Sunday, 4 April 2010

نعمان بن عثمان: سيف الإسلام القذافي قاد الحوار وأقنع والده وأجهزة الأمن ... وبدّد الصعوبات

نعمان بن عثمان: سيف الإسلام القذافي قاد الحوار وأقنع والده وأجهزة الأمن ... وبدّد الصعوبات

الثلاثاء, 30 مارس 2010

لندن – كميل الطويل

يشعر الليبي نعمان بن عثمان بنشوة نصر ما. فقد تحقق له ما أراد. قبل ثلاث سنوات أبلغني أنه عائد إلى ليبيا التي غادرها في نهايات الثمانينات للمشاركة في «الجهاد الأفغاني» قبل أن ينخرط مع «الجماعة الإسلامية المقاتلة» في محاولة فاشلة لقلب نظام العقيد معمر القذافي. قال إنه عائد كي يساهم في حوار تنوي السلطات الليبية مباشرته مع قادة «المقاتلة» المسجونين، برعاية «مؤسسة القذافي للتنمية» التي يرأسها سيف الإسلام القذافي، نجل الزعيم الليبي. عندما كشفتُ خبر زيارته في «الحياة» والحوار بين قادة «المقاتلة» والسلطات، تعرّض بن عثمان لحملة انتقادات شديدة صدر معظمها من «اخوته» السابقين في جماعته. شكك كثيرون من هؤلاء في مدى صدقيته، قائلين إن قادة جماعتهم لا يمكن أن يوافقوا على مثل هذا الحوار مع نظام العقيد الليبي.



لكن الحوار كان حقيقياً. جلس قادة أجهزة الأمن الليبية وجهاً لوجه أمام ستة من قادة الجماعة المسجونين في أبو سليم بطرابلس. شارك في جلسات الحوار دائماً ممثلو سيف الإسلام، وكان يحضرها من حين إلى آخر وسيطان من خارج ليبيا: بن عثمان من لندن، والشيخ الليبي علي الصلابي من قطر.



مرّت جلسات الحوار بمشاكل عديدة. كلما تحقق تقدّم ما كانت تأتي تطورات تهدد بإضاعة كل شيء. لم تساعد «المقاتلة» نفسها أحياناً، خصوصاً عندما أعلن قادتها في أفغانستان انضمامهم إلى تنظيم «القاعدة» في عام 2008. لم تساعد أيضاً «الضبابية» التي كانت تميّز في أحيان كثيرة مواقف الحكم الليبي. فراعي الحوارات الوحيد كان سيف الإسلام القذافي، وهو على رغم نفوذه الواسع يبقى يمثّل شخصه فقط كونه لا يشغل منصباً رسمياً يسمح له بتمثيل الدولة. لكن سيف لم ييأس، وبدا في كل مرة يواجه الحوار مشكلة جديدة أكثر إصراراً على إنجاحه. وبعـدما حـقـق انجازاً كبيراً في الصيف الماضي من خلال السماح لقادة «المقاتلة» بإخراج مراجعاتهم التي أعدوها في السـجن وأعلنوا فيها نبذ العنف وسيلة لقلب الأنظمة العربية والإسلامية، تعرّض مـشـروعه كله لخطر الانـهيار في مطلع عام 2010. فقد أعلن والده العقيد القذافي أمام مؤتمر الشعب العام (البرلمان) معارضته الإفراج عن سـجـناء إسـلاميين بـرّأهـم القضاء ووصفهم بأنهم «زنادقة» مرتبطون بـ «القاعدة» وقد يشكّلون خطراً أمنياً على البلد إذا ما أُفرج عنهم. بدا المقصود بكلامه قادة «المقاتلة»، وأخذت التحليلات «تنعى» مشروع سيف الإسلام وتعتبر كلام والده بمثابة دق إسفين في نعش مبادرة الحوار برمتها، وهو امر لم يكن صحيحاً.



بعد شهرين من كلام القذافي الأب، دعا القذافي الإبن إلى مؤتمر في طرابلس حضره سفراء دول أجنبية كبرى، وشخصيات من خارج ليبيا بينها الصلابي وبن عثمان. جاء سيف الإسلام إلى المؤتمر ومعه ثلاثة من قادة «المقاتلة» هم أميرها عبدالحكيم الخويلدي بلحاج (أبو عبدالله الصادق) ونائبه خالد الشريف (أبو حازم) والمسؤول الشرعي سامي الساعدي (أبو المنذر). كذلك حضر كبار مسؤولي أجهزة الأمن التي شاركت في جلسات الحوارات المضنية على مدى السنوات الثلاث الماضية. أعلن نجل القذافي أن الثلاثة باتوا الآن أحراراً طلقاء وأن أكثر من 200 آخرين من السجناء الإسلاميين («مقاتلة» و «شبكات العراق» و «جهاديين» لا ينتمون إلى تنظيم معيّن) سيخرجون من أبو سليم فوراً، على أن يتم الإفراج عن بقية السجناء لاحقاً.



خرج السجناء وتم رسمياً طي ملف «المقاتلة» التي لم تعد موجودة بعدما وافق قادتها على حلّها. عاد بن عثمان إلى لندن وهو يشعر بلا شك بنوع من الزهو. فقد تحقق مشروعه.



«الحياة» التقت الأسبوع الماضي هذا القيادي السابق في «المقاتلة» وحاورته في شأن قصة الحوارات من بدايتها وإلى نهايتها «السعيدة».



> عندما بدأت الحوارات ألم تفكّر كيف أن العقيد معمر القذافي، المعروف بحزمه الشديد ضد خصومه، يمكن أن يوافق يوماً على الإفراج عمن تآمر على قتله من «المقاتلة»؟



- كنت مطمئناً أنه إذا اقتنع قائد الثورة فلن يتردد في الموافقة على الإفراج عنهم. فخلال المفاوضات (السرية) التي جرت بين ليبيا والغرب في خصوص تفكيك المشروع النووي الليبي (عام 2003) بدأ الطرفان يدرسان الخطوات العملية لطريقة تخلي ليبيا عن برنامجها لأسلحة الدمار. قدّم الغربيون مطالبهم للتأكد من أن ليبيا ستتخلى فعلاً عن كل برنامجها ولن تُخفي شيئاً منه، وقدّمت ليبيا مطالبها في المقابل (إعادة اندماجها في المجتمع الدولي ورفع العقوبات عنها). عند هذا الحد ذهب (مسؤول الاستخبارات الليبية) العميد عبدالله السنوسي إلى قائد الثورة وشرح له أين أصبحت المفاوضات، قائلاً إن عملية تخلي ليبيا عن برامجها أمر سهل، لكن الخوف الذي يتملك أجهزة الأمن والقيادات السياسية هي أن الزعيم الليبي نفسه هو من يستهدفه الغرب من خلال استنساخ التجربة التي حصلت في العراق، مشيراً إلى ما قام به الغرب مع الرئيس صدام حسين وكيف كان يتم تفتيش قصوره بحجة البحث عن أسلحة يخفيها فيها. ثم قال إن ليبيا مستعدة لخوض الحرب للدفاع عن زعيمها.



بعدما استمع (القذافي) إلى هذا التقييم، توجه بسؤال إلى العميد السنوسي. قال له: أين كنت عندما قامت الثورة في سنة 1969؟ هل كنت موجوداً هناك؟ فأجاب العميد عبدالله: بالطبع لا، لم أكن هناك. فتابع قائد الثورة: مثلما تدبّرت أمري في ليلة الثورة وتحملت مخاطرها، خصوصاً ما يتعلق بأمني الشخصي، فأنا قادر على أن أقوم بذلك مجدداً، فاذهب واهتم بشؤون الدولة واكمل هذا الموضوع (تفكيك برامج أسلحة الدمار) ودع عنك ما يتعلق بقضية معمر القذافي شخصياً. عندما علمت بذلك، ومن خلال تجربتي المتواضعة جداً، أيقنت أن شخصاًً من هذا النوع لن يتردد إطلاقاً - إذا ما اقتنع - في الموافقة على قرار بالإفراج عن قيادة «الجماعة المقاتلة» فضلاً عن أعضائها.



> وما الضمانات التي تم تلقيها للإفراج عن هؤلاء؟



- في الحـقـيقة، لم تـكن هـناك أيـة ضـمـامـات مـمـا هـو متعارف عـليه في الـغرب، بمعنى أن تـكون هـناك متابعـات مـعـيّنة علـى المـفرج عنهم أن يخضعوا لها. الشيء الوحيد الذي تم اعتماده هو تقييم الأجهزة الأمنية للأفراد الذين يُرشّحون للإفراج عنهم. بين الفترة والأخرى كان يتم ترشيح عدد من السجناء للإفراج عنهم والعودة للاندماج في المجتمع. كانت عملية التقييم تمر بمراحل عدة إلى أن تصل إلى مرحلتها النهائية التي تتطلب توقيع قائد الثورة كون القضايا مرتبطة بأمن الدولة. وقد يكون غريباً في مثل هذه الحالة أن الضمانة الوحيدة كانت عامل الثقة الذي تكوّن بين أجهزة الأمن والجماعة المقاتلة.



> وكيف تم الوصول إلى هذه الثقة؟



- يعود الفضل في ذلك بعد الله سبحانه وتعالى إلى الدكتور سيف الإسلام الذي فرض على جميع الأطراف المتناقضة المتناحرة أن تجلس وتتحاور لحل خلافاتها. وهكذا تم تغيير البيئة السابقة حيث كانت علاقة الأطراف بعضها ببعض علاقة تقاتل وتنافر. فدخلنا في مرحلة تعارف، ثم حوار، ثم بداية البحث عن قواسم مشتركة. ولعل أعلى درجات الثقة التي وصلنا إليها لا تتمثل بمجرد إطلاق السجناء بل بما حصل في أثناء الحوارات نفسها عندما وافق جهاز الأمن الداخلي وإدارة سجن بو سليم العسكري على إجراء ترتيبات في داخل السجن من خلال نقل سجناء من مكان إلى آخر والسماح لجميع أعضاء «الجماعة المقاتلة»، قيادة وأفراداً، بهامش لم يكن موجوداً في السابق من الحرية واللقاء ببعضهم بعضاً والتحاور. وقد مكّن هذا الإجراء قيادة الجماعة في السجن من استعادة قدرتها وقيادتها (على عناصرها). وهذا الأمر لم يتم الوصول إليه بسهولة لأنه قوبل برفض فوري وصارم عندما طُرح للمرة الأولى. ومن حق أجهزة الأمن أن تأخذ مثل هذا الموقف لأنه يضع أمن السجن في حال الخطر.



> لماذا السماح للسجناء بلقاء بعضهم يمثّل تهديداً؟



- المهندس صبري حليل مقدّم في جهاز الأمن الداخلي، وهو شخص يحظى باحترام في هذا الجهاز وكان، بالمناسبة، زميلاً لأبي منذر الساعدي في كلية الهندسة في أيام الدراسة الجامعية. جئت إلى مكتبه في إدارة جهاز مكافحة الزندقة وبدأت أشرح له أهمية موافقته على القيام ببعض الترتيبات في السجن والتي يطلبها قادة «المقاتلة» كي يتمكنوا من محاورة أعضاء جماعتهم. بعد أن أنهيت حديثي، ضحك «الحاج صبري» وقال: أخي نعمان، أنت محق ولا يوجد تحفظ على كلامك، والإجراء قد يساهم فعلاً في إنجاح الحوار. لكنني شخصياً إذا ما اقتنعت بتلبيته فسأعتبر نفسي مجنوناً وعليّ أن أقدم استقالتي من جهاز الأمن الداخلي. فقلت له: ما هذا التناقض؟ فرد: لأنني جالس على هذا الكرسي (إدارة جهاز مكافحة الزندقة) لا أستطيع أن اقتنع بكلامك، فسأكون أضع أمن السجن كله في خطر إذا مكّنت (سجناء) «المقاتلة» من الجلوس في قاعة واحدة مع بعضهم بعضاً بالطريقة التي تطلبونها. بعد ذلك، تم الاستنجاد بشخصيات أمنية كبيرة في الدولة وكذلك بالدكتور سيف الإسلام إلى أن اقتنع جهاز الأمن الداخلي وإدارة السجن بالسماح للسجناء بأن يكونوا مع بعضهم، وقد حصل ذلك بدءاً من نيسان (إبريل) 2009.



> كان الدكتور علي الصلابي شخصية أساسية في كل جلسات الحوار التي جرت. فما علاقته بـ «المقاتلة»؟



- في الحقيقة، التقيت الدكتور علي الصلابي للمرة الأولى في الحرم النبوي عندما كان يُعرف بـ «أبي جندل» وكان طالباً في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة. لم يكن الشيخ الصلابي في يوم من الأيام مؤيداً لأي عمل عنيف أو مسلح، ولم ينتم إلى أي تيار جهادي منذ انخراطه في مجال الدعوة الإسلامية. لكن مشاركته في جلسات الحوار كانت بالغة الأهمية، وهو طوّر فيها منظومة أسلحة غير قابلة للمصادرة وكانت تتكون من حوالى خمس أو ست آيات قرآنية هي مجتمعة بمثابة منظومة صاروخية بعضها هجومي بعيد المدى وبعضها دفاعي قصير المدى. وقد انتبه مسؤول أمني بارز إلى هذه الاستراتيجية وعلّق عليها خلال الحوارات. أقول ذلك لأن مرحلة الحوار مرّت بمراحل كثيرة من اليأس والإحباط والهم والغم والحزن، وكنت حريصاً مع أخي الشيخ الصلابي على أن لا نُظهر ذلك للناس. والآن أستطيع أن أقول كم كان الشيخ الصلابي يتألم (عندما يتعرقل الحوار). في أحد الأيام خرجنا من السجن بعد انتهاء إحدى جلسات الحوارات وصرنا نمشي في شوارع طرابلس لزمن طويل – ننتظر صلاة العصر - وكنا نتبادل الأحزان والهموم بسبب الكم الكبير من الصعوبات التي واجهت الحوارات آنذاك. ولولا وجوده في الحوارات لكان مصيرها اقرب الى الفشل منه الى النجاح، في اعتقادي.



> وكيف تم تجاوز ذلك الإحباط؟



- عندما وصلت الأمور إلى مرحلة ظهرت فيها عراقيل كثيرة وتضارب واسع في المصالح بين الأطراف المنخرطة في الحوارات، وجدت أنه لم يبق أمامي سوى أن استوضح الأمر من قائد الثورة شخصياً كي أعرف رأيه في مسألة الحوار مع «المقاتلة». فأرسلت إليه تساؤلاً لأعرف هل لديه اعتراض على الحوار، لأنه إذا كان هذا هو الحال فإنني مستعد أن أعلّق الملف وأعود من حيث أتيت، وسأحترم قراره. فجاءني الرد بعد أسبوع بأن القائد يبارك هذا الحوار ويراقبه، وإذا وصل إلى نتائج إيجابية وفق ما تتطلع إليه الدولة الليبية وما ترغب فيه فإن القائد لا يمانع. فعرفت أن هذا الأمر لن يستطيع أحد أو يوقفه. الشخص الذي سألته نقل الرسالة وجاء برد عليها كان العقيد عبدالله منصور الذي لا بد من أن أشكره هو والعميد عبدالله السنوسي وغيرهم من المسؤولين الأمنيين الذين ساهموا في إنجاح الحوارات.



> ما هي الفروق الأساسية بين تجربتي ليبيا والمملكة العربية السعودية في مجال التعاطي مع ملف الإسلاميين الذين يعتمدون العنف؟



- لقد لاحظت للأسف في الشهور الأخيرة أن هناك من يضع التجربتين السعودية والليبية في مقام المنافسة وليس في موضع التكامل، وهذا خطأ. التجربة الليبية تُقدّم نموذجاً متكاملاً للحوار مع الجماعة، قيادة وأفراداً. نجحت التجربة الليبية من خلال الحوار مع ستة أعضاء فقط من مجلس الشورى استطاعوا أن يُنجزوا المهمة وحدهم (أصدروا المراجعات التي تحمل اسم «الدراسات التصحيحية»). وهذا نموذج مهم لدرس حالات التحاور مع قيادة جماعة مكوّنة من عدد من الأشخاص وكيف يؤدي هذا التحاور بالتتابع إلى تحقيق إنجاز مع مئات من أفرادها.



النموذج السعودي، في المقابل، يتعامل مع حالة مختلفة تماماً. فقد واجه النموذج السعودي أفراداً مندفعين إلى العمل المسلح ولكن قيادتهم غير موجودة في المملكة العربية السعودية بل في أفغانستان. ومما يجعل الأمر أكثر تعقيداً أن هذه القيادة ليست سعودية فقط، فهي تشكيل من جنسيات عدة. اعتمدت الجهات المعنية المسؤولة في السعودية أسلوب مناصحة وإعادة تأهيل يستهدف الفرد لتجاوز عقبة عدم وجود جماعة. وقد خرّج هذا البرنامج حتى اليوم أكثر من 900 شخص ولا يزال تحت التأهيل أربعة آلاف، ونسبة الخطأ في البرنامج حالياً تقدر بقرابة 10 في المئة، وغالبيتهم ممن عادوا من غوانتانامو. وأقصد بذلك (نسبة الخطأ) من يعود إلى ممارسة العنف بعد أن يكون قد تعهد بالتخلي عن ذلك. إذن نحن أمام تجربتين ترعرعتا في بيئة إسلامية عربية تُكمل إحداهما الأخرى.



> وماذا تقول «الدراسات التصحيحية» لمن يريد حمل السلاح ضد نظام بلاده؟



- كانت الدراسات واضحة في عدم جواز حمل السلاح لقلب الأنظمة العربية، لكنها استثنت البلدان التي تقع تحت احتلال أجنبي.



> عندما يكون احتلال يجوز الجهاد إذن؟



- سُئل «أبو المنذر الساعدي» في نهاية المؤتمر الصحافي (الذي عقده سيف الإسلام لإعلان طي ملف «المقاتلة») حول رأيه في الذهاب إلى العراق ورسالته الى الشباب المندفع للقتال هناك، فرد بأنه يوجّه رسالة إلى القوات الأميركية كي تنسحب أولاً من العراق، ثم قال إنه ينصح جميع الشباب الليبي بالتريث وعدم الاستعجعال لأن هناك نوعاً من «الغبش» حول هوية ونوع القتال الدائر في العراق الآن لأنه قد يكون أشبه بالحرب الأهلية منه إلى الجهاد. هذا الجواب يوضح كيف تفكّر قيادة «الجماعة المقاتلة» في الموضوع وكيف أنها تفرّق بين القيام لقلب الأنظمة في العالم الإسلامي وبين الخروج لمقاومة الاحتلال.



> كان سيف الإسلام القذافي الشخصية الرئيسية التي أنجحت الحوارات، أليس كذلك؟



- كان الدكتور سيف الإسلام متواضعاً جداً في مؤتمره الصحافي عندما قال انه لم يلعب أي دور، فهو يعلم دوره ونحن نعلم أن هذا الكلام لا يعكس الواقع أبداً. كانت هناك عقبات متكررة لم يستطع أحد أن يتجاوزها سوى سيف الإسلام. كان الحوار يتوقف أحياناً شهرين أو ثلاثة بسبب عقبات حقيقية، ولا تعود الأمور إلى مجراها سوى بعد تدخله. وإذا سألت الإخوة في السجن – قيادة المقاتلة وبقية المساجين – فإنهم جميعهم شاركوا في الحوارات بضمانة واحدة فقط وهي معرفتهم بأن سيف الإسلام هو صاحب المبادرة والضامن لها. وكان واضحاً أنه لن يسمح للمبادرة بأن تنهار.



> وكيف استطاع أن يُقنع والده بها؟



- أعتقد أن هناك ثقة واضحة جداً من القائد بسيف الإسلام، كما أنه كان هناك جنود أوفياء لم يظهروا في الصورة علناً وساهموا كثيراً في تذليل العقبات التي كانت تنشأ أحياناً بسبب سوء فهم بين سيف الإسلام ووالده.



> وما هو مصير سجناء «المقاتلة» الذين خرجوا من السجن؟



- أعتقد أن هناك وعياً من الدكتور سيف الإسلام لمسألة ما بعد استعادة هؤلاء حريتهم. ما فهمته، وقد أكون مخطئاً، أن وجهة نظر الدكتور سيف أن هناك من سيتم دمجه في المجتمع من خلال إيجاد فرص عمل له أو منحه مسكناً ومنحاً مالية وغير ذلك من المساعدات التي تقدم لإنسان غاب فترة عن مجتمعه. وتنتهي الأمور عند هذا الحد. لكن هناك أشخاصاً، وهم قلة مقارنة بمجمل السجناء الذين أفرج عنهم، أعتقد أن سيف الإسلام يؤمن بأن من مصلحة الوطن أن لا يقتصر الأمر على دمجهم في المجتمع بل أيضاً الاستفادة من خبراتهم ومهاراتهم بشرط انتفاء المانع الأمني لذلك. وليس بالضرورة أن يكون ما ذكرته الآن أو ما أتصور انها رؤية الدكتور سيف للموضوع هو أيضاً وجهة نظر الدولة الليبية.



> وما هو موقف قيادات «المقاتلة» في الخارج مما حصل؟



- لم تعد هناك جماعة حتى نقول أن هناك قيادة، وهذا الأمر كان معروفاً لقيادة «المقاتلة» منذ بدأ الحوار. فنظام الجماهيرية لا يسمح بوجود جماعات أو أحزاب في ليبيا، وهذا الأمر ليس خاصاً فقط بـ «المقاتلة». الإخوة تقبلوا هذا الأمر، لذلك فإن الجماعة بصيغتها المعروفة لم تعد موجودة. أما الإخوة الموجودون في الخارج فقد أيّدوا القيادة في ما قامت به وتقبلوا «الدراسات التصحيحية» وهم في كامل حريتهم، مع تأكيد بعضهم أنه لا يزال لديه موقف سلبي تجاه الدولة الليبية كنظام سياسي.



ويبقى هناك الإخوة الموجودون في أفغانستان، وأعتقد أن من غير المعقول أن يتم التعامل معهم ضمن إطار «الجماعة المقاتلة» لأنهم الآن أعضاء ضمن تنظيم «القاعدة» ومواقفهم تعبّر عن هذا التنظيم. وهذا خيارهم الشخصي وهم أحرار فيه لكنهم لا يمثّلون «المقاتلة».

No comments: