Friday, 20 March 2009

megrahi should be allowed to die near his family

ضغوط ليبية متزايدة على بريطانيا لإقناعها بالسماح للمقرحي بـ«الموت بين أهله»
لندن - كميل الطويل الحياة - 20/03/09//
علمت «الحياة» أن السلطات الليبية تتعرض لضغوط داخلية كبيرة لإقناع بريطانيا بالسماح لعبدالباسط المقرحي، الليبي المدان في قضية لوكربي والمسجون في اسكتلندا، بالعودة إلى بلاده لقضاء بقية حياته قرب أفراد أسرته بعدما أكد الأطباء أن لا أمل في شفائه من مرض سرطان البروستات الذي بلغ مرحلة متقدمة. وقال مصدر مطلع على هذه القضية إن الليبيين «لا يفهمون سبباً لحرمان شخص من الموت قرب عائلته وبين أفراد عشيرته وفي وطنه».ورفضت محكمة اسكتلندية في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي الإفراج عن المقرحي (56 سنة) لدواعي مرضه. وبرر قضاة محكمة الاستئناف في أدنبرة قرارهم بأن الليبي قد يتمكن من العيش لسنوات عدة وإن كان ليس هناك أي أمل في شفائه. وهو مسجون حالياً في سجن غرينوك الاسكتلندي في انتظار البت في استئناف قدمه ضد الحكم بسجنه ما لا يقل عن 27 سنة بتهمة التورط في تفجير طائرة «بان أميركان» فوق مدينة لوكربي الاسكتلندية عام 1988، وهو الحادث الذي أوقع 270 قتيلاً. ومن المقرر أن يبدأ القضاء الاسكتلندي النظر في الاستنئاف في 27 نيسان (أبريل) المقبل بعدما نجح محامو المقرحي في تقديم أدلة جديدة تشكك في صلابة الأدلة التي اعتمد عليها القضاة في ادانتهم له في كانون الثاني (يناير) 2001. لكن الاستئناف الجديد قد يستغرق وقتاً طويلاً، ويخشى المقرحي أنه قد لا يعيش الوقت اللازم كي يرى النتيجة التي يأمل بها وهي البراءة.ويسعى الليبيون حالياً إلى إقناع السلطات الاسكتلندية بالإفراج عن المقرحي والسماح له بالعودة إلى بلده من «منطلق انساني». وعُلم أن الليبيين نقلوا إلى الحكومة الاسكتلندية تطمينات بأن الإفراج عنه من سجنه الاسكتلندي لا يعني الحرية له في ليبيا، إذ يُمكن أن يبقى مسجوناً شرط أن يكون قريباً من عائلته وعشيرته. وتُعد عشيرة المقرحي (المقارحة) من العشائر النافذة في ليبيا، ولم يكن سهلاً أصلاً إقناعها بتسليمه في نهاية التسعينات للمحاكمة أمام المحكمة الاسكتلندية التي انعقدت في كامب زايست (هولندا). وتضغط العشيرة على الحكم الليبي حالياً لإقناع الاسكتلنديين بالافراج عنه كي يكون قريباً من أهله قبل وفاته.ويسعى الليبيون إلى أن تُفرج السلطات الاسكتلندية عن المقرحي بموجب اتفاق تبادل السجناء الذي وقعته الحكومتان البريطانية والليبية في 17 تشرين الثاني (نوفمبر) 2008. وقال ناطق باسم وزارة الخارجية البريطانية لـ «الحياة» إن الاتفاق (الذي لم يبته البرلمان البريطاني بعد) لم يُصغ كي يستثني أحداً، بما في ذلك المقرحي، لكنه لا يعني أن أي سجين له الحق في أن يُرحّل من دون موافقة حكومتي البلدين عليه. وأوضح الناطق أن قرار ترحيل المقرحي، أو أي سجين آخر موجود في أحد سجون اسكتلندا، «يعود حصرياً إلى الوزراء الاسكتلنديين» وليس إلى الحكومة المركزية في لندن. ولا تملك الحكومة الاسكتلندية، بعكس الحكومة المركزية، صلاحية توقيع اتفاقات سيادية، لكن تنفيذ هذه الاتفاقات يكون من مسؤوليتها على الأرض الاسكتلندية. وليس واضحاً بعد كيف يمكن تطبيق اتفاق تبادل السجناء على المقرحي، كون الاتفاق ينص على أن الترحيل لا يمكن أن يتم سوى بعد تسوية أي أمور قضائية عالقة، بما في ذلك أي استئناف للحكم. وهذا الأمر يعني أن على محامي المقرحي التنازل عن استئنافهم الحكم بإدانته، وأن يتنازل محامو الادعاء عن استئنافهم الحكم ضده الذي اعتبروه مخففاً (طلبوا زيادة مدة العقوبة).وقال الخبير المتخصص في القانون الدولي وحقوق الإنسان سعد جبار لـ «الحياة» إن «عامل الوقت بالغ الأهمية» في قضية المقرحي، و «إن نقل المقرحي إلى ليبيا من سجنه الاسكتلندي لا يعني الإعفاء من العقوبة أو التبرئة - على رغم تمسك المقرحي بأنه بريء. نقله يعني قبل أي شيء آخر أنه سيتمكن من قضاء بقية عمره مع عائلته وأن يموت في وطنه». وشدد على أن «القضية إنسانية بحت، ويجب التعامل معها من هذا المنطلق بعيداً عن المزايدات بين الحكومة الاسكتلندية (التي يقودها القوميون) وبين الحكومة المركزية (التي يقودها حزب العمال)». وأعرب عن خشيته من أن القضية قد تؤثر مستقبلاً، إذا لم تُحل بالطريقة المناسبة، على العلاقات بين البلدين، في إشارة على ما يبدو إلى الضغوط التي يتعرض لها الحكم الليبي لـ «معاقبة» الطرف الذي يمنع المقرحي من «حقه في الوفاة بين أفراد عائلته».

Tuesday, 17 March 2009

abu omar, GSPC media chief, speaks to camille tawil



أبو عمر عبدالبر الرئيس السابق للجنة الإعلامية: طلبنا من الزرقاوي خطف فرنسيين لإطلاق «البارا» فبدأت مسيرة الانضمام إلى «القاعدة»
<> الحياة - 16/03/09//
يروي «أبو عمر عبدالبر»، المسؤول السابق عن «اللجنة الإعلامية» في «الجماعة السلفية للدعوة والقتال»، قصة انضمام هذه الجماعة إلى «تنظيم القاعدة» لتصبح فرعها المغاربي في 2007، ويؤكد أنه لم يكن نتيجة دراسة معمقة.
يقول عبدالبر في لقاء مع «الحياة» في الجزائر: «جاءت فكرة الانضمام إثر اعتقال عبدالرزاق «البارا» (عماري صايفي، وهو أحد أمراء «الجماعة السلفية» البارزين) في تشاد في العام 2004. كان عندنا شخص في الجماعة يُدعى عبدالإله جاءته فكرة لإنقاذ «البارا». قال إن «البارا» معتقل في تشاد والحركة التشادية (التي تعتقله) مُعترف بها في فرنسا ولديها ممثل هناك، فلماذا لا نضغط نحن على فرنسا عن طريق العراق وأبي مصعب الزرقاوي (أمير «القاعدة ببلاد الرافدين») كي يختطف لنا رعايا فرنسيين ونقول لبلادهم: أطلقوا لنا عبدالرزاق، نُطلق لكم رعاياكم. وقال إن الأكيد أن فرنسا ستضغط على الحركة التشادية لإطلاق «البارا» لمبادلته برعاياها في العراق. هذه كانت فكرة عبدالإله. وافق أبو مصعب عبدالودود (عبدالمالك درودكال، أمير «الجماعة السلفية») على أن يُراسل أبو مصعب الزرقاوي بهذا الشأن في أواخر 2004، فتم إرسال رسالة تتضمن هذا الطلب إليه عبر شبكة الانترنت. هل وصلت تلك الرسالة إلى الزرقاوي نفسه أو شخص آخر؟ الله أعلم من تسلمها. لكن جاءنا رد من الزرقاوي تضمن ما مفاده أن لا مشكلة في ذلك وطلبكم على العين والرأس وفي أي وقت تسنح لي الفرصة سنطبق طلبكم خطف الفرنسيين. في تلك الفترة بالذات، عاد عبدالرزاق البارا إلى بلاده وتسلمته السلطات الجزائرية (بعد وساطة ليبية مع الخاطفين التشاديين تضمنت دفع مبلغ من المال إلى المتمردين). مع عودة «البارا» انتهت فكرة خطف الفرنسيين. لم يعد هناك مبرر كي يخطف الزرقاوي فرنسيين لمبادلتهم به. انتهت فكرة المقايضة. أرسل عبدالودود رسالة إلى الزرقاوي يبلغه فيها بأنه لم تعد هناك حاجة لخطف فرنسيين ويدعوه إلى البقاء على اتصال، فرد الزرقاوي برسالة جوابية اقترح علينا فيها الانضمام إلى «القاعدة». هكذا جاءت فكرة الانضمام إلى «القاعدة». كانت الفكرة الأولى هي مقايضة فرنسيين بالبارا، فإذا بالزرقاوي يطلب منا أنه نبقى على اتصال ونطمئن على أحوال بعضنا بعضاً. وهو وجّه أيضاً رسالة تضمنت سلاماً إلى «إخواننا في الجماعة السلفية» بقيادة أبو مصعب عبدالودود. فاحتارت الناس (في «الجماعة السلفية») ماذا تفعل إزاء دعوة الزرقاوي إلى الانضمام الى «القاعدة». هل ننضم أو لا ننضم. فالزرقاوي كان يدعونا إلى التخلي عن المحلية والإقليمية والذهاب في إطار حركة عالمية. انقسم الناس في الجماعة بين مؤيد ومعارض. بقوا على اتصال (معه) عبر الانترنت حتى العام 2006. وعندما طُرح أمر الانضمام إلى القاعدة تم تبنيه بالإجماع. كانت هناك معارضة لذلك، لكن المعارضين وجدوا أن ليس لديهم خيار آخر سوى الانضمام إلى القاعدة».
من كان من المعارضين؟ أجاب: «كان هناك كثيرون. حتى أبو العباس (أي مختار بلمختار أو «الأعور» الذي كان أمير المنطقة الصحراوية في «الجماعة السلفية») كان معارضاً. استمرت عملية الانضمام من أواخر 2004 وحتى أيلول (سبتمبر) 2006 عندما أعلن الظواهري التحاق الجماعة السلفية بتنظيم القاعدة. هذه رؤيتي لطريقة الانضمام: كانت تصرفاً ارتجالياً غير مدروس».
ويقول أبو عمر عبدالبر عن انضمام «الجماعة السلفية» إلى «القاعدة»: «يُمكن وصف الأمر بأنه كان متنفساً. تلك المرحلة بالذات، بين 2005 و2006، كانت مرحلة مصالحة في الجزائر. والجماعة التي يرأسها درودكال والتي تُسمى الآن «القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي» كانت تسعى إلى تكسير مشروع المصالحة. كنا نعتبر (الانضمام إلى «القاعدة»)، بحسب قراءتنا، متنفساً لأنه لم يكن لديك شيء تقاوم به المصالحة. لم يكن لديك خيار في مواجهة المصالحة سوى التوقف عن القتال. فكّر الناس (قادة «الجماعة السلفية») ورأوا أننا (بالانضمام إلى القاعدة) سيكون لدينا متنفس، وتصير لدينا مرجعية جديدة وتساعدنا وتساهم في ظهورنا بمظهر الجماعة الجديدة. إذن، الانضمام إلى القاعدة كان انضماماً صورياً. لم نلاحظ أمراً جديداً في الجماعة، باستثناء لجوئها ربما إلى تنفيذ العمليات الانتحارية».
ويوضح عبدالبر أن الانضمام، في 2006، لم يحصل في عهده عندما كان المسؤول الإعلامي في الجماعة السلفية، ويقول: «عندما نزلت من الجبل، لم يكن الانضمام قد حصل بعد. نزلت في 2005 والانضمام حصل في 2006. ولكن كانت لدي معطيات عما يتم التحضير له. كانوا يهيئون لعملية الانضمام».
ولماذا نزلت من الجبل؟ يجيب هذا القيادي الشاب الذي كان التحق بالجبل في 1993: «كانت هناك اتصالات في شأن مبادرة الشيخ حسان (حطاب – مبادرة السير في المصالحة)، ولكن لم يكن هناك تنسيق كامل مئة في المئة. لم يكن هناك وقت مدروس ومحدد لطريقة إعلان المبادرة وإخراجها. كان الأمر متروكاً كي يحصل براحة تامة. لكن الشيخ استقال (من إمارة «الجماعة السلفية»)، بعدما لم يسعفه الوقت... الشيخ حسان منذ 2001 وهو يتحدث معنا بإسهاب عن مشروع المصالحة (الذي يطرحه الرئيس بوتفليقة). أفرجت السلطات آنذاك عن علي بن حاج (الرجل الثاني في الجبهة الإسلامية للإنقاذ)، ورأينا في ذلك مبادرة جدية من النظام. كنت تشعر بوجود ايجابيات... عندما بدأت النقاشات داخل الجماعة السلفية في شأن ذلك، قال بعضهم إن هذا هو الحل (السير في المصالحة) ولا حل غيره. ثم جاء أعيان آخرون وتوسعت الجلسات ولم يكن من السهل مصارحة الأعيان الآخرين (برأيك في ضرورة وقف القتال). فمن تصارح؟ أعيان باتنة؟ تصارحهم عن المصالحة وهم غير مقتنعين بها؟ صارت مزايدات وبدأت تصدر اتهامات».

HASSAN HATTAB INTERVIEW WITH CAMILLE TAWIL PART three

قال إنه نزل من الجبل نتيجة «فتاوى العلماء وتغيّر سياسة النظام»... وإن الاتصال الأول مع السلطات كان في 2003 «عبر عائلتي» (الحلقة الثالثة)... حطّاب لـ «الحياة»: أيّد «مفتي الجماعة السلفية» المصالحة سراً لكنه تردّد في الجهر برأيه فمالت الكفّة لمصلحة خصومي
<>الجزائر - كميل الطويل الحياة - 16/03/09//
بقي حسان حطاب (أبو حمزة) يقود «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» حتى العام 2003 عندما تنحى من إمارتها ليخلفه نبيل صحراوي (أبو إبراهيم مصطفى). ما هي قصة تنحّيه عن قيادة هذا التنظيم الذي كان مؤسسه بعدما انشق عن «الجماعة الإسلامية المسلحة» في العام 1996، وما هي قصة «رفضه» سياسة المصالحة مع الحكم التي قادها مدني مزراق، أمير «الجيش الإسلامي للإنقاذ» في نهاية التسعينات، وكيف غيّر رأيه لاحقاً وسار في المصالحة ذاتها بعد تولي الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة السلطة بدءاً من العام 1999، ولماذا تردّد حتى العام 2003 ليأخذ موقفاً واضحاً مؤيداً للمصالحة مع الحكم.
في هذه الحلقة يروي «أبو حمزة» قصة ذلك التحوّل في مساره «الجهادي» ويرسم صورة قاتمة للأوضاع في الجبل، حيث يخاف المسلحون من بعضهم بعضاً ويزايدون على بعضهم بعضاً في رفض الهدنة والمصالحة لكنهم يتسابقون في السرّ على اقتناص الفرصة للنزول من الجبل وإلقاء السلاح.
< يدافع حسان حطاب عن السياسات التي سلكها خلال توليه قيادة «الجماعة السلفية للدعوة والقتال»، ويقدّم مبررات يقول إنها دفعته إلى التمسك بحمل السلاح ضد الحكم الجزائري. يقول إنه كان واصل حمل السلاح حتى الآن لو تمسّكت السلطات بسياستها الأمنية في التعامل مع المسلحين ولو لم يباشر الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة سياسة مصالحة مع عناصر الجماعات التي توافق على إلقاء سلاحها والنزول من الجبل.
سألت مؤسس «الجماعة السلفية» لماذا قرّر التزام الهدنة في 2003 بعدما تمسّك طوال سنوات برفض ما دأب على تسميته «هدنة مزعومة» و «استسلاماً لا سلماً»؟ فأجاب: «التزمت الهدنة لأنني رأيت أن الوضع تغيّر جملة وتفصيلاً عن حقبة التسعينات. لقد راجعت نفسي وأجريت تقويماً للأوضاع في البلاد فرأيت أن سياسة النظام تغيّرت فعلاً نوعاً ما ولم تعد هي السياسة نفسها التي كانت في التسعينات. كنت أتابع مؤشرات هذا التغيير في سياسة النظام واستمع إلى خطابات رئيس الجمهورية وأقرأ ما تكتبه الصحافة. كنت أتابع خصوصاً ما يقوله رئيس الجمهورية (بوتفليقة) لأرى مدى صدقيته، وهل يقصد حقاً المصالحة أم أن في الأمر تلاعبات. لكنني في الحقيقة التمست الصدق في ممارسات رئيس الجمهورية. فقد كان خارج البلاد عندما بدأت الأحداث (عقب إلغاء الانتخابات في 1992) ولم يكن بالتالي طرفاً في ما حصل في التسعينات. ومن خلال متابعة مساره وسياساته لمست منه الثقة. هذا حقاً ما لمسته فيه. التمست الثقة والصدق».
ويتابع حطاب قائلاً إنه إضافة إلى التغيير الظاهر في تصرفات الحكم الجزائري منذ وصول بوتفليقة إلى السلطة في 1999 «لاحظنا تغييراً أيضاً في موقف المجتمع الجزائري. فنحن جزء من هذا المجتمع الذي بات كله الآن ينادي بالمصالحة. لا يمكننا أن نناقض نفسنا. لا نستطيع أن نقول إننا نمثّل تطلعات المجتمع ونواصل القتال بينما المجتمع ينادي عن بكرة أبيه بالمصالحة».
ويورد «أبو حمزة» سبباً ثالثاً دفعهم إلى التراجع عن رفض سياسة المصالحة تمثّل في ظهور موقف واضح من العلماء المسلمين يرفض مواصلة حمل السلاح ضد الحكم الجزائري. ويوضح: «لاحظنا أن مختلف العلماء باتوا يخالفوننا في مواصلة القتال، وهذا الأمر كان أساسياً في قرارنا (وقف العمليات المسلحة)». سألته من هم هؤلاء العلماء، فردّ: «كانوا علماء من دول مختلفة. لم يكن هناك عالم واحد يؤيّد القتال الذي نقوم به في الجزائر. جرى اتصال، مثلاً، بالشيخ (محمد بن صالح) العثيمين، رحمه الله. اتصل به أشخاص من «كتيبة الغرباء» (في «الجماعة السلفية»). كذلك تم الاتصال بعلماء يتمتعون بمستوى علمي كبير. فرأينا تغييراً في موقف العلماء. بعدما كانوا في السابق يلتزمون الصمت إزاء ما يجري، صاروا الآن يتحدثون ضد القتال في الجزائر. فقلنا لأنفسنا إن هناك تغييراً بالتأكيد في موقف العلماء. صاروا الآن يُفتون بوقف القتال. فالقضية تختلف إذن».
ويشرح حطاب كيف ناقش مع جماعته هذه التطورات وما هي الصعوبات التي واجهها في إقناع أمرائه بقبول السير في سياسة المصالحة: «كانت هناك فعلاً جهات (في «الجماعة السلفية») لديها عقليات تحتاج وقتاً لتتغيّر، لكن لم يكن لدينا الوقت الكافي كي ننتظر حصول ذلك. كان هناك بعض من صارحته بذلك في الكواليس. أول من بدأت بمصارحته كان رئيس الهيئة الشرعية أبو البراء أحمد (اسمه الحقيقي أحمد زيرابيب من مواليد 1963 في مدينة بودواو بولاية بومرداس، وقُتل في كانون الثاني/ يناير 2006 في معركة مع الجيش في الجبال المتاخمة لمدينة توجة في بجاية، شرق العاصمة). كان أبو البراء طالب علم وعنصراً مؤسساً عندي (لديه تأسيس شرعي). كان يشاركني في الأفكار التي أحملها، مثلما كان يشاركني بها «أبو زكريا» (رئيس اللجنة الطبية وعضو مجلس الأعيان) و «أبو عمر عبدالبرّ» (رئيس «اللجنة الإعلامية» وعضو مجلس الأعيان)... أستطيع أن أقول إننا في المنطقة الثانية كنّا كلنا تقريباً نحمل فكراً واحداً. كانت هناك استثناءات بالطبع، فرد أو أكثر، ولكن لا يتمتّعون بوزن كبير. الغالبية كانت تحمل أفكاراً تصبّ عند مصب واحد. لكنني بدأت بأبي البراء كونه رأس الهيئة الشرعية ولديه وزنه الديني وهو من يتولى إصدار الفتاوى. صارحني وصارحته. لكن مشكلته كانت أنه كان خائفاً نوعاً ما (في تأييد خطوة وقف العمليات). خوفه كان يمكن أن يؤدي إلى صدام بيني وبين الأمراء (الذين يرفضون وقف العمليات). فإذا لم يسر هو في أمر ما فإنك ستدخل ربما في قتال ضد بعض الأمراء وسيهرق دم وستتعقّد الأمور أكثر (إذا خالف الأمير رأي رئيس الهيئة الشرعية). صارحت بعض الأمراء والأعيان بموقفي من ضرورة السير في المصالحة، لكن لم يمكن إبلاغ الجميع بذلك فبعضهم كان ما زال يحمل أفكاراً بالغة التشدد. فمن تصارح؟ هل تصارح أعيان جيجل الذين ما زالت عندهم الرغبة في قتل نساء قوات الأمن (بحسب فتوى جمال زيتوني في شباط/ فبراير 1995)؟ الأمر لم يكن بتلك البساطة. في المنطقة الثانية كان يمكنك المصارحة (بتأييد وقف العمل المسلح) لأن هناك عدداً كبيراً ممن تربوا معي وكانت أفكارنا تصب كلها في مصب واحد. أما المناطق الأخرى فقد نجحنا في تغيير كثير من أفكارهم ولكن على رغم ذلك بقيت لديهم بعض الرواسب (المتشددة من أيام «الجماعة الإسلامية المسلحة»)».
وتابع: «الذي قمت به هو أنني حاولت أن أنعزل بطريقتي الخاصة وأباشر اتصالات مع الأمراء الذين أعرفهم ويشاطروني القضية نفسها واستطيع بالتالي أن أناقش معهم أمراً ما وأنا آمن على نفسي. لأنني أعرف، بحسب تجربتي وخبرتي، أن طرح فكرة ما في وسط مجموعة رافضة لها يمكن أن تدفعها إلى التخلّص مني بطريقة من الطرق. لذلك اتصلت بـ «أبي زكريا» الذي كان مقتنعاً اقتناعاً تاماً بما قلت (راجع المقابلة معه في عدد أمس). كذلك اتصلت بعبدالبرّ (رئيس اللجنة الإعلامية - راجع المقابلة معه مرفقة بحلقة اليوم). وعلى الرغم من أن الرسالة لم تصله، فقد كنت أراه من الناس المقتنعين وأعرف أفكاره. وبالفعل باشر «أبو زكريا» اتصالات مكثّفة في داخل الجماعة كي ننسّق وننشئ قيادة (مؤيدة للمصالحة). لكن طالب العلم (أبو البراء أحمد) تردّد وعرقل تحركنا. كنت قد قمت بعملية جسّ نبض على مستوى المناطق، وكنت مهيئاً منذ ما قبل ذلك (لقبول المصالحة)، والضابط الشرعي التابع لي مهيئ بدوره. لكن المشكلة أن الضابط الشرعي للجماعة ككل (أبو البراء) ظل متردداً. فهو من كان قادراً على حسم الأمور (لو أيّد وقف العمليات علناً). كان يتمتع بمستوى علمي وشرعي ولديه اطلاع واسع ويشاركني في الأفكار المقتنع بها. كانت لديه الأفكار ذاتها. قُلت له إن ميلك لي يستطيع أن يمدّ لي الجماعة (يكسبها إلى جانبي) ولن تحدث فتنة. وإذا لم تساندني فإنك ستحرجني ويمكن أن تحدث فتنة. قلت له إن خوفك وترددك سيفسّره الناس على انك تخالفني الرأي. دعيته إلى أن لا يخاف في الاجتماع، فأنا سأتصدى للموضوع وإذا حصلت أي مشكلة سأضعك في الوراء وسأتولى المواجهة بنفسي، وسأضمن لك بإذن الله سلامتك. وافق على ذلك. لكنه في نهاية المطاف تردّد، وعرفت أن تردّده سيولّد لي مشكلة. وهذا ما حصل. تخوّفه المفرط أعطى الجانب الآخر (المعارض لوقف القتال) القوة، على رغم انه لم يكن لديهم مبرر شرعي لمواصلة القتال. فالشعب كله كان يسير في المصالحة. الشيء الوحيد الذي كانوا يجادلون فيه هو أن النظام ليس جاداً في هذه المصالحة. لذلك انسحبت من الجماعة (في آب/ أغسطس 2003) وتولى الإمارة نبيل صحراوي (أبو إبراهيم مصطفى)، لكنني أقمت مركزاً بجوارهم (بجوار مراكز «الجماعة السلفية» شرق العاصمة الجزائرية) وكُنت وحيداً أتولى الاتصالات مع الأطراف كي أهيئ الأرضية (لوقف القتال). ثم بدأت الاتصالات مع السلطات في أيلول (سبتمبر) 2003، وكانوا هم من بادر إلى الاتصال عن طريق أحد أقاربي. بعد ذلك أصدرت بياني الأول ووزعته على وسائل الإعلام في 2005 (أعلن فيه استعداده لـ «التفاعل إيجابياً» مع مبادرة الرئيس بوتفليقة للعفو عن المسلحين الذين يلقون السلاح، لكنه وضع شروطاً عديدة للسّير في هذه المبادرة التي وصفها بـ «المبهمة» و «الغامضة»، مؤكداً رفضه الدخول في «حلول مغشوشة»). وفي الوقت ذاته، واصلت الاتصال بقيادة الجماعة السلفية حتى حصل لأبي زكريا ما حصل وضربه بالرصاص أحد أفراد الجماعة بعدما رأوه مقتنعاً (بالمصالحة) ويعمل على تهيئة الأرضية لها (في 2004)».
ويشرح حطاب أن الاتصالات مع الحكم الجزائري تناولت آنذاك كيفية استفادة المسلحين الذين يُلقون السلاح وينزلون من الجبل من إجراءات العفو التي يتضمّنها قانون السلم والمصالحة وسبل تسريع عملية دمج المسلحين السابقين في المجتمع لأن كثيرين من المتردّدين في النزول من الجبل كانوا يتحدثون عن عراقيل يواجهها من نزلوا من الجبل قبلهم في إدارات الدولة عندما يسعون إلى تسوية أوضاعهم (مثل الذين يودّون العودة إلى مراكز عملهم بعدما فقدوها جراء التحاقهم بالمسلحين). ويوضح: «بدأنا مفاوضات مع النظام على قضية المصالحة، وطرحت شروطاً كي ندخل فيها. وفعلاً سار النظام آنذاك في تلك الخطوات (التي طالبنا بها)، لكن تجسيد بعض الإجراءات الواردة في القوانين على أرض الواقع كان يواجه بيروقراطية في بعض إدارات الدولة. هذا التردد في تطبيق الإجراءات أثار لدينا بعض سوء الظن. كنا نطالب النظام بأن يُقدّر أهمية هذا الموضوع ويُسرع في تجسيد تلك القوانين على أرض الواقع. كانت هناك مشاكل اجتماعية كثيرة لو عولجت بطريقة صحيحة وبسرعة لأعطتنا صدقية في تحركنا (لإقناع المسلحين بإلقاء السلاح). هذا الأمر أثار تردداً لدى أشخاص كنا نهيّئهم وأبدوا استعداداً للنزول من الجبل. فتكثفت الاتصالات مع أفراد في الجماعة على مستوى الوطن. وفي الحقيقة قبل أن أنزل من الجبل (في 2007) رأيت أن الجنود لديهم استعداد كبير للنزول، وحتى الأمراء جلّهم كان لديه استعداد مماثل. لكن التردّد في تطبيق إجراءات قوانين المصالحة كان في الواقع يترك نوعاً من الشك في نفوسهم. فسعينا مع النظام كي يُسهّل الأمور ويطلب من الإدارات تخفيف تلك البيروقراطية، خصوصاً أن الإجراءات التي نطلبها صارت جزءاً من القانون ولا شيء يجب أن يمنع من تنفيذها. وحصل نوع من التجاوب بالفعل. وأقول الحقيقة إننا بحكم متابعتنا للأمور نجد أن هناك نية صادقة في معالجة القضايا العالقة. ربما يتم تنفيذها بتدرّج، لكننا نرى نية صادقة. وبالتأكيد فإن التجاوب أكبر من ذي قبل، والناس (التي نزلت من الجبال أو التي تفكّر في النزول) ما زالت تسألنا ونحن نتابع أوضاعها».
ويقول حطاب إن كثيرين من العناصر المتمركزة في الجبل الآن يرغبون في النزول: «تراهم يتربصون ولا يقاتلون. يتابعون ماذا حصل للأفراد الذين نزلوا من الجبل وما هي ظروفهم الاجتماعية. هذه كلها من العناصر التي تساهم في نجاح نزولهم من الجبل. كنت أتحدث مع الجنود من خلال مكالمات هاتفية وهم في الجبل ويسألونني، بحكم انني كنت الأمير، لماذا سرت في المصالحة؟ وانا أتولى ترغيبهم في مسعى المصالحة. واستطيع أن أقول لك إنهم كانوا في الاجمال ينظرون الى الواقع أكثر من الأدلة الشرعية لاتخاذ قرار في شأن نزولهم او بقائهم في الجبل. على رغم انني أسرد لهم الأدلة الشرعية وأبيّن لهم عدم جواز القتال فإن ذلك لا يكفي. فهم يسألون عن المبررات على أرض الواقع وما هي الفائدة من نزولهم من الجبل. فأبدأ بسرد الأدلة الواقعية التي تشجعهم على النزول وأقارن بين ما كان يحصل في ماضينا إلى يومنا هذا وأبيّن لهم المصالح والمفاسد وان لا جدوى من البقاء في الجبل. نعطيهم أدلة دامغة على ضرورة النزول من الجبل. في البداية قد أُشتم، لكنني أخاطبهم وأسرد لهم مبررات النزول من الجبل، شرعاً وواقعاً. فيبدأون بالاقتناع ويعتذرون لي. أعطيهم معلومات وأدلة وبراهين قاطعة فيتراجعون ويجلسون إلى أنفسهم يفكرون ويعرفون ان ما قلته لهم صحيح. يعرفون من خلال التجربة انني في الجبل منذ 1992 وليس لديهم ضدي أي ملاحظة ويعرفون طريقة تسييري إمارة الجماعة وإدارتي لها، ومن حيث الأخلاق (يعرفون ذلك أيضاً). وهذا الأمر متوقع، لأن أي أمير من أمراء المناطق يتخذ موقفاً كهذا الموقف يمكن للناس أن توجه له اتهامات - خصوصاً إذا كان أمير منطقة وخرّب منطقته. حتى ولو كان أمير منطقة وعنده قناعة بوقف القتال فإنه يخاف أن يجهر بها لأنه سيقول إنهم يمكن أن يتهمونني بأمور حصلت ويجدونها فرصة (للتخلص منه). ولكن إذا كانت شخصيتك قوية ويكون عندك تاريخ فإنهم، وإن أحبوا، لن يجدوا أي تهمة يوجهونها إليك (إذا جاهرت بموقفك). طريقة تسييري للمنطقة الثانية معروفة، فقد كانت منطقتي هي نواة الجماعة السلفية. لم يكن هناك أمير كان قادراً على الخروج على «الجيا». ربما كان هناك أفراد خرجوا قبلي، ولكن من كان يجرؤ على الخروج من الأمراء وهو مجاور للمنطقة التي تسيطر عليها «الجيا». عندما خرجت على «الجيا» كان بيني وبينهم مسافة ربع ساعة. وكانت «الجيا» في عزّ قوتها. كانت مسيرة ربع ساعة بين مواقعي ومواقعهم. وعلى رغم ذلك، تحدّيت «الجيا» وخرجت عليها. الناس تعرف ماذا فعلت. يقولون إنه لولا الله وهذا الرجل لما استطعنا الخروج (عن الجيا). لكانت «الجيا» انتشرت على مستوى كبير. وقفت في وجهها بحيث لم تعد تستطيع الوصول الى الشرق (عبر المنطقة). هذه عوامل تجعل الانسان إذا أراد أن يأخذ موقفاً فإن ماضيه يساعده. يستطيع أن يتخذ قراراً جريئاً أمام الجند والأمراء. ربما يعرف أن الناس قد تسبّه وتشتمه، ولكنه يعرف ان كلامه لن يمر مروراً سهلاً بل سيبقى وستفكر فيه الناس. سيقولون إن هذا الرجل الذي يتكلم نعرف ماضيه. فلو كنت من الأمراء الذين خربوا مناطقهم لكان سهلاً توجيه اتهامات لي. الأمراء الذين يتخذون موقفاً يتعزز موقفهم بحسب ماضيهم. وكان هناك من هو مقتنع حتى ولو كان ماضيه مشوها قليلا نوعاً ما... يخاف، فيقول إنها قد تكون فرصة للتخلّص مني».

Bin Mesoud GSPC tells camille tawil why he gave himself up

أمير المنطقة التاسعة بن مسعود: يزايدون عليك في رفض المصالحة ويسبقونك في النزول من الجبل وتسليم أنفسهم!
الحياة - 17/03/09//
يكشف عبدالقادر بن مسعود (مصعب أبو داوود)، رئيس المنطقة التاسعة الصحراوية في «الجماعة السلفية» سابقاً، أن أبرز مسؤولي هذه الجماعة في منطقة الساحل مختار بلمختار (المكنّى أيضاً أبو العباس و «الأعور»)، أبلغه بقرار وقف عملياته في الجزائر وتركيز نشاطه في الصحراء شمال مالي.
يقول بن مسعود (من ضواحي مدينة الجلفة ويبلغ من العمر نحو 35 سنة) لـ «الحياة»: «التحقت بالجبل جندياً في «الجماعة الإسلامية المسلحة» في العام 1995. بالطبع، التحقت عن اقتناع. فالنظام كان آنذاك يتصرف تصرفاً شديداً معنا ويلاحقنا وقتل عدداً منا (من المحسوبين على الإسلاميين). شعرت بالغيرة والحماسة الجزائرية، إذ ترى إنساناً يتعرّض لظلم ثم تراه في يوم من الأيام مقتولاً أمامك في الشارع. هذا سبب التحاقي بالجبل. أمضيت فترة قصيرة - تقريباً شهرين أو ثلاثة أشهر في الجبل - ثم تعرّضت للأسر في شباط (فبراير) 1996. مكثت في الاعتقال قرابة سبعة أشهر (ثم فررت)، والتحقت في 1997 بالصحراء. وكان آنذاك مطروحاً قانون الرحمة، على ما أذكر، لكننا لم ندرسه بما فيه الكفاية لنعرف ما فيه. كنا مقتنعين بالأفكار التي نحملها (ضرورة قتال الحكم). بقينا متمسّكين بأفكارنا ومقتنعين بضرورة مواصلة القتال. وفي الحقيقة لم نكن نستمع إلى خطابات الرئيس (آنذاك اليمين زروال). ثم جاء الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة إلى الرئاسة (في 1999) وصرنا نتابع خطاباته والتصريحات والمواقف التي يتخذها. لم يكن ممكناً أن لا نستمع إليه وإلى خطاباته وسيره في المصالحة الوطنية التي أُفرج بموجبها عن كثير من المساجين حتى العام 2006. وعلى رغم رجوع عدد من الأشخاص إلى الجبل بعد الإفراج عنهم من السجن، وهو أمر عرّضه لانتقادات، إلا أنه واصل سياسته في المصالحة بالعزيمة ذاتها. فدفع هذا الشيء بي وبغيري في المراكز (مراكز «الجماعة السلفية») إلى أن نستمع عبر المذياع إلى خطابات الرئيس التي كنا نتابعها من الحرف الأول إلى الأخير، وكانت الناس تدندن (تتحدث) عن مشروعه للمصالحة والوئام المدني».
ويوضح بن مسعود: «وازداد الضغط علينا في تلك الفترة جراء الحملة الإعلامية التي قادها العلماء، خصوصاً الاتصال الذي أقامه الأخوة في كتيبة الغرباء، مع العلماء في السعودية. فجاءتنا أشرطة مسجلة، كما صدرت قناعات وأُعلنت أمام الملأ (من قياديين سابقين في الجماعات المسلحة نزلوا من الجبل)، كما كانت هناك قناعات خفية بقيت في السرّ. كان هناك من أعلن موقفه علناً وبادر إلى ترجمته عمليا (بالنزول من الجبل)، وكان هناك من أبقى قناعته سرية خشية الغدر به أو تصفيته. كان هناك أمراء أرادوا إيصال الفكرة إلى الجنود بعدما اقتنعوا هم أنفسهم بأنهم كانوا على خطأ في قتال النظام. شعر هؤلاء الأمراء بأن من واجبهم إيصال هذه الفكرة إلى جنودهم. لكن كان دائماً هناك خوف من مجموعة صغيرة تُفسد الجهد كله. يأتي بعض العناصر ويبدأون بالمزايدة ويعرقلون الفكرة، لكنهم في الوقت نفسه يقومون بما كانوا يأخذونه عليك (النزول من الجبل). تجد شخصاً يعارضك (في قبولك المصالحة)، ثم تجده في يوم من الأيام يسير في الخطوة التي رفضها عندما أردت أنت القيام بها. كُنت أنشط آنذاك انطلاقاً من مالي (مع مختار بلمختار) واستمعت إلى موقف الأخ حسان حطاب من سياسة المصالحة وتقبلتها في نفسي. تقبلتها على أساس أنها تساهم في جمع الشمل والنزول بصورة كبيرة من الجبل. لكن أحد الأخوة أفسد ذلك (عندما طُرحت فكرة النزول) وقام بفوضى، لكنه بعد ذلك هبط من الجبل وسلّم نفسه».
ويؤكد بن مسعود أن «من بين الأخوة الذين كانت عندهم هذه القناعة (وقف القتال في الجزائر) الأخ أبو العباس. صارحني بذلك عندما كنا معاً، إذ قال لي إنه مع أن «نحبّس» ونقطع علاقتنا أصلاً بما يحصل في الجزائر، فقد كنا في صحراء مالي. وهو (أبو العباس) اعتزل فعلاً (عملياته في الجزائر). عندما وجدت أن الأخ أبو العباس سيعتزل، وهو اعتزل فعلاً في صحراء مالي بعيداً عن وطنه، قررت أن أنفّذ تلك الفكرة في وطني (بدلا من الخارج). وفعلاً عدت إلى منطقتي (المنطقة التاسعة المعروفة ببوكحيل)، ونشرت هذه الفكرة بين بعض الأخوة الذين أثق فيهم، كما الأخ أبو عبيدة الذي نزل بعدي بشهرين (في 2007) واقتنع بالفكرة نفسها».

HASSAN HATTAB INTERVIEW WITH CAMILLE TAWIL PART 4

انتقد انضمام «الجماعة السلفية» إلى «القاعدة» وهاجم أسلوب «العمليات الانتحارية» و»سب العلماء» وقتل الأجانب (الحلقة الأخيرة)... حطّاب لـ «الحياة»: لا رجعة إلى القتال في الجزائر ... ونزلت من الجبل لأكون قدوة للمسلحين
الجزائر – كميل الطويل الحياة - 17/03/09//
نزل حسان حطاب (أبو حمزة) من الجبل وسلّم نفسه إلى السلطات الجزائرية في أيلول (سبتمبر) 2007. ليس موضوعاً في معتقل. فهو ينزل في إقامة سرية قرب العاصمة الجزائرية تحرسها أجهزة الأمن. وليس واضحاً حتى الآن ما إذا كان سيُحال على القضاء لمحاكمته، أم أن وضعه سيُسوّى في إطار إجراءات المصالحة الوطنية. فهو على ما يبدو ما نزل من الجبل لولا أمله في أن يستفيد من العفو الذي تعد السلطات به المسلحين الذين يُلقون السلاح، باستثناء قلة منهم ممن تورطت في جرائم إرهابية خطيرة.
وبعض النظر عن استفادته أو عدم استفادته من العفو، فإن الواضح أن حطّاب مقتنع اقتناعاً لا يساوره شك بأن مصلحة الجزائر والجزائريين تكمن في القاء السلاح والاندماج مجدداً في إطار الدولة. تشعر بذلك من حماسته للمصالحة، ودعواته المتكررة للمسلحين للنزول من الجبل، اليوم قبل الغد. «لم يعد هناك مبرر شرعي لبقائهم في الجبل»، كما يؤكد مؤسس «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» التي صارت الآن «تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي». يعرف حطّاب، كما يقول، أن دعواته هذه تلقى آذاناً صاغية لدى المسلحين الذين ينتظرون فرصة لإلقاء السلاح وتسليم أنفسهم، كما فعل هو وغيره كثيرون من قادة «الجماعة السلفية» – «القاعدة». في الأسابيع القليلة الماضية، أعلنت السلطات الجزائرية نزول قياديين كبار من «القاعدة» على رأسهم «أمين أبو تميم» المعروف بـ «أمير كتيبة الأنصار» الذي سلّم نفسه في أواخر الشهر قبل الماضي. ويُنسب نزول «أبو تميم» إلى اقتناعه بدعوات حطاب، رفيقه منذ أيام «الجماعة السلفية»، وإن كانت «القاعدة» قالت إنه كان في مهمة عندما اعتُقل.
الشهور المقبلة ستكشف بما لا يدع مجالاً للشك إن كان حطّاب سينجح فعلاً، كما يأمل هو (والحكومة)، في إقناع مسلحي «القاعدة» بوقف القتال والنزول من الجبل. لكن المهمة التي ندب نفسه لها لن تكون هيّنة بالتأكيد، علماً أنه لم يحقق سوى نجاح محدود عندما كان ما زال في الجبل وقريباً من مراكز المسلحين شرق العاصمة.
في هذه الحلقة الأخيرة من المقابلات مع قادة «الجماعة السلفية»، يتحدث حطّاب عن محاولاته التواصل مع المسلحين في الجبل لإقناعهم بالنزول، والصعوبات التي يواجهها في هذه المهمة. ينتقد المنحى الذي سار فيه رفيقه السابق في «الجماعة السلفية» عبدالمالك درودكال (أبو مصعب عبدالودود) بعدما حوّل الجماعة الجزائرية إلى الفرع المغاربي لـ «القاعدة». يشعر حطّاب وكأن السياسة التي تسير فيها «القاعدة» في الجزائر حالياً ليست سياسة درودكال الذي كان يعرفه، ويذهب إلى حد تشبيهه بجمال زيتوني الذي كان أميراً على «الجماعة الإسلامية المسلحة» في منتصف تسعينات القرن الماضي لكن منحى الغلو الذي سار فيه كان نتيجة عدد من المتشددين المحيطين به وعلى رأسهم عنتر زوابري.
< تغيّرت «الجماعة السلفية» كثيراً منذ تنحى مؤسسها حسان حطاب عن إمارتها في العام 2003. لم تعد هي ذاتها منذ انضوت تحت لواء تنظيم «القاعدة» بقيادة أسامة بن لادن في أيلول (سبتمبر) 2006 وصارت «فرع القاعدة المغاربي» بدءاً من كانون الثاني (يناير) 2007.
وعلى رغم تغيّر»السلفية» إلى «القاعدة»، ما زال حطاب واثقاً بأن لديه احتراماً واسعاً في أوساط مسلحي هذا التنظيم يسمح له بإقناع غالبيتهم، إن لم يكن جميعهم، بالقاء السلاح والنزول من الجبل والإنخراط في سياسة المصالحة.
بدأت «الجماعة السلفية» تتغير مباشرة بعد عجز حطّاب عن إقناع «مفتيها» أبو البراء أحمد (أحمد زراريب) بإعلان تأييده لمسعى المصالحة مع حكم الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، على رغم اقتناعه، كما يقول «أبو حمزة»، بصحة هذا المسعى. وتعقّدت الأمور أكثر مع تولي نبيل صحراوي (أبو إبراهيم مصطفى) الإمارة خلفاً لحطاب الذي تنحى في آب (أغسطس) 2003. إذ لم يكد يمر شهر واحد على انتقال الإمارة إلى صحراوي، مهندس الدولة في الطّاقة الحرارية والأمير السابق للمنطقة الخامسة (باتنة)، حتى أصدر هذا بياناً في 11 أيلول (سبتمبر) 2003، بمناسبة ذكرى هجمات 11 سبتمبر 2001 في أميركا، أعلن فيه تأييده لأسامة بن لادن في حربه ضد الأميركيين. وشكّل بيان صحراوي نكسة لحطّاب الذي كان قد أصدر مباشرة بعد «غزوة واشنطن ونيويورك»، بحسب تسمية «القاعدة» لما قامت به في سبتمبر 2001، بياناً استنكر فيه إسراع الأميركيين إلى تحميل إسلاميين عملاً من هذا النوع، في نفي غير مباشر لإمكان ضلوع «القاعدة» في تلك الهجمات (علماً أن بن لادن كان آنذاك لم يعلن بعد مسؤوليته عن «الغزوة»). ويقول حطّاب لـ «الحياة» شارحاً ملابسات بيانه وبيان صحراوي الناقض له: «لم أكن مرحّباً بهذه الهجمات (ضد الولايات المتحدة) ولم أكن من مشجعيها، إلا أنني كنت أدرك مآلها، وكنت متيقناً من أن القاعدة هي التي تقف وراء العملية، لكن قراءتنا لما سيحدث بعد الهجمة هو الذي جعلنا نخطّئ أميركا في اتهاماتها للإسلاميين خشية ما يلحق من ضرر على دولة طالبان خصوصاً وعلى المسلمين عموماً». ويضيف: «انتقد بعض الأوساط في الجماعة السلفية موقفنا لأنهم لم يدركوا ما قصدناه في البيان، وهؤلاء طبعاً من المؤيدين للهجمات والمرحبين بالإنضمام إلى القاعدة».
في أي حال، لم تدم إمارة صحراوي طويلاً. فقد قتلته قوات الأمن في حزيران (يونيو) 2004 مع عدد من عناصر تنظيمه في أثناء عملية تمشيط قرب بلدة القصر بولاية بجاية على بعد 250 كيلومترا شرق الجزائر العاصمة. وانتقلت الإمارة مباشرة بعد مقتل صحراوي إلى القيادي القريب منه أبو مصعب عبدالودود (عبدالمالك درودكال). وتبيّن أن صحراوي كان أوصى بأنه إذا قُتل أو حصل له مكروه فإنه يطلب تعيين درودكال أميراً محله، وهو ما كان.
واصل الأمير الجديد لـ «الجماعة السلفية» سياسة سلفه في التقرب من «القاعدة» وفتح قنوات اتصال مباشرة مع هذا التنظيم وأرسل رسائل إلى قيادات «القاعدة» على الحدود الأفغانية – الباكستانية يعرض فيها الإنضمام إلى تنظيم أسامة بن لادن.
وجاء عرض الانضمام بعد شهور من النقاشات بين درودكال وقادة تنظيمه في شأن جدوى الإنضمام إلى «القاعدة». فقد كانت «الجماعة السلفية» بحاجة إلى إثبات أنها ما زالت موجودة وقادرة على القيام بعمليات، بعد النزف الذي أصاب صفوفها بنزول كثير من قادتها السابقين ومقاتليها للإستفادة من إجراءات العفو التي يتضمنها قانون المصالحة. وفي ظل تراجع التأييد في شكل كبير لأي عمل مسلح داخل الجزائر، مثلما عبّرت عن ذلك استحقاقات عدة في البلاد (مثل الاستفتاء الشعبي على قانون السلم والمصالحة الذي حظي بتأييد واسع)، كان على «الجماعة السلفية» أن تسير في «مشروع جهادي» يمكن أن يجذب إليها تأييداً.
لم تتردد «القاعدة» في قبول عرض «السلفية» الجزائرية، ربما على أمل أن تنجح من خلالها – وتحديداً من خلال «الخلايا المغاربية» المفترض أنها تملكها في الدول الأوروبية – في القيام بتفجيرات ضد أهداف غربية، على نسق تفجيرات مدريد في 11 آذار (مارس) 2004. وكان نجاح «السلفية» في تنفيذ عملية من هذا النوع سيقدّمه تنظيم بن لادن على أنه «نصر جديد ضد الغرب الصليبي». وهكذا سارع الدكتور أيمن الظواهري إلى إعلان انضمام «الجماعة السلفية» إلى «القاعدة» في أيلول (سبتمبر) 2006، وهو تحالف تكرّس بتغيير التنظيم الجزائري اسمه إلى «تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي» في كانون الثاني (يناير) 2007 وتغيير نمط عملياته ليشابه «القاعدة» لناحية استخدام «انتحاريين» يفجّرون أنفسهم بسيارات مفخخة (أو أحزمة ناسفة) ضد أهداف محلية وأجنبية.
وينتقد حطاب في شدة تصرفات «الجماعة السلفية» منذ انضمامها إلى «القاعدة»، ويقول إنها انحرفت عن مسار الجماعة التي خرجت في الأصل عن «الجماعة الإسلامية المسلحة» بسبب غلوّها وتطرفها وعمليات القتل العشوائي التي تقوم بها. ويوضح حطاب: «قلنا لهم (أي للمسلحين) وما زلنا نقول: انزلوا من الجبل. كنت أقول ذلك وأندد بأعمالهم وأنا في الجبل. كان هذا رأيي قبل أن آتي إلى النظام (لأسلّم نفسي في 2007). لقد نددت بمثل هذه الأعمال حتى في عهد (جمال) زيتوني. نددت بجرائمه. كنت أعرف من هو مقترف تلك الأمور (التي نُسبت أحياناً إلى الأجهزة الجزائرية)، وهذه شهادة لله. فعلى رغم أنني كنت في صراع مع النظام، إلا أنني أقدم شهادة لله ولا استطيع سوى أن أكون منصفاً فيها. حتى مع الخصم يجب أن تكون منصفاً ولا تُلبسه أموراً وتفبركها له على رغم معرفتك بهوية مقترفها الحقيقي. لهذا، نددت مراراً وتكراراً بالعمليات التي تقوم بها الآن جماعة درودكال («السلفية» سابقاً و»القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي» حالياً). نددت بها وأنا ما زلت في الجبل. أصدرت بيانات بهذا الخصوص كان يعرف بها العام والخاص. وقلت منذ 2005، ولم أكن قد نزلت بعد من الجبل، إنني أنصح الناس بالنزول، على رغم الإجحاف في حقهم (عدم تطبيق إجراءات قانون العفو في حق بعضهم). لقد قررت تطليق القتال عن اقتناع، ولا رجعة في ذلك. كان وقف القتال قناعة راسخة لدي. أردت النظام أن يأخذ الأمر بجدية أكبر. وعلى رغم انه كانت لدي بعض التحفظات، إلا أنها لم تدفعني إلى استغلال الأمر لأعود إلى القتال. وكان الناس لو سألوني في الجبل هل ننزل أو نبقى ، كنت أقول لهم إنزلوا خير لكم من البقاء هنا. وبعد فترة وجدت أن بقائي في الجبل لا فائدة منه، وربما يكون ذريعة لبعض الناس كي تبقى في الجبل. لم أكن أقاتل ولا أريد أن أقاتل. فرأيت أن الأفضل هو أن أنزل وأكون قدوة للناس. على الأقل يمكن أن تقتدي بي الناس وتنزل من الجبل. فحتى لو أُهرق جزء من حقي إلا أن ذلك لا يهمني. بلدي أولى. عدم النزول من الجبل ربما يكون له أثر سلبي على الوطن وتبقى الأمور متدهورة».
ويجادل حطاب بأنه لم يعد هناك أي مبرر الآن للمسلحين للبقاء في الجبال أو للعناصر الجديدة الراغبة في اللحاق بهم. ويقول: «ليس هناك في الحقيقة أي مبرر الآن كي تصعد الناس إلى الجبل. ليس هناك مبرر شرعي ولا واقعي. في أيامنا ربما كانت هناك مبررات نتيجة أخطاء في تصرفات قوات الأمن. ولكن بصراحة أرى أن قوات الأمن اكتسبت الآن خبرة لم تكن تتمتع بها في السابق، ولا أقول ذلك مجاملة (لضباط الأمن الذين يحرسون إقامته). فأحد الأشياء التي دفعتني إلى تغيير قناعتي كان تغيير طريقة تصرف النظام. النظام غيّر سياسته، وهذا الأمر بات ملموساً. فأنا كنت في الجبل ونزلت إلى النظام (الذي لم يمس بي). رأيت خطابات الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة ورأيت جديته وصدقه وثقته، فأعطاني ذلك نوعاً من الأمل. بصراحة، لم يكن هناك في السابق هذا النوع من الخطابات، ولم يكن هناك هذا النوع من المعاملة (الحسنة)».
ويقول حطاب إن انضمام «الجماعة السلفية» إلى «القاعدة»، في 2007، كان «انضماماً شكلياً. عُرض هذا الانضمام على «الجماعة الإسلامية المسلحة» في عهد (جمال) زيتوني لكننا رفضناه. قُدّم طلب بهذا المعنى من وفد أرسله (الدكتور أيمن) الظواهري عام 1995. رفضه جمال زيتوني، وكنت حاضراً تلك الجلسة بينه وبين الوفد (الذي أرسله الظواهري). وأشهد شهادة للتاريخ أن «الجماعة الإسلامية المسلحة» في عهد زيتوني كانت ترفض الانضمام إلى أي جماعة خارجية مهما كانت، وهذا الموقف أعلنه «أمير الجماعة الإسلامية المسلحة» زيتوني، وهو موقف يعبّر عن موقف الجماعة الاسلامية المسلحة ككل». ويضيف أن بعض عناصر «الجماعة السلفية» راسلوه خلال إمارته على هذا التنظيم «ليطلبوا الانضمام إلى «القاعدة» لكننا لم نسر في ذلك ولم يستطيعوا تجسيد هذه الفكرة في عهدي. كنا نفرض عليهم أفكاراً معينة (تختلف عن الأسلوب الذي تعتمده قيادة «القاعدة» في الجزائر حالياً). هذه الأعمال الانتحارية التي تحصل حالياً وحتى سبّ العلماء وشتمهم وعمليات الخطف التي يقومون بها وقتل الأجانب، هذه الأمور لم يكونوا قادرين على تجسيدها في عهدي. كانوا يقومون ببعض المشاكل، لكنها كانت تُخمد بسرعة ولم يمكنهم إظهارها إلى العلن. بعد انسحابنا (في 2003) حصل ذلك على عهد درودكال. صاروا يشتمون العلماء كي لا يستمع لهم الجنود. في عهدنا كان الجنود مربوطين بالعلماء أكثر من ارتباطهم بي، وهو أمر دفع بأمراء المناطق إلى انتقادي عليه. قال بعضهم: لماذا تربطون جنود المنطقة الثانية بالعلماء؟ فقلت لهم: ما هو مستواي (الشرعي) كي أربطهم بي؟ مستواي محدود، بينما هم علماء. لذلك تراهم الآن (القاعدة في الجزائر) يشتمون العلماء ويسبونهم، لأن الجندي يصير ينظر إلى العلماء مباشرة على انهم بطانة السوء ومن عملاء الحكام أو من العلماء الجبناء ممن لا يقولون كلمة حق. يصير لدى الجندي صورة مشوهة عن العلماء ولا يعود يأخذ بما يقولونه».
سألت حطاب عن مدى معرفته بدرودكال (أبي مصعب عبدالودود)، فأجاب: «أعرفه منذ أن كان جندياً عادياً. كنت أميراً على المنطقة الثانية وكان هو جندياً في ورشة تصنيع الأسلحة والمتفجرات. هو إنسان عادي. صدقني، إذا التقيته لا تظن أن هذا الرجل هو من يقود هذه الجماعة أو من يتنبى هذه الأعمال. بصراحة هذه ليست معتقداته. المحيطون به هم من يديره. فهو صورة طبق الأصل عن زيتوني في ما مضى. زيتوني كان المحيطون به هم من ورّطه في ما قام به. ولو رأيت زيتوني لعرفت أنه ليس هو من يقود بل المحيطون به، على رغم تبنيه لأعمالهم وهو غير مقتنع بها اصلاً. أما درودكال فقد كان جندياً عاقلاً، ولكن كيف أصبح أميراً وهو لا يستطيع حتى تسيير سرية؟ حقاً، إمارة سرية لا يستطيع تسييرها. فأنا من أمّره أمير جند على كتيبة خلال إمارتي وأنا من عزله. أعرف قدرته في التسيير. وجدت أن الأمر صعب عليه أن يسيّر كتيبة (القدس). لذلك عزلته. وبعد تأسيس الجماعة السلفية للدعوة والقتال جئت به لعندي، لكن قدراته كانت محدودة. وبعد مقتل أبو ابراهيم مصطفى (نبيل صحراوي) تولى هو الإمارة فقد كان هو رئيس مجلس الأعيان وأوصى به صحراوي أميراً للجماعة. لكن هناك من يسيّره حالياً، فالتصرفات التي يقوم بها تنظيمه لا أعتقد أنه شخصياً يمكن أن يكون مقتنعاً بها».
سألت حطاب عن جدوى انسحابه من قيادة «الجماعة السلفية» فقد كان يمكنه أن ينفّذ سياساته بطريقة أسهل وهو على رأس الجماعة، فرد: «لقد رأيت انه لو استقلت من الجماعة يكون الأمر أفضل. أكون حراً في تحركي. كنت أعرف انني استطيع أن أنشئ جماعة مجدداً. فوسائل الاتصال المتاحة تغيّرت. قمت بجس النبض ووجدت غالبية الجند عندها قابلية للنزول من الجبل. فقررت أن أكون منعزلاً حيث سأتمكن من أن أعمل بحرية مطلقة واكتسح الميدان. رأيت هذا الأمر بسيطاً بحكم تجربتي السابقة (في جمع الجماعات المنشقة عن «الجيا» في تنظيم جديد هو «الجماعة السلفية»). لذلك كثّفت اتصالاتي ووزعت رقماً للاتصال بي وتكثّفت الاتصالات بي من الجنود. بدأت أتواصل بالجنود والأعيان وأشرح لهم موقفي وأتناقش معهم. هذا الأسلوب الذي استخدمته في الخروج عن الجيا ونجحت في ذلك. حتى الناس الذين كانوا في الجيا في الماضي وكانوا يكنون لي عداء كبيراً، صاروا يأتوني بعدما انتهت الأزمة وقلت لهم إن (الخلافات معهم) من الماضي ولا أريد أن اضرهم».
ولكن كيف يمكن أن تصدقكم الناس في أنكم مقتنعون بالمصالحة وأنتم من كان يصدر حتى سنوات قليلة مضت بيانات تستنكر الهندنة والمصالحة وتحذّر حتى من يفكّر في الانضمام اليها؟
أجاب حطاب: «أقول لك الصراحة: أنا حتى قبل 1999 كنت مقتنعاً بأنه يجب أن أخاطب النظام بالمثل. فالنظام كان نظاماً قاسياً، لذلك كنا نتعامل معه بالقسوة نفسها. ولكن عندما تغيّر النظام كان أمراً إيجابياً كبيراً. لذلك فنحن أيضاً تغيّرنا. وغيّرنا أسلوبنا. عندما صرنا نرى ان النظام يتصرف بطريقة ايجابية ويطرح موضوع المصالحة كان علينا ان نتعامل بايجابية معها ايضاً. لم يكن معقولاً أن نواصل القتال عندما يمد النظام يده للمصالحة. رأينا ان النظام صار واعياً وفي المستوى. لذلك رأينا ان علينا ان نغيّر في اسلوبنا أيضاً. صرنا حتى ننتقي العبارات التي نستخدمها مع النظام. كان هناك بعض الأشخاص (في جماعته) يشوشون عليّ بسبب التعابير التي استخدمها. أخذوا عليّ كيف استخدم عبارة النظام بدل استخدام عبارة الطاغوت. لكننا غيّرنا هذا الأمر البسيط (وتسبب الأمر بمشكلة). لكن الأكيد بالنسبة لنا أن النظام كان يتغيّر أيضاً. ليس مجاملة بل حقيقة. رأيناهم مقتنعين بالتغيير ورأينا ذلك مجسداً على الأرض. كنا نعمل على مراقبة تصرفات النظام. وندرس الكلمات التي يستخدمها رئيس الجمهورية. كانت كلها أمور ايجابية».

Sunday, 15 March 2009

hattab: Bin Laden envoy, LIFG, GIA etc



روى قصة التمرد على «إمارة زوابري» وتأسيس «الجماعة السلفية» على أنقاض «الجماعة المسلحة» ... حطّاب لـ«الحياة»: قُتل الليبيون لرفضهم مبايعة زيتوني ... ووفد بن لادن «نزل عندي» ولم أمسّه بسوء
الجزائر - كميل الطويل الحياة - 15/03/09//
يعرف كثيرون أن حسّان حطّاب كان أوّل أمراء المناطق المنشقين عن «الجماعة الإسلامية المسلحة»، أو «الجيا»، كما تُوصف في الجزائر. إذ «استقل» في العام 1996 بـ«المنطقة الثانية» (شرق العاصمة) عن إمارة عنتر زوابري (أبي طلحة) خليفة جمال زيتوني (أبي عبدالرحمن أمين) الذي قُتل في تموز (يوليو) من ذلك العام في مكمن نصبه له منشقون عنه. لكن قلّة يعرفون تفاصيل خروجه عن هذا التنظيم، وكيف أن حطّاب كان في الواقع قد انتهى من صوغ بيان الخروج على زيتوني ونال موافقة أمراء منطقته عليه، لكن البيان لم يُبصر النور لأن زيتوني كان قد قُتل في اليوم المحدد لإصداره.بعدما عرضت حلقة أمس إلى انضمام حطّاب إلى «الجيا» في 1994 واندلاع خلافاته مع «زيتوني وحاشيته»، تتناول حلقة اليوم قصة الإنشقاق عن «الجماعة» وتصفية عناصر «الجماعة الإسلامية المقاتلة» الليبية الذين كانوا يقاتلون مع «الجهاديين» في الجزائر والنقاشات مع الوفد الذي أرسله زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن إلى جمال زيتوني، وتفاصيل إنشاء «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» في العام 1998.يُقر حسان حطّاب (أبو حمزة) بأن قرار الخروج عن قيادة «الجماعة الإسلامية المسلحة» لم يكن هيّناً. فأمراء «الجيا» آنذاك، بين 1995 و1996، كانوا ما زالوا في أوج قوتهم، وكانوا يتصرفون مع معارضيهم - أو حتى الذين يُشتمّ منهم أنهم ربما يفكّرون في أن يكونوا معارضين - ببطش ما بعده بطش. تعرّض كثير من الدعاة وطلبة العلم والأمراء والجنود لـ «محاكمات صورية» وأُرغموا على الاعتراف بذنوب ربما ما اقترفوها يوماً. وحملت نهاية العام 1995 أنباء مقلقة لكثيرين من مؤيدي «الجماعة» بعدما تبنّى أميرها جمال زيتوني قتل قياديين في «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» ممن انضموا إليها في «وحدة» العام 1994 وعلى رأسهم الشيخ محمد السعيد (زعيم تيار «الجزأرة»). اتهمهم زيتوني بأنهم كانوا «يتآمرون» على «المنهج السلفي» الذي زعم أنه وحاشيته يمثّلونه في «الجماعة».سألت حطّاب في الإقامة السرية التي التقينا فيها في ضواحي العاصمة الجزائرية، عن سبب تأخره في الخروج عن قيادة «الجماعة المسلحة» ما دام كان يعرف مُبكراً بأن زيتوني وحاشيته من الأعيان والأمراء «منحرفون» ويقومون بأعمال قتل لا يبررها الشرع (كما قال في الحلقة السابقة). فردّ: «دعني أقول لك لماذا انتظرت. كُنتُ أمير منطقة وليس أمير سرية. فلو كنت أميراً على سرية أو كتيبة مثلاً لأمكنني الخروج، ولكنت فعلاً من أوائل الخارجين. لكن ما أردت أن أقوم به هو تصحيح مسار»الجيا» وليس الخروج عليها. فقد كنت أنصح زيتوني، ودخلت معه في جدال محتدم بسبب المخالفات الشرعية التي كان يرتكبها. كان يخشى أن أخرج عليه ما سيؤدي إلى «إنهيار الجماعة»، كما كان يقول. وهذا الشيء الذي كنت أحظى به (خوف زيتوني من خروجه عليه) سمح لي بأن أضغط عليه. وبصراحة، لولا تلك الضغوط التي مارستها عليه لكانت الانحرافات في «الجيا» أكبر بكثير من تلك التي ارتكبتها. كنتُ أقلل شرّهم ببقائي معهم. في البداية أعلنت قراري توقيف السمع والطاعة لزيتوني، لكنني وصلت إلى وقت وجدتُ فيه أنه لم يعد هناك من مبرر لبقائي معهم وأن لا بد لي أن آخذ موقفاً مهما كانت النتيجة».ويوضح حطّاب كيف تم اتخاذ قرار الخروج: «كان عندي طالب علم يتمتع بمستوى جيد وأثق برأيه، فاستشرته في الأمر. وعلى رغم أنه لم يكن يخشى زيتوني، إلا أنه كان يعتقد بعدم جواز الخروج عليه من الناحية الشرعية. فقلت له إنني لم أعد أرى أملاً في زيتوني، وإنه إذا كانت هناك مفسدتان (في الخروج عليه) فلنأخذ أقلهما ضرراً. في البقاء معه مفسدة عظمى، لكن في الخروج عليه مفسدة أقل ضرراً من الأولى. المهم أن نخرج. لكنه لم يوافقني على ذلك. فلجأت إلى جمع أعيان المنطقة الثانية. كانوا جميعهم من رؤساء اللجان، فطرحت عليهم ما أعرف عن خبايا «الجيا». فقد كانت لديهم فكرة عمّا يحصل، لكنهم لم يكونوا على اطلاع تام على أسرارها. كنت أعرف بتلك الخبايا بما أنني من الأعيان وأحضر اللقاءات (التي تعقدها قيادة التنظيم)، كما كانت لديّ مصادري التي تأتي لي بالأخبار عما يحصل في الخفاء. وبعدما طرحت الصورة كما هي على أعيان المنطقة تكوّنت لديهم صورة أوضح من تلك التي كانوا كوّنوها من بعيد. فوافقوني جميعهم على الخروج على زيتوني، وصغنا بياناً في تموز (يوليو) 1996 وأعددناه للخروج، فإذا بنا نسمع في اللحظة ذاتها أن زيتوني قُتل. جاءني رُسل لإبلاغي بأنه قُتل. لكنني كنت أعرف مكرهم وشرهم فقلت إن نبأ مقتله ربما يكون مكيدة، إذ ربما أشاعوا ذلك كي يتمكنوا من الوصول إليّ. ربما قالوا إن لا شيء يسمح لنا بالوصول إلى حسان سوى أن نقول له إن زيتوني قُتل فيأتي إلينا ساعياً إلى تولي الإمارة فنعتقله أو نقتله. كان زيتوني وحاشيته يعرفون أنني سأخرج عليهم، فقد أبلغت زيتوني فعلاً بأنني لن أبقى معه إذا واصل التصرفات التي يقوم بها. وهو، في الحقيقة، أرسل لي (القيادي) عبدالرزاق «البارا» (عماري صايفي) ليقنعني بأن أهدأ ولا أخرج على قيادته».ويشرح حطّاب أن زيتوني حاول كسب «البارا» (أي المظلي) إلى صفّه بغية إضعافه وإيجاد شرخ بينهما: «كان زيتوني يخشى خروجي عليه. ولو التحق «البارا» بي وخرجنا عليه كلانا في المنطقة الثانية، فقد كان الأمر سيشكل له بمثابة الضربة القاضية. ففكروا (زيتوني وحاشيته) في أن يستميلوا عبدالرزاق «البارا» إليهم، حتى إذا خرج حسان حطاب على «الجيا» يكون ضعيفاً بدونه. وفكّروا أيضاً في منحه صلاحيات على أساس أن يحصل صراع على السلطة بيننا (في المنطقة الثانية)، لكن علاقتي مع «البارا» كانت وطيدة، ولم يكن ليدخل معي في صراع. اجتمعت معه في بيت وسألني عن أسباب خلافاتي بين زيتوني. فقلت له: أنظر يا عبدالرزاق: حاشيته «بانديا»، أي»عصابة» بالعامية الجزائرية. فقد كانوا عصابة خطيرة فعلاً. قلت له إنني لا أثق بهم أصلاً، وأحذر كل الحذر من هؤلاء الأفراد، فلن يترددوا في محاولة توسيخك في جرائمهم، ولو قمت بذلك فستصبح ضعيفاً ولن تستطيع بالتالي أن تأخذ عليهم أي موقف. فإذا أخذت موقفاً وأنت متورط معهم فلن يؤيدك أحد. لذلك خذ حذرك. فرد عليّ: يا حسان، سأطلب تحويلي إلى الشرق (شرق البلاد). فقلت له: هؤلاء لا يحبونك يا عبدالرزاق، يريدون استغلالك ولن يدعوك تتحوّل إلى الشرق، وأحذر منهم كل الحذر».ويكشف حطّاب أنه قال لزيتوني قبل انشقاقه عن «الجماعة»: «لو بقيت على هذه السياسة فسيقتلك جنودك. فقال لي: لماذا؟ قلت له: إقرأ التاريخ فتعرف أن القادة الذين تسير أنت على خطاهم يُقتلون دائماً على يد جنودهم. فالجنود سيرون إنك ما جئت إلا لتُحدث فساداً، وإنك دخيل عليهم والسبب في إفساد الجماعة، وبالتالي فإنهم يمكن أن يتجرّأوا عليك ويقتلوك ... وهذا ما حصل. لذلك عندما جاء الرسل ليبلغوني بمقتل أمير الجماعة سألتهم: أين قُتل تحديداً، حددوا لي المكان، إذ كنت متشككاً في أن الأمر خدعة. قلت لهم: من قتله؟ هل الجيش هو من قتله؟ فقالوا لي: الله أعلم، لا نعلم من قتله. فقلت لهم: تقولون لي إن زيتوني قُتل وهو في وسطكم ولا تعرفون من قتله! وزدت قائلاً لهم إنني على رغم بعدي بكليومترات كثيرة عن مكان مقتله، إلا أنني اعتقد انه قُتل من طرفكم (أي على يد أفراد في الجماعة نفسها). فالمنطقة وطريقة نصب المكمن تؤكد أنه قُتل من طرفكم. استأذنت الرسل وقلت لهم إن لدي بعض الناس أريد استشارتهم في الأمر. فرجعت إلى الجماعة (أعيان المنطقة الثانية) وقلت لهم إن الرسل أبلغوني بمقتل زيتوني ولكنني بحكم معرفتي بالجماعة أخشى أن يكون ذلك خدعة، لاستدراجي إلى المجيء إليهم سعياً إلى تنصيبي أميراً للجماعة (خلفاً لزيتوني). لكنني أضفت أنه يُمكن أن يكون زيتوني قد قُتل حقيقة، وإذا كان ذلك حصل فعلاً فإنني أستطيع أن أقول لكم بما لا يدع مجالاً للشك إن عنتر (زوابري) أو (رضوان) ماكادرو سيُنصّب أميراً مهما كان موقف بقية الأمراء والأعيان. فلو ذهبنا إلى هناك (اجتماع قيادة الجماعة لاختيار خلف لزيتوني) فإننا سنقع في فخ لا محالة. استشرت الأعيان فقالوا لي إنهم يؤيدون أن نُصدر رسالة (إلى اجتماع أعيان الجماعة). قلنا في الرسالة إننا لسنا ملزمين بأي شيء يصدر في غيابنا، فإذا ما عيّنتم أميراً فإننا لن نعترف به. طلبنا ثانياً ايضاح كيفية مقتل زيتوني لأنه قُتل في وسط الجماعة (منطقة نشاطها). وقلنا ثالثاً إنه ممنوع عليهم دخول المنطقة الثانية، بسبب مكرهم وخداعهم، وإنهم إذا أرسلوا لنا رسلاً فإن عدد أعضاء الوفد لا يجب أن يتجاوز ثلاثة. أعطيناهم الأمان بشرط أن لا يكونوا أكثر من ثلاثة رُسل. حمّلنا الرسالة إلى رُسل نقلوها إلى مؤيدي زيتوني. نقلوها فعلاً، لكن عنتر كان قد تأمر على الجماعة، وكان يعرف أنني أبغضه، إذ اصطدمت معه مراراً ومنعته من الإقامة في المنطقة الثانية. قلت لزيتوني إنه يجب إبعاد هذا الرجل عنه، لأن مجرد وجوده في مقر قيادة «الجماعة» سيشوّه صورتها، بل قلت له: والله، إن «الجيا» ستصير هجرة وتكفير (في ظل عنتر) وسيصير عندها غلو. فهو سفيه يتلفظ بألفاظ لا علاقة لها بالدين. وكان دائماً محيطاً بزيتوني ويرافقه».ويقدّم حطّاب روايته لملابسات كثير من القضايا التي ارتبط اسم زيتوني بها قبل مقتله، ومنها قضية الخلافات مع الليبيين من عناصر «الجماعة الإسلامية المقاتلة» الذين التحقوا بجبال الجزائر للمشاركة في ما اعتبروه «جهاداً» ضد الحكم، قبل ان يختفوا في «ظروف غامضة» ولم يظهر لكثير منهم أثر. ويوضح «أبو حمزة» قائلاً: «جوهر الخلاف الذي حصل بين قيادة الجماعة الإسلامية المسلحة والجماعة الليبية المقاتلة هو مسألة البيعة، فقد طلب زيتوني أمير الجماعة الإسلامية المسلحة البيعة من أفراد الجماعة الليبية المقاتلة والانضمام إلى الجماعة الإسلامية المسلحة، فكان موقفهم الرفض». ويتابع: «تمت تصفية عناصر الجماعة الليبية المقاتلة من طرف الجماعة الإسلامية المسلحة بإمارة زوابري بعد خروجنا منها (في 1996)، وتبرّأنا من أفعالها (آنذاك). حصلت التصفية في منطقة تابعة للجماعة الإسلامية المسلحة ولكن لم تحصل أي تصفية على مستوى منطقتنان أي المنطقة الثانية».وينفي حطّاب أن يكون احتجز أعضاء الوفد الثلاثي الذي أرسله أسامة بن لادن إلى الجزائر للبحث في قضية الخلافات بين «الجماعة» و «المقاتلة» وفي سبل التنسيق بين «الجهاديين» في داخل الجزائر وخارجها. ويقول: «أعضاء وفد بن لادن، أي عطية عبدالرحمن، عبدالحكيم وعاصم، لم يكونوا محتجزين عندنا، بل كانوا مقيمين، وفرارهم إلى منطقة الأربعاء (حيث جماعة الشيخ مصطفى كرطالي المنشقة عن قيادة زيتوني) لا يُعد فراراً بل هو تنقل، وكنا على علم بذلك. ولو أردنا بهم سوءاً لفعلنا. والدليل على ذلك أن «عاصم» بقي عندنا حتى خرج إلى خارج الجزائر بمحض إرادته. وكان زيتوني يريد لقاءهم قبل مقتله، فرفضت وامتنعت خشية أن يؤذيهم. ومكوثهم عندنا كان حماية لهم من أي مكروه قد يصيبهم من طرف زيتوني وجماعته». ومثلما هو معروف الآن، صار عطية عبدالرحمن أحد القادة البارزين في تنظيم «القاعدة» وهو من أرسل الرسالة الشهيرة إلى «ابي مصعب الزرقاوي» في العراق في نهايات العام 2005 يحذّره فيها من أن قيادة القاعدة في وزيرستان (باكستان) ليست سعيدة بتصرفاته وتطلب منه أن يشاورها قبل أن يوسّع نشاطاته خارج العراق (إثر التفجيرات «الانتحارية» في فنادق عمّان).
تأسيس «الجماعة السلفية»
في أي حال، كرّس تولي زوابري الإمارة شرخاً خطيراً داخل «الجماعة المسلحة» وبدأت المجموعات المختلفة تنشق عنها واحدة تلو الأخرى. وليس واضحاً لحد الساعة إن كانت تلك الإنشقاقات ساهمت في أي شكل من الأشكال في «حشر» عنتر في زاوية رأى أن ليس في إمكانه الخروج منها سوى بالسير في اتجاه مزيد من الغلو الذي تُوّجه بإصدار بيان، في 1997، يُكفّر فيه عموم الشعب الجزائري، ويتبنى سلسلة من المذابح الرهيبة التي راح ضحيتها مئات المواطنين. لكن حطّاب يقول إنه لم يستغرب أن يفعل زوابري ذلك: «عندما بلغنا خبر مقتل زيتوني خلال تحضيرنا للخروج على إمارته وتعيين زوابري أميراً رفضنا ذلك لعلمنا بهذا الرجل (زوابري) والخط الذي انتهجه مع بطانته في ما بعد، وهو خط المجازر الجماعية، وقد تبرذأنا من ذلك في بيانات عدة».كان حطاب آنذاك ما زال يعمل بصفته أميراً على «المنطقة الثانية» في «الجماعة المسلحة»، على رغم خروجه على زوابري. لكن مع حلول العام 1998 صار إسم «الجيا» مرادفاً لكل ما هو إجرامي في أعين شريحة واسعة من الجزائريين بعد سلسة المذابح الرهيبة التي شهدتها. وإزاء هذا الوضع، قرر حطّاب وقياديون آخرون منشقون عن عنتر أن الوقت قد حان لتأسيس جماعة مسلحة باسم جديد لا يرتبط في أذهان الجزائريين بـ «الجيا» وجرائمها. وهكذا تأسست «الجماعة السلفية للدعوة والقتال». واستطاعت في ظرف وجيز توسيع انتشارها من شرق العاصمة الجزائرية في اتجاه حدود البلاد شرقاً، في حين بقي مؤيدو إمارة زوابري ينشطون خصوصاً في ولايات الوسط جنوب العاصمة وغربها. أما بقية البلاد فقد انتشرت فيه إلى جانب «الجيا» جماعات أخرى منشقة أبرزها الجماعة التي أطلقت على نفسها إسم «حماة الدعوة السلفية».سألت حطاب كيف تأسست «الجماعة السلفية» ولماذا؟ فأجاب: «أحببت أن أؤسس جماعة تكون مختلفة عن «الجيا» التي تشوهت سمعتها بسبب الجرائم التي ارتكبتها. أحببت أن أنشيء جماعة أخرى وأغيّر حتى الأفكار التي كان بعض الأمراء في بعض الجهات يحملها عن الجماعة الإسلامية المسلحة. أردت تصحيح المسار بعد الأخطاء التي وقعت فيها «الجيا». فجمعنا الأمراء على مستوى المناطق المختلفة - لم يتمكن ممثلو الغرب من المجيء - وأنشأنا الجماعة السلفية للدعوة والقتال» في الأول من محرّم 1420 (الموافق لـ 27 نيسان/أبريل 1999). وكان بين الحاضرين ممثلون للمناطق السادسة والخامسة والثانية والتاسعة (الصحراوية)، واختير أبو مصعب عبدالمجيد (عبدالمجيد ديشو) أميراً للجماعة الجديدة التي أشارت في بيانها الأول («الجماعة رحمة») إلى أن الاتفاق على تغيير إسم «الجماعة الإسلامية المسلحة» إلى «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» كان لأن «الإسم الأول صار شعاراً لدعاة الهجرة والتكفير»، وأعلنت «البراءة إلى الله من المجازر التي قامت على قتل عموم الشعب بإمارة زوابري». لكن البيان أضاف إلى ذلك إعلان «البراءة إلى الله من الهدنة المزعومة التي أقامها «جيش الإنقاذ»، والتي هي في حقيقتها مقاتلة أهل الإسلام وموادعة أهل الأوثان».كان ذلك مؤشراً إلى أن «الجماعة السلفية» تريد أن تميّز نفسها عن «الجيا» من خلال النأي بنفسها عن الهجمات التي تستهدف المواطن العادي، لكنها تتمسك بالقتال ضد الحكم الجزائري وترفض مسعى بعض الجماعات إلى مهادنته. كان المقصود بذلك تحديداً «جيش الإنقاذ» الذي قرر منذ صيف 1997 الدخول في هدنة قبل التخلي كلياً عن «العمل المسلح» والنزول من الجبل في نهاية 1999. كان أمير «جيش الإنقاذ» مدني مزراق هو أول المبادرين إلى هذه الخطوة، وأقنع بها عدداً من القادة الإسلاميين الذين انشقوا عن «الجماعة المسلحة» في عهد زيتوني وخليفته زوابري لكنهم آثروا عدم الإنضمام إلى حطاب و «جماعته السلفية».سالت حطّاب لماذا لم تقرر وقف القتال في تلك الفترة؟ فرد بسرعة: «لأن ذلك كان مستحيلاً. أمراء الجماعة السلفية لم يكونوا كلهم من المنطقة الثانية. كانت لدى الأمراء في المنطقة الثانية عقلية تختلف عن عقلية أمراء المناطق الأخرى. كان لدينا برنامج، وعندنا إمارة ولجان، وكل لجنة لديها أعضاء يملكون وسائل إعلام. كانت اللجان في منطقتنا منظمة. لكن لجان المناطق الأخرى كان وضعها مختلفاً. واستطيع أن اقول إن بعض اللجان في مناطق أخرى لم يكن لديها حتى هاتف تتصل منه، ولا حتى جهاز «توكي ووكي». كان وضع بعض المناطق في حال يرثى لها. وبعد التأسيس تركنا الحرية للأمراء في اقتراح القادة في الجماعة السلفية للدعوة والقتال، فاقترحوا الأشخاص أنفسهم الذين كانوا مسؤولين في الجماعة الإسلامية المسلحة. كان ذلك بمحض ارادتهم. لكننا بدأنا نغيّر في أفكار كثيرة كانت من رواسب الجماعة الإسلامية المسلحة، فبدأ يقع احتدام بيننا وبين بعض الأمراء في الجماعة الجديدة. كان هناك من خرج على الجماعة الإسلامية المسلحة ولكنه يرفض تغيير بعض الأمور التي كان مقتنعاً بها. فكيف تأتي إليه في ذلك الظرف وتحدثه عن المصالحة؟ كان من المستحيل اقناعهم بذلك. بعض الأمراء كان ما زال يعتقد انه يجب قتل نساء الدرك والشرطة، على رغم خروجه على «الجيا». كان يرى أن عليه قتل عناصر الدفاع الذاتي، ويعتقد بضرورة قتل الأجانب. كانت هناك أفكار عديدة ما زالوا مقتنعين بها، على رغم خروجهم عن الجماعة. ولكن على رغم ذلك استطعنا أن نفرض عليهم أموراً لم يكونوا راضين عنها. كان بينهم من دخل تحت إمارتنا على مضض. لكننا واصلنا عملية التغيير. وهذه العملية تتطلب وقتاً. غيّرنا أموراً كثيرة. لم يكن بالبساطة والسهولة إقناع بعض أمراء المناطق بها. لكن أن تطرح عليه هدنة أو مصالحة، فهذا لم يكن بالأمر الممكن. كان مستحيلاً طرح مثل هذه الأمور آنذاك».ويؤكد حطاب أن مدني مزراق لم يشمله آنذاك بالاتصالات التي كان يجريها من أجل إقناع أكبر عدد من المسلحين بالقاء السلاح والنـــــزول من الجبل، إذ يقول: «لم يتـــــــصل (مزراق) أبداً. أنا من أرسل له رسولاً كي نوقف القتال. أمرت الأفراد الذين انضموا (إلى «الجماعة السلفية») من منطقة جيجل وكانوا تابعين للجيا، بوقف القتال ضد جيش الإنقاذ. هؤلاء العناصر لم يكونوا تابعين لنا في البداية. وكانت أول خطوة أخذناها (بعد انضمامهم) أننا أمرناهم بوقف القتال، على رغم أنهم كانوا مقتنعين بذلك وكانوا في صدامات مع جيش الإنقاذ. أوقفناهم عن القتال وهم التزموا بذلك حقيقة».
عضو مجلس الشورى ومسؤول اللجنة الطبية ... «أبو زكريا» لـ«الحياة»: صعدت إلى الجبل عن جهل وعاطفة ... ونزلت عن علم
يقدّم «أبو زكريا»، رئيس اللجنة الطبية في «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» سابقاً، صورة مرعبة للأوضاع في جبال الجزائر حيث يخاف المسلحون من بعضهم بعضاً ويُحاكمون أحياناً بتهمة الجهر بتفكيرهم في التخلي عن العمل المسلح والنزول من الجبل.«أبو زكريا»، وهو عضو في مجلس شورى «الجماعة السلفية» وأحد «أعيانها» (في الخمسينات من عمره)، نزل من الجبل في 2004 واستفاد من قانون المصالحة، لكنه قبل أن يفعل ذلك كاد أن يُقتل عندما حاول جندي في الجماعة نزع سلاحه وأطلق عليه الرصاص عندما رفض فعل ذلك.يقول «أبو زكريا»: «في إحدى المرات قال لي (مسؤول اللجنة الشرعية، أو المفتي، في «الجماعة السلفية») أبو البراء أحمد، رحمه الله، يا أبو زكريا صار لازم «تعتزل» (توقف القتال)، فأنت معروف (بما قمت به). «بركات» (تعبير جزائري معناه «يكفي» ما حصل حتى الآن). قلت له إنه ليست هناك مشكلة في ذلك ويمكن أن نعتزل. ثم حدث أنني تكلّمت مع صهيب أمير «كتيبة الجماعة» وقلت له إنني أستطيع أن التحق بكندا وأذهب من هنا. فنظر إليّ وقال: ماذا تقول؟ أنت عين من أعيان الجماعة. فقلت له: نعم، قريبي مسؤول في حزب التجمع الوطني الديموقراطي في بسكرة، واستطيع (بمساعدته) أن أرحل من هنا وأسافر إلى كندا. فذهب صهيب إلى «أبي البراء» وقال له إن الأخ أبو زكريا يقول كذا وكذا وكذا. فاستدعوني إلى حلقة (جلسة) مع الأخ رشيد حلوية والأخ أبو البراء. تحدث الشيخ أبو البراء وقدّم الملف ضدي قائلاً إنه بلغنا أنك قلت كذا وكذا وكذا. فقلت له يا أبو البراء هل هذه محاكمة فعلاً؟. فقال لي إنها محاكمة. فقلت له: «ويش تهدر» (ماذا تقول)؟ أنت تطلب مني أن اعتزل ونحن في مخبأ ثم تحاكمني على قولي أمام الملأ ما قلناه في السر في شأن استطاعتي الذهاب إلى كندا. فطلبت منه رفع الجلسة وبسرعة. كان، رحمه ربي، يخاف خوفاً شديداً، وأنا أتحسر أن أجد نفسي أعلّق على كلام طلبة العلم. العلم هو الذي يدفع بصاحبه إلى اتخاذ مواقف جريئة وشجاعة، وأنا كنت جاهلاً. إذا سألتني ماذا دفعك إلى الصعود إلى الجبل فاقول لك الجهل والعاطفة. ولماذا نزلت؟ أقول: العلم.قال «أبو مصعب» (عبدالمجيد ديشو، الأمير السابق لـ «الجماعة السلفية»)، رحمه الله، في مرة من المرات: لا يجوز لك شرعاً يا أبو زكريا أن تجلس هكذا في الجبل من دون طلب العلم (شرعي)، فأطلب العلم. اعتكفت فعلاً على طلب العلم، وبدأت في حفظ القرآن الكريم والحديث وأصول الفقه، ورأيت من خلال اطلاعي على العلم الشرعي انه لا يجوز لنا ما كنا نفعل. لا يجوز شرعاً، حتى ولو كان الحاكم كافراً. كانت هناك قناعات علمية. رسّخوها لنا في الجبل ونحن جهلة، فلما أمكننا الله عز وجل من القليل من العلم اكتشفنا أننا كنا على خطأ في ما نفعل. ماذا نفعل؟ نفتح الأبواب أمام أميركا والغرب كي تتدخل في بلداننا. تفتح الباب لأناس يغيّرون المنكر بمنكر أعظم. جئنا لنجبر الدولة على تحكيم الكتاب والسنّة فإلى ماذا وصلنا؟ وصلنا إلى عدم تحكيم الكتاب والسنة وقتل آلاف الجزائريين وإهدار أموال المسلمين وفتح ثغرة وابواب لعدو خارجي كي يتدخل في بلادنا. فكان موقفي هو أخذ موقف جريء من أجل المصالحة. والحمد لله تلاقيت مع أمير الجماعة وكنا في رأي واحد وقلنا إنه ما دام أن الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة فتح الباب أمام المصالحة فجاءتنا أبواب الرحمة ونحن يمكننا أن نعيش بهناء وكرامة مع أهلنا فلماذا نبقى في هذه البوتقة البؤرة التي لا تؤدي الى مصلحة. فأخذنا الموقف الذي أخذناه. وأدى إلى هذا (الجرح البليغ في يده). والأخ أبو حمزة أنا تلمست منه النية للمصالحة ووقف القتال منذ العام 2000. جلست معه في جلسة لوحدي وقلت له: يا حسان من باب المصلحة فقط من دون أن نتطرق الى الأمور الشرعية الأخرى: هل بإمكاننا أن نفتح مدينة دلس (شرق العاصمة) في الليل؟ فقال لي: نعم، يمكننا فتحها. قلت له: هل بإمكاننا المكوث فيها في النهار؟ قال لي: لا. فقلت له: أين هي حماية بيضة المسلمين، أي هي قوتنا، إذا كنا نفتح المدينة في الليل ونفر منها مع طلوع الفجر. قال لي حسان: كلامك صحيح وواقعي. حصل هذا الحديث في العام 2000 تقريباً. ولكن مع من تقول هذا الكلام؟ مع الضباط الشرعي الذي يقول لك في السر «اعتزل بركات»، ولكن في الحلقة الرسمية (المحاكمة) يقول لي غير ذلك. يخاف أن يقول علناً ما يهمس به في السر».ويرى «أبو زكريا» أن «القناعة الشرعية (بوقف القتال والانضمام الى المصالحة) هي في حدود 90 في المئة تقريباً في المسلحين في الجبل الآن. ولكن يبقى عامل الثقة بين الدولة وهؤلاء. لو التمسوا الثقة من الدولة فلن يبقى واحد منهم في الجبل. خلال سنتين لن يبقى مسلح واحد في الجبل. هناك عامل الخوف فقط (الذي يمنعهم من النزول) ولكن الناس مقتنعة من الناحية الشرعية».سألت «أبو زكريا» كيف حصلت الإصابة البالغة في يده، فرد: «كانت محاولة تصفية. كانت محاولة اغتيال ولم تنجح». ومن حاول اغتيالك؟ رد: «الأمر يشبه أن وزيراً يسير في الطريق فيأتي إليه شرطي ويوقفه أو يقتله! هذا ما حصل. هناك عين من أعيان الجماعة وعضو المجلس الشوري ورئيس الهيئة الطبية (أي هو) يسير مع جندي تابع له، فيأتي جندي آخر ويقول للوزير: ألق سلاحك، وإلا قتلتك. فقلت له: لن ألقي سلاحي حتى ولو قتلتني، وبدأت أردد لا إله إلا الله محمد رسول الله. فأطلق النار عليّ. كان هذا الجندي مأموراً بذلك، بلا شك».وهل تقصد أن أبا مصعب عبدالودود، أمير الفرع المغاربي لـ «القاعدة» («الجماعة السلفية» سابقاً) هو من أرسله لقتلك بسبب ترويجك لمسعى المصالحة بين جنوده؟ رد: "هو صاحب الأمر في النهاية، لكنني لا أعرف إذا كان هو من أمر بذلك حقاً".

Saturday, 14 March 2009

hassan hattab speaks to camille tawil



«الحياة» تحاور أربعة من أبرز قادتها عن سنوات الرعب في الجزائر (الحلقة الأولى) ... قادة «الجماعة السلفية»: لهذه الأسباب قاتلنا ولهذه الأسباب ألقينا السلاح
الجزائر - كميل الطويل الحياة - 14/03/09//
«تغيرت تصرّفات النظام، فتغيرنا نحن أيضاً». بهذه العبارة يلخّص حسان حطاب، مؤسس «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» التي تحوّلت الآن إلى الفرع المغاربي لتنظيم «القاعدة»، مسيرته الطويلة من الصراع ضد الحكم الجزائري على مدى سنوات التسعينات وكيف تحوّل من قتاله إلى مهادنته فمصالحته.كان عليّ أن أنتظر أكثر من عشر سنوات للقاء هذا الرجل الذي أجريت معه حواره الإعلامي الأول بـ «الواسطة» (عبر ممثليه في لندن) في العام 1998. لكن حطّاب اليوم ليس حطاب الذي أجاب عن أسئلتي قبل عشر سنوات ونيّف. لقد تغيّر. كان حطّاب آنذاك خارجاً لتوه من صراع مرير مع قيادة «الجماعة الإسلامية المسلحة»، إحدى أكثر الجماعات دموية في تاريخ الجزائر المعاصر. تحدى حطاب (المعروف بـ«أبي حمزة») أميرها عنتر زوابري وخرج عن طاعته وانشق عنه ليؤسس «الجماعة السلفية للدعوة والقتال». انشق حطاب عن «الجماعة المسلحة» آنذاك ليس لأنه لم يعد مقتنعاً بقتال الحكم الجزائري، بل لأنه وجد نفسه غير قادر على وقف «الانحدار إلى الهاوية» الذي كانت «الجماعة»، أو «الجيا» بالتعبير الجزائري، تسير فيه خلال عهدي أميريها جمال زيتوني (أبو عبدالرحمن أمين) وخليفته عنتر زوابري (أبو طلحة). عندما راسلته في العام 1998، عبر ممثليه في لندن، أرسل لي أجوبة كشف مضمونها بوضوح أن حطّاب ليس فقط غير مؤمن بأن السلام ممكن مع الحكم الجزائري بل هو يعتبر أن الذي يُهادنون النظام منخدعون وأن سلامهم ليس سوى «استسلام». سمّى بالإسم قادة «الجيش الإسلامي للإنقاذ» الذي كان أميره مدني مزراق قد أعلن هدنة لعملياته في صيف 1997 قبل أن يدخل في إطار سلام تضمن عفواً عن عناصر تنظيمه وعناصر الجماعات الأخرى التي وافقت مثله على القاء السلاح.التقيت حطاب في الجزائر هذه المرة. فقد لحق، متأخراً، بمسيرة مدني مزراق، وألقى السلاح ونزل من الجبل وسلّم نفسه إلى السلطات في أيلول (سبتمبر) 2007. التقيته في إقامة سرية تحرسها أجهزة الأمن قرب العاصمة الجزائرية وبعد الحصول على إذن بإجراء مقابلته الصحافية الأولى «منذ نزوله من الجبل». لم يكن حطاب لوحده. كان معه ثلاثة آخرون من القادة الكبار في «الجماعة السلفية» ممن اقتنعوا أيضاً بأنه لم يعد هناك من مبرر لقتال الحكم الجزائري وأن الأفضل لهم ولعائلاتهم وللجزائر أن ينزلوا من الجبل ويلتحقوا بمسعى السلم والمصالحة الذي يقوده الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة. إضافة إلى حطاب، شارك في الحوارات كل من عبدالقادر بن مسعود المكنى مصعب أبو داوود، الأمير السابق للمنطقة التاسعة الصحراوية في «الجماعة السلفية» (سلّم نفسه في آب/أغسطس 2007)، وأبو عمر عبدالبر رئيس اللجنة الإعلامية في الجماعة ذاتها، وأبو زكريا رئيس اللجنة الطبية. والأخيران من «الأعيان» في «الجماعة السلفية» (مجلس أهل الحل والعقد) وأعضاء مجلس الشورى.قدّم الأربعة روايتهم لطريقة نزولهم من الجبل ولماذا تغيّر اقتناعهم من محاربة الحكم الجزائري إلى مصالحته. كشف حطاب أنه لم يصعد إلى الجبل عن «اقتناع» مسبق بضرورة قتال النظام. صعد لأن النظام، كما قال، تصرّف بعنف ضد الإسلاميين على اختلاف مشاربهم بعد إلغاء الانتخابات التي فازت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ في كانون الثاني (يناير) 1992. في الجبل، كما قال، حصل لديه اقتناع بأن هناك «مبررات شرعية» تحتّم قتال النظام. تحدث عن خلافاته مع أمراء «الجماعة الإسلامية المسلحة»، وكيف دخل في صراع مع جمال زيتوني الذي تولى الإمارة في صيف 1994، وصاغ بيان الخروج عليه في اليوم ذاته الذي قُتل فيه زيتوني على يد منشقين عن جماعته. روى قصة تأسيس «الجماعة السلفية»، وكيف بدأ يلمس تغييراً في «تصرفات» الحكم الجزائري مع تولي الرئيس بوتفليقة السلطة في 1999. كشف أيضاً أنه بدأ في الألفية الجديدة نوعاً من «جس النبض» داخل جماعته لمعرفة مدى استعدادها لوقف القتال والالتحاق بالمصالحة. لم يكن الأمر هيناً بالتأكيد، إذ أنه يروي أن بعض القادة كانوا يُساندون موقفه في السر لكنهم يترددون في الجهر برأيهم علناً. فقرر «التنحي» طوعاً من إمارة تنظيمه في 2003 كي تكون له «حرية الحركة» لجمع مؤيدي مسعاه لمصالحة النظام. وبعد سنتين من التنحي، «اعتزل» حطّاب عن الجماعة كلياً في 2005، واتخذ موقعاً مستقلاً في الجبل قريباً من مواقع لـ «الجماعة السلفية» التي كانت قيادتها انتقلت من خليفته نبيل صحراوي (أبي إبراهيم مصطفى) الذي قُتل في 2004، إلى عبدالمالك درودكال (أبي مصعب عبدالودود). لكن الجماعة بقيادة الأخير كانت تسير في خط مغاير تماماً لمسعى أميرها السابق حطاب في الهدنة والمصالحة، بل ذهبت أبعد من ذلك بكثير بانضمامها الى «القاعدة» في نهايات 2006 وتحوّلها إلى فرع هذا التنظيم في المغرب العربي اعتباراً من كانون الثاني (يناير) 2007. يعتبر حطّاب أن درودكال، الذي كان يعمل في ورشة لتصنيع المتفجرات تحت إشرافه، ليس هو القائد الفعلي لتنظيمه، بل هناك محيطون به يدفعونه إلى السير في تصرفات ربما لا يكون هو مقتنعاً بها، تماماً كما كان «عنتر زوابري ورضوان ماكادور وأبو كابوس» يسيطرون على جمال زيتوني ويدفعون به نحو مزيد من التشدد والغلو، بحسب ما يقول حطّاب.أما بن مسعود فيكشف، من جهته، أن قادة كباراً في «الجماعة السلفية» ليسوا مقتنعين بمسارها الحالي وتحوّلها إلى «القاعدة» في ظل إمارة درودكال، وينقل عن مختار بلمختار (أبو العباس)، الذي كان يقود «الجماعة السلفية» من الصحراء الجزائرية وحتى دول الساحل ما وراء الصحراء الكبرى (من موريتانيا إلى مالي والنيجر وحتى تشاد)، إنه أبلغه بأنه يريد التوقف عن قتال الحكم الجزائري و«الاعتزال» في مناطق نفوذه في الصحراء شمال مالي . يتحدث أبو عمر عبد البر بدوره عن طريقة انضمام «الجماعة السلفية» إلى «القاعدة» كونه كان مسؤول الإعلام عندما بدأت الاتصالات مع زعيم فرع «القاعدة في بلاد الرافدين» أبو مصعب الزرقاوي في 2004 للطلب منه خطف فرنسيين في العراق بهدف الضغط على بلادهم لإرغام جماعة تشادية متمردة على إطلاق القيادي الكبير في «الجماعة السلفية» المحتجز لديها عبدالرزاق «البارا» (عماري صايفي).ويروي «أبو زكريا»، من جهته، كيف التحق بالجبل «عن جهل وعاطفة» ونزل منه «عن علم» بعدما طلب منه أحد أمراء الجماعة أن يعكف على قراءة القرآن والأحاديث النبوية الشريفة، فبدأ بحفظها فعلاً واكتشف، من خلال تعلّمه الشرع، أنه كان على خطأ منذ البداية في القتال، وأن عليه أن ينزل من الجبل في ظل سياسة المصالحة التي يتبعها النظام إزاء الإسلاميين. ونزل «أبو زكريا» فعلاً من الجبل بشبه أعجوبة ... فقد حاول أحد عناصر التنظيم اعتقاله وأطلق عليه النار وأصابه إصابات بليغة (فقد جزءاً من يده). ويروي أيضاً قصة «محاكمته» عندما جهر أمام أحد «الأمراء» بأنه قادر على النزول من الجبل ومغادرة الجزائر إلى كندا. فنظّم له «مفتي» الجماعة السلفية جلسة لمحاكمته على «جريمته» هذه، وكيف واجه المفتي بأنه هو من قال له في السر أن «يعتزل» القتال ويحاكمه الآن لأنه قال علناً ما لم يجرؤ المفتي على قوله سوى في السر.«الحياة» تبدأ اليوم نشر سلسلة حلقات عن المقابلات التي أجرتها مع قادة «الجماعة السلفية» وكيف تحوّلوا من قتال الحكم الجزائري إلى مصالحته. لا يمكنك سوى أن تشعر بأنهم تغيّروا فعلاً. والنظام بدوره تغيّر بلا شك.
قال إن زيتوني بدأ إمارته بقتل الدعاة فوقفت في وجهه وبدأ الصدام مع «قيادة الجماعة المسلحة» ... حطاب لـ«الحياة»: صعدت إلى الجبل مرغماً ... وهناك تولّدت قناعة «الجهاد» ضد الحكم الجزائري
يعترف حسان حطاب (أبو حمزة) بأن «مسيرته الجهادية» لم تكن وليدة تخطيط مسبق، بعكس «جهاديين» آخرين كانوا يستعدون لقتال الحكم الجزائري منذ ما قبل إلغاء الانتخابات التشريعية التي فازت بها جبهة الإنقاذ، في كانون الثاني (يناير) 1992. يقول إنه لم يفكّر أصلاً في المشاركة في «العمل المسلح» ولا في أعمال «تغيير المنكر بالقوة»، على رغم نشأته الدينية منذ الثمانينات في مدينة الرويبة (ولاية الجزائر العاصمة). لم يشارك حطّاب، كما يقول، حتى في مسيرات «جبهة الإنقاذ» في أيام العمل السلمي.كيف التحقت بالجبل؟ سألت حطاب في لقائنا في الإقامة السرية التي تؤويه قرب العاصمة الجزائر. يجيب: «كانت الظروف آنذاك، في 1992، صعبة جداً. فقوات الأمن تصرّفت مع الإسلاميين بنوع من العنف. بعد الغاء الانتخابات، في كانون الثاني (يناير)، بدأت حملة اعتقالات عشوائية واسعة، واعتقلت أجهزة الأمن حتى الأشخاص الذين لم يكونوا متعاطفين مع الجبهة (جبهة الإنقاذ). تعاملت مع الإسلاميين عموماً بشيء من القسوة. دفع ذلك بكثيرين إلى الصعود إلى الجبل (أي الالتحاق بجماعات مسلحة)، حتى في أوساط أولئك الذين لم يكن عندهم أدنى تفكير في القيام بذلك. وبعد التحاقهم بالجبل تولّدت لديهم هناك القناعة الشرعية (بالقتال)، وأنا أتكلم هنا عن تجربتي الخاصة. فأنا أصلاً لم أكن أنوي الصعود إلى الجبل. وإذا سألت أهل قريتي وعائلتي فيسقولون لك ذلك. لقد تربيت تربية مسجد (في إشارة إلى مسجد الهدى في حي بن زرقة، الرويبة، شرق العاصمة)، لكنني لم أكن حتى من الناس الذين كانوا، ربما، يمارسون العنف لتغيير المنكر. كنت معتدلاً، وبعضهم كان يلومني قائلاً إنني لست متعاطفاً مع الجبهة ولا أشارك في الحملات الانتخابية والتجمعات التي تنظّمها (خلال فترة العمل السلمي)».ويتابع حطاب راوياً مشاهداته لتلك الحقبة من مطلع العام 1992 حيث كانت تحصل مواجهات عنيفة بين قوات الأمن ومؤيدين لجبهة الإنقاذ يحتجون على وقف «المسار الانتخابي»: «وصلت حملة الاعتقالات آنذاك إلى الحي الذي أسكن فيه، وأوقفت قوات الأمن تقريباً جميع الذين كانوا مُلتحين ومُلتزمين (إسلامياً) من أبناء الحي. كنتُ من بين قلة قليلة من الشبان الذين لم تشملهم الاعتقالات. لكن بعد فترة، وخلال وجودي في مستشفى جاءت قوات الأمن وحاصرت المكان. كنت خائفاً، ففررت. هذا سبب التحاقي بالجبل: نتيجة حملات الاعتقال العشوائية التي تشمل الإسلاميين. وبصراحة، تولّدت القناعة لديّ (بقتال السلطات) وأنا في الجبل. نتيجة تصرفات النظام واخطائه، كُنت تجد دعاة وطلبة علم يُفتون في هذا المجال بمشروعية الجهاد».في الجبل، التحق حطاب بجماعة يقودها شخص يدعى محيى الدين وكانت تصف نفسها بأنها ثالث الجماعات القوية الناشطة في ضواحي العاصمة الجزائرية. الجماعة الأولى كانت بقيادة محمد علال (موح ليفيي) وهي النواة الأساسية لـ «الجماعة الإسلامية المسلحة» (بعدما انضم إليها «الأفغان الجزائريون» لاحقاً)، والثانية هي جماعة «حركة الدولة الإسلامية» التي كان يقودها السعيد مخلوفي (إلى جانب عبدالقادر شبوطي). ومنذ أواخر العام 1992 إلى نهايات العام 1993، برزت «الجماعة المسلحة» («الجيا») بوصفها الأقوى فعلياً بين الجماعات التي كانت تقاتل الحكم الجزائري وتعتبره «مرتداً». ولم يكد العام 1994 يطل حتى تكثّفت الاتصالات بين الجماعات المختلفة وأثمرت في ربيع ذلك العام اتفاقاً على الوحدة تحت راية «الجماعة المسلحة» بقيادة الشريف قوسمي (أبو عبدالله أحمد). وانضم إلى صفوف «الجماعة» في تلك الوحدة الشهيرة قادة «حركة الدولة الإسلامية» (مخلوفي) وجناح واسع من «جبهة الإنقاذ» يمثّله الشيخ محمد السعيد (زعيم التيار الذي يُطلق عليه إسم «الجزأرة»).كانت «الوحدة» مرحلة مفصلية في مسيرة حطاب «الجهادية»، إذ انضم فوراً إلى الجماعة الجديدة وبدأ يترقى في صفوفها ليصبح خلال فترة وجيزة واحداً من «أمرائها» البارزين بعدما عيّنه «أمير الجيا» جمال زيتوني، في منتصف 1995، أميراً على كامل «المنطقة الثانية» الاستراتيجية التي تحيط بالعاصمة الجزائرية شرقاً وتمتد حتى ولاية البويرة. وتُعتبر هذه المنطقة تالياً «بوابة» أساسية للوصول إلى كل ولايات الشرق الجزائري.يقول حطاب: «كانت الجماعات مشتتة على مستوى الوطن عندما حصلت الوحدة (في أيار/مايو 1994). كانت الجماعة الإسلامية المسلحة ناشطة لكنها منزوية خصوصاً في ناحية البُليدة (جنوب العاصمة)، وكانت هناك الحركة التي يقودها السعيد مخلوفي وجماعات أخرى تنشط في أكثر من منطقة. فجاءت الوحدة وتوحدت الجماعات المختلفة في إطار «الجيا» تحت إمارة أبو عبدالله أحمد (قوسمي). وفي إمارته عُيّنت أميراً على «كتيبة الفتح» التابعة لولاية الجزائر والتي يمتد نشاطها شرقاً حتى ولاية بومرداس. وفي عهد جمال زيتوني (الذي تولى الإمارة إثر مقتل أحمد في اشتباك مع قوات الأمن في أيلول/سبتمبر 1994)، ترقيت إلى «أمير جند» على ثلاث كتائب هي «الفتح» و «القدس» و «الأنصار». ثم عيّنني زيتوني أميراً على «المنطقة الثانية» وكانت تحت إمارتي نحو 13 كتيبة. وصرت لاحقاً من أعيان الجماعة الإسلامية المسلحة».لكن حطاب يكشف أنه سرعان ما اختلف مع زيتوني بسبب ممارسات الأخير الذي يُلقي عليه كثيرون باللوم في دفع الجماعة نحو مزيد من اللغو والتطرف تجلّيا في بيانات تهدر دم كثير من فئات الشعب الجزائري وفي قرارات اتخذها زيتوني في حق مخالفيه - أو من يشتبه في أنهم مخالفون له من داخل الجماعة - وتضمنت إعدامهم بمبررات واهية في كثير من الأحيان. ويقول حطاب عن تلك الحقبة: «بعد فترة وجيزة من عملي تحت إمارة زيتوني، نشب بيننا خلاف. فقد كنت رأيت الطريقة التي تولى فيها الإمارة، إذ نصّبه مؤيدوه أميراً بالقوة بعد مقتل قوسمي في صيف 1994، فاضطر «أعيان الجماعة» - أهل الحل والعقد - إلى تثبيته أميراً كي لا تحصل «فتنة» في صفوف التنظيم. وهو لجأ، بعد توليه الإمارة، إلى تعييّني عضواً من أعيان الجماعة. لكن لم يفعل ذلك بمبادرة منه، بل نتيجة ضغط مارسه عليه بعض الأمراء الذين أرادوا أن أكون من الأعيان. وحتى تنصيبي أميراً على المنطقة الثانية كان أيضاً بضغط من بعض الأمراء. لكن بمجرد تعرّفي على زيتوني شخصياً وسؤالي عنه وعن المحيطين به وجدت أنهم ليسوا من الشخصيات المرغوب فيها (على رأس الجماعة). كانوا أشخاصاً بلا مستوى. كانوا حقيرين ومنبوذين، تأمّروا عنوة كأعيان للجماعة، ولم تجد عقلياتهم وتصرفاتهم استحساناً لدي. الملاحظة الأولى التي كوّنتها عن زيتوني وبقيت ماثلة أمام عيني هي ملابسات محاكمته طالب علم متهم بأنه يعمل لمصلحة الاستخبارات. كنتُ حاضراً في أثناء تلك المحاكمة، ورأيت كيف أن القضاة الذين يحاكمونه يريدون تثبيت التهمة عليه. طلب مني زيتوني أن استجوبه بنفسي لانتزع منه اعترافاً، فرفضت أن أحقق معه وقلت له إنكم تريدون إثبات التهمة ضد شخص أراه بريئاً. فالرجل هو من طلب ان يُحاكم لأنه يريد أن ينفي التهمة عنه. أراد أن ينفيها بإصراره على أن يُحاكم، فلو كان فعلاً من المخابرات لما كان بقي معكم، علماً أنه يقاتل في صفوف «الجماعة المسلحة» منذ فترة طويلة. رفضت محاكمة طالب العلم، وقلت لزيتوني إن هذا الرجل بريء وهذه أدلتي على براءته. ولكن بعد ذهابي من منطقته، نفّذ زيتوني الحكم فيه وأصدر بياناً وأشرطة أرسلها إلى «المنطقة الثانية». لكنني أوقفتها وأعدتها له وقلت له إن هذه الأشرطة والبيان لا تُوزّع في منطقتي. وكررت له إن هذا الرجل اعتبره بريئاً وبالتالي لا استطيع أن أكذب على جنودي وأقول لهم إنه مذنب. فقد كنت شاهداً خلال المحاكمة على انه بريء، لكنكم حكمتم عليه بتهمة كنتم فقط تريدون إثباتها، ولكن قناعتي هي خلاف ذلك. بعد إعدامه، أخذت موقفاً صارماً من قيادة الجماعة وسجّلت عليهم ملاحظة سيئة. وبدأت احتاط لكل الأمور».ويتابع حطاب متحدثاً عن تلك الحقبة وكيف تعمّقت خلافاته مع زيتوني والحاشية المحيطة به: «لاحظ زيتوني إنني لا أسير في طريقه. فأراد أن يقرّبني إليه ويكسبني إلى صفه. حاول ذلك مرات عدة من خلال دعوتي إلى حلقات من الحوارات. لكنني بدأت أقرأ البيانات التي يُصدرها، مثل بيان «منع السفر الطويل» الذي يستهدف الأفراد في العشرينات من عمرهم (من 21 حتى 27 سنة) الذين يتم توقيفهم بلا وثائق ويُقتلون على أساس أنهم من الخدمة الوطنية (الخدمة العسكرية الإلزامية)، ثم بيان عمال شركة سوناطراك، ثم بيان إهدار دم نساء (وإمهات وبنات) رجال الدرك وأسلاك الأمن، وبيان موظفي الحماية المدنية وبيان موظفي الضمان الاجتماعي، وغيرها من البيانات. رفضت تطبيق بيانات زيتوني وأرسلت له رداً شرعياً وأعدت له البيانات قائلاً إنني أرفضها ولن أطبقها. كان زيتوني قاسياً مع الأمراء الذين كانوا يهابونه في الحقيقة. حتى الأعيان كانوا يهابونه. لكنني كنت قادراً على الضغط عليه بسبب الاعتبارات التي كنت أحظى بها. فجنود المنطقة الثانية وأمراؤها كانوا يثقون بي. كنت أسوسهم بسياسة تختلف عن السياسة التي تعتمدها الجماعة مع الجنود في المناطق الأخرى. كنت أحظى بثقة الأمراء والجنود في منطقتي، وكان ذلك أحد الأسباب التي دفعت الأمراء إلى الضغط على زيتوني لتعييني أميراً على المنطقة. لكن زيتوني ندم بعدما أمّرني، إذ رآني أراجع في كل يوم القرارات التي يُصدرها، ولم يكن قادراً على اتخاذ إجراءات ضدي. فلو عزلني لن يرضى لا الأمراء ولا الجنود في المنطقة. وأعتقد أنه شخصياً كان يحب سياستي تجاه الأمراء والجنود، لكن المحيطين به هم من كان يضغط عليه».ومن هم هؤلاء المحيطون به؟ يجيب حطاب بلا تردد: «المحيطون به هم عنتر زوابري ورضوان ماكادور من ناحية البُليدة وأبو كابوس من ولاية البليدة أيضاً. هؤلاء هم من نصّب زيتوني (أميراً)، وهم من شوّه أمامه صورة الناس الذين كانوا خصوماً لهم من الأمراء والأعيان. زيتوني لم يكن يعرف الناس، فقد كان أمير كتيبة (الكتيبة الخضراء)، ولا يعرف حتى ماذا يحصل داخل الجماعة ولا كيف تُسيّر ومن هم الأشخاص الذين يُسيّرونها. جاؤوا به ونصّبوه عنوة أميراً من دون الأعيان وأصدروا بياناً بتنصيبه بعد مقتل أبي عبدالله أحمد. وبعد خروج نبأ تنصيب زيتوني أميراً، قال الأعيان: فلنبقه أميراً بما أنه صار كذلك لئلا نزيد الفتنة. فلنأت به إلى عندنا ونعيّنه أميراً ولكن مع تعييّن ضابط شرعي ومستشار عسكري له. قبلوا بذلك (زيتوني وحاشيته)، لكن زيتوني همّش لاحقاً المستشار العسكري وهمّش الضابط الشرعي وأحاط نفسه بهؤلاء الأشخاص الخطيرين وهم من بات يُملي عليه ماذا يفعل. صاروا يقولون له حذاري من هذا الأمير أو طالب العلم أو من هذا الشخص أو ذاك، وبدأوا في إزاحة الأمراء الطيبين الذين يتمتعون بأخلاق حميدة وبدأوا يصفّونهم، وبدأوا يورّطون زيتوني في ذلك: القتل والتصرفات القاسية مع الأمراء. حتى بدأت تتشوه صورة زيتوني نفسه. بعد ذلك بدأت احتاط منه، وصاروا ينظرون إلي على أنني عنصر خطير (بسبب معارضتي سياستهم). حاولوا مرات عدة أن يتصرفوا معي تصرفات لم أقبل بها، وكنت أتعامل معهم بحيطة وحذر. ثم وصلت الأمور إلى المرحلة التي بدأ فيها زيتوني يُصدر تلك البيانات. لم أقتنع بها من الناحية الشرعية وأعدتها له مع ردود شرعية. أبلغت بعض الأمراء الحاضرين (في المنطقة الثانية) برفضي تلك البيانات. لم يكن زيتوني يستطيع ارغامي على تطبيقها. لكنه بدأ يتصرف بشدة مع بعض الأمراء الذين لا يجد لديهم سنداً قوياً من قواعدهم، ويأخذ في حقهم قرارات بالتحويل أو العقوبة القاسية وأحياناً القتل. كان يقوم بتلك الأمور خفية عني لأنه يخافني. وكان في الحقيقة لا يُجري لهم محاكمات حقيقية بل اغتيالات. فقد كان في «الكتيبة الخضراء» التابعة لزيتوني أفراد يثقون بي بحكم معرفتهم بأنني متدين ولا أقدم على أمر سوى بعد معرفة رأي الشرع فيه. كان هؤلاء يعطونني أخباراً سرية ويقولون إنهم نفّذوا هذا العمل أو ذاك بناء على توجيهات زيتوني وخوفاً منه. وعندما كنت أسمع بأمر ما كنت أصعد إلى عند زيتوني وأطلب عقد حلقة (جلسة) رسمية. لم يكن كثيرون من أعيان الجماعة حاضرين، فكثير من هؤلاء من مناطق بعيدة. وكان زيتوني قد أضاف إلى عضوية الأعيان أفراداً من حاشيته والمحسوبين عليه، وسعى هؤلاء الى تعزيز وضعهم في مجلس الأعيان وتحكموا فيه وأداروا الجماعة مثلما يريدون. كنتُ الفرد الوحيد من الأعيان من المنطقة الثانية وكنت معارضاً دائماً له. فعلى رغم معرفتي بخطورتهم، إلا أنني كنت أعرف وزني أيضاً وأعرف أنني قادر على ممارسة ضغط عليهم. وكما قال لي بعض من حضر الجلسات التي عُقدت في غيابي، كان زيتوني يقول إنه لا يمكنه أن يُرغم حسان على القيام بأمر ما إذ أن «الجيا» يمكن أن تتفكك بدونه. كان يقول إنه لو ذهب حسان فإن الإمراء سيفقدون الثقة (بالجماعة)، وبالتالي فإنه قادر على خسارة العديد من الأمراء شرط ألا يخسر حسان. وفعلاً حاول أن يكسبني بكل طريقة. كنت أعرف جبروته وطغيانه، وعلى رغم ذلك فقد كان يستجيب لي ما أطلب منه خلال اللقاءات بيننا. ولكن على رغم ذلك، فقد كنت محتاطاً منه خشية أن يُغدر بي».

«الحياة» تحاور أربعة من أبرز قادتها عن سنوات الرعب في الجزائر (الحلقة الأولى) ... قادة «الجماعة السلفية»: لهذه الأسباب قاتلنا ولهذه الأسباب ألقينا السلاح


الجزائر - كميل الطويل الحياة - 14/03/09//



«تغيرت تصرّفات النظام، فتغيرنا نحن أيضاً». بهذه العبارة يلخّص حسان حطاب، مؤسس «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» التي تحوّلت الآن إلى الفرع المغاربي لتنظيم «القاعدة»، مسيرته الطويلة من الصراع ضد الحكم الجزائري على مدى سنوات التسعينات وكيف تحوّل من قتاله إلى مهادنته فمصالحته.
كان عليّ أن أنتظر أكثر من عشر سنوات للقاء هذا الرجل الذي أجريت معه حواره الإعلامي الأول بـ «الواسطة» (عبر ممثليه في لندن) في العام 1998. لكن حطّاب اليوم ليس حطاب الذي أجاب عن أسئلتي قبل عشر سنوات ونيّف. لقد تغيّر. كان حطّاب آنذاك خارجاً لتوه من صراع مرير مع قيادة «الجماعة الإسلامية المسلحة»، إحدى أكثر الجماعات دموية في تاريخ الجزائر المعاصر. تحدى حطاب (المعروف بـ«أبي حمزة») أميرها عنتر زوابري وخرج عن طاعته وانشق عنه ليؤسس «الجماعة السلفية للدعوة والقتال». انشق حطاب عن «الجماعة المسلحة» آنذاك ليس لأنه لم يعد مقتنعاً بقتال الحكم الجزائري، بل لأنه وجد نفسه غير قادر على وقف «الانحدار إلى الهاوية» الذي كانت «الجماعة»، أو «الجيا» بالتعبير الجزائري، تسير فيه خلال عهدي أميريها جمال زيتوني (أبو عبدالرحمن أمين) وخليفته عنتر زوابري (أبو طلحة). عندما راسلته في العام 1998، عبر ممثليه في لندن، أرسل لي أجوبة كشف مضمونها بوضوح أن حطّاب ليس فقط غير مؤمن بأن السلام ممكن مع الحكم الجزائري بل هو يعتبر أن الذي يُهادنون النظام منخدعون وأن سلامهم ليس سوى «استسلام». سمّى بالإسم قادة «الجيش الإسلامي للإنقاذ» الذي كان أميره مدني مزراق قد أعلن هدنة لعملياته في صيف 1997 قبل أن يدخل في إطار سلام تضمن عفواً عن عناصر تنظيمه وعناصر الجماعات الأخرى التي وافقت مثله على القاء السلاح.
التقيت حطاب في الجزائر هذه المرة. فقد لحق، متأخراً، بمسيرة مدني مزراق، وألقى السلاح ونزل من الجبل وسلّم نفسه إلى السلطات في أيلول (سبتمبر) 2007. التقيته في إقامة سرية تحرسها أجهزة الأمن قرب العاصمة الجزائرية وبعد الحصول على إذن بإجراء مقابلته الصحافية الأولى «منذ نزوله من الجبل». لم يكن حطاب لوحده. كان معه ثلاثة آخرون من القادة الكبار في «الجماعة السلفية» ممن اقتنعوا أيضاً بأنه لم يعد هناك من مبرر لقتال الحكم الجزائري وأن الأفضل لهم ولعائلاتهم وللجزائر أن ينزلوا من الجبل ويلتحقوا بمسعى السلم والمصالحة الذي يقوده الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة. إضافة إلى حطاب، شارك في الحوارات كل من عبدالقادر بن مسعود المكنى مصعب أبو داوود، الأمير السابق للمنطقة التاسعة الصحراوية في «الجماعة السلفية» (سلّم نفسه في آب/أغسطس 2007)، وأبو عمر عبدالبر رئيس اللجنة الإعلامية في الجماعة ذاتها، وأبو زكريا رئيس اللجنة الطبية. والأخيران من «الأعيان» في «الجماعة السلفية» (مجلس أهل الحل والعقد) وأعضاء مجلس الشورى.
قدّم الأربعة روايتهم لطريقة نزولهم من الجبل ولماذا تغيّر اقتناعهم من محاربة الحكم الجزائري إلى مصالحته. كشف حطاب أنه لم يصعد إلى الجبل عن «اقتناع» مسبق بضرورة قتال النظام. صعد لأن النظام، كما قال، تصرّف بعنف ضد الإسلاميين على اختلاف مشاربهم بعد إلغاء الانتخابات التي فازت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ في كانون الثاني (يناير) 1992. في الجبل، كما قال، حصل لديه اقتناع بأن هناك «مبررات شرعية» تحتّم قتال النظام. تحدث عن خلافاته مع أمراء «الجماعة الإسلامية المسلحة»، وكيف دخل في صراع مع جمال زيتوني الذي تولى الإمارة في صيف 1994، وصاغ بيان الخروج عليه في اليوم ذاته الذي قُتل فيه زيتوني على يد منشقين عن جماعته. روى قصة تأسيس «الجماعة السلفية»، وكيف بدأ يلمس تغييراً في «تصرفات» الحكم الجزائري مع تولي الرئيس بوتفليقة السلطة في 1999. كشف أيضاً أنه بدأ في الألفية الجديدة نوعاً من «جس النبض» داخل جماعته لمعرفة مدى استعدادها لوقف القتال والالتحاق بالمصالحة. لم يكن الأمر هيناً بالتأكيد، إذ أنه يروي أن بعض القادة كانوا يُساندون موقفه في السر لكنهم يترددون في الجهر برأيهم علناً. فقرر «التنحي» طوعاً من إمارة تنظيمه في 2003 كي تكون له «حرية الحركة» لجمع مؤيدي مسعاه لمصالحة النظام. وبعد سنتين من التنحي، «اعتزل» حطّاب عن الجماعة كلياً في 2005، واتخذ موقعاً مستقلاً في الجبل قريباً من مواقع لـ «الجماعة السلفية» التي كانت قيادتها انتقلت من خليفته نبيل صحراوي (أبي إبراهيم مصطفى) الذي قُتل في 2004، إلى عبدالمالك درودكال (أبي مصعب عبدالودود). لكن الجماعة بقيادة الأخير كانت تسير في خط مغاير تماماً لمسعى أميرها السابق حطاب في الهدنة والمصالحة، بل ذهبت أبعد من ذلك بكثير بانضمامها الى «القاعدة» في نهايات 2006 وتحوّلها إلى فرع هذا التنظيم في المغرب العربي اعتباراً من كانون الثاني (يناير) 2007. يعتبر حطّاب أن درودكال، الذي كان يعمل في ورشة لتصنيع المتفجرات تحت إشرافه، ليس هو القائد الفعلي لتنظيمه، بل هناك محيطون به يدفعونه إلى السير في تصرفات ربما لا يكون هو مقتنعاً بها، تماماً كما كان «عنتر زوابري ورضوان ماكادور وأبو كابوس» يسيطرون على جمال زيتوني ويدفعون به نحو مزيد من التشدد والغلو، بحسب ما يقول حطّاب.
أما بن مسعود فيكشف، من جهته، أن قادة كباراً في «الجماعة السلفية» ليسوا مقتنعين بمسارها الحالي وتحوّلها إلى «القاعدة» في ظل إمارة درودكال، وينقل عن مختار بلمختار (أبو العباس)، الذي كان يقود «الجماعة السلفية» من الصحراء الجزائرية وحتى دول الساحل ما وراء الصحراء الكبرى (من موريتانيا إلى مالي والنيجر وحتى تشاد)، إنه أبلغه بأنه يريد التوقف عن قتال الحكم الجزائري و«الاعتزال» في مناطق نفوذه في الصحراء شمال مالي . يتحدث أبو عمر عبد البر بدوره عن طريقة انضمام «الجماعة السلفية» إلى «القاعدة» كونه كان مسؤول الإعلام عندما بدأت الاتصالات مع زعيم فرع «القاعدة في بلاد الرافدين» أبو مصعب الزرقاوي في 2004 للطلب منه خطف فرنسيين في العراق بهدف الضغط على بلادهم لإرغام جماعة تشادية متمردة على إطلاق القيادي الكبير في «الجماعة السلفية» المحتجز لديها عبدالرزاق «البارا» (عماري صايفي).
ويروي «أبو زكريا»، من جهته، كيف التحق بالجبل «عن جهل وعاطفة» ونزل منه «عن علم» بعدما طلب منه أحد أمراء الجماعة أن يعكف على قراءة القرآن والأحاديث النبوية الشريفة، فبدأ بحفظها فعلاً واكتشف، من خلال تعلّمه الشرع، أنه كان على خطأ منذ البداية في القتال، وأن عليه أن ينزل من الجبل في ظل سياسة المصالحة التي يتبعها النظام إزاء الإسلاميين. ونزل «أبو زكريا» فعلاً من الجبل بشبه أعجوبة ... فقد حاول أحد عناصر التنظيم اعتقاله وأطلق عليه النار وأصابه إصابات بليغة (فقد جزءاً من يده). ويروي أيضاً قصة «محاكمته» عندما جهر أمام أحد «الأمراء» بأنه قادر على النزول من الجبل ومغادرة الجزائر إلى كندا. فنظّم له «مفتي» الجماعة السلفية جلسة لمحاكمته على «جريمته» هذه، وكيف واجه المفتي بأنه هو من قال له في السر أن «يعتزل» القتال ويحاكمه الآن لأنه قال علناً ما لم يجرؤ المفتي على قوله سوى في السر.
«الحياة» تبدأ اليوم نشر سلسلة حلقات عن المقابلات التي أجرتها مع قادة «الجماعة السلفية» وكيف تحوّلوا من قتال الحكم الجزائري إلى مصالحته. لا يمكنك سوى أن تشعر بأنهم تغيّروا فعلاً. والنظام بدوره تغيّر بلا شك.



قال إن زيتوني بدأ إمارته بقتل الدعاة فوقفت في وجهه وبدأ الصدام مع «قيادة الجماعة المسلحة» ... حطاب لـ«الحياة»: صعدت إلى الجبل مرغماً ... وهناك تولّدت قناعة «الجهاد» ضد الحكم الجزائري



يعترف حسان حطاب (أبو حمزة) بأن «مسيرته الجهادية» لم تكن وليدة تخطيط مسبق، بعكس «جهاديين» آخرين كانوا يستعدون لقتال الحكم الجزائري منذ ما قبل إلغاء الانتخابات التشريعية التي فازت بها جبهة الإنقاذ، في كانون الثاني (يناير) 1992. يقول إنه لم يفكّر أصلاً في المشاركة في «العمل المسلح» ولا في أعمال «تغيير المنكر بالقوة»، على رغم نشأته الدينية منذ الثمانينات في مدينة الرويبة (ولاية الجزائر العاصمة). لم يشارك حطّاب، كما يقول، حتى في مسيرات «جبهة الإنقاذ» في أيام العمل السلمي.
كيف التحقت بالجبل؟ سألت حطاب في لقائنا في الإقامة السرية التي تؤويه قرب العاصمة الجزائر. يجيب: «كانت الظروف آنذاك، في 1992، صعبة جداً. فقوات الأمن تصرّفت مع الإسلاميين بنوع من العنف. بعد الغاء الانتخابات، في كانون الثاني (يناير)، بدأت حملة اعتقالات عشوائية واسعة، واعتقلت أجهزة الأمن حتى الأشخاص الذين لم يكونوا متعاطفين مع الجبهة (جبهة الإنقاذ). تعاملت مع الإسلاميين عموماً بشيء من القسوة. دفع ذلك بكثيرين إلى الصعود إلى الجبل (أي الالتحاق بجماعات مسلحة)، حتى في أوساط أولئك الذين لم يكن عندهم أدنى تفكير في القيام بذلك. وبعد التحاقهم بالجبل تولّدت لديهم هناك القناعة الشرعية (بالقتال)، وأنا أتكلم هنا عن تجربتي الخاصة. فأنا أصلاً لم أكن أنوي الصعود إلى الجبل. وإذا سألت أهل قريتي وعائلتي فيسقولون لك ذلك. لقد تربيت تربية مسجد (في إشارة إلى مسجد الهدى في حي بن زرقة، الرويبة، شرق العاصمة)، لكنني لم أكن حتى من الناس الذين كانوا، ربما، يمارسون العنف لتغيير المنكر. كنت معتدلاً، وبعضهم كان يلومني قائلاً إنني لست متعاطفاً مع الجبهة ولا أشارك في الحملات الانتخابية والتجمعات التي تنظّمها (خلال فترة العمل السلمي)».
ويتابع حطاب راوياً مشاهداته لتلك الحقبة من مطلع العام 1992 حيث كانت تحصل مواجهات عنيفة بين قوات الأمن ومؤيدين لجبهة الإنقاذ يحتجون على وقف «المسار الانتخابي»: «وصلت حملة الاعتقالات آنذاك إلى الحي الذي أسكن فيه، وأوقفت قوات الأمن تقريباً جميع الذين كانوا مُلتحين ومُلتزمين (إسلامياً) من أبناء الحي. كنتُ من بين قلة قليلة من الشبان الذين لم تشملهم الاعتقالات. لكن بعد فترة، وخلال وجودي في مستشفى جاءت قوات الأمن وحاصرت المكان. كنت خائفاً، ففررت. هذا سبب التحاقي بالجبل: نتيجة حملات الاعتقال العشوائية التي تشمل الإسلاميين. وبصراحة، تولّدت القناعة لديّ (بقتال السلطات) وأنا في الجبل. نتيجة تصرفات النظام واخطائه، كُنت تجد دعاة وطلبة علم يُفتون في هذا المجال بمشروعية الجهاد».
في الجبل، التحق حطاب بجماعة يقودها شخص يدعى محيى الدين وكانت تصف نفسها بأنها ثالث الجماعات القوية الناشطة في ضواحي العاصمة الجزائرية. الجماعة الأولى كانت بقيادة محمد علال (موح ليفيي) وهي النواة الأساسية لـ «الجماعة الإسلامية المسلحة» (بعدما انضم إليها «الأفغان الجزائريون» لاحقاً)، والثانية هي جماعة «حركة الدولة الإسلامية» التي كان يقودها السعيد مخلوفي (إلى جانب عبدالقادر شبوطي). ومنذ أواخر العام 1992 إلى نهايات العام 1993، برزت «الجماعة المسلحة» («الجيا») بوصفها الأقوى فعلياً بين الجماعات التي كانت تقاتل الحكم الجزائري وتعتبره «مرتداً». ولم يكد العام 1994 يطل حتى تكثّفت الاتصالات بين الجماعات المختلفة وأثمرت في ربيع ذلك العام اتفاقاً على الوحدة تحت راية «الجماعة المسلحة» بقيادة الشريف قوسمي (أبو عبدالله أحمد). وانضم إلى صفوف «الجماعة» في تلك الوحدة الشهيرة قادة «حركة الدولة الإسلامية» (مخلوفي) وجناح واسع من «جبهة الإنقاذ» يمثّله الشيخ محمد السعيد (زعيم التيار الذي يُطلق عليه إسم «الجزأرة»).
كانت «الوحدة» مرحلة مفصلية في مسيرة حطاب «الجهادية»، إذ انضم فوراً إلى الجماعة الجديدة وبدأ يترقى في صفوفها ليصبح خلال فترة وجيزة واحداً من «أمرائها» البارزين بعدما عيّنه «أمير الجيا» جمال زيتوني، في منتصف 1995، أميراً على كامل «المنطقة الثانية» الاستراتيجية التي تحيط بالعاصمة الجزائرية شرقاً وتمتد حتى ولاية البويرة. وتُعتبر هذه المنطقة تالياً «بوابة» أساسية للوصول إلى كل ولايات الشرق الجزائري.
يقول حطاب: «كانت الجماعات مشتتة على مستوى الوطن عندما حصلت الوحدة (في أيار/مايو 1994). كانت الجماعة الإسلامية المسلحة ناشطة لكنها منزوية خصوصاً في ناحية البُليدة (جنوب العاصمة)، وكانت هناك الحركة التي يقودها السعيد مخلوفي وجماعات أخرى تنشط في أكثر من منطقة. فجاءت الوحدة وتوحدت الجماعات المختلفة في إطار «الجيا» تحت إمارة أبو عبدالله أحمد (قوسمي). وفي إمارته عُيّنت أميراً على «كتيبة الفتح» التابعة لولاية الجزائر والتي يمتد نشاطها شرقاً حتى ولاية بومرداس. وفي عهد جمال زيتوني (الذي تولى الإمارة إثر مقتل أحمد في اشتباك مع قوات الأمن في أيلول/سبتمبر 1994)، ترقيت إلى «أمير جند» على ثلاث كتائب هي «الفتح» و «القدس» و «الأنصار». ثم عيّنني زيتوني أميراً على «المنطقة الثانية» وكانت تحت إمارتي نحو 13 كتيبة. وصرت لاحقاً من أعيان الجماعة الإسلامية المسلحة».
لكن حطاب يكشف أنه سرعان ما اختلف مع زيتوني بسبب ممارسات الأخير الذي يُلقي عليه كثيرون باللوم في دفع الجماعة نحو مزيد من اللغو والتطرف تجلّيا في بيانات تهدر دم كثير من فئات الشعب الجزائري وفي قرارات اتخذها زيتوني في حق مخالفيه - أو من يشتبه في أنهم مخالفون له من داخل الجماعة - وتضمنت إعدامهم بمبررات واهية في كثير من الأحيان. ويقول حطاب عن تلك الحقبة: «بعد فترة وجيزة من عملي تحت إمارة زيتوني، نشب بيننا خلاف. فقد كنت رأيت الطريقة التي تولى فيها الإمارة، إذ نصّبه مؤيدوه أميراً بالقوة بعد مقتل قوسمي في صيف 1994، فاضطر «أعيان الجماعة» - أهل الحل والعقد - إلى تثبيته أميراً كي لا تحصل «فتنة» في صفوف التنظيم. وهو لجأ، بعد توليه الإمارة، إلى تعييّني عضواً من أعيان الجماعة. لكن لم يفعل ذلك بمبادرة منه، بل نتيجة ضغط مارسه عليه بعض الأمراء الذين أرادوا أن أكون من الأعيان. وحتى تنصيبي أميراً على المنطقة الثانية كان أيضاً بضغط من بعض الأمراء. لكن بمجرد تعرّفي على زيتوني شخصياً وسؤالي عنه وعن المحيطين به وجدت أنهم ليسوا من الشخصيات المرغوب فيها (على رأس الجماعة). كانوا أشخاصاً بلا مستوى. كانوا حقيرين ومنبوذين، تأمّروا عنوة كأعيان للجماعة، ولم تجد عقلياتهم وتصرفاتهم استحساناً لدي. الملاحظة الأولى التي كوّنتها عن زيتوني وبقيت ماثلة أمام عيني هي ملابسات محاكمته طالب علم متهم بأنه يعمل لمصلحة الاستخبارات. كنتُ حاضراً في أثناء تلك المحاكمة، ورأيت كيف أن القضاة الذين يحاكمونه يريدون تثبيت التهمة عليه. طلب مني زيتوني أن استجوبه بنفسي لانتزع منه اعترافاً، فرفضت أن أحقق معه وقلت له إنكم تريدون إثبات التهمة ضد شخص أراه بريئاً. فالرجل هو من طلب ان يُحاكم لأنه يريد أن ينفي التهمة عنه. أراد أن ينفيها بإصراره على أن يُحاكم، فلو كان فعلاً من المخابرات لما كان بقي معكم، علماً أنه يقاتل في صفوف «الجماعة المسلحة» منذ فترة طويلة. رفضت محاكمة طالب العلم، وقلت لزيتوني إن هذا الرجل بريء وهذه أدلتي على براءته. ولكن بعد ذهابي من منطقته، نفّذ زيتوني الحكم فيه وأصدر بياناً وأشرطة أرسلها إلى «المنطقة الثانية». لكنني أوقفتها وأعدتها له وقلت له إن هذه الأشرطة والبيان لا تُوزّع في منطقتي. وكررت له إن هذا الرجل اعتبره بريئاً وبالتالي لا استطيع أن أكذب على جنودي وأقول لهم إنه مذنب. فقد كنت شاهداً خلال المحاكمة على انه بريء، لكنكم حكمتم عليه بتهمة كنتم فقط تريدون إثباتها، ولكن قناعتي هي خلاف ذلك. بعد إعدامه، أخذت موقفاً صارماً من قيادة الجماعة وسجّلت عليهم ملاحظة سيئة. وبدأت احتاط لكل الأمور».
ويتابع حطاب متحدثاً عن تلك الحقبة وكيف تعمّقت خلافاته مع زيتوني والحاشية المحيطة به: «لاحظ زيتوني إنني لا أسير في طريقه. فأراد أن يقرّبني إليه ويكسبني إلى صفه. حاول ذلك مرات عدة من خلال دعوتي إلى حلقات من الحوارات. لكنني بدأت أقرأ البيانات التي يُصدرها، مثل بيان «منع السفر الطويل» الذي يستهدف الأفراد في العشرينات من عمرهم (من 21 حتى 27 سنة) الذين يتم توقيفهم بلا وثائق ويُقتلون على أساس أنهم من الخدمة الوطنية (الخدمة العسكرية الإلزامية)، ثم بيان عمال شركة سوناطراك، ثم بيان إهدار دم نساء (وإمهات وبنات) رجال الدرك وأسلاك الأمن، وبيان موظفي الحماية المدنية وبيان موظفي الضمان الاجتماعي، وغيرها من البيانات. رفضت تطبيق بيانات زيتوني وأرسلت له رداً شرعياً وأعدت له البيانات قائلاً إنني أرفضها ولن أطبقها. كان زيتوني قاسياً مع الأمراء الذين كانوا يهابونه في الحقيقة. حتى الأعيان كانوا يهابونه. لكنني كنت قادراً على الضغط عليه بسبب الاعتبارات التي كنت أحظى بها. فجنود المنطقة الثانية وأمراؤها كانوا يثقون بي. كنت أسوسهم بسياسة تختلف عن السياسة التي تعتمدها الجماعة مع الجنود في المناطق الأخرى. كنت أحظى بثقة الأمراء والجنود في منطقتي، وكان ذلك أحد الأسباب التي دفعت الأمراء إلى الضغط على زيتوني لتعييني أميراً على المنطقة. لكن زيتوني ندم بعدما أمّرني، إذ رآني أراجع في كل يوم القرارات التي يُصدرها، ولم يكن قادراً على اتخاذ إجراءات ضدي. فلو عزلني لن يرضى لا الأمراء ولا الجنود في المنطقة. وأعتقد أنه شخصياً كان يحب سياستي تجاه الأمراء والجنود، لكن المحيطين به هم من كان يضغط عليه».
ومن هم هؤلاء المحيطون به؟ يجيب حطاب بلا تردد: «المحيطون به هم عنتر زوابري ورضوان ماكادور من ناحية البُليدة وأبو كابوس من ولاية البليدة أيضاً. هؤلاء هم من نصّب زيتوني (أميراً)، وهم من شوّه أمامه صورة الناس الذين كانوا خصوماً لهم من الأمراء والأعيان. زيتوني لم يكن يعرف الناس، فقد كان أمير كتيبة (الكتيبة الخضراء)، ولا يعرف حتى ماذا يحصل داخل الجماعة ولا كيف تُسيّر ومن هم الأشخاص الذين يُسيّرونها. جاؤوا به ونصّبوه عنوة أميراً من دون الأعيان وأصدروا بياناً بتنصيبه بعد مقتل أبي عبدالله أحمد. وبعد خروج نبأ تنصيب زيتوني أميراً، قال الأعيان: فلنبقه أميراً بما أنه صار كذلك لئلا نزيد الفتنة. فلنأت به إلى عندنا ونعيّنه أميراً ولكن مع تعييّن ضابط شرعي ومستشار عسكري له. قبلوا بذلك (زيتوني وحاشيته)، لكن زيتوني همّش لاحقاً المستشار العسكري وهمّش الضابط الشرعي وأحاط نفسه بهؤلاء الأشخاص الخطيرين وهم من بات يُملي عليه ماذا يفعل. صاروا يقولون له حذاري من هذا الأمير أو طالب العلم أو من هذا الشخص أو ذاك، وبدأوا في إزاحة الأمراء الطيبين الذين يتمتعون بأخلاق حميدة وبدأوا يصفّونهم، وبدأوا يورّطون زيتوني في ذلك: القتل والتصرفات القاسية مع الأمراء. حتى بدأت تتشوه صورة زيتوني نفسه. بعد ذلك بدأت احتاط منه، وصاروا ينظرون إلي على أنني عنصر خطير (بسبب معارضتي سياستهم). حاولوا مرات عدة أن يتصرفوا معي تصرفات لم أقبل بها، وكنت أتعامل معهم بحيطة وحذر. ثم وصلت الأمور إلى المرحلة التي بدأ فيها زيتوني يُصدر تلك البيانات. لم أقتنع بها من الناحية الشرعية وأعدتها له مع ردود شرعية. أبلغت بعض الأمراء الحاضرين (في المنطقة الثانية) برفضي تلك البيانات. لم يكن زيتوني يستطيع ارغامي على تطبيقها. لكنه بدأ يتصرف بشدة مع بعض الأمراء الذين لا يجد لديهم سنداً قوياً من قواعدهم، ويأخذ في حقهم قرارات بالتحويل أو العقوبة القاسية وأحياناً القتل. كان يقوم بتلك الأمور خفية عني لأنه يخافني. وكان في الحقيقة لا يُجري لهم محاكمات حقيقية بل اغتيالات. فقد كان في «الكتيبة الخضراء» التابعة لزيتوني أفراد يثقون بي بحكم معرفتهم بأنني متدين ولا أقدم على أمر سوى بعد معرفة رأي الشرع فيه. كان هؤلاء يعطونني أخباراً سرية ويقولون إنهم نفّذوا هذا العمل أو ذاك بناء على توجيهات زيتوني وخوفاً منه. وعندما كنت أسمع بأمر ما كنت أصعد إلى عند زيتوني وأطلب عقد حلقة (جلسة) رسمية. لم يكن كثيرون من أعيان الجماعة حاضرين، فكثير من هؤلاء من مناطق بعيدة. وكان زيتوني قد أضاف إلى عضوية الأعيان أفراداً من حاشيته والمحسوبين عليه، وسعى هؤلاء الى تعزيز وضعهم في مجلس الأعيان وتحكموا فيه وأداروا الجماعة مثلما يريدون. كنتُ الفرد الوحيد من الأعيان من المنطقة الثانية وكنت معارضاً دائماً له. فعلى رغم معرفتي بخطورتهم، إلا أنني كنت أعرف وزني أيضاً وأعرف أنني قادر على ممارسة ضغط عليهم. وكما قال لي بعض من حضر الجلسات التي عُقدت في غيابي، كان زيتوني يقول إنه لا يمكنه أن يُرغم حسان على القيام بأمر ما إذ أن «الجيا» يمكن أن تتفكك بدونه. كان يقول إنه لو ذهب حسان فإن الإمراء سيفقدون الثقة (بالجماعة)، وبالتالي فإنه قادر على خسارة العديد من الأمراء شرط ألا يخسر حسان. وفعلاً حاول أن يكسبني بكل طريقة. كنت أعرف جبروته وطغيانه، وعلى رغم ذلك فقد كان يستجيب لي ما أطلب منه خلال اللقاءات بيننا. ولكن على رغم ذلك، فقد كنت محتاطاً منه خشية أن يُغدر بي».