«الحزام الفولاذي» يحمي كابول من «هجمات الانتحاريين»... لكنها أشبه بثكنة عسكرية (3 من 6)
الجمعة, 19 نوفمبر 2010
إنه بالطبع ليس منظراً يوحي بأن المدينة تعيش حال حرب في بلد ينتشر فيه 150 ألفاً من الجنود الأجانب وأكثر من ضعف هذا الرقم من القوات النظامية المحلية (جيش وشرطة) وقرابة 40 ألف «متعاقد» من المسلحين المحليين والأجانب العاملين في شركات أمنية خاصة، وفي مقابل جميع هؤلاء هناك أيضاً عشرات آلاف المتمردين المنتمين إلى حركة «طالبان» و «شبكة حقاني» التابعة لها وإلى الحزب الإسلامي بقيادة قلب الدين حكمتيار.
لكن على رغم ذلك تبدو كابول هذه الأيام وكأنها تعيش حال انتعاش لافتة بعد التراجع الكبير في أعمال العنف فيها، بما في ذلك الهجمات «الانتحارية» التي كادت أن تكون «وجبة يومية» يدفع ثمنها من دمائهم وأرواحهم المواطنون الأفغان وأفراد القوات الحكومية أو الأجنبية. وعلى رغم التفجير الذي تعرّض له موكب لقوات المساعدة الدولية (آيساف) قبل أيام في جنوب كابول، إلا أن الملاحظ أن المدينة لم تشهد منذ فترة طويلة أي عملية أمنية ضخمة، وتحديداً على مدى الشهور الأربعة الماضية.
وتمثّل آخر حادث أمني بارز في إطلاق صواريخ على اجتماع لمجلس السلام الأفغاني انعقد برئاسة الرئيس حميد كارزاي في كابول في حزيران (يونيو) الماضي. وأدى ذلك الحادث (الذي أخطأ هدفه بمئات الأمتار) إلى إطاحة وزير الداخلية محمد حنيف أتمار (بشتوني) ورئيس مديرية الأمن الوطني (جهاز الاستخبارات) أمر الله صالح (طاجيكي)، وكلاهما معروف بتحفظه عن سياسة كارزاي في المصالحة مع حركة «طالبان» والانفتاح أكثر على باكستان التي يشتبه هذان المسؤولان السابقان في أنها تدعم سراً المتمردين الأفغان، خصوصاً شبكة حقاني المسؤولة عن أكثر الهجمات دموية في كابول.
ومنذ إطاحة أتمار وصالح لم تشهد كابول أي هجوم جديد تشنه حركة «طالبان»، علماً أن الهجوم ضد «آيساف» الجمعة الماضي تبناه الحزب الإسلامي وليس «طالبان». ويقول أفغان متشككون في سياسات إسلام آباد إن وقف هجمات «طالبان» في كابول ربما يكون علامة رضا باكستانية على إطاحة غريميها أتمار وصالح. لكن حكومة إسلام آباد نفت دائماً المزاعم بأنها من يحرّك المتمردين الأفغان، ووعدت بأن تبذل ما تستطيع لتحقيق المصالحة بين جيرانها.
وبغض النظر عن صحة أو خطأ مزاعم المشككين في نيّات باكستان، لا شك في أن الأوضاع في كابول نفسها تتحسن بشكل كبير، كما تدل على ذلك زحمة السير وحشود المارة في شوارعها وأسواقها. لكن الحقيقة أيضاً أن جزءاً لا يُستهان به من هذه الزحمة يرتبط بتحركات قوات «آيساف» والقوات النظامية الأفغانية، كما يرتبط بنسبة مماثلة بنشاط «المتعاقدين» لدى شركات الأمن الخاصة الذين يجوبون شوارع كابول ناقلين «الضيوف» الأجانب من موقع إلى آخر في سيارات مصفّحة مقاومة للعبوات الناسفة والرصاص.
ويُشكّل هؤلاء المتعاقدون نقطة خلاف شديدة بين الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، وبين إدارة الرئيس كارزاي التي أعلنت الغاء تراخيص عملهم بدءاً من شباط (فبراير) المقبل، بعدما كانت في البدء قد حددت نهاية هذه السنة موعداً لتطبيق هذه السياسة.
ومن بين 112 ألف «متعاقد» مع الحكومة الأميركية في أفغانستان يعمل قرابة 17 ألفاً من هؤلاء في شركات أمنية تتولى حماية الشخصيات والضيوف الزوار والعاملين في وكالات أميركية مختلفة. و93 في المئة من هؤلاء المسلحين الـ 17 ألفاً هم من الأفغان، والبقية من الأجانب.
ولا شك في أن تحسن الأوضاع الأمنية في كابول يرتبط أيضاً بما بات يُعرف في أفغانستان باسم «الحزام الفولاذي» الذي يتألف من 25 حاجزاً أمنياً يُفترض أن تُشرف على كل منافذ العبور البرية إلى كابول وتمنع وصول «الانتحاريين» سواء كانوا مشاة أو يقودون سيارات مفخخة. وقد بدأ تطبيق خطة «الحزام الفولاذي» منذ العام الماضي، لكنها كانت في البداية عبارة عن حواجز متفرقة وغير ثابتة. اما اليوم فأصحبت تتألف من لواء كامل يضم 800 جندي يتولون تفتيش الداخلين إلى كابول أو الخارجين منها.
كما باتت هذه الحواجز الـ 25 ركناً ثابتاً يتناوب عليه حراس في نوبات متتالية لمنع خلو أي حاجز من الجنود في أي وقت من الليل والنهار. وإضافة إلى هذه الحواجز نُصبت شبكة من كاميرات المراقبة في كابول تتولى مراقبة العابرين على الحواجز (كشفت حالات تلقي شرطيين رشاوى للسماح بتمرير عربات غير مرخصة). كما تسجّل الكاميرات، على ما يبدو، أرقام سيارات العابرين لتحديد هوية أصحابها والمكان الذي قدموا منه، كما تراقب أيضاً بعض المواقع الحساسة في قلب العاصمة الأفغانية.
وإضافة إلى شبكة «الحزام الفولاذي» وكاميرات المراقبة، هناك أيضاً شبكة من «التحصينات الأمنية» التي تحيط بسواتر اسمنتية المنشآت التي يسكنها أجانب مثل السفارات ومباني الشركات أو المؤسسات الإنسانية الغربية، وكذلك أي فندق أو مطعم يرتاده أجانب في العاصمة الأفغانية.
ونتيجة كل هذه الإجراءات تبدو أجزاء واسعة من كابول حالياً وكأنها أشبه بثكنة عسكرية على غرار «المنطقة الخضراء» في العاصمة العراقية بغداد. كما تشهد بعض مناطق كابول، كحي وزير أكبر خان الراقي الذي يضم فيلات يسكنها علّية القوم الأثرياء وكان يسكنها في الماضي بعض قادة «القاعدة» وجماعات «الجهاد» العربية، انتشاراً أمنياً لافتاً يتوزع فيه رجال أمن على بعد أمتار من بعضهم البعض طوال ساعات الليل والنهار.
والواضح أن الهدف من نشر هؤلاء إشاعة الطمأنينة في أوساط سكان الحي، وجعل مقاتلي «طالبان» يفكّرون أكثر من مرة قبل أن يقتربوا من المنطقة.
لكن هذا الشكل من الانتشار المسلح لا يسمح في واقع الأمر للزائر الأجنبي الا بتكوين انطباع أن العاصمة التي يزورها ويرى بعينه الفورة الاقتصادية التي تشهدها ليست في الحقيقة الا «ثكنة عسكرية» ضخمة يحميها جنود محليون وأجانب ... وجيش من «المتعاقدين».
* (غداً حلقة رابعة)
No comments:
Post a Comment