيش حياة بسيطة بكل ثقلها وبكل صعوباتها إلى شخص مندرج ضمن جماعة منظمة تقوم على ممارسة أعمال إرهابية، إذن فميزة هذا الكتاب أنه متابعة لصيقة وشخصية للحياة الشخصية لفؤاد زكريا، وفي نفس الوقت هو رحلة نقدية..

خالد الحروب [مقاطعاً]: لزكريا الموسوي..

د. رفيق عبد السلام [مستأنفاً]: عفواً لزكريا موسوي، ثم هو أيضاً هو فيه جوانب نقدية لمصادر تكوينه الفكري ولعملية الانتقال الفكري التي شهدها هذا الشاب.

خالد الحروب: الأستاذ كميل أيضاً يعني أيضاً بصفتك أيضاً متابع لشؤون هذه الحركات وأفرادها كيف ترى هذا.. هذه.. هذا العمل، هذه الكتاب أين أضاف؟

كميل الطويل: إنه سرد وصفي لعائلة مثلما تفضل الأخ رفيق هي وصف لكيف انتقلت العائلة من المغرب، كيف نشأت في مجتمع فرنسي يعيش العنصرية، وكيف تحول شقيقه زكريا من إنسان عادي يعيش على هامش المجتمع الفرنسي إلى شخص متطرف، إنها أقرب ما يمكن أن نسمعه إلى كيفية تحول هذا الشخص، نحن نعرف أن زكريا معتقل في.. في الولايات المتحدة منذ آب/ أغسطس 2001 بضعة أسابيع فقط قبل تفجيرات 11 سبتمبر، لا نعرف الكثير عن هذا الشخص، رواية عبد الصمد تعطي نظرة أولية لكيف تحول هذا الشخص، لكن نقطة الضعف الأساسية فيه أنه يشرح بدايات تغير زكريا، لكنه لا يتحدث عن الفترة التي نضج فيها تطرف فكر زكريا، وصار ذلك الشخص المستعد لكي يصبح انتحارياً، فترة التي تحدث عنها عبد الصمد تتعلق بفترة محددة فقط في تاريخ نشأة زكريا وهي الفترة التي بدأ فيها ينضم إلى الفكر المتشدد والحركات الإسلامية في لندن، لكنه لا يتحدث عن الفترة التي نضج فيها ذلك الفكر، وصار زكريا مستعد لكي يقوم بعمل إرهابي مثلما تقول الولايات المتحدة.

الظروف الاجتماعية القاسية التي مر بها زكريا الموسوي

خالد الحروب: طيب إذا بدأنا بالفصل الأول يتحدث فيه عبد الصمد حول.. يعني تحت عنوان العائلة، كيف هذه العائلة.. عائلة عادية جداً من المغرب ثم هاجرت كما هاجرت ألوف العائلات إلى فرنسا في منتصف، حقبة الستينات، والأب يعمل في.. في البلاط وفي البناء وإلى غير ذلك، ثم حصل بعد الهجرة حصل.. وُلِدَ زكريا ووُلِدَ عبد الصمد وبعدها بسنوات سنوات قليلة أعتقد ثلاث أو أربع سنوات حصل الطلاق، وهنا نقطة مفصلية، إنه أصبحت العائلة مشروخة والأبناء يعيشون مع الأم، الآن رفيق يركز هنا عبد الصمد.. يحاول أن يقول أنه.. أنه مأساة العائلة الاجتماعية، الطلاق ثم قسوة الأم وعدم اهتمامها وعدم.. فقدان العاطفة والحميمية مع أولادها كان أيضاً سبب دافع، سبب منفر ودافع لما آل إليه زكريا في وقت لاحق.

د. رفيق عبد السلام: يعني هو هذا الجانب بارز في الكتاب أنه الصعوبات الاجتماعية والتصدع العائلي دفع ثمنه زكريا الموسوي بشكل أو بآخر، يريد أن يقول شقيقه عبد الصمد أن هذه الحياة القلقة والمتوترة التي تجسدت في.. بالأساس في عملية انفصال الأب عن الأم حالة طلاق مبكرة تركت بصماتها على شخصية شقيقه، وتجد هذا مضمراً ومعلن في كثير من الأحيان في الكتاب، كأنه عبد الصمد يريد أن يحمل المسؤولية المباشرة لوالدته عن هذا المنعطف الفكري الذي شهده زكريا في مرحلة لاحقة، بمعنى أنه خميرة التطرف -إن جاز التعبير- كانت موجودة وكانت مختزنة في مرحلة.. في التصدعات التي شهدتها العائلة منذ مرحلة مبكرة، لا شك أن هذه الصعوبات الاجتماعية التي شهدتها العائلة أثرت في شخصية زكريا بشكل أو بآخر، ولكن أجد في بعض الأحيان أنه من المبالغة تحميل الأم كل هذه الشرور، صحيح أن الأم كانت جافة في بعض المناحي كما يبرز في الكتاب من ناحية الدفء العائلي كان غائب نسبياً من ناحية الحميمية العائلية داخل نسيج العائلة، التوتر في علاقة الأب.. بين الأب والأم، ثم عملية الانتقال إلى زواج ثاني، ثم صعوبة في هذا الزواج الثاني وانفصال، كل ذلك ترك بصماته على شخص زكريا، ولكن أيضاً أجد هنا من المبالغة تحميل كامل المسؤولية إلى الأم، لأن كثير من العائلات عاشت هذه التصدعات، كثير من العائلات عاشت صعوبات، ولكن لم تنتقل بالضرورة أو لم يشهد أبناؤها هذا المنعطف نحو حياة التشدد بالضرورة يعني.

أثر العنصرية التي لاقاها زكريا في الأحياء الفرنسية في تكوين شخصيته

خالد الحروب: نعم، إضافة إلى..إذا تكرمت أخ كميل، إضافة إلى التصدع الاجتماعي والوضع الشاذ -بين قوسين- للأسرة، يضيف الفصل الثاني في خلال سرده لحياة المراهقة والفتوة إن شئت أن.. أنهم واجهوا العنصرية في الأحياء الهامشية هذه الفرنسية أحياء فقيرة وأحياء الصفيح، تفاجأ الطفلان الصغيران الذين كبرا على الأجواء العنصرية، وهنا أيضاً دخل عنصر آخر أضيف إلى.. إلى عنصر التصدع العائلي الذي كانا يعانيان منه، كميل كيف ترى هذا الفصل.. الفصل الذي ناقش فيه أثر البيئة والعنصرية، وأنهم.. ينادونهم الآخرون بأنهم زنوج وبسبب اللون الحنطي المغربي المعتاد.

كميل الطويل: قبل.. قبل أن أتناول الفصل الثاني أود أن أعلق على موضوع أساسي وَرَدَ في الفصل الأول، وهو عنوان الفصل الأول، وقوله عائلة ووضع عائلة بين هلالين، أي أنه أراد أن يقول أنه لم ينتم إلى عائلة صحيحة، انتقد والدته ووصف الظروف المعيشية التي مروا فيها وانتقالهم من المغرب إلى فرنسا، لكن خلاصة الفصل أنه لا ينتمي إلى عائلة.

الفصل الثاني عالج فيه موضوع العنصرية، ولعل أهمية هذا الفصل تكمن في تأثيرها على زكريا نفسه، في ختام الفصل الأول يقول عبد الصمد: أن زكريا كان يبدع في مدرسته في لعبة الـ Hand Ball كرة اليد، وكان له مستقبل واعد، عندما انتقلت العائلة إلى جنوب فرنسا إلى منطقة (نوربو) تغير زكريا شعر بالعنصرية، شعر بالعنصرية داخل مدرسته بين رفاقه، بين أساتذته، يقول جملة مشهورة: أن زكريا سمع أن أفضل لاعب بيننا في لعبة الرجبي التي حاول زكريا أن يلتحق بإحدى فرق الرجبي في المدينة التي انتقل إليها أن "أفضل شخص عربي يلعب في الفريق هو الذي يذهب مع رفاقه يحتسي بضعة زجاجات من البيرة -الجعة- وبعد الانتهاء من احتساء الكحول يحطمون جمجمته" هذه الجملة كما أوردها في كتابه..

خالد الحروب: يعني كان هي بتوجز.. توجز كل الشعور بالعنصرية.

كميل الطويل: أنه شعر بعنصرية منذ صغرهم لون بشرتهم، طريقة تعامل رفاقهم معهم، المستوى الاجتماعي، نحن نعرف أنهم من مستوى اجتماعي متواضع جداً أمه عاملة تنظيفات، أمه منفصلة عن والدته [والده]، ليس معهم فلوس لكي يعيشوا حياة متوسطة، شعر بذلك مباشرة في طريقة عيشهم، في مدرستهم، لون بشرتهم يقول أيضاً: أننا نعم نحن فرنسيون، وُلدنا في فرنسا، ولكننا لسنا مثل الفرنسيين الآخرين، وماذا يعني بذلك؟ لون بشرته.

البحث عن الهوية وأثره فيما آل إليه الموسوي

خالد الحروب: يعني هذا.. هذا ينقلنا.. هذا ينقلنا كميل إلى الفصل الثالث الذي جاء بعنوان البحث عن الهوية، وهنا في البحث عن هذه الهوية يقول: إن هذا هو التشتت، التشرذم الداخلي أنهم لم يشعروا بأنهم فرنسيين كاملي الفرنسية، وفي نفس الوقت كانوا منزوعي المغربية من قِبل أقرانهم وفي المجتمع المغاربي المختلف بسبب أنهم لا يتكلمون العربية ولا يعرفون أصول الدين، فهذا التوتُّر الداخلي الشديد بين والتمزق بين هوية فرنسية وهوية مغربية كيف تراه رفيق في.. في تشكيل المآل الذي وصل إليه زكريا موسوي؟

د. رفيق عبد السلام: يبدو أن السياق العام للكتاب يريد أن يقول بأن زكريا كان يعيش أزمة هوية مضاعفة، إن جاز التعبير، يعني كان فرنسياً أو يعيش مع الفرنسيين، ولكنه لا يشعر بذاته بأنه فرنسي، لأن الامتداد الفرنسي أو المحيط الفرنسي يشعره كل يوم وفي كل ساعة وفي كل لحظة بأنه ليس فرنسي، بأنه الآخر، ومن الجهة الأخرى كان حينما يلتقي مع المنحدر الاجتماعي أو المنحدر العرقي أو الإثني المغاربي كان يشعر بأنه يختلف عنهم، وكان يُواجَه بكلمة مسكين لأنه لا يتقن اللغة العربية، إذن فهو كان فرنسي يعيش مع الفرنسيين، ولكنه لا يشعر بذاته بأنه فرنسي لأنه الطرف الآخر لا يُشعِره بفرنسيته، وكان في ذات الوقت يشعر بنوع من الحنين إلى المنابت الأسرية والقومية -إن جاز التعبير- بأنه مغربي، ولكنه يواجه من طرف الجالية المغاربية الفرنسيين أو الفرنسية المنحدرين من أصل مغاربي بأنه ليس منهم، إذن الكتاب يريد أن يقول بأن موسوي عاش أزمة هوية.. هوية مضاعفة، وربما هذه الهوية فيها نوع من الصعوبات في ثلاث مستويات رئيسية.

المستوى الأول: أنه.. أن مُورس عليه تمييز بسبب البشرة، بسبب لونه الأسمر أو بشرته السمراء، الأمر الذي جعله محل تندُّر وفي بعض الأحيان محل سخرية من طرف أقرانه حتى في.. في المعهد ومن أبناء الحي، ثم مورس عليه تمييز ثاني بسبب الثقافة لأن زكريا موسوي ينحدر من أصول عربية وإسلامية، التمييز الثالث أيضاً بسبب منحدره الاجتماعي، أنه ليس من أبناء الطبقة الوسطى، وربما من سوء حظه أنه حينما انتقل من مدينة (مليوز) إلى برون تقريباً إلى مدينة برون، يعني شعر بأنه هو ابن الطبقة الاجتماعية المهمشة ولكنه محاط بأبناء الطبقة الوسطى وخاصة حينما تحسن مستواه الاجتماعي حينما انتقلت أمه من وظيفة الشغالة إلى امتلاك متجر، انتقلت إلى عالم التجارة فتحسَّن وضعهم الاجتماعي بعض الشيء ولكنه بقي يشعر بأنه ليس من أبناء الطبقة الوسطى، هو من أبناء عائلة فقيرة ومهمشة وتعود إلى أصول مغاربية مهاجرة.

خالد الحروب: فأضيف.. فأضيف إلى أزمة الهوية المزدوجة والمضاعفة كما ذكرت أزمات تحديد الوضع الاجتماعي إلى مَنْ ينتمي، إلى الطبقة الوسطى أم إلى الطبقة الفقيرة، وهذا ما سوف أسأل عنه الأستاذ كميل.

[فاصل إعلاني]

خالد الحروب: أستاذ كميل، هذه النقطة نقطة تحديد الوضع الاجتماعي التي أيضاً ركبت على أزمة الهوية المزدوجة، قادته إلى استنتاج أن الانفكاك طريق الانفكاك.. الانفكاك الوحيد من نفق العنصرية المعاناة من العنصرية هو لاستكمال طريقه التعليمي الأكاديمي، الظفر بشهادة جامعية سوف يحسِّن من.. من مستقبله ويفك هذا الضغط والحصار الذي كان يشعر فيه، ويحسِّن أيضاً من وضعه الاجتماعي، لكن في نفس الوقت لم يستطع، فترك الدراسة الأكاديمية وذهب إلى الدراسة المهنية، ما انطباعاتك وتحليلك ورؤيتك لهذا.. لهذا المسار في الفصل الرابع والخامس عندما انتقل من المسار الأكاديمي إلى المسار المهني تحت ضغط الشعور بأنه لا يستطيع أن ينتمي إلى الطبقة الوسطى؟

كميل الطويل: زكريا في تلك الفترة كان يمر في مرحلة مهمة بالغة الأهمية من حياته، كان شاباً وتكوينه ينضج، شعر بأنه -مثلما قال الأستاذ رفيق- أنه لا ينتمي إلى فئة معينة، لا ينتمي إلى.. إلى الفرنسيين الأصليين ليس فرنسياً أصلياً وليس عربياً لا يتكلم العربية على الرغم أن الناس يفترضون أنه عربي، جاءت مشكلة مشاركته في لعبة الرجبي، كذلك شعر بأنه لا ينتمي إلى هذا.. إلى رفاقه، في المدرسة كان يشعر بأنه مختلف عن رفاقه، دخل في.. في مجال التعليم التقني كذلك شعر أنه لا ينتمي إلى هذا المجال، شعر بندم أنه بدل أن يكمل تكليمه.. يكمل تعليمه الجامعي انتقل إلى دراسة تقنية ولم.. ولم تكن تلك ما يحتاج، جلس في نقاش مع شقيقه ماذا يفعل، يريد أن يفعل شيء في حياته، يريد أن يحصل على شهادة، يريد أن يتقدم في النهاية اتخذ قراراً حاسماً وهو أن.. أن عليه أن يقوم بدراسة اللغة الإنجليزية كانت المفتاح لكي يخرج من تلك البيئة التي كان عائشاً فيها بيئة الفقر، كان يريد أن يبني مستقبلاً لنفسه والوسيلة الوحيدة التي كانت متاحة أمامه هو مواصلة تعليمه وبالتحديد تحصيل.. تقوية لغته الإنجليزية لكي يفتح مجالاً للقيام بتجارة ما ربما في تجارة اللحم الحلال -مثلما قال- أو في تجارة معينة بين فرنسا والمغرب أو الدول العربية، كان يريد أن يبني شيئاً لنفسه.

محاولة الكتاب تحليل ظاهرة الإسلام السياسي

خالد الحروب: طبعاً هو انتقاله إلى لندن كما سنأتي عليه لاحقاً كان هو النقطة المفصلية التي حولته إلى متطرف، حيث التقى بالجماعات الإسلامية الموجودة في لندن، لكن قبل أن نصل إلى.. إلى هذا الجزء من الكتاب -رفيق- يبدأ هو تقريباً من منتصف الكتاب فصاعداً يتحدث بـ.. يخرج عن كونه يسرد تاريخ العائلة ثم يدخل بالتحليل ويحاول أن يحلل الظاهرة، يحاول أن يتحدث عن الإسلام السياسي لماذا هذا التطرف إلى آخره، أو في.. بالأحرى يتورط في الواقع يعني لأنه الموضوع يبدو أنه خارج طبعاً سياق تخصصه هو ليس مختص في.. في شؤون الحركات الإسلامية، فلذلك يشن حملة أحياناً هوجاء على كل وتعميمية على كل ما له علاقة بهذه الجماعات، ويجمعها، ما رأيك في.. في تحليله، هل هذا التحليل مثلاً دقيق عندما يتحدث عن الوهابية يجمع يوسف القرضاوي وعمر عبد الرحمن مع ابن تيمية، مع كل هذه الأسماء.

د. رفيق عبد السلام: هو الحقيقة.. هذا ربما أضعف جانب في الكتاب، وتفسيره لهذه الظاهرة أن أخوه زكريا قد انتقل إلى عنصر في جماعة متشددة تُسمى بالقاعدة لأنه قد تأثر بالأفكار الوهابية وتأثر بسيد قطب، هذا فيه تجني في حقيقة الأمر من جانبين أو هذا لا يخرج عن احتمالين، الاحتمال الأول هو أنه عبد الصمد لم يكن على دراية كافية بتعقيدات الساحة الإسلامية.

خالد الحروب: المؤلف.

د. رفيق عبد السلام: المؤلف، أقصد بذلك المؤلف لم يكن على دراية ومعرفة واسعة وعميقة بتعقيدات الساحة الإسلامية، أو الجانب الثاني أنه متحامل، ونحن في.. لو غلبنا يعني حسن الظن في هذا الجانب فأقل ما نقوله أنه تفسيره كانت فيه إخلالات كبيرة، وفيه كثير من التعميم حتى من جهة الوهابية وسيد قطب، في حقيقة الأمر من التجني أن نقول سيد قطب مثلاً أن نقرأ سيد قطب من خلال مقاطع في "معالم في الطريق" أو مقاطع في "الظلال"، لأن سيد قطب مشهد أعمق من ذلك وأوسع من ذلك بكثير، يمكن أن نقرأ سيد قطب من خلال "السلام العالمي والإسلام"، "العدالة الاجتماعية في الإسلام"، "الإسلام ومعركة الرأسمالية" يعني تجد مفكر حر له تأملات عميقة، صحيح أن هنالك بعض المناحي المخيفة في الجانب السياسي من فكر سيد قطب، وكذلك في الحركة الوهابية، لا شك إن الحركة الوهابية لها بعض النزوعات التكفيرية التي برزت منذ وقت مبكر، ولكن هذا لا ينفي كون الحركة الوهابية إذا ما وضُعت ضمن سياقاتها التاريخية كانت دعوة للتجديد بشكل أو بآخر كانت دعوة إلى العودة إلى الأصول وإلى الكليات ونبذ التقليد والموروث، فهي من هذا الجانب كانت مجددة، يبدو لي أي.. أي فكر أو أي نص القارئ أو المتابع يأخذ أو يلتقط ما يحتاج من النص، وجماعات التشدد لم تلتقط من سيد قطب إلا بعض المقاطع أو بعض المشاهد من "معالم في الطريق"، وكذلك لم تلتقط من الحركة الوهابية إلا بعض نزوعاتها التكفيرية وهي نزوعات مخيفة ليس هنالك شك.

الجانب الآخر: أن هنالك عملية تعميم غير مبررة وغير مفهومة أن يقع الخلط بين أيمن الظواهري مثلاً وبين الشيخ يوسف القرضاوي وفيصل مولوي، يعني هذه عملية خلط غير مبرَّرة، لأنه كل من هو دارس أو متابع للشأن الإسلامي يعرف أن أيمن الظواهري أو جماعة القاعدة هذه لها جذور في الحركات الجهادية والحركات والقتالية.

خالد الحروب: وأن هناك فروقات كبيرة بين هذه الأسماء وهذه الجماعات.

د. رفيق عبد السلام: فروقات جوهرية من ناحية الفكر، بينما يوسف القرضاوي يعتبر هو رائد مدرسة ما يُسمى بالوسطية والاعتدال الإسلامي.

خالد الحروب: لكن أيضاً في هذه النقطة يعني كان هناك -على سبيل المثال- استطراداً لهذه النقطة وأنتقل إلى كميل، كان هناك نتاجان مثلاً لسيد قطب نتاجان أيضاً للوهابية، نتاج ما قبل السجن ونتاج ما بعد السجن، "السلام الاجتماعي والإسلام"، وكل الكتابات اللي فيها رؤية يعني ثانوية كانت قبل السجن، لكن ما أثر في مسار الحركات الجهادية هو فكر سيد قطب ما بعد السجن، وربما هذا ما أشار إليه الكاتب، نفس..

كميل الطويل: أعتقد..

خالد الحروب: نفس الشيء ينطبق على الوهابية، أريد أن أعرف رأي كميل فيما كتبه عبد الصمد الموسوي أن تجليات الوهابية وليس الوهابية ما جاء.. ما جاء به محمد عبد الوهاب آنذاك وكان فكراً تجديدياً، لكن تجلياتها المتطرفة ما قد فُسر من قبل أتباع راهني المعاصرين من ناحية التشدُّد وتكفير الآخرين والنزوع نحو التفسير الدقيق وغير ذلك، ما أعرف رأي كميل في أيضاً في تحليل المؤلف ونسبة كل هذه الشرور إلى الوهابية هو يحمل حملة شعواء على الوهابية؟

كميل الطويل: صحيح، أعتقد أن عبد الصمد في كتابه في هذه.. في هذه النقطة تحديداً أخطأ خطأً كبيراً هو عمَّم قضية التطرُّف على تيارات إسلامية عديدة، قال: أن الوهابيين متطرفون، أن الإخوان المسلمون متطرفون، جمع بين قطاع عريض من التيارات الإسلامية ووضعها كلها في خانة واحدة، أعتقد أنه أراد أن يقصد أن هناك تياراً متشدداً داخل الحركة الإسلامية، تياراً يريد أن يبرر أعمال العنف، وهو ما يعني أمر لا.. لا يوافقه عبد الصمد، لكنه أخطأ في ذلك، نحن نعرف أن هناك فرقاً كبيراً بين القاعدة وبين الإخوان المسلمين في مصر لنفترض، هناك تيار الإخوان معتدل إلى حدٍ ما مقارنة مع فكر القاعدة، أو حتى عندما يخلط بين جماعة الجهاد والدكتور أيمن الظواهري وجماعة الإخوان المسلمين، نحن نعرف أن مواقفهم متعارضة جداً، هذه إحدى نقاط الضعف، كذلك يجب ألا ننسى أن عبد الصمد يأتي من.. من المغرب العربي هو يجب أن يكون مثل بقية المغاربة ينتمي إلى الفكر المالكي ونحن نعرف الآن أن.. أن الطبقة السياسية أو الحكم في المغرب يشن حملة شعواء على التيارات الأخرى التي تحاول أن تدخل إلى المجتمع المغربي وتبرر أو تبشر وفق معتقداتها.

بحسب اعتقادي إن عبد الصمد يريد أن يقول إن هناك تطرفاً في الحركات الإسلامية يغزو المنطقة وأن على المعتدلين الإسلاميين أن يبرزوا أكثر، ولكن.. ولكنه أخطأ في الخلط بوضع جميع الحركات الإسلامية في خانة واحدة.

خالد الحروب: يتبادر لذهن القارئ -رفيق- أن الكتاب بكونه موجَّه طبعاً إلى القارئ الفرنسي أولاً ثم ترجم إلى الإنجليزية والقارئ الغربي على وجه العموم أن المؤلف هناك نزعة تبريرية، ليس نزعة قتالية، نزعة إن هناك نوع من الهجوم أحياناً المبالغ فيه، وخاصة إذا أُضيف أنه هو عبد الصمد المؤلف نفسه يذكر في نهاية الكتاب أنه تديَّن هو نفسه، يعني نشأ هو نشأة غير متدينة ولا يعرف العربية ولا الدين، لكنه في مرحلة لاحقة من حياته هو تديَّن التديُّن المعتدل العادي الذي هو يدعو له ويفرق بينه وبين التديُّن المتطرف، فهل برأيك هذا النزوع نحو القارئ الغربي ومحاولة استرضائه، محاولة الاعتذار، محاولة الكذا أثرت في النهج العام للكتاب والحملة هذه الكبيرة على.. على الجماعات الإسلامية معتدلها ومتطرفها؟

د. رفيق عبد السلام: هو واضح أن هنالك بصمات فرنسية في الكتاب، يعني بما أنه عبد الصمد قد تأثر بسبب المناخ الثقافي العام السائد في فرنسا أو بسبب شراكته، لأن هذا الكتاب كُتب بالاشتراك مع صحفية فرنسية، فالبصمات الفرنسية واضحة سواء كان ذلك من جهة عملية التعميم ووضع الساحة الإسلامية بكل تعقيداتها وتفصيلاتها في سلة واحدة، لا أحد متابع نزيه أو مراقب للشأن الإسلامي يمكن أن يجمع بين جماعة القاعدة والإخوان المسلمين مثلاً، الإخوان المسلمين همَّ قاعدة الاعتدال في الحياة السياسية العربية، وهم يشاركون في البرلمانات وفي الحياة السياسية في مصر، في الأردن، في الكويت، في مناطق مختلفة من العالم العربي ومن العالم الإسلامي، إذن هذه عملية الخلط واضحة كما ذكرت فيها تأثر بالمناخ الثقافي الفرنسي أو محاولة ترضئة وتلبية يعني حاجة لدى القارئ الفرنسي، لأن طبيعة القارئ الفرنسي يميل إلى وضع كل شيء في كفة واحدة، هنالك عنف وتطرف متأتي من العالم الآخر، العالم العربي والعالم الإسلامي وكل ما هو إسلامي فهو متطرف بشكل أو بآخر، الجانب الآخر لا ننسى إنه عبد الصمد الموسوي حينما رجع إلى منابته وجذوره الإسلامية في مرحلة متأخرة نسبياً من حياته، فالشاب لم يكن يعرف لا لغة عربية ولا مطلع على مصادر إسلامية تقريب في سن الـ 25، أصبح يعني..

خالد الحروب: مهتماً بالجذور..

د. رفيق عبد السلام: يتلمس مصادره الإسلامية في مرحلة متقدمة نسبياً من.. من.. من شبابه، في هذه المرحلة عاد إلى مصادر التكوين التقليدي المغربي بمسحته الصوفية، وهنا نلاحظ لو لاحظت ذلك خاصة الفقرة الأخيرة من الكتاب.

خالد الحروب: أي نعم، ذكرها.

د. رفيق عبد السلام: يعني هنالك مسحة صوفية واضحة، وهنالك تحامل وهذا ما يفسِّر أيضاً مبرِّر التحامل نسبياً على الوهابية ثم على الإخوان المسلمين، لأن هنالك حساسية خاصة بين الحركات الصوفية أو بين الجماعات الصوفية وبين الحركة الوهابية منذ وقت مبكر، فمن هذه الجانب يمكن أن.. أن نفهم الأسباب والدواعي التي جعلت صاحب هذا.. هذا الكتاب يقوم بعملية الخلط هذه وينتهي إلى بعض الأحكام التعميمية غير المبررة وغير المفهومة في حقيقة الأمر.

خالد الحروب: في الفصل.

كميل الطويل: ممكن..

خالد الحروب: آه، اتفضل كميل.

كميل الطويل: أريد أن يعني أضيف شيئاً ما، لا أعرف كيف خلطت بين البصمات الفرنسية في الكتاب وبين موقف عبد الصمد من التيار الذي ينتمي إليه شقيقه، نحن نعرف مثلما قلت أن عبد الصمد ينتمي إلى تيار إسلامي معين هو قالها بصراحة أنه ينتمي إلى فكر إسلامي معين صوفي، وأن شقيقه زكريا قطع العلاقة معه ومع زوجته لأنه يعتبره يقوم ببدعة لأنه يتوسل، إذن موقف عبد الصمد واضح، وليس هناك بحسب رأيي إرضاءً للتيار الفرنسي أو للشارع الفرنسي، لكنه موقف بينه وبين شقيقه، بين التيار الذي ينتمي إليه عبد الصمد والتيار الذي ينتمي إليه زكريا، هناك فرق كبير بين التيارين، وأعتقد أن عبد الصمد -مثلما قلت- عنده موقف من التيار السياسي الإسلامي العنفي، ولذلك كتب ما كتب عن شقيقه زكريا.

د.رفيق عبد السلام: الحقيقة لا أريد أن أتهمه أستاذ خالد.

خالد الحروب: الملاحظة.. الملاحظة.. الملاحظة اللي ربما أثرناها هي أن يتوجه الكاتب وهذا شيء طبيعي، وأحياناً عندما يكتب الكاتب أي كاتب ويتوجه بهذا الكتاب سواء كان نصاً صحفياً أو كتاباً أو حتى أحياناً كتاب أكاديمي إلى جمهور معين تجد أن أثر الجمهور الموجه له هذه الكتابة بشكل مباشر أو غير مباشر يقع على.. على النص، فكانت الملاحظة إنه هل هناك تأثير في لأنه يوجه هذه الكتابة إلى القارئ الفرنسي والقارئ الغربي، هل هناك تأثير على النهج الهجومي مثلاً الشديد الذي شنه على.. على.. على التطرف ربما هذا كان موقف عادي، لكنه شمل في التطرف أناس وجماعات ورموز غير متطرفة.

كميل الطويل: مثلما قلت أنه أخطأ في التعميم، لكنه كان يدافع عن موقفه، يقول أن شقيقه زكريا قطع العلاقة معه ومع زوجته، واعتبرهما يقومان ببدعة.

خالد الحروب: هو اعتبرهما كفار يعني.

د. رفيق عبد السلام: هو في الحقيقة أنا لا أريد أن أتهمه، لست في موضع الاتهام، ولكن أفسر الظاهرة، طبيعة أي نص، اللسان الذي يكتب به لابد أن يأخذ بعين الاعتبار يأخذ طبيعة القارئ، فهذا النص كتب في الأصل باللغة الفرنسية ثم ترجم إلى اللغة الإنجليزية لاحقاً، ولابد أن يأخذ هذا المعطى بعين الاعتبار، وحينما أقول بصمات فرنسية هذا مبني على مؤشرات موجودة في الكتاب أيضاً، مثلاً اتهام اعتبار أنه لندن هي عاصمة الإرهاب الإسلامي قد تحولت إلى عاصمة الإرهاب.

خالد الحروب: هذه مقولة فرنسية مشهورة.

د. رفيق عبد السلام: هذه مقولة فرنسية خالصة ورائجة في وسائل الإعلام.

كميل الطويل: أيوه لكنه.. ولكنه..

د. رفيق عبد السلام: عملية الجمع وضع كل ما هو إسلامي في كفة واحدة يساوي التطرف، أن يجمع بين الشيخ يوسف القرضاوي مثلاً وأيمن الظواهري هذه عملية تعميم رائجة في وسائل الإعلام الغربية بصفة عامة وفي وسائل الإعلام الفرنسية بصفة خاصة.

كميل الطويل: بغض النظر عن وسائل الإعلام الفرنسية هو يعتبر أن لندن تتحمل مسؤولية انتقال شقيقه زكريا من فكر معين معتدل أو إنسان عادي إلى فكر متطرف، لذلك هو يحمل قد.. قد يعني يتوافق في الرأي مع الموقف السائد في الإعلام الفرنسي، لكنه مُسَّ بانتقال شقيقه زكريا من إنسان عادي إلى إنسان برأيه متطرف..

د.رفيق عبد السلام: على كل حال يمكن هذا.

انتقال الموسوي للندن والتحاقه بالقاعدة

خالد الحروب: دعنا.. دعنا كميل.. دعنا ننتقل إلى الفصل السادس، الذي.. الذي به ينتقل زكريا موسوي من.. من فرنسا إلى لندن، وتصبح هذا.. هذه الانعطافة الكبرى في.. في.. في مسار حياته حيث اختلط بالجماعات اللي موجودة هنا في لندن ومنها بحسب ما يقول شقيقه عبد الصمد منها أخذ التطرف وأخذ هذا.. هذا النهج، الآن ما رأيك وما تحليلك في الفصل هذا السادس الذي يصف فيه هذه الجماعات التي تتحكم في الشبان المسلمين البسطاء الذين يبحثون عن قدر ما من الدفء الجماعي، مهمشين طبعاً هناك قدر من الاغتراب عن المجتمعات التي يعيشون فيها، يجدون قدر ما من الدفء من الرعاية حتى من المساعدة المالية من قَبِل هذه الجماعات، فتصبح عملية هناك تبادل وهناك عملية تمهيد بما قد سيأتي من.. من تحميلهم لأفكار للوضع اللندني الذي احتوى زكريا الموسوي، انطباعاتك؟

كميل الطويل: أعتقد أنه هذا الفصل مهم، ولكنه ضعيف في.. في الوقت نفسه، أنه يشرح كيف تغير زكريا، كيف بدايات التغير في فكره، كيف أنه ذهب إلى لندن وعاش فقيراً لا يعرف الإنجليزية، كان يسير أياماً طوال بدون أن يتكلم مع أحد، عاش في مأوى للمشردين، عانى معاناة رهيبة خلال وجوده هنا، وهنا بدأ زكريا يتغير، كل ستة أشهر كان يعود إلى عائلته في فرنسا يحاول أن يتفادى أن يلتقي بأمه، ولكنه عندما يلتقي شقيقه عبد الصمد وأخواته البنات كان يتحدث معهم في أمور معينة، عبد الصمد لاحظ هنا أن شقيقه تغير أو بدايات التغير كان يلاحظ مثلاً أنه بحسب ما روت له شقيقته أنه.. أنهما كانا جالسان مرة في المنزل، بدأت أخته ترتدي ثيابها وتحاول أن تخرج من المنزل للتبضع نظر إليها فوجدها تلبس ثياباً يعني غير محتشمة جداً في نظره صرخ فيها واتهمها بأنها تخرج كأنها عاهرة من المنزل، كذلك يقول أنه لاحظ في شقيقه أنه تغير، ينظر إلى برنامج تليفزيوني ويقول إن مكان المرأة هو المنزل، لاحظ مرة أنه أخذه إلى.. سمع أنه ذهب إلى مسجد المنطقة التي يعيشون فيها في فرنسا نوربو، وخرج بين المصلين، وقال لهم أنني أريد أن أعطيكم درساً وتجادل مع..

خالد الحروب: الإمام.

كميل الطويل: إمام المسجد، وطردوه من المسجد، تلك فترة تغير زكريا، لكن نقطة الضعف الأساسية هنا أنه يتحدث عن تلك الظواهر من دون أن يغوص فيها، لا يعرف كيف تجند شقيقه زكريا هنا، من جنده؟ ما هي الجماعات التي التحق بها؟ كيف أُغري؟ كيف تغيَّر فكره؟ ومثلما يقول صار عنده غسيل دماغ، هنا نقطة الضعف الأساسية.

خالد الحروب: أي نعم، هو يقول أنه آخر مرة رأى فيها شقيقه سنة 1995، وانقطعت بعديها العلاقة وإلى آخره، وهذه.. هذه هي الفترة الحاسمة، هذه فترة التحول الأساسي من الـ 95 إلى 2001 التي حدثت فيها هذه التحولات الدراماتيكية التي ولدت زكريا جديد يتهم الآن بأنه العضو العشرون في.. في الجماعة التي نفذت تفجيرات الحادي عشر من أيلول.

الآن السؤال -رفيق -أيضاً هناك نوع من.. من.. من سرعة الإيقاع، يعني إذا نظرنا إلى هذا التحول من الـ95 إلى.. إلى 2001 من شخص لا يتحدث العربية، وصل إلى.. وصل أو بدأ من حياة عادية جداً، زكريا عنده صديقة فرنسية مكث معها عشر سنوات، يعني يأتي من لندن ويذهب إلى يعيش مع صديقته الفرنسية، فتبدأ من.. من أقصى مثلاً هذه النقطة ثم إلى أقصى النقطة المقابلة في ظرف ست سنوات يعني، كيف ترى هذا التحول السريع لم يشبع نهمنا ربما عبد الصمد في الكتاب إنه ما الذي حدث، لكن في تقديرك الفصل هذا والذي يليه حول هذا.. انطباعاتك حول هذا.. هذا التغير السريع؟

د. رفيق عبد السلام: هو في الحقيقة هذه أشبه ما يكون بحلقة مفقودة في الكتاب، يعني الكاتب يتابع يعني في الفصول السابقة تفاصيل حياة شقيقه زكريا بكامل يعني تدقيقاتها في أوضاعه الأسرية، في الانتقال من مدينة إلى أخرى، في شظف العيش، في علاقته بعشيقته الفرنسية، كل هذه يعني لبت رغبة القارئ بشكل أو آخر أو أروت نهم القارئ، بينما المرحلة الحاسمة في حياته الشخصية وفي حياته الفكرية، وهي أهم مفصل في التي.. من أهم مفصل الذي بموجبه انتقل زكريا من شاب فرنسي من أصول مغاربية، شاب يعيش حياة عادية كشأن أي شاب فرنسي آخر أو كشاب فرنسي ينحدر من أصول مغاربية إلى عضو منتدب في جماعة القاعدة، هذه حلقة مفقودة لا نجد فيها التفصيل، ولكن يبدو أن هذه التحولات الدراماتيكية قد وقعت في هذه المرحلة المفصلية والتي لا نملك عنها معلومات يعني مفصلة، كل ما نعلمه أن صديقه انتقل إلى لندن، وأراد أن يدرس هناك في قسم التجارة تقريباً في جامعة ساوث بارك.

كميل الطويل: ساوث بارك.

خالد الحروب: ساوث بارك يونيفرستي..

د. رفيق عبد السلام: ساوث بارك يونيفرستي، ومن هناك وقع انتدابه أو التقاطه ليصبح عضواً في جماعة القاعدة، ولكن هذا يبرز جانب أساسي ومهم في استراتيجية هذه الجماعة من جهة محاولتها انتداب هذه الأشخاص في الغالب لا يمتلكون تكويناً أصلياً من الناحية الدينية ومن الناحية الفكرية في أغلبهم أو قطاع واسع منهم هم من أصول يعني مغاربية أو من أصول آسيوية، وقد عاشوا مرحلة الاغتراب ربما الثقافي، الاغتراب الاجتماعي، ثم فجأة يجدون عملية الدفء العاطفي وربما الدفء السياسي في جماعة منظمة فيندرجون ضمن جماعة القاعدة.

خالد الحروب: اتفضل كميل.

كميل الطويل: هذه إحدى ثغرات الكتاب أنه لا يعرف ماذا حصل لأخيه زكريا خلال وجوده في لندن، إنها حلقة مفقودة، أقصى ما يمكن أن يفعله أو فعله عبد الصمد في الكتاب أنه شرح قضية شاب كان صديقاً لزكريا ولعبد الصمد، كيف تحول هذا الشاب (زافييه) من شاب لطيف، شاب جميل تحبه البنات، مرح.

خالد الحروب: أفريقي هو أيضاً يعني من أصول إفريقية حتى..

كميل الطويل: آه، ذهب إلى.. التحق بزكريا في لندن ليتعلم الإنجليزية مثل.. مثل زكريا، وفجأة رآه يعود إلى فرنسا أشهر إسلامه، وبدأ يتصرف كتصرفات شقيقه زكريا، وربما هي إلا بضعة سنوات عندما استدعته الشرطة الفرنسية وعرضت عليه صوراً أخذتها من إحدى مواقع الإنترنت، إحدى الصور يظهر فيها زافييه يرفع شعار النصر، وصورة ثانية كذا، وفي الصورة الثالثة هو ملقى على الأرض ميت، ومنذ ذلك.. تلك الفترة بدأ عبد الصمد يتخيل شقيقه، سيلقى مصير مثل مصير زافييه، زافييه بحسب.. بحسب ما كتب في الصورة أنه استشهد في الشيشان، أخذ يفكر في أن شقيقه سيلقى نفس المصير، وبدأ يتوقع في كل يوم أن تأتيه الخبر، بأن.. بأن شقيقه سيقتل في مكان ما.

رؤية الكتاب لعوامل إنتاج الإرهابي

خالد الحروب: نعم، يعني مع هذه النقطة الوصول إلى هذه النقطة يصل الكاتب يعني مع هذا الفصل والفصل السابع والثامن إنه فيما إن كانت حالة زكريا الموسوي حالة شاذة حالة فردية، أم أنها حالة معمَّمة، نموذج ينطبق على شريحة واسعة مثلاً من الشبان المغتربين في أوروبا، الشريحة الفقيرة المهمشة التي تشعر بالاغتراب المأزومة لأكثر من سبب سواء بالفقر، بفقدان العمل، بالفشل مثلاً الدراسي، إلى آخره، خلاصة هذه الأزمات تنتج شخصيات أميل إلى العنف والتطرف، فعندما تجد منفذ معين سواء كان منفذ إسلامي أو غير إسلامي ربما، لكنه سمته الأساسية التطرف والنقمة على.. على المحيط، فإلى أي مدى تنطبق هذه النمذجة على.. على.. على هذه الشرائح؟ هل العائلة.. إذا كانت العائلة عائلة فقيرة معدمة معناته أوتوماتيكياً أن الناتج هو أشخاص متطرفين، إلى أي مدى هذا التحليل السسيولوجي ينطبق في فهم قدر ما من.. من التطرف الإسلامي الراهن رفيق؟

د.رفيق عبد السلام: هو الحقيقة هذا تفسير رائج وشائع بما في ذلك في الوسط الأكاديمي، أنه التهميش الاجتماعي يساوي التطرف، ولكن الأمر ليس بهذه المعادلة البسيطة، بدليل أن قيادات كبيرة في جماعة القاعدة لا ينحدرون من أصول مهمَّشة، بن لادن شخص ثري ومن عائلة..

خالد الحروب: ثرية.

د. رفيق عبد السلام: يعني ثرية جداً، أيمن الظواهري نفسه من عائلة مصرية عريقة ومن عائلة علمية عريقة أيضاً، وهو طبيب جراح، كيف انتقل أيمن الظواهري من الطبيب ابن الطبقة الوسطى أو ربما ابن الطبقة الراقية إلى قيادي في الجماعات الجهادية ثم قيادي في جماعة القاعدة، هذا ربما المقولات الاجتماعية الرائجة لا تستطيع أن تفسَّر هذه الظواهر المركبة والمعقدة، لأنه التهميش الاجتماعي يمكن أن يؤدي إلى هذه النتيجة وإلى نتائج أخرى كان يمكن لزكريا موسوي أن يتحول مثلاً إلى جماعة صوفية أن يجد الدفء الروحي والعاطفي في جماعة صوفية وليس بالضرورة في جماعة القاعدة.

خالد الحروب: هو أكثر مثال رفيق يعني وأنا أقرأ في هذا التحليل إنه عبد الصمد نفسه لم يتحول إلى متطرف، فالبيئة نفسها التي أنتجت زكريا المتطرف والإرهابي وغير ذلك أنتجت بعد الصمد الصوفي الذي تدين قبل أخيه أيضاً.

د.رفيق عبد السلام: تماماً.. تماماً.

خالد الحروب: وهو شخص الآن يعني شخص ناجح في.. في عمله وغير ذلك.

كميل الطويل: لا.. لا أعتقد أن عبد الصمد أراد أن يقول فقط لأن زكريا يأتي من طبقة اجتماعية فقيرة كان سهلاً استقطابه في.. لهذه الجماعات، هو بحسب ما أرى في الكتاب أنه أراد أن يعدِّد عوامل كثيرة ساهمت في تغيير شقيقه، هي العائلة المفككة، يعيش بدون حب الأم، بعيداً عن الأب، خلافات داخل العائلة يضاف إليها الوضع الاجتماعي السيئ الذي تنتمي إليه العائلة، هناك عنصر العنصرية الرائج في المجتمع الفرنسي، هناك التهميش هي مجموعة عوامل، ويضاف إليها بحسب عبد الصمد وجود التيارات الإسلامية المتطرفة ونشاطها هنا في لندن، إنها مجموعة عوامل وليس فقط انتماء زكريا إلى بيئة اجتماعية متوسطة أو فقيرة.

خالد الحروب: بقي عندنا دقائق قليلة، رفيق أسألك هل.. هل نستطيع أن.. نربط عدم تكلمه للغة العربية ونسحب ذلك على مثلاً الجاليات افرض الباكستانية وآسيا الشبان.. الذين جذورهم تأتي من هذه الجاليات، جاليات لا تتكلم العربية موجودة في الغرب، ناقمة على.. على الوضع القائم لأكثر من سبب، أسباب موضوعية وأسباب غير موضوعية، العنصرية، التهميش، الاغتراب، عدم الشعور بالانتماء غير ذلك، أن هذه الشرائح تمثل مستودع أكثر للجماعات التي ترغب بتجنيد أفراد مثلاً من هؤلاء أكثر من.. من الجاليات العربية، هل نستطيع أن.. أن نصل إلى خلاصة؟

د.رفيق عبد السلام: لا.. لا نستطيع أن نقول ذلك بالضرورة، ولكن نستطيع أن نقول بأن عمليات التهميش الاجتماعي والتهميش الثقافي التي تتعرض لها الجاليات العربية والإسلامية بصفة عامة سواء كانت تنحدر من أصول عربية أو من أصول غير عربية يمكن أن تكون خميرة مساعدة على نشوء ظاهرة التطرف، لأنه طبيعة التهميش الاجتماعي يولد نزعات تطرف وتشدُّد بشكل أو.. أو بآخر، يمكن أن يكون هذا التطرف أو التشدد حالة فردية، ولكن يمكن أن يتحول إلى حالة منظمة، وهذا هو في وضعية القاعدة، لكن أهمية.. أهم ما في هذا الكتاب هو أنه يلفت..

خالد الحروب: باختصار شديد.

د.رفيق عبد السلام: باختصار شديد، يلفت الانتباه إلى ظاهرة يعني مناقضة للتفسيرات الأميركية، التفسير الأميركي في الغرب تقول أن هؤلاء متطرفون بسبب منحدراتهم أو ثقافتهم الدينية، العكس هو الصحيح أنه زكريا موسوي تحول متطرفاً، لأنه لم يمتلك ثقافة دينية كاملة، وبدليل ذلك أن أغلب..

خالد الحروب: بدون شك..

د.رفيق عبد السلام: الذين تورطوا في أحداث الحادي عشر من سبتمبر لا نعلم أن أحدهم مثلاً خريج الأزهر أو جامعة آل سعود أو غيره من المؤسسات الدينية التقليدية.

خالد الحروب: أي نعم ..نعم، آخر دقيقتين كميل إذا ملاحظات على هذه.. لأنه بعض.. تجد هذه المقولة أحياناً يُكتب عنها أن هؤلاء الذين لا يتكلمون العربية من الجاليات المختلفة الباكستانية أو الهندية تجد مثلاً أن أكثر منتسبي -على سبيل المثال- حزب التحرير أو المهاجرين في بريطانيا هم من هذه الشريحة، أسهل تجنيدهم.. ليس هناك ثقافة دينية عميقة وغير ذلك.

كميل الطويل: كذلك لا يجب أن نعمَّم، قد يكون سهلاً استقطاب بعض الناس الذين لا يتكلمون العربية أو خصوصاً من ذوي الأصول الباكستانية والبنجلاديشية لأنهم يشعرون بضعف تجاه اللغة العربية فيأتي شيخ عربي يتكلم باللغة العربية فيشعرون بضعف تجاهه، ولكن لا يجب أن.. أن نعمَّم، هناك مثقفون كثيرون بين المستقطبين الذين قاموا بهجمات 11 سبتمبر لم يكونوا كلهم أميين، بعضهم كان بالفعل مثقفاً، تلقوا دروساً على الطيران، ليس.. ليس كل الذين يحملون فكراً متشدداً ينتمون إلى.. إلى طبقات فقيرة أو منعدمة، هناك..

خالد الحروب [مقاطعاً]: شكراً جزيلاً، واسمح لي أن نختم بهذه الملاحظة، وأعزائي المشاهدين، شكراً لكم أيضاً على مرافقتكم لنا جليس هذا اليوم الذي كان كتاب "زكريا الموسوي صناعة إرهابي" من تأليف شقيقه عبد الصمد الموسوي، وأشكر ضيفينا الكريمين الدكتور رفيق عبد السلام (الباحث في الفكر السياسي من جامعة وستمنستر)، والأستاذ كميل الطويل (الكاتب والصحفي المتابع لشؤون الحركات الإسلامية من جريدة "الحياة") وإلى أن نتابعكم.. إلى أن نلقاكم الأسبوع المقبل مع جليس جديد، هذه تحية من فريق البرنامج ومني خالد الحروب، ودمتم بألف خير.

No comments: