http://www.alhayat.com/Articles/9694354
«كتاب أبيض» يرسم بـ «الدم» خريطة الجماعات المسلحة في المغرب
النسخة: الورقية - دولي
الثلاثاء، ٣٠ يونيو/ حزيران ٢٠١٥ (٠١:٠٠ - بتوقيت غرينتش)
آخر تحديث:
الثلاثاء، ٣٠ يونيو/ حزيران ٢٠١٥ (٠١:٠٠ - بتوقيت غرينتش)
كميل الطويل
إذا كان القارئ يبحث عن كتاب يقدّم له كل ما يريد أن يعرف عن خلايا
المتشددين التي فككتها السلطات المغربية خلال السنوات الماضية، فإن «الكتاب
الأبيض عن الإرهاب في المغرب» هو ضالته. إنه، في الحقيقة، «ألف باء» خلايا
الجماعات الإسلامية التي تصف نفسها بـ «الجهادية»، بأسماء أفرادها،
وأدوارهم، وخططهم، سواء التي أُنجزت أم تلك التي فشلوا في تنفيذها،
وارتباطاتهم الخارجية، لا سيما مع جماعات أخرى ناشطة في بؤر التوتر حول
العالم، مثل «القاعدة» بفروعها المختلفة، وتنظيم «الدولة الإسلامية»
(داعش).من المعلومات التي يتضمّنها «الكتاب الأبيض» - الصادر أخيراً عن «الفريق الدولي للدراسات العابرة للأقاليم والأقاليم الصاعدة» الذي تأسس عام 1997 في جامعة طوكيو ويضم باحثين يابانيين من جنسيات مختلفة - يتضح في شكل جلي أن الباحثين لا بد من أن يكونوا قد استعانوا بأرشيف تحقيقات أجهزة الأمن المغربية مع الموقوفين بتهم التورط في نشاطات خلايا متشددة. لكن ذلك لا يقلل من أهمية الكتاب كمرجع لأي متابع لشؤون الجماعات الإسلامية المتشددة في المغرب، نظراً إلى الكمّ الهائل من المعلومات الواردة فيه، وتفاصيل العلاقات بين المتّهمين وخلفياتهم الفكرية وخططهم والجرائم التي ارتكبوها، والأدوات المصادرة منهم، بما في ذلك أنواع الأسلحة التي حصلوا عليها والمتفجرات التي تمكنوا من صنعها، إضافة إلى شرحه ارتباطات الموقوفين بزملائهم الفارين، ما يرسم صورة شاملة للشبكات وامتداداتها داخل المغرب وخارجه.
يتحدث «الكتاب الأبيض» الصادر بالعربية وبلغات أخرى، عن دور الأجهزة المغربية في إحباط سلسلة لا تنتهي من المؤامرات الإرهابية، في داخل المملكة وخارجها، مشيراً إلى معلومات وفرها الجانب المغربي لأجهزة استخبارات غربية مكنتها «من إحباط كثير من المخططات التي كانت في طريقها إلى التنفيذ» بعد صدور الأوامر ممن يسميهم الكتاب «أمراء الدم». وهو، في هذا الإطار، لا يتردد في اعتبار أن «القاعدة» هي «الأم التي تولّد من رحمها كل الشرور، وكلما أُحكم الطوق وضُيّق الخناق على ملاذات التطرف والعنف، سارعت إلى اختراع مراتع تربة أخرى، ما يؤكد الارتباط العضوي بين الإرهاب وغياب الاستقرار وانتفاء سيطرة الدول على حدودها ومجالاتها». ويتناول الكتاب أيضاً ما يصفه بـ «تلاقح الأهداف» بين الجهاديين، إذ يقول: «بعد أن نجح المغرب في صد المخاطر المنبثقة من الداخل، حدث ارتداد عسكي، هو تحويل معسكرات «القاعدة» والتنظيمات التابعة لها إلى خزان لتفريخ «جهاديين» وضعوا بنادقهم ومتفجراتهم والتجارب الميدانية التي اكتسبوها هناك على الكتف الآخر الموجّه ضد المغرب ومصالح دولية في عمق حدوده».
لا يبدأ الكتاب في رواية قصة «جماعات الإرهاب» في المغرب بحادث تفجيرات 16 أيار (مايو) 2003 في الدار البيضاء والتي نفذها 14 «انتحارياً» (قُتل 11 منهم واعتُقل الثلاثة الآخرون)، في أكبر هجوم من نوعه يستهدف المغرب ويصفه بعضهم بالنسخة المغربية من هجمات «11 سبتمبر 2001». بل يعود إلى سنوات السبعينات عندما تورط أعضاء في مجموعة إسلامية تدعى «الشبيبة الإسلامية» في قتل الناشط اليساري عمر بن جلون، القيادي في «الاتحاد الاشتراكي». ويشير إلى أن تداعيات تلك الجريمة أسفرت عن انقسام في «الشبيبة»، إذ انتقل أعضاء فيها إلى الخارج حيث أسسوا خلايا مسلحة – مثل مجموعة «بدر» و «حركة المجاهدين» – كان بعضها ينشط في دول إقليمية مناوئة للمغرب آنذاك. وينتقل «الكتاب الأبيض» بعد ذلك إلى حقبة التسعينات، شارحاً تداعيات العنف في الجارة الجزائر على المغرب، بما في ذلك نشاطات شبكات الدعم التابعة لـ «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» و «الجماعة الإسلامية المسلحة» وقيام إحداها عام 1994 بتفجير فندق «أطلس أسني» في مراكش، وهو الحادث الذي تسبب في غلق الحدود البرية بين المغرب والجزائر والذي لا يزال ساري المفعول حتى اليوم.
ويشرح الكتاب بالتفصيل تاريخ «الجماعة الإسلامية المقاتلة المغربية» وتأسيسها عام 1995 على أيدي «أفغان مغاربة» شاركوا في الجهاد الأفغاني، وأداروا مضافات في داروينتا وكابول ومخيمين للتدريب في باغرام وكابول. ويقدّم، في هذا المجال، معلومات عن قادة هذه الجماعة، وفق ما توافر عنهم من تحقيقات أجهزة الأمن، وعن محاولتهم إحياء نشاطهم داخل المغرب عقب إطاحة حكم حركة «طالبان» في أفغانستان عام 2001، وعن ارتباطاتهم بشبكات «القاعدة» في العراق بعد الغزو الأميركي عام 2003. ويروي «الكتاب الأبيض»، هنا، قصة المؤامرة التي أحبطتها الأجهزة المغربية عام 2002، والتي تورط فيها سعوديون شاركوا في معارك تورا بورا وكانوا ينوون مهاجمة سفن لحلف شمال الأطلسي (الناتو) خلال إبحارها في مضيق جبل طارق، ثم ينتقل إلى شرح تفاصيل الهجمات الانتحارية في الدار البيضاء عام 2003، بما في ذلك أدوار القائمين بها وتحديداً زعيمهم تاجر الأحذية المعروف بـ «مول الصباط» (عبدالحق بتناصر).
وعلى رغم نجاح أجهزة الأمن المغربية في تفكيك عشرات الشبكات المتشددة في إطار الحملة التي تلت تفجيرات الدار البيضاء، إلا أن الواقع أظهر تنامياً متصاعداً لهذه الخلايا في السنوات اللاحقة، وتحديداً بارتباط مع تحوّل «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» في الجزائر إلى فرع رسمي لتنظيم «القاعدة» في «بلاد المغرب الإسلامي»، حيث بدأ جهاديون مغاربة الاتصال برفاقهم الجزائريين بهدف تلقي تدريبات في معسكراتهم داخل الجزائر أو في مالي المجاورة حيث لفرع «القاعدة» المغربي امتداد لا يُستهان به. ويكشف الكتاب، في هذا الإطار، تفاصيل اتصالات الشبكات المغربية مع قادة الفرع الإقليمي لـ «القاعدة»، بما في ذلك أميره عبدالمالك دروكدال (أبو مصعب عبدالودود) وأميره السابق في الصحراء مختار بلمختار الملقب بـ «الأعور»، والذي اختلف لاحقاً مع الأول وأسس تنظيمه الخاص باسم «المرابطون».
وتحوي صفحات الكتاب أيضاً كمّاً كبيراً من المعلومات عن الشبكات المحلية التي نشأت خلال العقد الماضي، بما في ذلك الخلايا التي قامت بعمليات داخل المغرب، وتلك التي تولت تأمين سفر المتطوعين إلى العراق أيام أبو مصعب الزرقاوي. وفي هذا الإطار، يقدم الكتاب تفاصيل عن الشبكات التي كانت تنشط في نقل المتطوعين والناشطة على الأراضي السورية، ويورد عن قيادي سعودي في «القاعدة» كان يتولى الإشراف على تقويم المتطوعين قبل إرسالهم (عبر دير الزور) إن تنظيم الزرقاوي (القاعدة في بلاد الرافدين) ليس في حاجة إلى مقاتلين، بل يحتاج إلى أشخاص مستعدين لتفجير أنفسهم، وهو أمر يقول الكتاب أنه يفسّر سبب ارتفاع عدد المغاربة الذين فجّروا أنفسهم في العراق (فرع «القاعدة» هناك أراد فقط «انتحاريين»!).
ومن القصص اللافتة في الكتاب الرواية المفصلة لخلية «عبدالقادر بلعيرج الذي كانا مرتبطاً في الماضي بشبكة الفلسطيني «أبو نضال» وقام بعمليات إرهابية لمصلحته خلال الثمانينات، بما في ذلك استهداف مصالح سعودية بهدف «ابتزاز» الرياض مالياً، إضافة إلى ارتكابه جرائم ضد شخصيات يهودية في بلجيكا، وانتقاله لاحقاً إلى المغرب حيث تولى تهريب أسلحة وبناء شبكة من الإسلاميين، قبل أن يرتبط بتنظيم «القاعدة» ويسافر إلى قندهار حيث التقى أسامة بن لادن وقادة تنظيمه في صيف 2001 (ومع قادة في «الجماعة الإسلامية المقاتلة المغربية» في مضافة كابول).
ويروي «الكتاب الأبيض» أيضاً قصصاً مشوقة عن خلايا الإسلاميين المغاربة، بما في ذلك قصة الشاب الذي قدّم «مهراً لزوجته عبارة عن «حزام ناسف»، وقصة «طناجر الضغط» المفخخة التي تعلمها ناشطون من «القاعدة» قبل سنوات من استخدام هذه الطناجر في تفجير ماراثون بوسطن علي أيدي الشقيقين جوهر وتيمورلنك تسارناييف عام 20013. كما يروي قصة تمدد مناصري «دولة الخلافة» وقيام ناشطين مغاربة بمبايعة أبو بكر البغدادي واتصالهم بجناح منشق عن فرع «القاعدة» المغاربي وينشط في الجزائر تحت اسم «جند الخلافة».
«الكتاب الأبيض» مرجع لا غنى عنه لمتتبعي شؤون الجماعات الإسلامية المغاربية، وإن كان «الأبيض» فيه يقتصر على غلافه بينما صفحاته الداخلية تغرق في برك دم لا قرار لها!
* صحافي لبناني من أسرة «الحياة»