لندن - كميل الطويل الحياة - 29/11/08//
أكد مسؤول بريطاني رفيع، أمس، أن بلاده لا تسعى إلى «بناء حلف عربي - غربي لعزل إيران»، بل تريد من العرب فقط أن يساعدوا في إقناع الإيرانيين بخطورة استمرارهم في تخصيب اليورانيوم الذي يشتبه الغرب في أن الهدف منه بناء قنبلة نووية، وهو أمر دأبت طهران على نفيه.ونفى مسؤول كبير في وزارة الخارجية البريطانية تأكيد إيران أن لندن «تريد حرماننا من حقنا في الطاقة النووية»، ورد بعنف على موقف الإيرانيين من خطاب ألقاه وزير الخارجية ديفيد ميليباند في أبو ظبي قبل أيام، ورفض اتهامهم له بـ «محاولة إثارة خلافات مع دول الخليج».وشرح المسؤول البريطاني الرفيع، في لقاء أمس مع مجموعة محدودة من الصحافيين شاركت فيه «الحياة»، أن بلاده قدّمت مع مجموعة «5 + 1» (أي الأعضاء الخمسة الدائمون في مجلس الأمن إضافة إلى المانيا) أكثر من عرض حوافز للإيرانيين كان آخرها في حزيران (يونيو) 2008 و «فيه نص واضح بأننا لا نريد حرمان إيران من حقها في الطاقة النووية السلمية». لكنه زاد: «هناك انعدام ثقة بالإيرانيين، وتحديداً لجهة الفارق بين كلامهم وأفعالهم».وأقر بأن لإيران «مصالحها في المنطقة... ولكن لنا مصالحنا أيضاً. إن أفعال إيران في العراق وأفغانستان ولبنان والأراضي الفلسطينية تدل على السياسة الحقيقية لهذا البلد».وقال المسؤول إن الحكم الإيراني يطلب من ديبلوماسييه حالياً الترويج لمزاعم «مفادها أننا نريد حرمان إيران من حقها في الطاقة النووية السلمية... وهذا غير صحيح بتاتاً». وأوضح أن عرض الحوافز المقدم لإيران يؤكد حقها في هذه الطاقة السلمية «لكن إيران، على ما يبدو، تسعى إلى كسب الوقت لوضعنا أمام الأمر الواقع، عندما لا يعود في استطاعتنا عمل شيء لوقفها»، في إشارة إلى استمرارها في تخصيب اليورانيوم. وقال: «دول كثيرة لا تحتاج إلى تخصيب اليورانيوم لانتاج طاقة نووية، فلماذا تصر إيران على التخصيب؟»، مشيراً إلى العرض المقدّم للإيرانيين بتزويدهم يورانيوم مخصّباً من روسيا، وضمان الغرب لإيران بتشغيل مفاعل لانتاج الطاقة النووية. وقال: «إننا لا نسعى إلى تغيير النظام في إيران. هذا الأمر يعود إلى الشعب الإيراني نفسه الذي يقرر من هم قادته».وعن سبب دعوة الدول العربية الآن إلى اتخاذ موقف من إيران وزيادة الضغوط عليها لوقف التخصيب، قال المسؤول البريطاني: «الدول العربية تتشارك معنا في القلق من البرنامج النووي الإيراني. وفي الحقيقة، الدول العربية هي أقرب لإيران منا وتشعر بالتالي بالخطر أكثر منا. لكن دعوتنا الدول العربية (لاتخاذ موقف من إيران) لا يعني أننا نسعى إلى بناء تحالف غربي - عربي لعزل إيران. هذا أمر غير منطقي، ولا نسعى إليه. لكن الدول العربية لديها اتصالات مع إيران ويمكنها بالتالي إيصال رسائل إليها في شأن مشروعها النووي».وعن السبب الذي يدعو العرب إلى المشاركة في فرض عقوبات على الإيرانيين، قال إن الدول العربية تنتمي إلى منظمة الأمم المتحدة وبالتالي تلتزم قراراتها»، في إشارة إلى قرارات صدرت عن مجلس الأمن في السنتين الماضيتين وتضمنت عقوبات على مؤسسات وأشخاص في إيران على علاقة مزعومة بالبرنامج النووي السري.ورفض المسؤول الكلام عن أن بلاده «استفاقت» الآن فقط على مبادرة السلام العربية (أُطلقت في 2002) لأنها تسعى إلى الحصول على دعم العرب في عزل إيران، وقال: «إننا لا نعرض على العرب مساومة. لا نقول لهم سيروا معنا في هذا الأمر ضد إيران، لنسير معكم في أمر مبادرة السلام العربية. موقفنا من المبادرة العربية هي أنها أساس جيّد يمكن البناء عليها لتحقيق السلام في المنطقة».وتحدث عن دور إيران «السلبي» في المنطقة، قائلاً: «للإيرانيين في العراق حوارات واتصالات مع الأحزاب السياسية، وهذا أمر جيد ومشروع. لكنهم في الوقت ذاته يدعمون الفرق الخاصة وجماعات التمرد، فهل هذا فعلاً يساعد الحكومة العراقية التي تقول إيران إنها تدعمها. وفي أفغانستان، يقدّم الإيرانيون أيضاً مساعدات جيّدة في بعض المناطق، لكنهم في الوقت ذاته يقدّمون أسلحة وذخائر الى طالبان، وقد اعترضنا قوافل من جهات في إيران تنقل أسلحة ومتفجرات لصنع عبوات ناسفة مماثلة لتلك المستخدمة في العراق. فهل هذا دور ايجابي للإيرانيين في أفغانستان؟ وفي لبنان، للإيرانيين علاقة مفيدة من ناحية مع حزب الله وغير مفيدة من ناحية ثانية. ارسال الصواريخ (للحزب اللبناني) ليس أمراً جيداً بالطبع. وفي الأراضي الفلسطينية، يقدّم الإيرانيون دعماً لحركتي حماس والجهاد الإسلامي، فهل ما يقوم به هذان التنظيمان يدعم تطلعات الشعب الفلسطيني؟». وقال: «إننا نريد حلاً ديبلوماسياً مع إيران. لكننا لا نريد الوصول إلى وضع نجد فيه أنفسنا أمام خيارين: إما إيران مسلحة نووياً، وإما دولة ما تضرب إيران لمنعها من أن تصير كذلك».وكان الوزير ميليباند قال في كلمته التي ألقاها الاسبوع الماضي في أبوظبي وأثارت غضب الإيرانيين، «إن امتلاك إيران للأسلحة النووية سيكون ضربة قاضية ضد الساعين للترويج للحلول البراغماتية والسلمية لمشاكل المنطقة. وسباق التسلح النووي الذي سينجم عن ذلك سيكون خطيراً للغاية. وامتلاك الأسلحة النووية سوف يُقوِّي مكانة طهران في المنطقة، ويعزز محاولاتها لإيقاد الفرقة ونشر حال عدم الاستقرار بثقة أكبر». وأضاف: «إننا حريصون للعمل مع دول الخليج في شأن هذا الموضوع. حيث انكم تعرضون حوافز جادة للتعاون الاقتصادي - من حيث إقامة روابط تجارية أقوى مع إيران أو وضع ترتيبات تفضيلية للتجارة معها - لو أنها التزمت بالتعاون. كما يمكنكم اتخاذ تدابير أخرى أكثر تقييداً تكون في جزء منها قيود مالية، ولكنها تتضمن كذلك على سبيل المثال منع عمليات التهريب أو تضييق ضوابط تصدير البضائع التي يمكن أن تكون مساندة للأسلحة النووية. وهناك الكثير مما يمكن للدول العربية القيام به لدحض مزاعم طهران بأن سعيها لتحقيق سيطرة أكبر في المنطقة وبرنامجها النووي يحظيان بتأييد ضمني في جميع أنحاء المنطقة».وتحدث عن جولته الأخيرة في الشرق الأوسط، وقال: «كلنا يعلم أن مشاكل المنطقة مرتبطة ببعضها بعضاً. واستنتاجي هو أن السلام الوحيد سيكون سلاماً شاملاً: سلام تكون دولة فلسطينية مستقلة في صميمه، لكن يدعمها سلام أوسع بين إسرائيل وسائر دول العالم العربي. بمعنى آخر، تسوية تضم 23 دولة - 22 دولة عضواً في جامعة الدول العربية إلى جانب إسرائيل».وعن مبادرة السلام العربية، قال: «إنني أعتقد بأنه آن الأوان للبناء على هذه المبادرة وضمان أن يكون القادة العرب جزءاً من المشاركين الإيجابيين في عملية سلام متجددة وشاملة - أن يكونوا مشاركين فاعلين لديهم مصالح وعليهم مسؤوليات، لا ليكونوا بديلين عن المتفاوضين الإسرائيليين والفلسطينيين، ولكن كذلك لا ليقفوا متفرجين مكتوفي الأيدي».وقال «إن عام 2009 هو فرصة مهمة جداً. لأنه من الواضح أن جهود المجتمع الدولي غير قادرة على تحقيق النجاح؛ فالأوضاع على أرض الواقع في تدهور. في إسرائيل يتحدث كبار الشخصيات الإسرائيلية الآن - ابتداء من الرئيس (شمعون) بيريز ونزولاً - عن مبادرة السلام العربية: ليس فقط كاتفاق مفصَّل إما يؤخذ به أو لا، بل كمفهوم الأرض في مقابل الأمن الذي يمكن فقط للتطبيع أن يبدأ بتحقيقه».