Monday 17 December 2007
al-Mustaqbal Newspaper review of Al-Qaeda Wa Akhawatuha
http://www.almustaqbal.com/stories.aspx?StoryID=266085
الطريق إلى القاعدة
المستقبل - الاحد 16 كانون الأول 2007 - العدد 2823 - نوافذ - صفحة 15
عمر كوش
ينطلق كميل الطويل في كتابه "القاعدة وأخواتها" من قناعة مفادها أنه لا يمكن فهم التحول الذي طرأ على فكر الجهاديين من غير سبر تاريخ القاعدة وتاريخ أخواتها من جماعات الجهاد الأخرى، القريبة منها فكرياً ومنهجياً، حيث لا يشك في أن للقاعدة أخوة وأخوات كثراً، نشأت في غالبيتها العظمى مع انتهاء "الجهاد الأفغاني" في نهاية ثمانينيات وبداية تسعينيات القرن العشرين المنصرم. يجهد الطويل في كتابه على تناول جماعات "الجهاد" في ثلاث دول عربية، هي: "جماعة الجهاد" في مصر، و"الجماعة الإسلامية المسلحة" في الجزائر، و"الجماعة الإسلامية المقاتلة" في ليبيا، على خلفية كون تجاربها ساهمت في تكوين القاعدة في صورتها الحالية، صورة تقديم قتال الأميركيين "الكفار"، أينما وجدوا، على قتال "المرتدين" في الدول العربية.
ويعزو المؤلف اختياره إلى سببين، أولهما نشوؤها جميعاً في بيئة واحدة، هي بيئة الأفغان العرب، وفي وقت متزامن في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات. فبالرغم من كون "جماعة الجهاد" المصرية وكذلك "الجماعة الإسلامية" ظهرتا في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات، إلا أن وجودهما الفعلي في بداية الثمانينيات كان محصوراً في السجون المصرية. ثم أعاد الجهاديون المصريون بناء التنظيمين اعتبارا من عام 1987 ليس في مصر، بل على الحدود الباكستانية الأفغانية، بالتزامن مع تأسيس أسامة بن لادن تنظيم "القاعدة" عام 1988، ومع تأسيس الأفغان الجزائريين جماعتهم باسم "الجماعة الإسلامية المسلحة" عام 1991، ومع تأسيس الليبيين "الجماعة الإسلامية المقاتلة" بين عام1990 و1992.
والواقع أن القاعدة لم تكن بعيدة عن هذه "التجارب الجهادية" للجماعات الثلاث، فأسامة بن لادن كان على علاقة وثيقة بجماعة الجهاد المصرية وزعيمها أيمن الظواهري، وكذلك بـ"الجماعة الإسلامية المقاتلة" الليبية، فضلاً أنه كان يتمتع بتأثير مباشر على "الجماعة الإسلامية المسلحة" في الجزائر.
أما ثاني الأسباب فهو أن هذه الجماعات هي الوحيدة في العالم العربي التي خاضت حرباً حقيقية في تسعينيات القرن الماضي لإسقاط أنظمة الحكم في بلدانها لاعتبارات دينية، وبالتحديد لاعتبارها أنظمة "مرتدة".
ويعتبر المؤلف أن التحول الذي طرأ على فكر "الجهاديين"، تمثل في أن الأولوية باتت لقتال من يعتبرهم الجهاديون "الكفار الأصليون" من حكام الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، بعد أن كانت لقتال من يعتبرونهم حكاماً "مرتدين" في العالم العربي والإسلامي. وهو تحول يعبر عن تغيير مرحلي فقهي، لأن الجهاديين مازالوا يعتبرون الأولوية لقتال "المرتدين" وليس "الكفار"، لذلك فإن قتالهم الكفار أولاً هو لسبب آني ومحدود، يتجسد في أن "الكفار" هم سبب بقاء "المرتدين" في الحكم في العالم العربي الإسلامي، وإذا هزم "الكفار" سينهار "المرتدون" معهم.
غير أن تنظم "القاعدة" حقق ما سعى إليه منذ البداية، وهو تحويل حربه ضد الغرب إلى حرب دينية، يرى فيها المسلمون أنفسهم مستهدفين من "الكفار" الغربيين. فتوسيع الأميركيين دائرة حربهم على "الإرهاب" لتشمل أكثر من جماعة إسلامية اعتبرها الأميركيون "قريبة من القاعدة أو مرتبطة بها"، كان عاملاً هاماً أسهم في توحيد غالبية "الجهاديين" وراء مشروع بن لادن، بعدما بدا وكأنه على شفا الاحتضار بعد "نكسته" الأفغانية في نهاية 2001 وبداية 2002، حسب تعبير المؤلف.
ويحفل الكتاب بالتفاصيل الكثيرة، ويعقد مقارنات عديدة ما بين الجماعات الجهادية في ليبيا ومصر والجزائر، إذ على الرغم من أن موضوعه هو القاعدة والتنظيمات الجهادية، إلا أنه يغدو وثيقة هامة تسلط الضوء على الحركات الجهادية في البلدان العربية التي نشطت فيها الجماعات الجهادية المدروسة. وكونه يلجأ إلى رواية تاريخ هذه الجماعات، فإنه ينطلق من سرد سيرتها من أفغانستان إبان "الجهاد" ضد الغزو السوفييتي، تحت رعاية عربية وإسلامية رسمية، إضافة إلى رعاية وتشجيع الولايات المتحدة الأميركية.
وكانت بداية المشاركة العربية القتالية ضعيفة جداً، إذ أن "الجهاد" الذي كان أفغانياً، لم يتجاوز عدد العرب الذين انخرطوا فيه "الخمسة عشر مقاتلاً" عام 1989. لكن بعد الفتاوى التي اعتبرت الجهاد في أفغانستان "فرض عين"، ازدادت الأعداد، وصار للعرب بداية تنظيم مع "إنشاء مكتب الخدمات" الذي أشرف عليه أساساً الشيخ عبد الله عزام، وأسامة بن لادن، وبات للمقاتلين العرب "معسكراتهم ومضافاتهم"، ودخلوا المعارك في شكل مستقل في منطقة "جاجي" عام 1986.
وإن كانت أفغانستان قد مثلت محطة الانطلاقة الأولى، فإنها كانت على الدوام منطقة إعادة التجميع، بعد محاولات الاستقرار التي عمد إليها "الجهاديون"، وخصوصاً بعد تعرض مشاريعهم في مصر والجزائر وليبيا لنكسات متتالية بعد عودتهم من أفغانستان في منتصف تسعينيات القرن العشرين المنصرم، حيث لجأ هؤلاء مجدداً إليها ليعيدوا فيها بناء تنظيماتهم. ولم يكن اختيارهم أفغانستان من قبيل الصدفة، إذ شهد هذا البلد بداية تأسيس ما صار يعرف اليوم بجماعات "السلفية الجهادية" وريثة جماعات "الجهاد" الأولى في العالم العربي.
ويروي الكتاب بشكل مفصل تاريخ "الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا"، التي يعود ظهورها إلى 7 تشرين الأول 1981، وضمت عدداً من المسؤولين السابقين في حكم العقيد القذافي واختلفوا معه في سياساته، ونشأت بفعل وجود معارضة حقيقية للقذافي داخل ليبيا، وطنية وعلمانية، مع أن ظهورها آنذاك ارتبط بالتجاذبات السياسية، التي كانت تشهدها علاقات الجماهيرية الليبية بعدد من الدول العربية. وأقامت الجبهة علاقات مع تنظيمات في دول المنطقة، كالمغرب التي عقد فيها مجلس الجبهة الوطني الأول، ومصر والسودان والعراق. وأبرز محطات الجبهة، هي عملية معسكر باب العزيزية، التي يروي الكتاب أدق تفاصيلها. وفيما كانت الجبهة تبحث عن مشروع آخر، كان الإسلاميون الليبيون يبنون تنظيمهم وينظمون صفوفهم في مكان بعيد جداً عن ساحات عمل الجبهة، حيث كانت مجموعات من الشباب الليبيين يتدربون ويخوضون معارك حقيقية في ساحات أفغانستان، ويشاركون الأفغان في حربهم ضد السوفييت. ووصل عدد الليبيين في أفغانستان عام 1992 ما بين 800 إلى 1000 شخص. وبدأت مجموعات منهم تعود من أفغانستان لمواصلة الجهاد في بلادها، وبدأ العائدون في تحضير السلاح وتجنيد عناصر جديدة إلى صفوفهم. وبنت الجماعة الإسلامية المقاتلة هياكلها ونظمت صفوفها في الفترة من 1990 إلى 1995، وتم كل ذلك في سرية مطلقة، ثم خرجت منه بعد أن عرف النظام بأمر الجماعة بعد عملية جريئة نفذتها الجماعة لإطلاق سراح احد عناصرها، وهو خالد بقشيش، الذي كان معتقلاً في مستشفى الجلاء ببنغازي. وبعد هذه العملية أعلنت الجماعة عن نفسها.
ويسرد المؤلف تفاصيل عن إقامة عناصر "المقاتلة" في السودان، وعلاقاتها مع مختلف الأطراف فيها، ويعرض كذلك ضغوط نظام العقيد على السودان لتسليمه عناصر ليبية ناشطة هناك. والحصيلة المجملة هي فشل الجهاديين العرب في البلدان الثلاثة، التي اختيرت كنماذج، مصر والجزائر وليبيا، حيث تتكشف خصوصية مشكلاتهم في كل بلد، بالرغم أن أموراً عديدة تجمع بين تجارب هؤلاء مجتمعين.
وقد اختلفت عمليات "إعادة البناء" في أفغانستان بين جماعات الجهاد العربية، حيث تحالفت جماعة الجهاد المصرية مع القاعدة تحالفاً، تحول فيما بعد في عام 2001 إلى اندماج كامل، فيما سلك الجزائريون والليبيون طريقاً مستقلاً عن أسامة بن لادن وأيمن الظواهري اللذين مضياً قدماً في تنفيذ خطتهما لقتال الأميركيين، بدءاً بتفجير سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي ودار السلام عام 1998، ومروراً بتفجير المدمرة الأميركية "يو أس أس كول" في عدن عام 2000، ووصولاً إلى "غزوة أيلول" عام 2001 في أميركا، التي غيرت أميركا كما غيرت الجهاديين أنفسهم، حيث أعلنت الولايات المتحدة "الحرب على الإرهاب"، وصارت تنظر إلى العالم بمنظار فسطاطي بن لادن، حسب المقولة الميتافيزيقية "إما معنا أو ضدنا". والنتيجة هي أن تنظيم القاعدة بات يشكل الحاضن لمختلف جماعات الجهاد، فحققت سياسات الولايات المتحدة لبن لادن ما لم يستطع تحقيقه على مدى سنوات طويلة في أفغانستان، وهو توحيد الجهاديين تحت لواء القاعدة وتحولها إلى مركز استقطاب لمختلف جماعات الجهاد في العالم العربي والإسلامي.
غير أنه وبعد خمس سنوات على بدء "الحرب ضد الإرهاب"، وبعد الانتصارات العديدة التي يتغنى بها الساسة الأميركيون في هذه الحرب، بتدميرهم عشرات معسكرات التدريب التي بناها "الجهاديون" في أفغانستان، وطردهم أسامة بن لادن وقادة تنظيمه من المعسكر الأفغاني وتشتيتهم في أرجاء العالم، فإن المحصلة جاءت، في رأي المؤلف، على غير ما تمناه وخطط له الأميركيون، إذ أعادت حركة "طالبان" التقاط أنفاسها، وامتصت الضربات التي تلقتها، وباتت تسيطر على مناطق واسعة من جنوب أفغانستان وجنوبها الشرقي. فيما تبدو جماعة "المقاومة الإسلامية" في العراق قادرة على ضرب القوات الأميركية، واستنزاف طاقاتها في ما بات يعرف اليوم باسم "المستنقع العراقي". وبالتالي، فإن القاعدة التي اعتبرت محور الحرب ضد الإرهاب، هي المستفيد من فشل الأميركيين في أفغانستان والعراق.
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment