يدافع وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند عن التّغيير الأساسي في سياسة بلاده في التعاطي مع «الملف الإسلامي» والذي أعلنه يوم الخميس في خطاب أمام مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية. ويقول في مقابلة مع «الحياة» إن المطلوب حصول حوار بعيداً عن «الصور النمطية» التي تقسم المسلمين إلى معتدلين ومتطرفين.
يقول ميليباند في مقابلته مع «الحياة»: «أريد أن أشارك العالم العربي والإسلامي في بعض ما نفكّر فيه كي نحاول أن نضع جانباً الأساطير عن التعصّب ضد الآخر، وأن نُظهر انفتاحاً في تفكيرنا (إزاء المسلمين) مع التزامنا الواضح بقيمنا. إننا نريد أن نبني تحالفاً، ونريد أن نبنيه على قاعدة الرضى. وهذا يعني أن نُقر بأنه كانت هناك أخطاء، من الجانبين، وأننا بحاجة إلى السير إلى أمام».
يُقر ميليباند بأنه كان واحداً من الذين ارتكبوا «أخطاء» في تعاطيه مع الملف الإسلامي، ويقول: «لقد كانت هناك أخطاء لغوية، إضافة إلى المسائل ذات قيمة جوهرية أيضاً. لكن خطابي لم يكن نوعاً من جلد الذات واللطم على الصدور. كان الهدف منه أن نُظهر احترامنا (للمسلمين)».
يُقر ميليباند بأن قضية العراق شكّلت واحدة من نقاط «سوء الفهم» بين العالمين العربي والغربي، لكنه يرفض التوقف عندها. يقول: «قلنا إن عملية بناء السلام في العراق لم تجر كما كان يُفترض. لكنني لا أريد النظر إلى الوراء بل التطلع إلى الأمام. وكي اتطلع إلى الامام لا بد أن يكون عندي وعي بالتاريخ، وهذا ما حاولت أن اعكسه في خطابي. ولكن إذا سمحنا لأنفسنا بأن نبقى عالقين بالماضي فإننا لن نحقق شيئاً».
ويرفض الوزير البريطاني ربط موقفه الجديد بالتغيير الذي حصل في الولايات المتحدة مع وصول الديموقراطيين إلى الحكم وإعلان الرئيس باراك أوباما انفتاحه على العالم الاسلامي وتأكيده أن الولايات المتحدة «ليست في حرب ضد الإسلام ولن تكون أبداً في حرب ضد الإسلام». يقول: «أعلنت هذا الموقف عندما صرت مستعداً لإعلانه وليس بسبب أي تغيير في الموقف الأميركي. لقد صار لي سنتان وزيراً للخارجية وقد تطوّر تفكيري وزرت تسع دول عربية السنة الماضية وزرت دولاً إسلامية عديدة أخرى. لقد تعلّمت من تلك الزيارات. وأعتقد أن الوقت قد حان كي أشرح ما تعلّمت وما هو تفكيري».
يتمسك ميليباند بأنه «أخطأ» في استخدام تعبير «المعتدلين» و «المتطرفين» في وصف المسلمين. يقول: «قد يصف بعض الناس أنفسهم بأنهم معتدلون يقاومون المتشددين، لكنني سأحاول أن أُبعد نفسي عن إطلاق النعوت... أردت أن أحذّر من الاعتقاد بأن هناك نوعين فقط من المسلمين: المعتدلين والمتطرفين. هناك في الحقيقة تنوع أكبر من ذلك بكثير. هناك تنوع فقهي وتنوع سياسي. وآمل أن يلمس الناس جديتنا في استجواب النفس والنقد الذاتي والفحص الذاتي، وأيضاً انفتاحنا وتصميمنا على الفهم أن هناك تيارات مختلفة في العالم الإسلامي. نريد أن نتواصل مع المسلمين».
ومن كان يقصد عند حديثه عن جماعات لها أهداف وطنية في مقابل منظمات لها أهداف عالمية اسلامية تم خلطها ببعض في أعقاب هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001؟ يجيب: «المجموعة الأساسية صاحبة ذلك التصور الإسلامي العالمي هي تنظيم القاعدة. والمثال المقابل لها هو مثال «طالبان» التي اعتبرها تضم مجموعات مختلفة من الناس في منطقة الحدود الأفغانية - الباكستانية، وهي في الحقيقة عبارة عن مجموعات من القبائل البشتونية. هذه المجموعات هي المثال الأساسي المقابل لمثال «القاعدة». الثاني لديه مشروع عالمي والأول لديه هدف محلي جداً». ويوضح: «أعتقد أنه أمر جيد أن تسعى الحكومة الأفغانية إلى ايجاد جو سياسي ملائم يمكن من خلاله اجراء حوار وتبادل للآراء المختلفة. نريد أن نضمن أن الناس غير المرتبطين بـ «القاعدة» يمكنهم أن يدخلوا العمل السياسي ولا يتم تهميشهم ما دامت الأفكار التي يطرحونها بعيدة عن استخدام العنف والإرهاب. أمر خطير أن يصير أولئك الذين لا يستخدمون العنف والارهاب حلفاء لـ «القاعدة» بسبب تهميشهم بعيداً عن العمل السياسي».
ويزيد: «ما نريد أن نفعله هو أن أي شخص مستعد أن يعبّر عن رأيه المختلف من خلال الحوار بدل البندقية يجب أن يكون ذلك متاحاً له داخل ساحة العمل السياسي. والهدف هو منع الناس الذين لا ينتهجون العنف من أن يصبحوا حلفاء لأولئك الذين ينتهجون العنف».
وهل كان يقصد في حديثه عن الجماعات الإسلامية ذات الأهداف «الوطنية» والتي تم خلطها بـ «القاعدة» حركة «حماس» في فلسطين و «حزب الله» في لبنان؟ يجيب ميليباند: «يمكن أن يكونا مقصودين بالطبع. فعلى رغم أن هناك أشياء في دستور حماس تثير تساؤلات حول الحدود التي تتوقف عندها تطلعاتها، إلا أن الأكيد أن حماس ليست الشيء نفسه كالقاعدة».
وما الذي يمنعه من الحوار مع «حماس» إذن؟ يرد: «اختارت الجامعة العربية مصر كي تقوم بمحادثات مصالحة بين «حماس» و «فتح». هناك أطراف أخرى تتحدث الى حماس بما فيها النروج. لذلك لا يمكن لـ «حماس» أن تقول أن لا أحد يتكلم معها. يحاورها المصريون من أجل أن تلتزم السير في عملية سياسية، لكنها لا تريد فعل ذلك. لا تريد نبذ العنف ولا تريد أن تلتزم حتى مبادرة السلام العربية. لذلك أقول إن ليس في الإمكان أن تُقام علاقات سياسية طبيعية مع حماس».
ويقول الوزير البريطاني: «أعتقد أن أي شخص يهتم بقيام دولة فلسطينية يعرف انها لن تتحقق من خلال العنف. أنا أهتم جداً بضرورة قيام دولة فلسطينية لأن قيامها على حدود العام 1967 تقريباً وعاصمتها القدس هي الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها الوصول إلى شرق أوسط مستقر، وليس فقط تحقيق العدالة للفلسطينيين».
ويشير إلى «حزب الله» قائلاً:» موقفنا كان دائماً وحتى العام 2005 تاريخ اغتيال (الريس رفيق) الحريري هو أن نتحاور مع نواب «حزب الله». توقف ذلك بعد اغتيال الحريري. والجناح العسكري لـ «حزب الله» يبقى موصوفاً بأنه منظمة إرهابية في المملكة المتحدة. لكننا وافقنا على أن نعاود التحدث إلى نواب «حزب الله»، جزئياً لأن «حزب الله» لديه وزيراً في الحكومة اللبنانية التي تلتزم عملية السلام العربية. ولكن الذي حصل أن لقاء وحيداً حصل بيننا وبين حزب الله - حضرت سفيرتنا اجتماعاً واحداً كان نائب عن «حزب الله» حاضراً فيه. ولكن الحاصل الآن أن «حزب الله» يصر على أن أي لقاء يتم معنا يجب أن تُلتقط فيه الصور لسفيرتنا. نحن نرفض أن تكون الصورة جزءاً من الحملة الانتخابية في لبنان. لذلك فإن اللقاءات لن تُعقد. اللبنانيون هم من يقرر انتخاباتهم ولا نسمح لأنفسنا بأن نتدخل فيها».
ويقول: «أود أن أقول لكل الجماعات التي تملك ميليشيات: أوقفوا العمل المسلح والتحقوا بالعملية السياسية. نريد أن يتم احترام الناس بسبب آرائهم في إطار عملية سياسية. لا يمكنك أن تكون نصفك في إطار عملية سياسية وصندوق الاقتراع ونصفك خارجها وفي يدك بندقية».
وعما أثاره في خطابه عن «التحالف» مع الدول العربية التي لا تتشارك مع بريطانيا في القيم ذاتها، يوضح ميليباند: «هناك دول في العالم العربي لا نتشارك معها في القيم ذاتها. في الحقيقة بعضها ليس لديه نظام ديموقراطي البتة. لذلك اعتقد أن من المهم أن نأخذ هذا الأمر في الاعتبار. نريد أن ندعم الاصلاح فيها، وأن ندعم المجتمع المدني وحقوق الانسان والقيم العالمية. هناك مسؤوليات على قادة الدول ذات الغالبية المسلمة - أهمها مسؤولية خوض المخاطر في محاولة بناء هياكل سياسية تجمع بين الناس».
No comments:
Post a Comment