قال إنه نزل من الجبل نتيجة «فتاوى العلماء وتغيّر سياسة النظام»... وإن الاتصال الأول مع السلطات كان في 2003 «عبر عائلتي» (الحلقة الثالثة)... حطّاب لـ «الحياة»: أيّد «مفتي الجماعة السلفية» المصالحة سراً لكنه تردّد في الجهر برأيه فمالت الكفّة لمصلحة خصومي
<>الجزائر - كميل الطويل الحياة - 16/03/09//
بقي حسان حطاب (أبو حمزة) يقود «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» حتى العام 2003 عندما تنحى من إمارتها ليخلفه نبيل صحراوي (أبو إبراهيم مصطفى). ما هي قصة تنحّيه عن قيادة هذا التنظيم الذي كان مؤسسه بعدما انشق عن «الجماعة الإسلامية المسلحة» في العام 1996، وما هي قصة «رفضه» سياسة المصالحة مع الحكم التي قادها مدني مزراق، أمير «الجيش الإسلامي للإنقاذ» في نهاية التسعينات، وكيف غيّر رأيه لاحقاً وسار في المصالحة ذاتها بعد تولي الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة السلطة بدءاً من العام 1999، ولماذا تردّد حتى العام 2003 ليأخذ موقفاً واضحاً مؤيداً للمصالحة مع الحكم.
في هذه الحلقة يروي «أبو حمزة» قصة ذلك التحوّل في مساره «الجهادي» ويرسم صورة قاتمة للأوضاع في الجبل، حيث يخاف المسلحون من بعضهم بعضاً ويزايدون على بعضهم بعضاً في رفض الهدنة والمصالحة لكنهم يتسابقون في السرّ على اقتناص الفرصة للنزول من الجبل وإلقاء السلاح.
< يدافع حسان حطاب عن السياسات التي سلكها خلال توليه قيادة «الجماعة السلفية للدعوة والقتال»، ويقدّم مبررات يقول إنها دفعته إلى التمسك بحمل السلاح ضد الحكم الجزائري. يقول إنه كان واصل حمل السلاح حتى الآن لو تمسّكت السلطات بسياستها الأمنية في التعامل مع المسلحين ولو لم يباشر الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة سياسة مصالحة مع عناصر الجماعات التي توافق على إلقاء سلاحها والنزول من الجبل.
سألت مؤسس «الجماعة السلفية» لماذا قرّر التزام الهدنة في 2003 بعدما تمسّك طوال سنوات برفض ما دأب على تسميته «هدنة مزعومة» و «استسلاماً لا سلماً»؟ فأجاب: «التزمت الهدنة لأنني رأيت أن الوضع تغيّر جملة وتفصيلاً عن حقبة التسعينات. لقد راجعت نفسي وأجريت تقويماً للأوضاع في البلاد فرأيت أن سياسة النظام تغيّرت فعلاً نوعاً ما ولم تعد هي السياسة نفسها التي كانت في التسعينات. كنت أتابع مؤشرات هذا التغيير في سياسة النظام واستمع إلى خطابات رئيس الجمهورية وأقرأ ما تكتبه الصحافة. كنت أتابع خصوصاً ما يقوله رئيس الجمهورية (بوتفليقة) لأرى مدى صدقيته، وهل يقصد حقاً المصالحة أم أن في الأمر تلاعبات. لكنني في الحقيقة التمست الصدق في ممارسات رئيس الجمهورية. فقد كان خارج البلاد عندما بدأت الأحداث (عقب إلغاء الانتخابات في 1992) ولم يكن بالتالي طرفاً في ما حصل في التسعينات. ومن خلال متابعة مساره وسياساته لمست منه الثقة. هذا حقاً ما لمسته فيه. التمست الثقة والصدق».
ويتابع حطاب قائلاً إنه إضافة إلى التغيير الظاهر في تصرفات الحكم الجزائري منذ وصول بوتفليقة إلى السلطة في 1999 «لاحظنا تغييراً أيضاً في موقف المجتمع الجزائري. فنحن جزء من هذا المجتمع الذي بات كله الآن ينادي بالمصالحة. لا يمكننا أن نناقض نفسنا. لا نستطيع أن نقول إننا نمثّل تطلعات المجتمع ونواصل القتال بينما المجتمع ينادي عن بكرة أبيه بالمصالحة».
ويورد «أبو حمزة» سبباً ثالثاً دفعهم إلى التراجع عن رفض سياسة المصالحة تمثّل في ظهور موقف واضح من العلماء المسلمين يرفض مواصلة حمل السلاح ضد الحكم الجزائري. ويوضح: «لاحظنا أن مختلف العلماء باتوا يخالفوننا في مواصلة القتال، وهذا الأمر كان أساسياً في قرارنا (وقف العمليات المسلحة)». سألته من هم هؤلاء العلماء، فردّ: «كانوا علماء من دول مختلفة. لم يكن هناك عالم واحد يؤيّد القتال الذي نقوم به في الجزائر. جرى اتصال، مثلاً، بالشيخ (محمد بن صالح) العثيمين، رحمه الله. اتصل به أشخاص من «كتيبة الغرباء» (في «الجماعة السلفية»). كذلك تم الاتصال بعلماء يتمتعون بمستوى علمي كبير. فرأينا تغييراً في موقف العلماء. بعدما كانوا في السابق يلتزمون الصمت إزاء ما يجري، صاروا الآن يتحدثون ضد القتال في الجزائر. فقلنا لأنفسنا إن هناك تغييراً بالتأكيد في موقف العلماء. صاروا الآن يُفتون بوقف القتال. فالقضية تختلف إذن».
ويشرح حطاب كيف ناقش مع جماعته هذه التطورات وما هي الصعوبات التي واجهها في إقناع أمرائه بقبول السير في سياسة المصالحة: «كانت هناك فعلاً جهات (في «الجماعة السلفية») لديها عقليات تحتاج وقتاً لتتغيّر، لكن لم يكن لدينا الوقت الكافي كي ننتظر حصول ذلك. كان هناك بعض من صارحته بذلك في الكواليس. أول من بدأت بمصارحته كان رئيس الهيئة الشرعية أبو البراء أحمد (اسمه الحقيقي أحمد زيرابيب من مواليد 1963 في مدينة بودواو بولاية بومرداس، وقُتل في كانون الثاني/ يناير 2006 في معركة مع الجيش في الجبال المتاخمة لمدينة توجة في بجاية، شرق العاصمة). كان أبو البراء طالب علم وعنصراً مؤسساً عندي (لديه تأسيس شرعي). كان يشاركني في الأفكار التي أحملها، مثلما كان يشاركني بها «أبو زكريا» (رئيس اللجنة الطبية وعضو مجلس الأعيان) و «أبو عمر عبدالبرّ» (رئيس «اللجنة الإعلامية» وعضو مجلس الأعيان)... أستطيع أن أقول إننا في المنطقة الثانية كنّا كلنا تقريباً نحمل فكراً واحداً. كانت هناك استثناءات بالطبع، فرد أو أكثر، ولكن لا يتمتّعون بوزن كبير. الغالبية كانت تحمل أفكاراً تصبّ عند مصب واحد. لكنني بدأت بأبي البراء كونه رأس الهيئة الشرعية ولديه وزنه الديني وهو من يتولى إصدار الفتاوى. صارحني وصارحته. لكن مشكلته كانت أنه كان خائفاً نوعاً ما (في تأييد خطوة وقف العمليات). خوفه كان يمكن أن يؤدي إلى صدام بيني وبين الأمراء (الذين يرفضون وقف العمليات). فإذا لم يسر هو في أمر ما فإنك ستدخل ربما في قتال ضد بعض الأمراء وسيهرق دم وستتعقّد الأمور أكثر (إذا خالف الأمير رأي رئيس الهيئة الشرعية). صارحت بعض الأمراء والأعيان بموقفي من ضرورة السير في المصالحة، لكن لم يمكن إبلاغ الجميع بذلك فبعضهم كان ما زال يحمل أفكاراً بالغة التشدد. فمن تصارح؟ هل تصارح أعيان جيجل الذين ما زالت عندهم الرغبة في قتل نساء قوات الأمن (بحسب فتوى جمال زيتوني في شباط/ فبراير 1995)؟ الأمر لم يكن بتلك البساطة. في المنطقة الثانية كان يمكنك المصارحة (بتأييد وقف العمل المسلح) لأن هناك عدداً كبيراً ممن تربوا معي وكانت أفكارنا تصب كلها في مصب واحد. أما المناطق الأخرى فقد نجحنا في تغيير كثير من أفكارهم ولكن على رغم ذلك بقيت لديهم بعض الرواسب (المتشددة من أيام «الجماعة الإسلامية المسلحة»)».
وتابع: «الذي قمت به هو أنني حاولت أن أنعزل بطريقتي الخاصة وأباشر اتصالات مع الأمراء الذين أعرفهم ويشاطروني القضية نفسها واستطيع بالتالي أن أناقش معهم أمراً ما وأنا آمن على نفسي. لأنني أعرف، بحسب تجربتي وخبرتي، أن طرح فكرة ما في وسط مجموعة رافضة لها يمكن أن تدفعها إلى التخلّص مني بطريقة من الطرق. لذلك اتصلت بـ «أبي زكريا» الذي كان مقتنعاً اقتناعاً تاماً بما قلت (راجع المقابلة معه في عدد أمس). كذلك اتصلت بعبدالبرّ (رئيس اللجنة الإعلامية - راجع المقابلة معه مرفقة بحلقة اليوم). وعلى الرغم من أن الرسالة لم تصله، فقد كنت أراه من الناس المقتنعين وأعرف أفكاره. وبالفعل باشر «أبو زكريا» اتصالات مكثّفة في داخل الجماعة كي ننسّق وننشئ قيادة (مؤيدة للمصالحة). لكن طالب العلم (أبو البراء أحمد) تردّد وعرقل تحركنا. كنت قد قمت بعملية جسّ نبض على مستوى المناطق، وكنت مهيئاً منذ ما قبل ذلك (لقبول المصالحة)، والضابط الشرعي التابع لي مهيئ بدوره. لكن المشكلة أن الضابط الشرعي للجماعة ككل (أبو البراء) ظل متردداً. فهو من كان قادراً على حسم الأمور (لو أيّد وقف العمليات علناً). كان يتمتع بمستوى علمي وشرعي ولديه اطلاع واسع ويشاركني في الأفكار المقتنع بها. كانت لديه الأفكار ذاتها. قُلت له إن ميلك لي يستطيع أن يمدّ لي الجماعة (يكسبها إلى جانبي) ولن تحدث فتنة. وإذا لم تساندني فإنك ستحرجني ويمكن أن تحدث فتنة. قلت له إن خوفك وترددك سيفسّره الناس على انك تخالفني الرأي. دعيته إلى أن لا يخاف في الاجتماع، فأنا سأتصدى للموضوع وإذا حصلت أي مشكلة سأضعك في الوراء وسأتولى المواجهة بنفسي، وسأضمن لك بإذن الله سلامتك. وافق على ذلك. لكنه في نهاية المطاف تردّد، وعرفت أن تردّده سيولّد لي مشكلة. وهذا ما حصل. تخوّفه المفرط أعطى الجانب الآخر (المعارض لوقف القتال) القوة، على رغم انه لم يكن لديهم مبرر شرعي لمواصلة القتال. فالشعب كله كان يسير في المصالحة. الشيء الوحيد الذي كانوا يجادلون فيه هو أن النظام ليس جاداً في هذه المصالحة. لذلك انسحبت من الجماعة (في آب/ أغسطس 2003) وتولى الإمارة نبيل صحراوي (أبو إبراهيم مصطفى)، لكنني أقمت مركزاً بجوارهم (بجوار مراكز «الجماعة السلفية» شرق العاصمة الجزائرية) وكُنت وحيداً أتولى الاتصالات مع الأطراف كي أهيئ الأرضية (لوقف القتال). ثم بدأت الاتصالات مع السلطات في أيلول (سبتمبر) 2003، وكانوا هم من بادر إلى الاتصال عن طريق أحد أقاربي. بعد ذلك أصدرت بياني الأول ووزعته على وسائل الإعلام في 2005 (أعلن فيه استعداده لـ «التفاعل إيجابياً» مع مبادرة الرئيس بوتفليقة للعفو عن المسلحين الذين يلقون السلاح، لكنه وضع شروطاً عديدة للسّير في هذه المبادرة التي وصفها بـ «المبهمة» و «الغامضة»، مؤكداً رفضه الدخول في «حلول مغشوشة»). وفي الوقت ذاته، واصلت الاتصال بقيادة الجماعة السلفية حتى حصل لأبي زكريا ما حصل وضربه بالرصاص أحد أفراد الجماعة بعدما رأوه مقتنعاً (بالمصالحة) ويعمل على تهيئة الأرضية لها (في 2004)».
ويشرح حطاب أن الاتصالات مع الحكم الجزائري تناولت آنذاك كيفية استفادة المسلحين الذين يُلقون السلاح وينزلون من الجبل من إجراءات العفو التي يتضمّنها قانون السلم والمصالحة وسبل تسريع عملية دمج المسلحين السابقين في المجتمع لأن كثيرين من المتردّدين في النزول من الجبل كانوا يتحدثون عن عراقيل يواجهها من نزلوا من الجبل قبلهم في إدارات الدولة عندما يسعون إلى تسوية أوضاعهم (مثل الذين يودّون العودة إلى مراكز عملهم بعدما فقدوها جراء التحاقهم بالمسلحين). ويوضح: «بدأنا مفاوضات مع النظام على قضية المصالحة، وطرحت شروطاً كي ندخل فيها. وفعلاً سار النظام آنذاك في تلك الخطوات (التي طالبنا بها)، لكن تجسيد بعض الإجراءات الواردة في القوانين على أرض الواقع كان يواجه بيروقراطية في بعض إدارات الدولة. هذا التردد في تطبيق الإجراءات أثار لدينا بعض سوء الظن. كنا نطالب النظام بأن يُقدّر أهمية هذا الموضوع ويُسرع في تجسيد تلك القوانين على أرض الواقع. كانت هناك مشاكل اجتماعية كثيرة لو عولجت بطريقة صحيحة وبسرعة لأعطتنا صدقية في تحركنا (لإقناع المسلحين بإلقاء السلاح). هذا الأمر أثار تردداً لدى أشخاص كنا نهيّئهم وأبدوا استعداداً للنزول من الجبل. فتكثفت الاتصالات مع أفراد في الجماعة على مستوى الوطن. وفي الحقيقة قبل أن أنزل من الجبل (في 2007) رأيت أن الجنود لديهم استعداد كبير للنزول، وحتى الأمراء جلّهم كان لديه استعداد مماثل. لكن التردّد في تطبيق إجراءات قوانين المصالحة كان في الواقع يترك نوعاً من الشك في نفوسهم. فسعينا مع النظام كي يُسهّل الأمور ويطلب من الإدارات تخفيف تلك البيروقراطية، خصوصاً أن الإجراءات التي نطلبها صارت جزءاً من القانون ولا شيء يجب أن يمنع من تنفيذها. وحصل نوع من التجاوب بالفعل. وأقول الحقيقة إننا بحكم متابعتنا للأمور نجد أن هناك نية صادقة في معالجة القضايا العالقة. ربما يتم تنفيذها بتدرّج، لكننا نرى نية صادقة. وبالتأكيد فإن التجاوب أكبر من ذي قبل، والناس (التي نزلت من الجبال أو التي تفكّر في النزول) ما زالت تسألنا ونحن نتابع أوضاعها».
ويقول حطاب إن كثيرين من العناصر المتمركزة في الجبل الآن يرغبون في النزول: «تراهم يتربصون ولا يقاتلون. يتابعون ماذا حصل للأفراد الذين نزلوا من الجبل وما هي ظروفهم الاجتماعية. هذه كلها من العناصر التي تساهم في نجاح نزولهم من الجبل. كنت أتحدث مع الجنود من خلال مكالمات هاتفية وهم في الجبل ويسألونني، بحكم انني كنت الأمير، لماذا سرت في المصالحة؟ وانا أتولى ترغيبهم في مسعى المصالحة. واستطيع أن أقول لك إنهم كانوا في الاجمال ينظرون الى الواقع أكثر من الأدلة الشرعية لاتخاذ قرار في شأن نزولهم او بقائهم في الجبل. على رغم انني أسرد لهم الأدلة الشرعية وأبيّن لهم عدم جواز القتال فإن ذلك لا يكفي. فهم يسألون عن المبررات على أرض الواقع وما هي الفائدة من نزولهم من الجبل. فأبدأ بسرد الأدلة الواقعية التي تشجعهم على النزول وأقارن بين ما كان يحصل في ماضينا إلى يومنا هذا وأبيّن لهم المصالح والمفاسد وان لا جدوى من البقاء في الجبل. نعطيهم أدلة دامغة على ضرورة النزول من الجبل. في البداية قد أُشتم، لكنني أخاطبهم وأسرد لهم مبررات النزول من الجبل، شرعاً وواقعاً. فيبدأون بالاقتناع ويعتذرون لي. أعطيهم معلومات وأدلة وبراهين قاطعة فيتراجعون ويجلسون إلى أنفسهم يفكرون ويعرفون ان ما قلته لهم صحيح. يعرفون من خلال التجربة انني في الجبل منذ 1992 وليس لديهم ضدي أي ملاحظة ويعرفون طريقة تسييري إمارة الجماعة وإدارتي لها، ومن حيث الأخلاق (يعرفون ذلك أيضاً). وهذا الأمر متوقع، لأن أي أمير من أمراء المناطق يتخذ موقفاً كهذا الموقف يمكن للناس أن توجه له اتهامات - خصوصاً إذا كان أمير منطقة وخرّب منطقته. حتى ولو كان أمير منطقة وعنده قناعة بوقف القتال فإنه يخاف أن يجهر بها لأنه سيقول إنهم يمكن أن يتهمونني بأمور حصلت ويجدونها فرصة (للتخلص منه). ولكن إذا كانت شخصيتك قوية ويكون عندك تاريخ فإنهم، وإن أحبوا، لن يجدوا أي تهمة يوجهونها إليك (إذا جاهرت بموقفك). طريقة تسييري للمنطقة الثانية معروفة، فقد كانت منطقتي هي نواة الجماعة السلفية. لم يكن هناك أمير كان قادراً على الخروج على «الجيا». ربما كان هناك أفراد خرجوا قبلي، ولكن من كان يجرؤ على الخروج من الأمراء وهو مجاور للمنطقة التي تسيطر عليها «الجيا». عندما خرجت على «الجيا» كان بيني وبينهم مسافة ربع ساعة. وكانت «الجيا» في عزّ قوتها. كانت مسيرة ربع ساعة بين مواقعي ومواقعهم. وعلى رغم ذلك، تحدّيت «الجيا» وخرجت عليها. الناس تعرف ماذا فعلت. يقولون إنه لولا الله وهذا الرجل لما استطعنا الخروج (عن الجيا). لكانت «الجيا» انتشرت على مستوى كبير. وقفت في وجهها بحيث لم تعد تستطيع الوصول الى الشرق (عبر المنطقة). هذه عوامل تجعل الانسان إذا أراد أن يأخذ موقفاً فإن ماضيه يساعده. يستطيع أن يتخذ قراراً جريئاً أمام الجند والأمراء. ربما يعرف أن الناس قد تسبّه وتشتمه، ولكنه يعرف ان كلامه لن يمر مروراً سهلاً بل سيبقى وستفكر فيه الناس. سيقولون إن هذا الرجل الذي يتكلم نعرف ماضيه. فلو كنت من الأمراء الذين خربوا مناطقهم لكان سهلاً توجيه اتهامات لي. الأمراء الذين يتخذون موقفاً يتعزز موقفهم بحسب ماضيهم. وكان هناك من هو مقتنع حتى ولو كان ماضيه مشوها قليلا نوعاً ما... يخاف، فيقول إنها قد تكون فرصة للتخلّص مني».
<>الجزائر - كميل الطويل الحياة - 16/03/09//
بقي حسان حطاب (أبو حمزة) يقود «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» حتى العام 2003 عندما تنحى من إمارتها ليخلفه نبيل صحراوي (أبو إبراهيم مصطفى). ما هي قصة تنحّيه عن قيادة هذا التنظيم الذي كان مؤسسه بعدما انشق عن «الجماعة الإسلامية المسلحة» في العام 1996، وما هي قصة «رفضه» سياسة المصالحة مع الحكم التي قادها مدني مزراق، أمير «الجيش الإسلامي للإنقاذ» في نهاية التسعينات، وكيف غيّر رأيه لاحقاً وسار في المصالحة ذاتها بعد تولي الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة السلطة بدءاً من العام 1999، ولماذا تردّد حتى العام 2003 ليأخذ موقفاً واضحاً مؤيداً للمصالحة مع الحكم.
في هذه الحلقة يروي «أبو حمزة» قصة ذلك التحوّل في مساره «الجهادي» ويرسم صورة قاتمة للأوضاع في الجبل، حيث يخاف المسلحون من بعضهم بعضاً ويزايدون على بعضهم بعضاً في رفض الهدنة والمصالحة لكنهم يتسابقون في السرّ على اقتناص الفرصة للنزول من الجبل وإلقاء السلاح.
< يدافع حسان حطاب عن السياسات التي سلكها خلال توليه قيادة «الجماعة السلفية للدعوة والقتال»، ويقدّم مبررات يقول إنها دفعته إلى التمسك بحمل السلاح ضد الحكم الجزائري. يقول إنه كان واصل حمل السلاح حتى الآن لو تمسّكت السلطات بسياستها الأمنية في التعامل مع المسلحين ولو لم يباشر الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة سياسة مصالحة مع عناصر الجماعات التي توافق على إلقاء سلاحها والنزول من الجبل.
سألت مؤسس «الجماعة السلفية» لماذا قرّر التزام الهدنة في 2003 بعدما تمسّك طوال سنوات برفض ما دأب على تسميته «هدنة مزعومة» و «استسلاماً لا سلماً»؟ فأجاب: «التزمت الهدنة لأنني رأيت أن الوضع تغيّر جملة وتفصيلاً عن حقبة التسعينات. لقد راجعت نفسي وأجريت تقويماً للأوضاع في البلاد فرأيت أن سياسة النظام تغيّرت فعلاً نوعاً ما ولم تعد هي السياسة نفسها التي كانت في التسعينات. كنت أتابع مؤشرات هذا التغيير في سياسة النظام واستمع إلى خطابات رئيس الجمهورية وأقرأ ما تكتبه الصحافة. كنت أتابع خصوصاً ما يقوله رئيس الجمهورية (بوتفليقة) لأرى مدى صدقيته، وهل يقصد حقاً المصالحة أم أن في الأمر تلاعبات. لكنني في الحقيقة التمست الصدق في ممارسات رئيس الجمهورية. فقد كان خارج البلاد عندما بدأت الأحداث (عقب إلغاء الانتخابات في 1992) ولم يكن بالتالي طرفاً في ما حصل في التسعينات. ومن خلال متابعة مساره وسياساته لمست منه الثقة. هذا حقاً ما لمسته فيه. التمست الثقة والصدق».
ويتابع حطاب قائلاً إنه إضافة إلى التغيير الظاهر في تصرفات الحكم الجزائري منذ وصول بوتفليقة إلى السلطة في 1999 «لاحظنا تغييراً أيضاً في موقف المجتمع الجزائري. فنحن جزء من هذا المجتمع الذي بات كله الآن ينادي بالمصالحة. لا يمكننا أن نناقض نفسنا. لا نستطيع أن نقول إننا نمثّل تطلعات المجتمع ونواصل القتال بينما المجتمع ينادي عن بكرة أبيه بالمصالحة».
ويورد «أبو حمزة» سبباً ثالثاً دفعهم إلى التراجع عن رفض سياسة المصالحة تمثّل في ظهور موقف واضح من العلماء المسلمين يرفض مواصلة حمل السلاح ضد الحكم الجزائري. ويوضح: «لاحظنا أن مختلف العلماء باتوا يخالفوننا في مواصلة القتال، وهذا الأمر كان أساسياً في قرارنا (وقف العمليات المسلحة)». سألته من هم هؤلاء العلماء، فردّ: «كانوا علماء من دول مختلفة. لم يكن هناك عالم واحد يؤيّد القتال الذي نقوم به في الجزائر. جرى اتصال، مثلاً، بالشيخ (محمد بن صالح) العثيمين، رحمه الله. اتصل به أشخاص من «كتيبة الغرباء» (في «الجماعة السلفية»). كذلك تم الاتصال بعلماء يتمتعون بمستوى علمي كبير. فرأينا تغييراً في موقف العلماء. بعدما كانوا في السابق يلتزمون الصمت إزاء ما يجري، صاروا الآن يتحدثون ضد القتال في الجزائر. فقلنا لأنفسنا إن هناك تغييراً بالتأكيد في موقف العلماء. صاروا الآن يُفتون بوقف القتال. فالقضية تختلف إذن».
ويشرح حطاب كيف ناقش مع جماعته هذه التطورات وما هي الصعوبات التي واجهها في إقناع أمرائه بقبول السير في سياسة المصالحة: «كانت هناك فعلاً جهات (في «الجماعة السلفية») لديها عقليات تحتاج وقتاً لتتغيّر، لكن لم يكن لدينا الوقت الكافي كي ننتظر حصول ذلك. كان هناك بعض من صارحته بذلك في الكواليس. أول من بدأت بمصارحته كان رئيس الهيئة الشرعية أبو البراء أحمد (اسمه الحقيقي أحمد زيرابيب من مواليد 1963 في مدينة بودواو بولاية بومرداس، وقُتل في كانون الثاني/ يناير 2006 في معركة مع الجيش في الجبال المتاخمة لمدينة توجة في بجاية، شرق العاصمة). كان أبو البراء طالب علم وعنصراً مؤسساً عندي (لديه تأسيس شرعي). كان يشاركني في الأفكار التي أحملها، مثلما كان يشاركني بها «أبو زكريا» (رئيس اللجنة الطبية وعضو مجلس الأعيان) و «أبو عمر عبدالبرّ» (رئيس «اللجنة الإعلامية» وعضو مجلس الأعيان)... أستطيع أن أقول إننا في المنطقة الثانية كنّا كلنا تقريباً نحمل فكراً واحداً. كانت هناك استثناءات بالطبع، فرد أو أكثر، ولكن لا يتمتّعون بوزن كبير. الغالبية كانت تحمل أفكاراً تصبّ عند مصب واحد. لكنني بدأت بأبي البراء كونه رأس الهيئة الشرعية ولديه وزنه الديني وهو من يتولى إصدار الفتاوى. صارحني وصارحته. لكن مشكلته كانت أنه كان خائفاً نوعاً ما (في تأييد خطوة وقف العمليات). خوفه كان يمكن أن يؤدي إلى صدام بيني وبين الأمراء (الذين يرفضون وقف العمليات). فإذا لم يسر هو في أمر ما فإنك ستدخل ربما في قتال ضد بعض الأمراء وسيهرق دم وستتعقّد الأمور أكثر (إذا خالف الأمير رأي رئيس الهيئة الشرعية). صارحت بعض الأمراء والأعيان بموقفي من ضرورة السير في المصالحة، لكن لم يمكن إبلاغ الجميع بذلك فبعضهم كان ما زال يحمل أفكاراً بالغة التشدد. فمن تصارح؟ هل تصارح أعيان جيجل الذين ما زالت عندهم الرغبة في قتل نساء قوات الأمن (بحسب فتوى جمال زيتوني في شباط/ فبراير 1995)؟ الأمر لم يكن بتلك البساطة. في المنطقة الثانية كان يمكنك المصارحة (بتأييد وقف العمل المسلح) لأن هناك عدداً كبيراً ممن تربوا معي وكانت أفكارنا تصب كلها في مصب واحد. أما المناطق الأخرى فقد نجحنا في تغيير كثير من أفكارهم ولكن على رغم ذلك بقيت لديهم بعض الرواسب (المتشددة من أيام «الجماعة الإسلامية المسلحة»)».
وتابع: «الذي قمت به هو أنني حاولت أن أنعزل بطريقتي الخاصة وأباشر اتصالات مع الأمراء الذين أعرفهم ويشاطروني القضية نفسها واستطيع بالتالي أن أناقش معهم أمراً ما وأنا آمن على نفسي. لأنني أعرف، بحسب تجربتي وخبرتي، أن طرح فكرة ما في وسط مجموعة رافضة لها يمكن أن تدفعها إلى التخلّص مني بطريقة من الطرق. لذلك اتصلت بـ «أبي زكريا» الذي كان مقتنعاً اقتناعاً تاماً بما قلت (راجع المقابلة معه في عدد أمس). كذلك اتصلت بعبدالبرّ (رئيس اللجنة الإعلامية - راجع المقابلة معه مرفقة بحلقة اليوم). وعلى الرغم من أن الرسالة لم تصله، فقد كنت أراه من الناس المقتنعين وأعرف أفكاره. وبالفعل باشر «أبو زكريا» اتصالات مكثّفة في داخل الجماعة كي ننسّق وننشئ قيادة (مؤيدة للمصالحة). لكن طالب العلم (أبو البراء أحمد) تردّد وعرقل تحركنا. كنت قد قمت بعملية جسّ نبض على مستوى المناطق، وكنت مهيئاً منذ ما قبل ذلك (لقبول المصالحة)، والضابط الشرعي التابع لي مهيئ بدوره. لكن المشكلة أن الضابط الشرعي للجماعة ككل (أبو البراء) ظل متردداً. فهو من كان قادراً على حسم الأمور (لو أيّد وقف العمليات علناً). كان يتمتع بمستوى علمي وشرعي ولديه اطلاع واسع ويشاركني في الأفكار المقتنع بها. كانت لديه الأفكار ذاتها. قُلت له إن ميلك لي يستطيع أن يمدّ لي الجماعة (يكسبها إلى جانبي) ولن تحدث فتنة. وإذا لم تساندني فإنك ستحرجني ويمكن أن تحدث فتنة. قلت له إن خوفك وترددك سيفسّره الناس على انك تخالفني الرأي. دعيته إلى أن لا يخاف في الاجتماع، فأنا سأتصدى للموضوع وإذا حصلت أي مشكلة سأضعك في الوراء وسأتولى المواجهة بنفسي، وسأضمن لك بإذن الله سلامتك. وافق على ذلك. لكنه في نهاية المطاف تردّد، وعرفت أن تردّده سيولّد لي مشكلة. وهذا ما حصل. تخوّفه المفرط أعطى الجانب الآخر (المعارض لوقف القتال) القوة، على رغم انه لم يكن لديهم مبرر شرعي لمواصلة القتال. فالشعب كله كان يسير في المصالحة. الشيء الوحيد الذي كانوا يجادلون فيه هو أن النظام ليس جاداً في هذه المصالحة. لذلك انسحبت من الجماعة (في آب/ أغسطس 2003) وتولى الإمارة نبيل صحراوي (أبو إبراهيم مصطفى)، لكنني أقمت مركزاً بجوارهم (بجوار مراكز «الجماعة السلفية» شرق العاصمة الجزائرية) وكُنت وحيداً أتولى الاتصالات مع الأطراف كي أهيئ الأرضية (لوقف القتال). ثم بدأت الاتصالات مع السلطات في أيلول (سبتمبر) 2003، وكانوا هم من بادر إلى الاتصال عن طريق أحد أقاربي. بعد ذلك أصدرت بياني الأول ووزعته على وسائل الإعلام في 2005 (أعلن فيه استعداده لـ «التفاعل إيجابياً» مع مبادرة الرئيس بوتفليقة للعفو عن المسلحين الذين يلقون السلاح، لكنه وضع شروطاً عديدة للسّير في هذه المبادرة التي وصفها بـ «المبهمة» و «الغامضة»، مؤكداً رفضه الدخول في «حلول مغشوشة»). وفي الوقت ذاته، واصلت الاتصال بقيادة الجماعة السلفية حتى حصل لأبي زكريا ما حصل وضربه بالرصاص أحد أفراد الجماعة بعدما رأوه مقتنعاً (بالمصالحة) ويعمل على تهيئة الأرضية لها (في 2004)».
ويشرح حطاب أن الاتصالات مع الحكم الجزائري تناولت آنذاك كيفية استفادة المسلحين الذين يُلقون السلاح وينزلون من الجبل من إجراءات العفو التي يتضمّنها قانون السلم والمصالحة وسبل تسريع عملية دمج المسلحين السابقين في المجتمع لأن كثيرين من المتردّدين في النزول من الجبل كانوا يتحدثون عن عراقيل يواجهها من نزلوا من الجبل قبلهم في إدارات الدولة عندما يسعون إلى تسوية أوضاعهم (مثل الذين يودّون العودة إلى مراكز عملهم بعدما فقدوها جراء التحاقهم بالمسلحين). ويوضح: «بدأنا مفاوضات مع النظام على قضية المصالحة، وطرحت شروطاً كي ندخل فيها. وفعلاً سار النظام آنذاك في تلك الخطوات (التي طالبنا بها)، لكن تجسيد بعض الإجراءات الواردة في القوانين على أرض الواقع كان يواجه بيروقراطية في بعض إدارات الدولة. هذا التردد في تطبيق الإجراءات أثار لدينا بعض سوء الظن. كنا نطالب النظام بأن يُقدّر أهمية هذا الموضوع ويُسرع في تجسيد تلك القوانين على أرض الواقع. كانت هناك مشاكل اجتماعية كثيرة لو عولجت بطريقة صحيحة وبسرعة لأعطتنا صدقية في تحركنا (لإقناع المسلحين بإلقاء السلاح). هذا الأمر أثار تردداً لدى أشخاص كنا نهيّئهم وأبدوا استعداداً للنزول من الجبل. فتكثفت الاتصالات مع أفراد في الجماعة على مستوى الوطن. وفي الحقيقة قبل أن أنزل من الجبل (في 2007) رأيت أن الجنود لديهم استعداد كبير للنزول، وحتى الأمراء جلّهم كان لديه استعداد مماثل. لكن التردّد في تطبيق إجراءات قوانين المصالحة كان في الواقع يترك نوعاً من الشك في نفوسهم. فسعينا مع النظام كي يُسهّل الأمور ويطلب من الإدارات تخفيف تلك البيروقراطية، خصوصاً أن الإجراءات التي نطلبها صارت جزءاً من القانون ولا شيء يجب أن يمنع من تنفيذها. وحصل نوع من التجاوب بالفعل. وأقول الحقيقة إننا بحكم متابعتنا للأمور نجد أن هناك نية صادقة في معالجة القضايا العالقة. ربما يتم تنفيذها بتدرّج، لكننا نرى نية صادقة. وبالتأكيد فإن التجاوب أكبر من ذي قبل، والناس (التي نزلت من الجبال أو التي تفكّر في النزول) ما زالت تسألنا ونحن نتابع أوضاعها».
ويقول حطاب إن كثيرين من العناصر المتمركزة في الجبل الآن يرغبون في النزول: «تراهم يتربصون ولا يقاتلون. يتابعون ماذا حصل للأفراد الذين نزلوا من الجبل وما هي ظروفهم الاجتماعية. هذه كلها من العناصر التي تساهم في نجاح نزولهم من الجبل. كنت أتحدث مع الجنود من خلال مكالمات هاتفية وهم في الجبل ويسألونني، بحكم انني كنت الأمير، لماذا سرت في المصالحة؟ وانا أتولى ترغيبهم في مسعى المصالحة. واستطيع أن أقول لك إنهم كانوا في الاجمال ينظرون الى الواقع أكثر من الأدلة الشرعية لاتخاذ قرار في شأن نزولهم او بقائهم في الجبل. على رغم انني أسرد لهم الأدلة الشرعية وأبيّن لهم عدم جواز القتال فإن ذلك لا يكفي. فهم يسألون عن المبررات على أرض الواقع وما هي الفائدة من نزولهم من الجبل. فأبدأ بسرد الأدلة الواقعية التي تشجعهم على النزول وأقارن بين ما كان يحصل في ماضينا إلى يومنا هذا وأبيّن لهم المصالح والمفاسد وان لا جدوى من البقاء في الجبل. نعطيهم أدلة دامغة على ضرورة النزول من الجبل. في البداية قد أُشتم، لكنني أخاطبهم وأسرد لهم مبررات النزول من الجبل، شرعاً وواقعاً. فيبدأون بالاقتناع ويعتذرون لي. أعطيهم معلومات وأدلة وبراهين قاطعة فيتراجعون ويجلسون إلى أنفسهم يفكرون ويعرفون ان ما قلته لهم صحيح. يعرفون من خلال التجربة انني في الجبل منذ 1992 وليس لديهم ضدي أي ملاحظة ويعرفون طريقة تسييري إمارة الجماعة وإدارتي لها، ومن حيث الأخلاق (يعرفون ذلك أيضاً). وهذا الأمر متوقع، لأن أي أمير من أمراء المناطق يتخذ موقفاً كهذا الموقف يمكن للناس أن توجه له اتهامات - خصوصاً إذا كان أمير منطقة وخرّب منطقته. حتى ولو كان أمير منطقة وعنده قناعة بوقف القتال فإنه يخاف أن يجهر بها لأنه سيقول إنهم يمكن أن يتهمونني بأمور حصلت ويجدونها فرصة (للتخلص منه). ولكن إذا كانت شخصيتك قوية ويكون عندك تاريخ فإنهم، وإن أحبوا، لن يجدوا أي تهمة يوجهونها إليك (إذا جاهرت بموقفك). طريقة تسييري للمنطقة الثانية معروفة، فقد كانت منطقتي هي نواة الجماعة السلفية. لم يكن هناك أمير كان قادراً على الخروج على «الجيا». ربما كان هناك أفراد خرجوا قبلي، ولكن من كان يجرؤ على الخروج من الأمراء وهو مجاور للمنطقة التي تسيطر عليها «الجيا». عندما خرجت على «الجيا» كان بيني وبينهم مسافة ربع ساعة. وكانت «الجيا» في عزّ قوتها. كانت مسيرة ربع ساعة بين مواقعي ومواقعهم. وعلى رغم ذلك، تحدّيت «الجيا» وخرجت عليها. الناس تعرف ماذا فعلت. يقولون إنه لولا الله وهذا الرجل لما استطعنا الخروج (عن الجيا). لكانت «الجيا» انتشرت على مستوى كبير. وقفت في وجهها بحيث لم تعد تستطيع الوصول الى الشرق (عبر المنطقة). هذه عوامل تجعل الانسان إذا أراد أن يأخذ موقفاً فإن ماضيه يساعده. يستطيع أن يتخذ قراراً جريئاً أمام الجند والأمراء. ربما يعرف أن الناس قد تسبّه وتشتمه، ولكنه يعرف ان كلامه لن يمر مروراً سهلاً بل سيبقى وستفكر فيه الناس. سيقولون إن هذا الرجل الذي يتكلم نعرف ماضيه. فلو كنت من الأمراء الذين خربوا مناطقهم لكان سهلاً توجيه اتهامات لي. الأمراء الذين يتخذون موقفاً يتعزز موقفهم بحسب ماضيهم. وكان هناك من هو مقتنع حتى ولو كان ماضيه مشوها قليلا نوعاً ما... يخاف، فيقول إنها قد تكون فرصة للتخلّص مني».
No comments:
Post a Comment