Sunday, 21 October 2007

assafir newspaper

http://www.assafir.com/Article.aspx?ArticleId=2011&EditionId=770&ChannelId=17246


كرم الحلو
بعد خمس سنوات على بدء «الحرب ضد الارهاب» وبعد الانتصارات الكبيرة التي حققها الاميركيون في هذه الحرب، بتدميرهم عشرات معسكرات التدريب التي بناها «الجهاديون» في أفغانستان، وطردهم أسامة بن لادن وقادة تنظيمه من عرينهم الأفغاني وتشتيتهم في أرجاء المعمورة ليُقتل منهم الآلاف ويُعتقل الآلاف ويُشرد الآلاف، يبدو الأميركيون اليوم بعيدين جدا عن تحقيق نصر حاسم، ان لم يكونوا في الحقيقة أقرب الى الهزيمة.
هذه النتيجة المخيبة تشكل الخلاصة الأساسية التي انطلق منها كميل الطويل في كتابه «القاعدة وأخواتها: قصة الجهاديين العرب» (دار الساقي 2007)، اذ ان المحصلة جاءت في رأيه، على غير ما توخاه الأميركيون. ففي أفغانستان، حيث تحقق انتصارهم الأكبر، أعادت حركة «طالبان» التقاط أنفاسها وباتت تسيطر على مناطق واسعة من جنوب البلاد، وجنوبها الشرقي، معقل مؤيديها البشتون الذين يشكلون غالبية سكان البلاد. وفي العراق تبدو جماعة «المقاومة» السنية حصرا، قادرة على اشغال الاميركيين في «مستنقع» يستنزف طاقاتهم الى ما لا نهاية. أما «القاعدة» محور الحرب ضد الارهاب، فتبدو المستفيد الأول من غرق الأميركيين في أوحال أفغانستان والعراق. فقد نجحت في امتصاص الضربات التي تلقتها وأعادت تنظيم صفوفها في مراكز انتشارها في مناطق الحدود الباكستانية الافغانية، كما أنها حققت «العالمية» التي طمحت اليها منذ نشأتها عام ,1988 اذ أدت المواجهة بينها وبين الأميركيين الى تشظيها خلايا تنتشر في أنحاء الكرة الأرضية لم يعد سهلا حصرها، ما حول حربها معهم لحرب عالمية بالفعل.
لقد حققت القاعدة أيضا ما سعت اليه منذ البداية، وهو تحويل حربها ضد الغرب، لحرب دينية يرى فيها المسلمون أنفسهم مستهدفين من «الكفار» الغربيين. فتوسيع الأميركيين دائرة حربهم على «الارهاب» لتشمل أكثر من جماعة اسلامية، وحد غالبية «الجهاديين» وراء مشروع بن لادن الذي أعطى الأولوية لقتال «الكفار الأصليين» من حكام الدول الغربية وعلى رأسهم أميركا، الأمر الذي كان لكثير من «الجهاديين» تحفظات عليه، لاعطائهم الأولوية لقتال «المرتدين» في بلدانهم وليس «الكفار» في الغرب.
رأى المؤلف أنه لا يمكن فهم هذا التحول في فكر الجهاديين من دون رواية تاريخ القاعدة وتاريخ أخواتها من جماعات الجهاد الأخرى القريبة منها فكرا ومنهجا، مكتفيا في كتابه بتناول جماعات الجهاد في ثلاث دول عربية هي «جماعة الجهاد» في مصر و«الجماعة الاسلامية المسلحة» في الجزائر و«الجماعة الاسلامية المقاتلة» في ليبيا، كون هذه الجماعات ساهمت في تكوين «القاعدة» في صورتها الحالية، ايديولوجية و«ممارسة»، وقد اختارها المؤلف لسببين: أولهما نشوؤها جميعا في بيئة واحدة ـ بيئة الأفغان العرب ـ وفي وقت متزامن في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات. فـ «جماعة الجهاد» و«الجماعة الاسلامية» المصريتان، وان كانتا قد ظهرتا في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات، الا ان الجهاديين المصريين أعادوا بناء التنظيمين اعتبارا من عام 1987 ليس في مصر، بل على الحدود الباكستانية الأفغانية، بالتزامن مع تأسيس بن لادن تنظيم «القاعدة» عام 1988 ومع تأسيس الأفغان الجزائريين «الجماعة الاسلامية المسلحة» عام 1991 ومع تأسيس الليبيين «الجماعة الاسلامية المقاتلة» بين عام 1990 و.1992 وثانيهما ان هذه الجماعات هي الوحيدة في العالم العربي التي خاضت حربا حقيقية في تسعينيات القرن الماضي لاسقاط أنظمة الحكم في بلدانها لاعتبارها أنظمة «مرتدة».
ولم تكن القاعدة بعيدة عن هذه «التجارب الجهادية» للجماعات الثلاث، فبن لادن كان على علاقة وثيقة بجماعة الجهاد المصرية وزعيمها أيمن الظواهري، وكذلك بـ «الجماعة الاسلامية المقاتلة» الليبية كما كان له تأثير مباشر في «الجماعة المسلحة الجزائرية».
بعد تعرض مشاريع الجهاديين في مصر والجزائر وليبيا لنكسات متتالية بعد عودتهم من أفغانستان بعد منتصف التسعينيات من القرن الماضي، لجأ هؤلاء مجددا الى أفغانستان ليعيدوا فيها بناء تنظيماتهم. ولم يكن اختيارهم أفغانستان من قبيل الصدفة، فهذا البلد كان البداية لما يعرف اليوم بجماعات «السلفية الجهادية» وريثة جماعات «الجهاد» الأولى في العالم العربي. ففي خضم المعارك ضد «الجيش الأحمر» نشأ جيل جديد من العرب يؤمن بالجهاد لاقامة حكم اسلامي حقيقي يخلف الأنظمة التي اعتبرها هؤلاء، إما «مرتدة» او أنها لا تطبق الشريعة تطبيقا صحيحا. واذا كانت بداية الجهاد أفغانية بحتة قادها وطنيون أفغانيون معروفون بنشاطهم في الحركة الاسلامية، في حين لم يكن عدد العرب المشاركين في القتال يتجاوز الـ 15 عام ,1984 الا ان الوجود العربي في أفغانستان سرعان ما أخذ في الازدياد، اذ شعرت التنظيمات الجهادية العربية بأن ثمة فرصة سانحة لها في هذا البلد لاعداد مقاتلين وتدريبهم واعادتهم الى بلدانهم لبدء مشروع جهادي. وقد لقي العرب الأفغان الدعم والمؤازرة سواء من جانب حكوماتهم او من جانب أميركا التي كانت تعمل جاهدة لطرد الروس من أفغانستان.
اختلفت اعادة البناء في أفغانستان بين جماعات الجهاد العربية، ففي حين تحالفت جماعة الجهاد المصرية مع القاعدة تحالفا تحول عام 2001 اندماجا كاملا، اختط الجزائريون والليبيون خطا مستقلا عن بن لادن والظواهري اللذين مضيا قدما في تنفيذ خطتهما لقتال الاميركيين، بتفجير سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي ودار السلام عام ,1998 ثم تفجير المدمرة الاميركية يو أس أس كول في عدن عام ,2000 انتهاء بغزوة سبتمبر في قلب أميركا عام 2001 التي غيرت أميركا كما غيرت الجهاديين أنفسهم، اذ لم تفرق الاستخبارات الأميركية في حربها ضد الارهاب بين الجهاديين القاعديين وغير القاعديين، ووضعتهم جميعهم في سلة واحدة، وصار العالم في نظر بوش قسمين ـ معنا او ضدنا.
في ظل هذا المنحى الايديولوجي الجديد صار تنظيم القاعدة «الأب الروحي» لكل جماعات الجهاد التي بايعت بن لادن وأصبحت تعمل بالتنسيق معه. وهكذا حققت أميركا لبن لادن ما لم يستطع تحقيقه على مدى خمس سنوات في أفغانستان: توحيد الجهاديين تحت لواء القاعدة وتحولها لمركز استقطاب لكل جماعات الجهاد في العالم.
في رؤية اجمالية يمكن القول ان المؤلف قد أسهم في كتابه «القاعدة وأخواتها» في الاضاءة على جوانب من الحركة السياسية في العالم العربي لم تأخذ حقها الى الآن من البحث والدراسة والتنقيب، برصده تاريخ جماعات الجهــاد في ثلاث دول عربية وآلية تطور هذه الجماعات وتفاعلها مع أحداث الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي ومطلع القرن الحالي واسهامها الفعلي في تكوين «القاعدة» في صورتها الراهنة، ما أسدى خدمة الى الفكر السياسي العربي، هو أحوج ما يكون اليها. لكن ثمة ثغرات ونواقص شابت الكتاب، منها:
أ ـ التكرار والاستعادة والاستطراد واللغة الفجة، فضلا عن اضطراب المنهجية المعتمدة وعدم ورود المعلومات الغزيرة والدقيقة في تتبع آثار «الجهاديين» في سياق محكم، وفقدان الترابط والاتساق في ما بينها أحيانا كثيرة بشكل تكاد تضيع معه البوصلة الموجهة للكتاب.
ب ـ ضمور الجانب الايديولوجي او غيابه بالكامل، اذ ان المؤلف لم يتوقف امام الخلفية المؤسسة للحركات الجهادية في العالمين العربي والاسلامي. لماذا نشأت هذه الحركات وتصاعدت واستشرت منذ الربع الأخير من القرن الماضي؟ ما علاقة ذلك بانهيار المشروع القومي العلماني في العالم العربي ودور الغرب في ذلك الانهيار؟ أليس ثمة صلة مباشرة بين الحركات الأصولية الجهادية وبين النهب المنظم الذي مارسته وتمارسه الرأسمالية الغربية المتوحشة بحق الشعوب العربية والاسلامية باغتصاب ثرواتها ومواردها ودعم انظمتها التسلطية القمعية؟ أليس من دور كذلك لاغتصاب فلسطـين وانتهاك مقدسات العرب والمسلمين والاحجام عن تطبيق القرارات الدولية، في صعود حركات الجهاد الاسلامي منذ الثمانينيات الى اليوم؟ هل في الثقافة العربية الاسلامية بالذات ما يؤسس للعنف ورفض الآخر والأحادية العقائدية، العناصر الأساسية المكونة للمنحى الأصولي التكفيري، على ما يذهب الاستشراقيون ومعهم بعض المفكرين العرب؟
أسئلة كثيرة لم يقترب منها المؤلف، ولعل كتابه يكون حافزا للبحث فيها وفي الأجوبة المناسبة عنها.
(لله) كميل الطويل «القاعدة وأخواتها: قصة الجهاديين العرب» «دار الساقي» 2007

No comments: