Sunday, 25 December 2016

مقالتي في الحياة اليوم

http://www.alhayat.com/Opinion/Writers/19250992


النسخة: الورقية - دولي الأحد، ٢٥ ديسمبر/ كانون الأول ٢٠١٦ (٠٠:٠ - بتوقيت غرينتش)
بعد خمسة أيام، وتحديداً في 30 كانون الأول (ديسمبر)، تمر الذكرى العاشرة لإعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين. جاء إعدامه، آنذاك، تنفيذاً لحكم أصدره القضاء العراقي بعدما دانه بـ «مذبحة الدجيل» التي راح ضحيتها 148 شيعياً في العام 1982. ولو أتيح مزيد من الوقت قبل تعليقه على حبل المشنقة، لكان القضاء العراقي بالتأكيد قد دانه أيضاً بعشرات الحروب العبثية والمذابح واستخدام السلاح الكيماوي وانتهاكات أخرى لا تُحصى ضد شعبه وجيرانه على مدى سنوات عهده منذ 1979 وحتى إطاحته في العام 2003.
هل نال الرجل ما يستحق؟ سيقول كثيرون إنه نال أقل مما يستحق، لكن هناك أيضاً من لا يزال يؤمن أنه كان شخصاً وطنياً ويعتبر رحيله خسارة. سيجادل أصحاب هذا الرأي الأخير بأن صدام، على رغم أخطائه الكبيرة، منع ظهور الانقسام الطائفي الحاد الذي يشهده العراق حالياً بعد رحيله، سواء من خلال بروز الجماعات الشيعية المتشددة (وبعضها مرتبط صراحة بالاستخبارات الإيرانية ويعمل تحت إشرافها) وأيضاً الجماعات السنيّة المتشددة، كـ «داعش» وإخوته. وسيشير هؤلاء أيضاً إلى أن رحيل صدام كرّس «تفكك» العراق بعدما بات الكيان الخاص بالأكراد على شفا الاستقلال الكامل. سيردّ معارضو صدام، بلا شك، بالقول إن ديكتاتوريته هي التي انتجت كل هذه المصائب في العراق، وإن الانقسام الطائفي كان موجوداً وإن غير ظاهر علناً، بينما الأكراد ما كانوا ليسعوا إلى الانفصال لو قدّم لهم العراق ما يشجعهم على البقاء في إطاره.
لن يعجز طرفا الجدال عن إيجاد أدلة تبرهن صحة مواقفهم من الرئيس الراحل، سواء لجهة شيطنته وإثبات إجرامه أو لسبغه بثوب ملائكي يعكس مدى حبه وولائه لوطنه.
لكن الطرفين، على رغم تناقضهما، لا بد أن يتفقا على أن العراق اليوم يفتقد رجلاً قوياً، كصدام، يستطيع أن يفرض سلطة الدولة - بطشها، في الواقع - على أنحاء البلاد. كانت أجهزة الأمن العراقية في أيامه تحصي أنفاس المواطنين وتزرع الرعب في قلوبهم. كانت تقتل أو تسجن أي شخص يُشتم منه رائحة المعارضة. لكنها، في المقابل، نجحت وإلى حد كبير في فرض درجة كبيرة من الأمن والاستقرار الداخلي، الأمر الذي عجزت الحكومات العراقية المتعاقبة، منذ إطاحته في العام 2003، عن تحقيق ولو جزء يسير منه.
وهنا بيت القصيد. هل يفضّل العراقيون اليوم أمناً واستقراراً في ظل نظام سلطوي يديره حزب واحد، أم يفضّلون فوضى واقتتالاً أهلياً في ظل نظام تعددي الأحزاب؟ وما يُطلب من العراقيين أن يقرروا فيه هنا ليس حكراً عليهم. فمواطنو دول ما يُعرف بـ «الربيع العربي»، المجهض، يبدون حائرين، كالعراقيين، في التفضيل بين أنظمتهم السلطوية السابقة وبين وضعهم الحالي المزري. الليبيون، مثلاً، لا بد من أنهم يعيدون التفكير في ما إذا كان وضعهم في أيام حكم العقيد الراحل معمر القذافي أفضل، في بعض نواحيه على الأقل، من وضعهم حالياً في ظل ثلاث حكومات متنافسة وعشرات الميليشيات المتناحرة على السلطة. والمصريون لا بد من أنهم أيضاً يقارنون بين أيام الرئيس السابق حسني مبارك ووضعهم بعد «ثورة يناير» التي أطاحته من حكمه المديد. التونسيون يستذكرون أيام بن علي، بحلوها ومرّها، واليمنيون يترحّمون على أيام علي صالح. بعض السوريين، على الأقل، لا بد من أنه يحن إلى ما كان عليه بلدهم قبل انطلاق الثورة على الأسد وقمعه الدموي لها … سيل عربي لا يتوقف من المقارنات المحتملة.
عقارب الساعة، بالتأكيد، لا تعود إلى الوراء. لكن ما نشاهده اليوم في بلدان الربيع المنكوب يعكس، كما يبدو، رغبة ما في استيلاد نظام سلطوي جديد بديلاً للفوضى التي حلت بعد رحيل الأنظمة السلطوية السابقة. مصر عبدالفتاح السيسي ليست بعيدة من هذا الإطار، وكذلك ليبيا المشير خليفة حفتر. بعض اليمنيين يتمسك بعلي صالح بديلاً للفوضى والتفكك، ومؤيدو الأسد يروّجون لفكرة مماثلة.
هل «الرجل القوي» هو الخيار الأفضل للبلدان العربية، حتى ولو كان ديكتاتوراً سلطوياً؟ بعد الربيع العربي سيقول كثيرون إنهم يفضلون هذا الخيار بالطبع على الاقتتال الأهلي. لكن هذا الخيار، بالتأكيد، لا يجب أن يكون الوحيد والأبدي، وإلا لاستحق العرب ما يُقال عنهم من أنهم غير جاهزين للحكم الديموقراطي، كغيرهم من بلدان العالم المتحضّر!





No comments: