Sunday 21 October 2007

Al-Hayat Newspaper

http://www.daralhayat.com/opinion/editorials/10-2007/Item-20071015-a4d49e61-c0a8-10ed-00c3-e8c415097e66/story.html

عيون واذان (خلط الصالح بالطالح)

جهاد الخازن Manually created - 15/10/07//

عندي للقارئ اليوم وغداً مجموعة من الكتب قرأت بعضها، وأرجو أن أقرأ بعضاً آخر، ومعها كتب لن أقرأها، إلا أنها تظل مهمة من باب العلم بالشيء، فعندما يكون المؤلف عنصرياً معروفاً أو عدواً لا أحتاج أن أسمع رأيه في حزب الله أو حماس، أو أي بلد عربي أو إسلامي.

أقول هذا ثم أشدد على أن بعض الكتّاب الغربيين أكثر إنصافاً منا، وأكثر تعاطفاً مع قضايا العرب والمسلمين من بعض أهلها، لذلك لا يجوز أبداً خلط الصالح بالطالح، لأن الخلط يثبت حجة الخصم، ويضعف موقف الصديق.

هناك كتب عدة عن حماس زادت منذ فوزها بالانتخابات البرلمانية الفلسطينية في كانون الثاني (يناير) من السنة الماضية، ولا بد من أن تزيد مرة ثانية بعد انفصالها في قطاع غزة عن السلطة الوطنية في رام الله.

لن أحاول أن أفاضل بين الكتب، لأنني لم أقرأ منها سوى كتاب «داخل حماس» للزميل زكي شهاب، ثم أن الكتب الأخرى المتوافرة تعكس موقفاً مسبقاً، فالأخ عزّام التميم صدر له «حماس: فصول لم تكتب»، إلا أنني أعرف انه متعاطف مع حماس والفصائل الإسلامية كافة. وماثيو ليفيت صدر له «حماس: سياسة وأعمال خيرية وإرهاب في خدمة الجهاد»، إلا أن هذا الرجل اعتذاري اسرائيلي متطرف، تابعت عمله في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، ووجدته عنصرياً حقيراً، فهو يجمع أرقاماً عن قتلى العمليات الانتحارية لحماس ويقدم الرقم 473 قتيلاً من 79 عملية، إلا أنه يتجاوز قتل إسرائيل 4233 فلسطينياً في الفترة نفسها تقريباً، منهم 857 قاصراً، بعضهم بنات دون المراهقة وأطفال، ويبدو أنه لا يعتبر هؤلاء بشراً كالإسرائيليين أمثاله. وفي حين أعارض العمليات الانتحارية فإنني لم أسمع بعد أن ليفيت يعارض النازية الإسرائيلية.

اترك ليفيت تأكله أحقاده، وأعود الى زكي شهاب، فهو يعرف الشيخ أحمد ياسين، الأب الروحي لحماس، والعالِم المقعد الذي يعذب الإسرائيليون ابنه عبدالحميد أمامه حتى يعترف بدوره في تأسيس حماس، ويقدم أسماء الأعضاء المؤسسين، ومنهم من استشهد، ومنهم من عاش ليصبح وزيراً. وكان زكي شهاب أجرى مقابلات عدة للشيخ ياسين في جلسات طويلة، ونشرت «الحياة» بعضها، وهو زاد تفاصيل أخرى في الكتاب، كما قدم معلومات جديدة عن قادة حماس الآخرين، فهو يعرفهم في شكل مباشر، واتصاله بهم مستمر.

ان لم يكن موضوع الاهتمام حماس، فهو حزب الله، وهناك كتب عدة، ويكاد معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى متخصصاً في تمويل الفصيلين والتحذير منهما نيابة عن إسرائيل. الباحث المتخصص يهمه مثل هذه الكتب، غير انني أقاوم شراءها حتى لا يستفيد الكاتب والناشر.

ربما كان كتاب كميل الطويل، «القاعدة وأخواتها: قصة الجهاديين العرب»، الصادر عن دار الساقي، أفضل كتاب عن الموضوع في السنوات العشر الأخيرة، والمؤسف أنه بالعربية، وحاجة الغربيين، خصوصاً الأميركيين، الى المعلومات الواردة فيه أكبر من حاجتنا، فمن أسباب مصيبة الأميركيين في أفغانستان والعراق وكل مكان، وجود خبراء مزعومين في الإرهاب، غالبيتهم تعمل ضمن أجندة إسرائيلية، ولا يعرفون عن الموضوع إلا ما يناسب التزامهم الإسرائيلي.

كميل الطويل محرر كبير في «الحياة» مسؤول عن الإسلاميين، ويعرفهم من الجزائر الى أفغانستان وباكستان وكل بلد في المنطقة. وهو جمع خبرته الآن في كتاب من 412 صفحة، فهرس الاعلام فيه يقع في عشر صفحات.

يقول كميل في المقدمة أن الجهاديين كانوا في الأصل يعتبرون الجهاد ضد الحكام «المرتدين» أولوية لهم، ولكن بعدما ضربهم الأميركيون في أفغانستان قرب نهاية 2001 وبداية 2002، تحولوا الى قتال «الكفار الأصليين»، أي حكام الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة. إلا أن التحول، في رأي المؤلف، هو لسبب آني ومحدد هو ان «الكفار» سبب بقاء «المرتدين» في حكم العالم الإسلامي، وإذا هزم «الكفار» سينهار المرتدون معهم.

ويختار المؤلف أن يعرض تاريخ جماعة الجهاد في مصر، والجماعة الإسلامية المسلحة في الجزائر، والجماعة الإسلامية المقاتلة في ليبيا، وأعرف بحكم الزمالة في العمل أن معلومات كميل عن هذه الجماعات مباشرة، وعلى امتداد سنوات. وهو يقول مفسراً اختياره ان تاريخ القاعدة لا يمكن أن يروى بمعزل عن أخواتها من جماعات الجهاد التي نشأ معظمها بعد انتهاء فترة الجهاد الأفغاني في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي.

إذا كان القارئ لا يستطيع أن يقرأ سوى كتاب واحد عن الجهاديين فهو سيجد في «القاعدة وأخواتها» ضالته، والصفحات عن نشاط الجهاديين في السودان، حتى ضاقت حكومة البشير بهم، كنز من المعلومات عن تلك المرحلة، كما أن عودة أسامة بن لادن الى أفغانستان بعد سنواته في السودان تؤرخ بدقة لتلك المرحلة، والتنافس بين الجماعات العربية الوافدة، وبين المجاهدين الأفغان، والتحالفات والمؤامرات، وأدوار قادة معروفين، وآخرين لا يعرف بهم إلا من تابع هذه الجماعات من الداخل.

أرجو أن يترجم كتاب كميل الطويل الى الإنكليزية، ثم أرجو أن يقرأه أركان الإدارة الأميركية، ليجدوا ولو لمرة واحدة معلومات صحيحة، ربما ساعدتهم على اتخاذ قرارات صحيحة، أيضاً ولو مرة واحدة. وسأعود الى الكتب الجديدة خلال يومين.



«القاعدة وأخواتها» في كتاب لكميل الطويل ... «غزوة» نيويورك وواشنطن قفزة في مسارات المواجهة المفتوحة

أحمد جابر الحياة - 18/10/07//

تفجيرات نيويورك وفي الاطار اسامة بن لادن وأيمن الظواهري
تفجيرات نيويورك وفي الاطار اسامة بن لادن وأيمن الظواهري

«القاعدة وأخواتها، قصة الجهاديين العرب» كتاب للزميل في «الحياة» كميل الطويل (منشورات دار الساقي)، يتتبع فيه تفاصيل الظاهرة القتالية والسياسية، التي ورثت «حركة التحرر العربية»، وغطت بعنفها، على ما عرفه العالم الاسلامي من دعوات اعتدال ووسطية واحتكام الى آليات التطور الاجتماعي، الهادئة والبطيئة، التي لا تخرج على الانتظام الوطني العام، لكل بلد من البلدان.

يمسك كميل الطويل خيط الجهاد من أوله، فينطلق بسرد السيرة من أفغانستان، التي غزاها الاتحاد السوفياتي السابق، فاستنفر بفعلته عواطف عربية وإسلامية عامة، رعتها الولايات المتحدة الاميركية، ودعمتها بعض الأنظمة العربية، وغضّ الطرف عنها بعض آخر... كانت بداية المشاركة العربية الميدانية متدنية جداً، وشديدة التواضع، إذ ان «الجهاد» الذي كان أفغانياً كله، لم تتجاوز المساهمة العربية فيه، عام 1989، عدد «الخمسة عشر مقاتلاً»... إلا أن حال الالتحاق العربية لم تدم، فبعد الفتاوى التي اعتبرت الجهاد في أفغانستان «فرض عين»، تكاثرت الأعداد، وصارت للعرب بداية تنظيم مع «إنشاء مكتب الخدمات» الذي أشرف عليه أساساً الشيخ عبدالله عزام، وأسامة بن لادن... ومع التطور هذا باتت للمقاتلين العرب «معسكراتهم ومضافاتهم»، وكانت لهم استطراداً «جبهتهم القتالية المستقلة في جاجي» عام 1986، حيث عرف المقاتلون هناك، أول انتصار لهم على الروس، بقيادة بن لادن. وإذا كانت أفغانستان محطة الانطلاقة الأولى، ومنطقة إعادة التجميع، بعد محاولات الاستقرار التي عمد اليها «الجهاديون» عموماً... فإن ثمة نقاطاً أخرى كان لها دور حاكم في بلورة هيكليتهم التنظيمية، وفي اشتداد عود أفكارهم، وفي توسيع دائرة تحركاتهم، وبالتالي في تحول جهودهم المنفردة، الى صيغة «جبهة عالمية» ترى العالم من منظار «الفسطاطين» الذي بادر الرئيس الأميركي الحالي (بوش) الى الرؤية من خلال عدساته لاحقاً.

لقد احتل السودان مركزاً محورياً في «تكريس عالمية القاعدة»، وبات التنظيم، الذي انبثق من صيغة «سجل القاعدة» عام 1988، ومن فكرة ترتيب «معلومات وافية عن المجاهدين...» بات هذا التنظيم محور حركة إعدادية واسعة، ومرجعية إفتاء وتدريب واستقبال وإرسال وتخطيط وتنفيذ... وسيطرت عليه، في الحقبة السودانية، أفكار الجهاد، التي كان «المصريون» من حملة لوائها الأوائل، بقيادة أيمن الظواهري.

لم تكن «محطة لندن» أقل أهمية، وإن اختلف الدور المناط بها، فتحرك ناشطون من مختلف التنظيمات، وتحول مسجد «فنسبري بارك» منبراً للدعوة، ومساحات للاجتهاد ولتفاعل الآراء... ولم يتأخر «الجهاديون» في استغلال مساحة الحرية الإعلامية، المتروكة لهم، فأصدروا النشرات الخاصة بهم، فكانت «الأنصار الجزائرية، والفجر الليبية، والمجاهدون المصرية»... وكان البريطانيون، يومها، على مسافة، حدودها بالقول «ان بلدهم بلد حريات... يتعامل مع معارضين سياسيين... وهو على استعداد لحمايتهم، ما داموا لا يخرقون القانون البريطاني...». هذا التفسير السهل، للموقف البريطاني، لا يظهر جلياً الموقف من الجهاديين، بل إن التحليل يجب أن يذهب ليكشف عن كل مضامير السياسة البريطانية، حيال «الورقة الجهادية» وعن الحكمة من الموقف الذي اتخذ حيالها، وعن المقايضة، الآنية والمرحلية، التي كانت بريطانيا في صددها، وعن الرسائل السياسية التي كانت تود إبلاغها «لبلدان المنشأ» من خلال سياسة غض الطرف عن النشاط الإعلامي الواسع لـ «المجاهدين»!!... في كل الأحوال لم يتأخر «الذئب البريطاني عن إغلاق فمه» فأطلق الأمن البريطاني «عملية التحدي» بعد تفجير القاعدة للسفارتين الأميركيتين، في العاصمة الكينية، نيروبي، وفي دار السلام، عاصمة تنزانيا. كان ذلك إيذاناً بدق ناقوس الخطر، عالياً، سيسمع صداه لاحقاً فوق أرض الولايات المتحدة الأميركية.

ما اضطرت العاصمة البريطانية لفعله، حيال المجاهدين، شاركها فيه السودان، لأسبابه الخاصة، فدعا الى «إنهاء الدولة ضمن الدولة» التي أقامها المقاتلون العرب، واستجاب للضغوط العربية (المصرية بخاصة)، فلم تشفع لبن لادن شركاته واستثماراته داخل السودان، كذلك لم تستطع علاقاته الوثيقة مع النظام السوداني أن تمنع عنه كأس الهجرة الثانية الى أفغانستان.

على طول خط الرحلة، هذا، ثمة مسافرون من مختلف الجنسيات، يستوقفنا لديهم أمران: الأول أن أغلب قياداتهم تتمتع بدرجة علمية عالية، ما يدحض بداية فكرة اقتصار صفوف الجهاديين على «المهمشين» ويعيد الاعتبار الى ضرورة نقاش فكرة تحولات النخب العربية وانتقالها بين فكر شمولي وآخر... أما الأمر الثاني، فهو ان معظم الذين وفدوا الى أفغانستان، كمقاتلين، كانوا «بمثابة أوراق بيضاء» كتب عليها المختلفون حول سبل الجهاد وسياساته، ما شاؤوا، من دون ممانعة من المتلقين، الذين كانوا، كما ذُكر من دون خلفيات ثقافية سابقة. حاز الجهاديون المصريون في هذا المجال، قصب السبق، بسبب من «موروثهم» الثقافي المتقدم على الآخرين، وبسبب أيضاً، من خبرتهم الناتجة عن تجربتهم في المجال المصري.

الإشارة الى أسبقية التحصيل، والى النقاش الساخن ضمن صفوف الجهاديين، ترجع في جذورها أولاً الى اختلاف ظروف ساحات العمل الوطنية، للفصائل «الإسلامية» المتعددة، والى نوع الموروث الذي آل الى كل من هذه الفصائل. لا يمكن الإنكار في مجال الاختلاف هذا، ان جماعات الجزائر الاسلامية، قد تأثرت بـ «مخزون» ثورتها السابقة، وباعتيادها على أعمال القتال ضد «العدو المبـــاشر»، وباستسهالها الانتقال الى مناطقها الجبلية الوعرة، لتعيد إطلاق الكفاح المسلح، تحت رايات أفكار أخرى وشعارات مغايرة... في الماضي أطلقت النار ضد الاستعمار الفرنسي، وفي الراهن أفلتت الأعمال القتالية ضد «مغتصبي السلطة... الذين ارتدوا على نتائج الانتخابات الجزائرية»... في سياق الموروث السياسي عينه، كان لـ «الجماعة الليبية» طابعها الخاص، فلجأت الى الإعداد أولاً، وكانت المبادرة القتالية متأخرة، لكن الأحداث فــــاجأت «الجماعة» بعد أن ارتكب أعضاؤها الأخطاء... كذلك فوجئ النظام الليبي الذي كان يعتقد بوجود «الجهاديين» خارج حدوده، وكان مطمئناً الى أن معركته تدور فقط مع «جبهة الإنقاذ»... ومع محاولاتها الفاشلة لتنظيم انقلاب ضد الحكم القائم.

على الخط ذاته، جاء «المصريون» من تراث صاخب، فكرياً وسياسياً، فكانت في جعبتهم عملية اغتيال الرئيس أنور السادات، وقضية طلائع الفتح، ومجمل المواجهات الساخنة مع قوات الأمن المصرية... كان وضع «الجهاديين» هنا أرسخ، وقدمهم أثبت، وخلافهم الفكري أكثر صخباً، مما سينعكس لاحقاً في «المراجعات» التي أجرتها «الجماعة الاسلامية» فأفضت بها الى وقف الأعمال المسلحة في الداخل المصري... الأمر الذي رفضته «جماعة الجهاد»، فكان لها مع بن لادن، وبتأثير واضح من فكرها، «اجتهاد» نقل القتال الى العدو البعيد بدلاً من قتال العدو القريب... لقد اعتبرت «أميركا»، وفقاً لهذه الفتوى، مسؤولة عن صمود بعض الأنظمة العربية والإسلامية، لذلك، كان لا بد من «جهادها»... وإلحاق الهزيمة بها!! وصولاً الى إسقاط الأنظمة المحلية القائمة... بالتداعي!!

كحصيلة عامة، فشل الجهاديون العرب في البلدان – النماذج، الثلاثة، مصر والجزائر وليبيا، وفي كل بلد على حدة، تكشفت خصوصية مشكلاتهم، لكن ما جمع بين تجارب هؤلاء مجتمعين، أمور عدة، يمكن ذكر الأهم منها. لقد عرفت الفصائل المقاتلة «الأحادية»، بحيث لم تعر اهتماماً إلا للكفاح المسلح، ولم يعرف لها برنامج اجتماعي داخلي، أو رؤية سياسية مستقبلية للحكم، كذلك طبعت معظم الفصائل تلك بـ «النخبوية»، بمعنى محاولة إسقاط رؤاها الخاصة على المجتمعات، بغض النظر عن «آلية اشتغال الاجتماع» الداخلية لكل بلد، مما انتج تجاوزاً على المصالح المشروعة للمواطنين، واستبعاداً لهمومهم وتطلعاتهم اليومية، قابله إهمال متمادٍ لـ «الشعب» للأعمال الجهادية، وقلة اكتراث بها، مما حوّل هؤلاء، بحسب تعبير أحد قياديي الجهاد «نعمان بن عثمان» الى مجتمعات مغلقة موازية لها عالمها، خارج إطار المجتمع!! في التنظيم، كانت النخبوية واضحة، إذ كانت السرية هي الأساس، وإذ استثنينا، بحسب الكاتب، وضع الجماعة الإسلامية المصرية التي كانت تتمتع بحضور شعبي، فإنه لا يمكن الحديث عن «جماهيرية وشعبية»، أي من الفصائل الجهادية الأخرى... هذه الوضعية، سهّلت على أجهزة الأمن العربية المختلفة، تفكيك الخلايا السرية للجماعات ومطاردتها، فهذه لم تكن لها من حصانة سوى... السرية، ولم تتمتع بشرعية مجتمعية تقدم لها الاحتضان السياسي المطلوب...


المرور على «القاعدة» في أفغانستان أثناء الاحتلال السوفياتي، لا يلغي التوقف أمامها، إبان حكم طالبان لها، لتبيان شيء من العلاقة التي ربطت بين «الإسلاميين العرب» ونظرائهم من الجنسيات الأخرى.

لقد تجنب «العرب» منذ البداية الدخول في صراعات الفصائل الأفغانية، وإن كان لهم تحبيذهم لجماعات «سياف وحكمتيار وبرهان الدين رباني»... وهم، أي العرب، استمروا على حيادهم في ظل طالبان، وأفتى بعضهم بجواز «القتال في صفوفها والهجرة الى مناطقها»... إلا أن «حيادية العرب»، وفي سياق تطور العملية السياسية حول أفغانستان، لم تمنع طالبان من التدخل في شؤون هؤلاء. فقد طلبت منهم التوحد تحت راية بن لادن... ومنع إطلاق قذائف الهاون أثناء التدريب... ووضعت المعسكرات العربية كلها، بإمرة اللواء جمعة باي ماناغان، أي انها لجأت الى ما يخفف عنها الضغوط المتوالية من مصادر عربية وغير عربية... كيف كانت الاستجابة «العربية» لذلك؟ الموافقة عموماً، والاحتفاظ بحق الاعتراض على طالبان، إذا ما حاولت وقف «الجهاد» الذي جاء المقاتلون العرب من أجله.

يورد الكاتب في هذا الصدد، ان بن لادن وافق على وقف العمليات العسكرية انطـــلاقاً من أفغانســـتان، لكنه احتفظ لنفسه بحق القيام بالعملية الأخيرة: «غزوة نيويورك وواشنطن»... التي كانت الأخيرة فعلاً، لجهة إقامة حد فاصل بين مرحلة سابقة وأخرى لاحقة، على صعيد عالمي وإقليمي وعربي.

تستحق «الغزوة» تلك وقفة، لجهة الإعداد الدقيق لها. فقد أحيطت بسرية شبه كاملة، بحيث لم يعلم بأمرها إلا قلة لا تصل الى عدد أصابع اليد الواحدة، كذلك صنعت شبكة أمان لتحركات أفرادها بين العواصم، مثلما اعتمدت التمويه الواسع حول أماكن اجتماعاتها. اختيار الأفراد كان دقيقاً، وفردياً، بحيث تولاه وأشرف عليه أسامة بن لادن شخصياً، وجرى الاحتكام الى مواصفات الاختيار، التي كان من أهمها «الاستعداد للاستشهاد ومدى الصبر» بحسب خالد شيخ محمد، أحد الأساسيين في «الغزوة المشهورة». مع ذلك، لا بد من ملاحظة الاستعجال الذي أبداه بن لادن، لحصول التنفيذ، ليتلازم ذلك مع «ذكرى ضرب المدمرة الأميركية كول في اليمن، أو مع زيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي، آرييل شارون للمسجد الأقصى».

كذلك، كان لافتاً الإصرار على التنفيذ، حيث ان «من يفشل في ضرب الهدف المحدد له، يُســــقط طائرته ولو في شوارع نيويورك». أخيراً حصلت الضـــربة، وكانت لها نتائجها المدوية، فانهارت «رموز أميركية» وفي أعقابها انهار نظام طالبان، وطردت «القاعدة» من باكستان، حيث مقر الاحتضان الدافئ، الى كل دولة عربية متضررة. لم يتوقع بن لادن حجم «أخدود سبتمبر» اللاحق، لكنه، ربما، حقق حلمه في جرّ أميركا و «المسلمين» الى مواجهة عالمية.

بعد سنوات على الحدث الأميركي، وعلى الانهيار الطالباني، و «القاعدي» استطراداً، يحق لنا ان نسأل: هل بات العالم على أبواب معادلة سياسية هادئة؟ الأجوبة سلبية. هذا ما يؤكده الواقع العراقي الذي شكل ميدان «الثأر الأميركي» الأصلي، وهذا ما يثبته واقع استعادة «طالبان» لعافيتها في أفغانستان، وهذا ما يلحّ عليه، انسداد آفاق التسوية العربية – الاسرائيلية، التي لا عنوان لها سوى: الاعتراف بالحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني... عليه نخشى القول، اننا ما زلنا في دوامة الصلف الأميركي، والعمى الجهادي، الذي لن ينتج بالتأكيد سوى مزيد من «الغزوات» الهمجية المتبادلة.

كاتب لبناني

No comments: