Sunday 12 October 2008

«الجهاديون في لبنان» ... محاولة لفك طلاسم ظاهرة «الإسلام السني المسلّح»

«الجهاديون في لبنان» ... محاولة لفك طلاسم ظاهرة «الإسلام السني المسلّح»
كميل الطويل الحياة - 08/10/08//
كُتب الكثير عن «الأصولية الإسلامية المسلحة» في لبنان، لكنه اقتصر عموماً على «شقها الشيعي» متمثلاً بـ«حزب الله» كونه يكاد أن يكون الجهة الوحيدة، خارج إطار السلطة الشرعية، المخوّل لها حمل السلاح بهدف مقاومة إسرائيل. لكن قلة حاولت أن تتناول بالدرس «الشق السني» من تلك الأصولية المسلحة في لبنان، ومنها كتاب الزميل فداء عيتاني «الجهاديون في لبنان - من قوات الفجر إلى فتح الإسلام» (منشورات دار الساقي - بيروت، لندن 2008).يحاول عيتاني في كتابه تقديم تأريخ لظاهرة «الحركات الجهادية» السنّية في لبنان، خصوصاً مع بدء الحرب الأهلية في عام 1975، جاهداً أن ينقل روايته على لسان أصحابها (يسمّي بعضهم ويجهّل بعضاً آخر). رواية القادة الإسلاميين الذين شاركوا في تشكيل نواة تلك الحركات «الجهادية» تُظهر كم كانت البداية متواضعة. فعلى رغم أن الحرب الأهلية ارتدت في البداية طابعاً طائفياً (الصراع بين المسيحيين والمسلمين)، إلا أن الحركات التي قادت القتال في الجانب الإسلامي كانت يسارية في الغالب مدعومة من قوات منظمة التحرير الفلسطينية، ولم يشكّل الإسلاميون سوى جزء ضئيل جداً منها.كانت البداية من خلال حركات إسلامية صغيرة، ففي بيروت، ظهر تنظيم «جند الله» الذي قاتل على «جبهات» تفصل شطري العاصمة المسيحي والمسلم (جبهة رأس النبع)، فيما تشكّل في صيدا (عاصمة الجنوب) تنظيم سني آخر هو «المجاهدون» على أمل أن يكون الذراع المسلحة لـ «الجماعة الإسلامية» (الفرع اللبناني لجماعة «الإخوان المسلمين»). لكن تلك المحاولات «الجهادية» سرعان ما خبت، ولم تنجح حتى الثورة الإسلامية في إيران في الـ 1979 في إيقاد نارها (ربما كون تلك «الثورة» شيعية، على رغم أن كثيرين من السنّة في العالم العربي تأثروا بها آنذاك). واستمر ذلك حتى عام 1982 عندما اجتاح الإسرائيليون لبنان ووصلوا حتى العاصمة بيروت. لم يساهم الاجتياح الإسرائيلي في إنشاء «حزب الله» فقط (بمساعدة الحرس الثوري الإيراني)، بل ساهم أيضاً في ظهور حركات «جهادية» سنّية، لا سيما في صيدا. ويتحدث الكاتب هنا عن جماعة تدعى «الحركة الإسلامية المجاهدة» ويقول إن عناصرها أصروا على التصدي للإسرائيليين في عين الحلوة (مخيم فلسطيني مجاورة لصيدا) في حين فر أفراد منظمات فلسطينية أخرى. ويروي الكاتب تفاصيل عن نشأة جماعة جهادية أخرى تدعى «قوات الفجر» ويقول إنها شنّت فعلاً عمليات ضد الإسرائيليين و «اغتالت عملاء» لهم، خصوصاً في صيدا، كبرى المدن السنيّة في الجنوب اللبناني. ويوضح أن «قوات الفجر» كانت «ابنة الجماعة الإسلامية» (الإخوان) لكنها لم تتأسس بقرار رسمي منها.ولكن، في حين كان هؤلاء «الجهاديون» يعملون في ظل الاحتلال الإسرائيلي لمناطقهم جنوب بيروت، بدأ جهاديون آخرون يظهرون في الشمال وتحديداً في عاصمته طرابلس. فظهرت «حركة التوحيد» التي توسعت بسرعة خصوصاً في ظل انتقال حركة «فتح» بزعامة الرئيس الراحل ياسر عرفات إليها بعد طرده من بيروت واختلافه مع حكم الرئيس الراحل حافظ الأسد. لكن توسع «حركة التوحيد» جاء في «الوقت الخطأ»، إذ أن القوات السورية ما كانت لتسمح لحركة سنّية ذات طابع «جهادي» بأن تنشط بحرية بعد الذي حصل داخل سورية نفسها في بدايات الثمانينات (الصراع مع «الجهاديين السنّة» خلال أحداث حماة). وإذا أضيف إلى ذلك علاقة «التوحيد» الوثيقة بعرفات، «عدو» النظام السوري، كان لا بد من توقع كيف ستتعامل دمشق مع هذه الحركة السنّية - القضاء عليها بالقوة، وهو ما تم على أنهار من الدم خلال اقتحام طرابلس في منتصف الثمانينات.استمر موقف السوريين السلبي من «الجهاديين السنّة» من الثمانينات وحتى التسعينات من القرن الماضي، في وقت كان «الجهاديون الشيعة» يعيشون حقبتهم الذهبية، خصوصاً في ظل النجاحات التي حققوها في مواجهة الإسرائيليين، وهي نجاحات تكللت في عام 2000 بانسحاب الدولة العبرية، ذليلة، من جنوب لبنان. لم يعن القمع السوري أن «الجهاديين السنّة» لم يحاولوا في السر إعادة التقاط أنفاسهم وبناء خلاياهم. وكان أبرز محاولاتهم تلك التي كانت تجرى في جرود الضنّية في شمال لبنان وقادها بسام كنج أحد «الأفغان اللبنانيين» (عاد إلى لبنان في 1998 ليشكّل نواة جماعة «جهادية»). لكن الحظ لم يحالف تلك المجموعة، إذ كُشفت عشية الاحتفالات بنهاية الألفية الثانية جراء حادث تطور إلى خطف ضابط في الجيش اللبناني وقتله (يقول عيتاني إن الضابط قُتل خلال تبادل النار بين المسلحين الإسلاميين وقوات الجيش، على رغم أن الرواية الرائجة آنذاك تحدثت عن أن المسلحين هم من قتل الضابط).على رغم هذه الانتكاسة، كان جهاديون سُنّة آخرون يبنون خلاياهم في أكثر من منطقة، من البقاع إلى بيروت وطرابلس، وفي صيدا ومخيمها الفلسطيني الضخم عين الحلوة الذي كان يستقبل سنة بعد أخرى مزيداً من «الجهاديين» الفارين من وجه العدالة بتهم مختلفة بينها القتل (اغتيال الشيخ نزار الحلبي مثلاً زعيم جماعة «الأحباش» أو «المشاريع الخيرية الإسلامية» التي تختلف ايديولوجياً مع «الجهاديين»). ومع مجيء عام 2003 والاجتياح الأميركي للعراق، صار نشاط «الجهاديين السنّة» يأخذ شكلاً أكثر وضوحاً كونه دخل في إطار «مقاومة الاحتلال» الأميركي للعراق. فحتى السلطات السورية، لم تحاول في البدء منع تدفق «الجهاديين السنّة» عبر حدودها في اتجاه العراق. ويزعم الأميركيون أن السوريين كانوا «يسهّلون» وصول الجهاديين إلى العراق، وليس فقط يغضون الطرف عن تحركهم.وفي ظل تلك الظروف جاء اغتيال رئيس الحكومة اللبناني السابق رفيق الحريري عام 2005، لتتوجّه الشبهات إلى دمشق التي كانت على خلاف شديد معه آنذاك، على رغم تبني جماعة «جهادية» مجهولة الاغتيال وعرضها شريطاً يعلن فيه «الانتحاري» أحمد أبو عدس تنفيذه العملية. لكن عيتاني يورد في كتابه محاضر طويلة للتحقيقات التي أجرتها أجهزة الأمن اللبنانية مع عناصر شبكة «جهادية» مرتبطة بأبو عدس («مجموعة الـ 13» بقيادة اللبناني حسن نبعة) وفيها اعترافات صريحة بتورط «القاعدة» في قتل الحريري. وعلى رغم تراجع «المعترفين» لاحقاً عن أقوالهم، إلا أن المعلومات التي أوردوها عن نشاطات «القاعدة» في لبنان تُعتبر بالغة الأهمية وتستحق المتابعة (محاضر التحقيقات أحد أهم الوثائق في الكتاب).ويختتم عيتاني فصول كتابه بظاهرة «فتح الإسلام» التي شكّلها الفلسطيني شاكر العبسي على انقاض «فتح الانتفاضة» ونشطت في عام 2007 في مخيم نهر البارد في شمال لبنان، قبل أن تخوض حرباً دموية استمرت أسابيع مع الجيش اللبناني الذي حسمها بعد خسائر فادحة في صفوفه وصفوف الإسلاميين وبينهم عشرات «الجهاديين» الذين جاؤوا من دول عربية عدة. ويتميّز عيتاني هنا بالمعلومات الغنية التي يوردها في شأن «فتح الإسلام» والظروف التي سبقت الحسم مع ظاهرتهم في نهر البارد وخلال عملية الحسم (الأحداث الأمنية في طرابلس). وهو يورد معلومة قد يكون فيها بعض التسرّع (وربما سبق صحافي إذا ثبتت صحتها) خلال تناوله هوية شاهين شاهين، أحد القادة الذين برزوا خلال معارك نهر البارد. إذ يقول في مطلع كتابه (الصفحة 23) إن ثمة تضارباً في شأن هوية شاهين وهل هو سوري أم فلسطيني، لكنه يذهب لاحقاً إلى القول إن السلطات الأمنية اللبنانية تعتقد أنه سعد أسامة بن لادن (ص 278)، نجل زعيم «القاعدة»، في حين ان عيتاني نفسه يقول إنه شعر بأن شاهين - الذي كان على اتصال هاتفي معه من داخل نهر البارد - كان «عراقي اللهجة». ربما كان شاهين هذا مثالاً على مدى الغموض الذي يحيط بموضوع «الجهاديين في لبنان»، المهمة التي كرّس عيتاني كتابه لمحاولة فك طلاسم ظاهرتهم.يُقدّم الكتاب رواية جيّدة لمسيرة «الجهاديين السنة» في لبنان، رواية يحاول فيها الكاتب أن يكون محايداً قدر الإمكان من خلال تقديم مادة موثّقة على لسان أصحابها. ثمة نواقص جلية في هذه الرواية (لم تأخذ المحاولات الأولى لتأسيس الجماعات الجهادية حقها في الشرح مثلاً، ربما لأنها كانت محاولات بدائية رأى الكاتب أنها لا تستحق تفصيلاً أكبر)، إلا أنها تبقى رواية سهلة القراءة لظاهرة بالغة التعقيد.
* من أسرة «الحياة»

No comments: