Friday, 28 December 2018

فرنسا للبريطانيين: النظام الجزائري سيسقط

https://aawsat.com/home/article/1522721/%D9%81%D8%B1%D9%86%D8%B3%D8%A7-%D9%84%D9%84%D8%A8%D8%B1%D9%8A%D8%B7%D8%A7%D9%86%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B8%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A7%D8%A6%D8%B1%D9%8A-%D8%B3%D9%8A%D8%B3%D9%82%D8%B7-%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%B9%D8%AF%D9%88%D8%A7-%D9%84%D8%AD%D9%83%D9%88%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D9%8A%D9%86

فرنسا للبريطانيين: 
... استعدوا لحكومة الإسلاميين
وثائق سرية كشفت عنها لندن قدّمت صورة قاتمة للصراع مع الجماعات المسلحة عام 1994
الجمعة - 20 شهر ربيع الثاني 1440 هـ - 28 ديسمبر 2018 مـ رقم العدد [ 14640]



لندن: كميل الطويل
هل كان الحكم الجزائري فعلاً على وشك السقوط عام 1994؟ هذا ما تُظهره وثائق سرية تتضمن معلومات منسوبة إلى وزراء ومسؤولين فرنسيين كانوا معنيين بالأزمة الدامية التي كانت تشهدها الجزائر آنذاك. النظام سيسقط. الإسلاميون سيسيطرون على السلطة. مئات آلاف اللاجئين سيتدفقون من الجزائر إلى جنوب فرنسا. أحجار «الدومينو» ستبدأ في التساقط، واحدة تلو الأخرى. إذا سقطت الجزائر في أيدي الجماعات المسلحة فإن تونس ستكون مهددة أيضاً. وكذلك المغرب. حتى مصر نفسها لن تنجو من تداعيات الجزائر.

لكن هذه الصورة السوداوية سيتبيّن أنها كانت خاطئة. النظام الجزائري لم يسقط. الجماعات الإسلامية المسلحة مُنيت بهزيمة منكرة. لم يتدفق اللاجئون إلى فرنسا، ولم تتساقط أحجار «الدومينو».

هذه قصة التقديرات الفرنسية الخاطئة للأوضاع في الجزائر في تسعينات القرن الماضي...

رسمت تقارير بريطانية سرية، نقلاً عن مسؤولين فرنسيين كبار، صورة قاتمة جداً للأوضاع في الجزائر خلال العام 1994؛ حيث كانت تدور مواجهات واسعة بين قوات الأمن وخليط من الجماعات الإسلامية المسلحة. وكشفت هذه التقارير التي تُرفع عنها السرية في الأرشيف الوطني البريطاني، اليوم (الجمعة)، 28 ديسمبر (كانون الأول)، أن الفرنسيين أبلغوا البريطانيين بأنهم يتوقعون انهيار الحكم الجزائري ووصول الإسلاميين إلى السلطة، وأنهم يعدون خططاً لاستقبال 500 ألف لاجئ جزائري يُتوقع أن يفروا من بلادهم عقب تغيير النظام.

وهذه المرة الأولى، كما يُعتقد، التي يُنقل فيها عن مسؤولين فرنسيين كلام بمثل هذا التشاؤم إزاء الأوضاع في الجزائر ومآلات القتال الذي كان يدور آنذاك بين القوات الحكومية والجماعات المسلحة. وقال المسؤولون الفرنسيون، وفق الوثائق الحكومية البريطانية، إن تقديرهم هو أن حكومة الرئيس اليمين زروال لن تستطيع الصمود طويلاً في مواجهة الإسلاميين المسلحين، وستحل محلها في سدة الحكم «الجبهة الإسلامية للإنقاذ». وكانت هذه الجبهة قد فازت في الدورة الأولى للانتخابات التشريعية في ديسمبر لعام 1991، لكن الجيش الجزائري ألغى نتائجها في مطلع 1992 وحل «الإنقاذ»، ما أدخل البلاد في صراع دموي استمر سنوات وأوقع عشرات آلاف الضحايا. وكان مبرر تحرك الجيش أن «الإنقاذ» التي كان عدد من قادتها يكفر علناً بالديمقراطية، تستغل الانتخابات للوصول إلى السلطة ولن تتخلى عنها إذا وصلت إليها، وهي اتهامات نفتها الجبهة آنذاك. وبعد وقف المسار الانتخابي وسجن القيادة السياسية لـ«الإنقاذ»، انخرط الآلاف من مناصريها في جماعات مسلحة مختلفة.

وتتحدث الوثائق البريطانية، في هذا الإطار، عن شكوى الفرنسيين من نشاط الإسلاميين الجزائريين على الأراضي البريطانية. في إشارة إلى ما اعتبره الفرنسيون تساهلاً من جيرانهم في التعامل مع الظاهرة التي باتت لاحقاً تُعرف بـ«لندنستان». وقاد الشكوى آنذاك وزير الداخلية الفرنسي شارل باسكوا الذي عُرف بموقفه المتشدد إزاء التعامل مع التهديد الأمني المرتبط بالإسلاميين الجزائريين، علما بأنه كان وزيراً في حكومة يمينية بقيادة إدوار بالادور (التجمع من أجل الجمهورية)، في حين كان رئيس الجمهورية فرنسوا ميتران اشتراكياً يسارياً. وتشرح الوثائق البريطانية أن أخذ موقف صارم في التعامل مع التهديد الإرهابي يُكسب صاحبه شعبية في فرنسا التي كانت تستعد لانتخابات رئاسية في العام المقبل، وهي انتخابات أسفرت فعلاً عن وصول اليمين إلى السلطة، لكن عبر جاك شيراك، وليس باسكوا أو بالادور.

وكُتبت التقارير البريطانية في وقت كانت فرنسا تعيش حالة غليان بسبب تهديدات وجهتها «الجماعة الإسلامية المسلحة»، أكثر جماعات العنف تطرفاً في الجزائر، والتي كانت قد قتلت 5 فرنسيين، بينهم اثنان من موظفي القنصلية، في هجوم على ضاحية عين الله غرب العاصمة الجزائرية.

وتنقل الوثائق البريطانية أيضاً عن الفرنسيين، أن الرئيس اليمين زروال لم يلبِّ دعوة ميتران لحضور احتفالات في ذكرى إنزال الحلفاء في جنوب فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية، بسبب خشيته من حصول انقلاب عسكري ضده خلال غيابه عن الجزائر. ويبدو أن الوثائق تشير، في هذا الإطار، إلى مزاعم عن وجود صراع داخل نظام الحكم الجزائري في شأن طريقة التعامل مع ظاهرة العنف المسلح. ففي حين كان زروال يقود تياراً يدعو إلى الحوار مع الإسلاميين بما في ذلك قادة «الإنقاذ» الذين أفرج عن بعضهم، ونقل آخرين إلى الإقامة الجبرية، كان هناك تيار آخر يوصف بأنه «استئصالي» يرفض أي مساومة مع الجماعات المسلحة.

في أي حال، أثبت الحكم الجزائري، في النهاية، خطأ تقديرات الفرنسيين. فقد نجحت قواته الأمنية في إلحاق هزيمة ماحقة بالجماعات المسلحة، بحلول العام 1997. لكن خوف الفرنسيين من أعمال إرهابية تستهدفهم سرعان ما تحقق، إذ خطف مسلحون تابعون لـ«الجماعة المسلحة» طائرة لـ«إير فرانس» في مطار هواري بومدين بالعاصمة الجزائرية يوم 24 ديسمبر 1994، وأرادوا الطيران بها إلى باريس لتدميرها في برج إيفل، كما زُعم آنذاك، لكن عمليتهم فشلت، وقتلهم فريق كوماندوز فرنسي خلال توقف طائرتهم في مرسيليا للتزود بالوقود. ولا تغطي الوثائق البريطانية هذه الحادثة.



تفاصيل الوثائق

كتب كريستوفر مالابي، السفير البريطاني في باريس، تقريراً إلى وزارة الخارجية في لندن بتاريخ أغسطس (آب) 1994، جاء فيه...



ملخص

1 - باسكوا راضٍ عن التعاون البريطاني - الفرنسي في شأن الجزائريين في لندن. السياسيون (الفرنسيون) تتملكهم الكآبة، يتوقعون نظاماً لـ«الجبهة الإسلامية للإنقاذ» في الجزائر، وهو أمر سيثير مشكلات في النظام العام في فرنسا.



التفاصيل

2 - واجهتُ وزير الداخلية باسكوا خلال إحدى المناسبات في جنوب فرنسا لإحياء ذكرى 50 سنة على إنزال الحلفاء هناك. قلت له إنني لاحظت تعليقاته بخصوص موقف حكومة صاحبة الجلالة من الجزائريين في بريطانيا. أعربت عن أملي أن يكون على معرفة بأن هناك اتصالات وثيقة بين الخبراء الفرنسيين وجهاز الأمن لدينا (المخابرات الداخلية). إننا مستعدون للمساعدة، وفق الحدود التي يسمح بها القانون البريطاني. (قلت له) إنني أعتقد أن الأجهزة الفرنسية راضية عن مستوى التعاون.

3 - قال باسكوا إنه أيضاً راضٍ. كان سلوكه ودوداً ومنشرحاً. أعتقد أنه أدلى بتعليقاته المهينة من أجل حرف الانتقاد عن السلطات الفرنسية بعد قتل مسؤولين فرنسيين في الجزائر (عملية عين الله). كنا قد لفتنا انتباه حكومته إلى التعاون الموجود بيننا بعدما أدلى للمرة الأولى بتعليقاته، وآمل أنه الآن في الصورة بشكل صحيح.

4 - قدّم لي عدد من الوزراء الفرنسيين إيجازاً بشأن المناقشة عن الجزائر خلال لقاء وزاري استدعاه ميتران، على ارتجال، على ظهر حاملة طائرات خلال احتفالات 14 أغسطس. الخلاصة (التي انتهى لها الاجتماع) أن «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» ستسيطر على الوضع، ربما خلال شهور. الحكومة الحالية ليست قادرة على مواجهة التحدي ولن تتمكن من البقاء. رئيس الجمعية الوطنية (فيليب) سيغان (حزب التجمع من أجل الجمهورية) قال لي إن نظام «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» سيستخدم الجالية الجزائرية في فرنسا من أجل الإخلال بالنظام العام، مثلاً من خلال إثارة أعمال عنف، في ضواحي المدن الكبرى حيث النظام العام هش أصلاً؛ نتيجة البطالة والتوتر العرقي المستفحلين. هذا الأمر سيسبب ردة فعل من «الفرنسيين» البيض، ويمكن أن تواجه فرنسا فترة غير سعيدة إطلاقاً. هذا الأمر قد يحصل فعلاً حتى قبل الانتخابات الرئاسية في الربيع المقبل. علّق سيغان بالقول إن اليمين يسجّل نقاطاً في العادة على حساب اليسار بخصوص التعامل مع مشكلات النظام العام والهجرة.



تعليق

5 - هناك شعور بالعجز اليائس بخصوص آفاق «الوضع» في الجزائر، وتداعيات ذلك على فرنسا. باسكوا، بوصفه وزيراً للداخلية، صارم ومحارب، وسيكون شخصاً قوياً، وبالتالي صاحب شعبية، في محاولته التعامل مع تدفق اللاجئين ومشكلات النظام العام. طبيعة بالادور معتدلة وبراغماتية ويمكن أن يتقدم عليه شيراك في هذا الموضوع.

التوقيع... مالابي

وفي تقرير آخر من مالابي، بتاريخ أغسطس 1994، تحت عنوان «الجزائر... وجهات النظر الفرنسية»، جاء ما يأتي...



مختصر

1 - يتوقع الفرنسيون «صراعاً» يستمر على المدى الطويل، لكنهم يزدادون اقتناعاً بأن الإسلاميين سيسيطرون «على السلطة». الوزراء يعيدون تقييم خطهم بخصوص الدعم للنظام الحالي.



تفاصيل

2 - الاغتيال الأخير لـ5 فرنسيين في العاصمة الجزائرية، ورد الفعل الفرنسي الشديد، والتهديدات اللاحقة ضد فرنسا من جماعات إسلامية، كل ذلك، ضمن بقاء الجزائر في قلب اهتمام الحكومة الفرنسية، الإعلام والرأي العام. لقد ناقشنا التحليلات والسياسة الفرنسية بالتفصيل مع الوزراء الأساسيين والوكالات المعنية في الأيام الأخيرة. فيما يلي نتيجة الجمع بين الآراء الفرنسية المختلفة (الطرح ونقيضه)، وهي آراء متناسقة في شكل معقول.



الوضع الجزائري الداخلي

3 - قلة هنا توقعوا النجاح لحملة القمع التي شنّتها أجهزة الأمن الجزائرية في وقت سابق هذه السنة. وهي لم تكن ناجحة، ومستوى عمليات القتل عاد مجدداً للارتفاع كثيراً (التقديرات تتراوح بين 200 و400 قتيل أسبوعياً). الخاسرون الأساسيون هم الإسلاميون المعتدلون، الذين تم إسكاتهم أو صاروا متشددين. والمسار السياسي؛ «عرض» زروال الأخير للمعارضة يتم النظر إليه بكثير من التشكيك. يُنظر إليه (زروال) على نطاق واسع بوصفه دمية لا أكثر في أيدي العسكريين المتشددين. الفرنسيون الذين لدينا اتصال بهم يخبروننا أنه امتنع عن قبول دعوة ميتران إلى حضور احتفالات الذكرى الخمسين لإنزال الحلفاء في إقليم بروفانس في 14 و15 أغسطس، لأنه كان يخشى حصول انقلاب في غيابه.

4 - في ظل هذه الظروف، هناك إجماع واسع على أن النظام الحالي (في الجزائر) محكوم عليه بالسقوط. على رغم جهوده الشجاعة في مجال الإصلاح الاقتصادي، فإن العنف الذي تستخدمه قوات الأمن يجعل النظام غير شعبي في شكل متزايد. لكن قلة فقط تتوقع أن تنهار الأوضاع فوراً. القوات المسلحة ما زال يُنظر إليها على أنها متماسكة نسبياً وقادرة على مواصلة الكفاح لشهور. لكن هناك بعض الانشقاقات المنذرة بالشؤم بدأت في الظهور؛ حالات الفرار من الخدمة العسكرية يُعتقد أنها تتزايد، بما في ذلك بعض طياري سلاح الجو الذين ينقلبون على رفاقهم (طائرة «ميغ» واحدة، وطائرة مروحية هجومية). بلغ القلق من الانشقاق، كما يقال، حد إلغاء السفر الروتيني للخارج للمسؤولين الجزائريين.

5 - الرابحون هم الراديكاليون الإسلاميون الذين ينتعشون على أساليب النظام وغياب الدعم الشعبي عنه. الـ«كي» (الكي دورسيه - وزارة الخارجية الفرنسية) ترى تسارعاً ملحوظاً في هذا الأمر منذ الشهر الماضي (أي منذ محادثات غرين وبوشار في 8 يوليو (تموز) – راجع تقريرنا الرقم 783). نظام إسلامي في السلطة يُنظر إليه (هنا) على أنه يصير حتمياً في شكل متزايد. هناك ورقة يتم تحضيرها حالياً من قبل رئيس الوزراء، ترى حكومة لـ«الجبهة الإسلامية للإنقاذ» (في سدة الحكم) في غضون سنة أو سنتين. كما تم الاقتباس لنا من ورقة أعدها السفير الفرنسي في الجزائر (رجاء حماية هذا المصدر) الذي يعتقد أن «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» ستصل إلى سدة الحكم في غضون 18 شهراً، حداً أقصى.

6 - هناك القليل من الوضوح بشأن كيف سيترجم الإسلاميون نجاحهم إلى قوة سياسية، أو كيف سيتم إعادة دمج القيادة السياسية لـ«الجبهة الإسلامية للإنقاذ» في إطار الحركة، علماً بأن الراديكاليين سيحتاجون إليها في مرحلة من المراحل. الجماعات الإرهابية المختلفة لـ«الجبهة الإسلامية للإنقاذ» لا يُعتقد أنها تعمل بتنسيق فيما بينها. باستثناء الاتفاق على إسقاط النظام الحالي والاستحواذ على السلطة، يتم النظر إليها على أنها لا تملك أي خطة عمل مستقبلية (كوربوريت بلان)، على رغم أن خطف الدبلوماسيين أخيراً يتم النظر إليه على أنه إشارة إلى وجود نوع من الشبكة المنظمة التي يتم تطويرها بين بعض الجماعات المتشددة. الهجوم على محمية عين الله حيث تم قتل 5 فرنسيين تُعتبر بالتأكيد إشارة إلى تطور لافت في شكل متزايد وجرأة أكبر من جانب أبرز الجماعات (المسلحة).

7 - يتوقع الفرنسيون أن يروا تصعيداً في مستوى ومنسوب الأعمال الإرهابية التي يقوم بها الإسلاميون في الجزائر في الشهور المقبلة. الأدلة على إمدادات بالسلاح من الخارج، على رغم أنها ضئيلة (بما في ذلك العثور على بعض الشحنات هنا في فرنسا)، توحي للفرنسيين بأن الإسلاميين ربما يبنون ترسانة وأكثر. لا يمكن سوى أن يحسّنوا من قوتهم النارية أكثر، في حين أن قوات الأمن لا يمكن لها سوى أن تتراجع. مسار «تهريب السلاح» عبر ألمانيا وإيطاليا يُعتبر الآن هنا أنه طريق النقل الأكثر تفضيلاً. السلاح الجديد يمكن أن يستخدمه في شكل جيد «الأفغان» (الجزائريون) الذين تعلموا كثيراً في أفغانستان، والذين لم تسنح لهم حتى الآن سوى فرصة لخوض إرهاب على نطاق ضيق في الجزائر.



التداعيات الإقليمية

8 - الآراء منقسمة بشأن التداعيات على تونس، والمغرب، حتى مصر في حالة وصول نظام إسلامي إلى سدة الحكم في الجزائر. الجميع يتفق على أن جيران الجزائر سيواجهون تدفقاً للاجئين، إما فراراً من النظام الجديد وإما بسبب الحرب الأهلية التي ربما ستلي وصوله إلى سدة السلطة. هناك اتفاق على أن المغرب وتونس مجهزان في شكل أفضل من الجزائر للتعامل مع التهديد الأصولي، لكن البعض؛ خصوصاً في أوساط أجهزة الاستخبارات، يرى على رغم ذلك مجالاً لحصول ظاهرة تساقط أحجار الدومينو في شكل جامح. هناك لمسة من إثارة الذعر «عمداً» بخصوص هذا الأمر.



فرنسا - الجزائر

9 - أعدّ الفرنسيون منذ فترة خطط طوارئ استعداداً لاستقبال اللاجئين من الجزائر، في حال أخذ الإسلاميون السلطة. أولئك الذين لديهم حق قانوني للإقامة في فرنسا سيتم استقبالهم في مخيمات وسيتم توفير حاجاتهم في الجنوب حيث سيصلون في الغالب. ولكن ما زال هناك عدم اتفاق بشأن مستوى الهجرة الجماعية. من اللافت أن جهاز «دي جي إس إي» (المساوي لجهاز «أم آي 6»، أي الاستخبارات الخارجية) يقدّر العدد المحتمل للمواطنين الجزائريين الذين سيحاولون الوصول إلى فرنسا بنصف مليون. «الكي دورسيه» (وزارة الخارجية) أكثر تشككاً في صحة هذا التقدير.

10 - مثل هذا الدفق من الهجرة الجماعية سيسبب مشكلات أمنية على الأراضي الفرنسية، حتى لو كان ذلك بين الجزائريين أنفسهم. حتى هذه اللحظة، كما أشار باسكوا نفسه، ليس هناك تهديد إرهابي ملموس. حملة باسكوا الترهيبية ضد المتشددين الإسلاميين الجزائريين، بما في ذلك عمليات فحص الأوراق الثبوتية في شكل عشوائي وواسع النطاق، والعمليات ضد أهداف تحوم حولها شبهات غير واضحة، والتوقيفات تحت طائلة التهديد بالترحيل، التي طالت 24 من القيادات الإسلامية المتشددة، كانت كلها مثيرة للجدل. رأى سياسيون معارضون ووسائل إعلام في ذلك استفزازاً وأمراً يأتي بنتائج عكسية. كثيرون اعتبروها حركة سياسية في إطار الانتخابات الرئاسية «المقبلة». لكن باسكوا تلقى دعماً من «ألفيغارو» المنتمية إلى اليمين، وأيضاً وهذا الأهم أقرّ (آلان) جوبيه وبالادور علناً بالحاجة إلى توجيه «إشارة سياسية» لأي شخص مؤيد للأعمال الإرهابية ضد المصالح الفرنسية في الجزائر أو أي مكان آخر.

11 - قتْل الفرنسيين الخمسة في عين الله، وردّ فعل باسكوا على ذلك، الذي أدّى بكلّ من الإسلاميين والمعلقين إلى وصف السياسة الفرنسية بأنها عبارة عن دعم غير مشروط للنظام الجزائري، أرغم الوزراء الفرنسيين على أن يكونوا أكثر تحديداً في شأن سياستهم بخصوص الجزائر، مميزين «مدى» دعمهم لحكومة زروال. باشر جوبيه هذا الخطّ بمقابلة تلفزيونية في 11 أغسطس، وقد تكرر صداها بمقابلة إذاعية لبلادور في 14 أغسطس؛ أولوية الأولويات لفرنسا هي حماية مواطنيها في الجزائر (1500 يحملون الجنسية الفرنسية فقط). وفي فرنسا؛ الوضع الداخلي في الجزائر أمر يحله الجزائريون أنفسهم؛ فرنسا لا تقدم دعماً غير مشروط للنظام. ليس هناك حل أمني لمشكلات الجزائر. هناك حاجة إلى حل سياسي، بما في ذلك تنظيم انتخابات، عندما تسنح الظروف، (وقال جوبيه هذا الأمر لزروال عندما كان في العاصمة الجزائرية في نهاية يوليو)؛ واحترام حقوق الإنسان.



تعليق

12 – التمييز بخصوص الدعم الفرنسي للنظام، الذي في الواقع بدأ في الظهور للمرة الأولى خلال زيارة (رئيس الحكومة الجزائرية مقداد) سيفي لباريس (انظر التقرير 755. وهو غير موجه للجميع)، يندرج في إطار الاعتقاد القوي المتزايد هنا بأن النظام سيسقط. الفرنسيون عليهم أن يأخذوا في الاعتبار الآن تهديداً إرهابياً أكثر تعقيداً، يُبنى على بئر الامتعاض العميق الموجود في الجزائر ضد فرنسا.

التوقيع... مالابي



رضا مالك يغادر رئاسة الحكومة لمعارضته الحوار مع الإسلاميين

> في تقرير موجّه من السكرتير الخاص لوزير الخارجية البريطاني إلى فيليبا ليزلي - جونز في مقر رئاسة الحكومة في 10 داونينغ ستريت، بتاريخ 15 أبريل (نيسان) 1994، جاء أن رئيس الحكومة الجزائرية قد تم تغييره. وجاء في التقرير: «تم تعيين رئيس جديد للحكومة في الجزائر، السيد مقداد سيفي، بتاريخ 11 أبريل، بعد استقالة السيد رضا مالك. شغل السيد سيفي سابقاً منصب وزير العمل.

تعيين السيد مالك في منصبه قبل 8 شهور، تم كما يُعتقد بسبب خطّه المتقبل نسبياً لمطالب صندوق النقد الدولي في المسائل الاقتصادية. استقالته، التي جاءت مباشرة بعد توقيع الجزائريين على مذكرة نيات مع صندوق النقد الدولي، ربما تكون نتيجة معارضته الحوار مع الأصوليين الإسلاميين. استغل الرئيس (زروال) الفرصة لجلب رئيس للحكومة يكون أكثر تعاطفاً مع جهود السعي إلى حل متفاوض عليه؛ لإنهاء النزاع المسلح الخطير مع الأصوليين الإسلاميين.

رئيس الحكومة الجديد شغل عدداً من المناصب الرفيعة في الحكومة، ولا سيما في قطاعات الصناعة، الطاقة والاقتصاد.

سيكون من الصواب أن يكتب رئيس الوزراء (جون ميجور) رسالة تهنئة إلى السيد سيفي. ربما سيود أيضاً أن يرسل رسالة إلى السيد مالك (الذي كتب له رئيس الوزراء في 31 ديسمبر لتشجيعه على الاتفاق مع صندوق النقد الدولي). أرسل مرفقاً مسودتي رسالتين (إذا قرر رئيس الوزراء إرسالهما)».

وكان رئيس الوزراء البريطاني قد وجّه في 31 ديسمبر 1993 رسالة إلى رضا مالك رداً على رسالة وجّهها الأخير، بتاريخ 28 نوفمبر (تشرين الثاني). وجاء في رسالة ميجور...

«تواجه الجزائر أزمة صعبة. نعرف أنكم تسعون إلى فتح حوار سياسي مع الجماعات السياسية غير العنيفة في الجزائر. ندعمكم في هذا الجهد.

إنني سعيد بالاطلاع على التقدم المهم الذي حققتموه في تطبيق الإصلاحات الاقتصادية، والخبرة التي اكتسبتموها من التعاون مع صندوق النقد الدولي.

أرحب بقراركم فتح حوار مع صندوق النقد بخصوص برنامج متكامل للصندوق. أتمنى لكم التوفيق في هذا المسعى. عندما يتم التوصل إلى اتفاق على برنامج ويتم تقديمه إلى المجلس التنفيذي، سننظر فيه، كعادتنا، بطريقة بناءة وحيادية. يمكنكم أن تطمئنوا بالحصول على دعمنا لبرنامج سليم لصندوق النقد دعماً لهيكلة الاقتصاد، مع الأخذ في الاعتبار انعكاسات ذلك اجتماعياً.

لقد سعدت بالسماع عن الزيارة الناجحة لتيم إيغار، وزير الطاقة، في نوفمبر. وعلى رغم أن الزيارة كانت قصيرة، أفهم أنه تم بحث كثير من المسائل ومناقشة عدد من الفرص التجارية. كما أنني متشجع أكثر برؤية (بي بي) أيضا في مفاوضات متقدمة مع (سوناطراك) من أجل التطوير المشترك لاحتياط كبير من الغاز في جنوب غربي الجزائر. إذا ما تم نجاح (المفاوضات) فسيضمن هذا المشروع دوراً بريطانيا كبيراً في تطوير مصادر جديدة (للطاقة) مهمة استراتيجياً».

Saturday, 20 October 2018

السنيورة: عون يفرض أعرافاً تمس بالدستور اللبناني







السنيورة: عون يفرض أعرافاً تمس بالدستور اللبناني
قال لـ {الشرق الأوسط} إنه يرفض «التطبيع مع النظام السوري}
السبت - 10 صفر 1440 هـ - 20 أكتوبر 2018 مـ رقم العدد [ 14571]


رئيس الوزراء اللبناني السابق فؤاد السنيورة
لندن: كميل الطويل
انتقد رئيس الوزراء اللبناني السابق فؤاد السنيورة ما وصفها بـ«مخالفات دستورية» يقوم بها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، قائلاً إنها تمثّل مساً باتفاق الطائف الذي أنهى الحرب اللبنانية عام 1989. وأخذ السنيورة، في مقابلة مع «الشرق الأوسط»، على هامش زيارة يقوم بها للندن، على الرئيس عون محاولة فرض سوابق و«أعراف» جديدة لا ينص عليها الدستور، من خلال الإصرار، مثلاً، على «حصة وزارية» له في أي حكومة، رافضاً المس بصلاحيات رئيس الوزراء في تشكيل وزارته. وانتقد السنيورة أيضاً «حزب الله»، ودعاه إلى سحب عناصره من الحرب السورية وغيرها من نزاعات المنطقة «والعودة إلى لبنان والتصرف كحزب لبناني»، قائلاً إن ممارسات الحزب أضرّت باللبنانيين حول العالم وحوّلتهم إلى «مشروع متهم».
وبدا السنيورة، الذي لم يترشح للانتخابات النيابية الأخيرة في مايو (أيار)، حريصاً على عدم توجيه انتقادات لرئيس الوزراء المكلف سعد الحريري، بل حرص على الدفاع عن صلاحياته المنصوص عليها في الدستور، في مواجهة ما اعتبرها محاولات للمس بها، سواء من رئيس الجمهورية وفريقه السياسي ممثلاً بـ«التيار الوطني الحر» الذي يقوده وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل (وهو صهر الرئيس عون)، أو من أطراف أخرى، يحاول بعضها فرض شروطه على شكل الحكومة وتوزيع الحصص فيها. لكن السنيورة انتقد، في المقابل، سياسات محددة، مثل حصر المنافسة على رئاسة الجمهورية بـ«الأقوياء» في الطائفة المسيحية، وهو ما حصرها في 4 أسماء (ميشال عون وسمير جعجع وسليمان فرنجية وأمين الجميل)، وأيضاً القبول بقانون انتخابي جديد أعاد توزيع خريطة البرلمان على أساس مذهبي لا وطني.
وأوضح: «عندما وافقنا بشكل عام على مفهوم أن رئيس الجمهورية يجب فقط أن يكون (الرئيس القوي) في طائفته، دخلنا في مسار لا نستطيع الخروج منه. صرنا في نادٍ من 4 أشخاص لا أحد غيرهم يصلح للرئاسة... وعندما مشينا بقانون الانتخاب الذي سرنا به، كان من الطبيعي أن نصل إلى النقطة التي نحن فيها الآن».
ووجه السنيورة انتقادات شديدة لممارسات يقوم بها الرئيس عون وفريقه، واعتبرها تمثّل «مخالفة للدستور». وقال: «هناك من يضرب أساس الدستور، أي اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب... هم (رئيس الجمهورية وفريقه) يقولون إننا لا نريد تعديل الدستور بالنصوص، بل نعدله بالممارسة»، في إشارة إلى ممارسات تقيّد صلاحيات رئيس الحكومة، بحسب الدستور اللبناني، لمصلحة رئيس الجمهورية. وشدد على رفض المس بصلاحيات رئيس الوزراء، من خلال إلزامه بحصة لرئيس الجمهورية في حكومته، أو من خلال إلزامه بتوزيع حقائب معينة على طوائف محددة، أو من خلال اشتراط توزير وزير واحد لكل كتلة تضم 5 نواب. وقال: «الدستور يمنع أن يصوّت رئيس الجمهورية في مجلس الوزراء، لكنه الآن يريد أن يصوّت بالوكالة من خلال وزرائه»، مضيفاً أن الرئيس عون كان من أشد الرافضين لمبدأ منح رئيس الجمهورية السابق، ميشال سليمان، حصة وزارية في الحكومات السابقة، لكنه الآن يتمسك بأن تكون له هذه الحصة.
ووجه السنيورة أيضاً انتقادات شديدة لوزير الخارجية جبران باسيل، قائلاً إن الأخير «يرفض تطبيق القوانين اللبنانية»، مشيراً إلى أن باسيل عندما كان وزيراً للطاقة (قبل الخارجية) قال علناً إنه يرفض تطبيق قانون الكهرباء.
ولم يُظهر رئيس الوزراء السابق حماسة كبيرة لتركيبة الحكومة الجديدة التي يُتوقع أن يشكلها الرئيس الحريري خلال أيام، مشيراً إلى أن «البلد بحاجة إلى حكومة لا تقوم على المحاصصة وتقاسم الوزارات، بل إلى حكومة إنقاذ، أو حكومة أقطاب». وقال: «تأليف الحكومة ضروري، فالبلد بحاجة إليها لتسيير أموره، ولكن أن يتم تقاسم الحقائب بوصفها دسمة وأخرى غير دسمة أو أن هذه الحقيبة لطائفة وأخرى لطائفة أخرى، كل هذا ليس له أساس دستوري».
وأضاف: «ليس في الدستور نص على أن حقيبة معينة لهذه الطائفة أو تلك، لا حقيبة المال (التي يتمسك بها الشيعة) ولا غير المال. كما أنه ليس في الدستور نص على أن حقيبة ما ممنوعة على طرف من اللبنانيين». وأشار إلى أن حقائب يتم احتكارها حالياً لمصلحة طوائف معينة كانت فيما مضى في أيدي وزراء من طوائف مختلفة. وقال: «إننا الآن نخترع أعرافاً جديدة ليس فيها نص دستوري... ما أقترحه الآن هو ضرورة اتخاذ قرارات أساسية حماية للبلد، ومن أجل إنجاح ظاهرة لبنان التي يحتاجها العالم العربي. عندما جاء البابا يوحنا بولس الثاني إلى لبنان قال إنه رسالة أكثر مما هو وطن. اللبنانيون فشلوا في أن يكونوا الرسل الذين يحملون رسالة العيش المشترك (بين الطوائف المختلفة في وطن واحد)».
وحذّر السنيورة من أن «مشكلات لبنان لم تعد تعالج بالمراهم. فالوضع خطير ويتطلب قرارات جريئة. هناك نافذة أمل صغيرة لا تزال متاحة وعلينا استغلالها»، مشدداً على «ضرورة احترام الدستور، والتزام أحكام القانون، وانتهاج سياسة النأي بالنفس فعلياً، وتسليم المناصب بحسب الكفاءات والجدارة (وليس بحسب الانتماء الحزبي أو الطائفي)... مثل هذه الممارسات هي التي أفقدت ثقة الناس بالدولة». وقال إن الحكومة المقبلة ستواجه مجموعة من التحديات بينها تحدي «إثبات سياسة النأي بالنفس فعلياً (عن الأزمة السورية) واستعادة علاقة لبنان بمحيطه العربي وبالعالم». وتساءل: «كيف يمكن أن يكون هناك نأي بالنفس وحزب الله ينخرط في سوريا وفي كثير من أزمات المنطقة؟». ورفض، في هذا الإطار، استباق صدور حكم المحكمة الدولية التي تنظر في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري عام 2005 والمتهم فيها عناصر من «حزب الله». وقال: «نحن نريد العدالة، والعدالة هي التي تؤدي إلى الاستقرار».
وتابع: «المحكمة الدولية نشأت بموجب الفصل السابع، وعليها أن تنطق بالحكم ضد المتهمين باغتيال الرئيس الحريري. وعندما تنطق بحكمها يجب على اللبنانيين أن يجلسوا ويدرسوا ما عليهم فعله (إذا أدين المتهمون من حزب الله فعلاً). عندما نصل إلى الجسر نفكّر في كيفية عبوره (أي بعد صدور الأحكام). ولكن على حزب الله أن يعود إلى لبنان ويترك النزاعات التي ينخرط فيها حالياً ويتصرف كحزب لبناني ويترك للدولة مهمة الدفاع عن لبنان. لا يحق لطرف واحد أن يحتكر حق الصراع ضد إسرائيل ويحتكر الوطنية ويسمح لنفسه بإصدار أحكام التخوين على الآخرين. كيف يمكن أن نحكي عن النأي بالنفس وحزب الله يشارك في معارك حول العالم؟ ممارسات حزب الله تضع اللبنانيين أمام مشكلات كثيرة. حوّلت هذه الممارسات اللبنانيين إلى مشروع متهم في بلدان كثيرة».
وتناول قضية النازحين السوريين في لبنان، قائلاً: «أشك في أن هناك لبنانياً واحداً يريد أن يبقى السوريون في لبنان. ولكن بدل أن نستخدم وجود السوريين لتعزيز العلاقة بين اللبنانيين، نلجأ إلى خطاب شعبوي يثير الغرائز ضدهم». وقال: «لا أحد يريد تجنيس السوريين في لبنان. نريد عودة السوريين إلى بلدهم لأسباب وطنية وقومية». لكنه تساءل: «من الذي أرسل النازحين السوريين إلى لبنان؟ أليس النظام هو من هجرهم؟ هل سمح النظام أصلاً للنازحين داخل سوريا بأن يعودوا إلى البلدات التي هجّرهم منها، حتى يعيد السوريين الذي نزحوا إلى لبنان!».
ورفض «تطبيع» العلاقات مع النظام السوري، لكنه ميّز بين النظام الحالي وسوريا. وأوضح: «لدينا قضايا كثيرة مع النظام السوري وليس مع سوريا. من الواجب أن نسعى إلى بناء علاقة مع سوريا على أساس الاحترام المتبادل واحترام السيادة. ولكن هناك مشكلات مع النظام السوري، بعضها مرتبط باغتيالات وتفجيرات حصلت في لبنان، منها مثلاً قضية ميشال سماحة (وهو وزير سابق أدين بنقل متفجرات سلمتها له الاستخبارات السورية)، وبعضها بتدخلات النظام السوري في الشؤون الداخلية اللبنانية» وبالتفجيرات التي وقعت في مدينة طرابلس. لكنه قال: «عندما تكون النيات صحيحة يمكن حل العقبات. ونحن نريد حلاً تستعيد فيه سوريا وحدتها وتكون دولة لجميع أبنائها».

التعليقات

أضف تعليقك

Wednesday, 29 August 2018

إيران أمام خيار المفاضلة بين انهيار الاقتصاد وتقليص الدعم للوكلاء


https://aawsat.com/home/article/1376916

إيران أمام خيار المفاضلة بين انهيار الاقتصاد وتقليص الدعم للوكلاء

خبير في شركة أبحاث استخباراتية يقول لـ {الشرق الأوسط} إن الإيرانيين سيواجهون ألماً اقتصادياً شديداً وإن النظام يعطي الأولوية لقواته العسكرية وتغطية التزاماته الخارجية عندما يكون تحت ضغط
الأربعاء - 18 ذو الحجة 1439 هـ - 29 أغسطس 2018 مـ رقم العدد [ 14519]
لندن: كميل الطويل
يواجه الاقتصاد الإيراني مستقبلاً قاتماً في ظل عقوبات غير مسبوقة تستعد الولايات المتحدة لفرض الحزمة الثانية منها في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل بعدما باشرت تطبيق حزمتها الأولى هذا الشهر. وإذا كانت العملة الإيرانية قد شهدت تراجعاً كبيراً وصل إلى حدود 70 في المائة من قيمتها في الشهور الأخيرة، فإن هذا التراجع يُنذر بالتحوّل إلى انهيار كامل مع بدء سريان الموجة الجديدة من العقوبات الأميركية والتي تشمل على وجه الخصوص قطاعي النفط والغاز الأساسيين لاقتصاد «الجمهورية الإسلامية».

ورغم أن إيران خضعت في السابق لعقوبات شديدة ونجحت في احتوائها، مثلما حصل في ثمانينات القرن الماضي ولاحقاً بعد عام 2006، فإنها تواجه هذه المرة اختباراً مختلفاً يتمثل في إصرار الإدارة الأميركية على إرغامها على تغيير سلوكها الإقليمي وتقليص دعمها لوكلائها وقبول اتفاق نووي جديد أكثر صرامة، وإلا فإنها ستخضع لأكثر العقوبات إيلاماً، بما في ذلك «تصفير» صادراتها النفطية وحرمانها بالتالي من العملات الصعبة، وسط تذمر شعبي متزايد يتمثل في احتجاجات غير مسبوقة ضد النظام في كثير من المدن الإيرانية. وفي مؤشر إلى مدى شعور إيران بخطورة وضعها، رفع محاموها دعوى أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي، مجادلين بأن العقوبات الأميركية الجديدة تؤدي إلى «انعكاسات دراماتيكية» على اقتصادها.

هل يمكن لاقتصاد إيران أن ينهار فعلاً تحت وقع عقوبات إدارة الرئيس دونالد ترمب، أم أن طهران ستتمكن من امتصاص الصدمة نتيجة خبرتها السابقة فيما يُعرف بـ«اقتصاد الحرب»؟ وهل هناك مؤشرات إلى أن العقوبات الأميركية بدأت تنعكس على تصرفاتها في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك حجم دعمها لوكلائها والجماعات المرتبطة بها؟ وما هو حجم الأموال الإيرانية الموجودة في الخارج والتي يمكن أن تستعين بها إيران لمساعدتها في التأقلم مع تداعيات العقوبات الجديدة؟

لتسليط الضوء على هذه التساؤلات، أجرت «الشرق الأوسط» مقابلة مع كبير المستشارين في شركة «أبيريو إنتليجنس» (Aperio Intelligence) باري مارستون الذي عمل سابقاً ناطقاً باسم وزارة الخارجية البريطانية (المتحدث باللغة العربية) قبل انتقاله إلى القطاع الخاص. و«أبيريو إنتليجنس» شركة أبحاث مستقلة تعمل في مجال استشارات المخاطر والاستخبار عن الشركات والجرائم المالية. وفي ما يأتي ملخص لأبرز ما جاء في المقابلة التي تنقسم إلى أربعة محاور هي: كمية الأموال الإيرانية في الخارج، وخطر انهيار الريال الإيراني، وحجم المساعدات التي تقدمها طهران لوكلائها، وتداعيات العقوبات الأميركية.

- كمية الأموال التي تملكها إيران في المصارف الخارجية... هل يمكن نقلها بسهولة أم أنها تخضع لعقوبات؟

- هذا الأمر يتعلق بقطاع عريض من الأرصدة الحكومية، التجارية والشخصية التي جُمدت في إطارات مختلفة. فمثلاً، هناك صفقات السلاح التي طُبّق جزء منها قبل إطاحة الشاه عام 1979. كما أنه يشمل أيضاً الأصول المتحفظ عليها، مثل المقر السابق للسفارة الإيرانية في واشنطن، وهناك تقديرات متباينة في شأن قيمتها والإيجارات المتراكمة وقيمة الفائدة الصافية. والأمر نفسه ينطبق على حالة مشابهة هي قيمة عائدات النفط لإيران والتي لم يمكن إعادتها لها جراء العقوبات. كان الرقم الإجمالي الذي روّج له مسؤولون وخبراء لقيمة الأموال الإيرانية المجمدة حول العالم بحلول عام 2015 يصل إلى ما بين 100 – 120 مليار دولار. وبالإضافة إلى ذلك، أشار تقرير وزارة الخزانة الأميركية عن الأرصدة الإرهابية لعام 2016 إلى «فيلق القدس» في الحرس الثوري الإيراني بوصفه الكيان الذي يملك الحجم الأكبر من الأرصدة الإرهابية المجمّدة في الولايات المتحدة (14.3 مليون دولار).

وتقول تقارير إن هناك قرابة 50 مليار دولار من الأموال (معظمها يعود إلى عائدات نفطية لإيران) مجمدة في مصارف مركزية في شرق آسيا. ويُعرف أيضاً أنه قبل 2015 كانت إيران قد نجحت في تحرير جزء من هذه الأرصدة، كونها تعاملت معها ببساطة على أنها مدفوعات أولية لبضائع اشترتها من الصين، وكوريا الجنوبية، واليابان، والهند وغيرها. لكن بعض هذه الأموال لم يكن موجوداً سوى على الورق فقط. فمثلاً، قدّمت وزارة النفط الإيرانية 22.4 مليار دولار قروضاً إلى كيانات صينية كوسيلة لضمان مشاريع طاقة - لكن البنك المركزي الإيراني أقر لاحقاً بأن المستدينين «ليس لديهم قدرة على تسديد القرض».

كما أن أحد أسباب التوتر المتصاعد بين الولايات المتحدة وتركيا هو اكتشاف خطة ضخمة بين عامي 2012 و2014 (كما ظهر خلال محاكمة جرت في الولايات المتحدة وانتهت في مايو (أيار) 2018) لتبييض ما تبلغ قيمته 13 مليار دولار من الأرصدة المجمدة في مصارف تركية وأجنبية ونقلها إلى طهران، غالباً من خلال تحويل هذه الأرصدة ببساطة إلى معدن الذهب. شملت تلك الخطة عدداً من المصارف التركية، وبينها «هالكبانك» المملوك حكومياً. سعى المدعون الأميركيون إلى توجيه اتهام إلى وزير الاقتصاد التركي محمد ظافر شاغليان، بسبب مزاعم أنه قبل 50 مليون دولار رشى من أجل تسهيل الخطة بالنيابة عن إيران. عشرات البنوك العالمية، معظمها قبل عام 2015، تم تغريمها مليارات الدولارات لتسهيل حركة الأموال الإيرانية، ولعل أبرزها الغرامة الخيالية التي فرضت على مصرف «بي إن بي باريباس» والبالغة 8.9 مليار دولار. لو واجهت المصارف التركية غرامة مماثلة لكانت الأزمة المالية التركية حالياً أسوأ بأضعاف مضاعفة.

بعد عام 2015، كانت عائدات النفط المجمدة حول العالم من بين أقل الأرصدة إثارة للخلاف. فقد تم إعادة غالبيتها بسرعة في الغالب، وأحياناً عبر تحويلها من خلال طرق ملتوية لتفادي العقوبات المالية الأميركية المتبقية. وأفرجت الولايات المتحدة نفسها عن 400 مليون دولار (ومعها فوائد تبلغ 1.3 مليار دولار) تعود إلى صفقة سلاح أبرمت خلال عهد الشاه، وذلك كبادرة «حسن نية»، مدعية أن الإفراج المتزامن من إيران عن أربعة مواطنين أميركيين محتجزين لديها كان مجرد مصادفة. لكن، كانت هناك أموال أخرى محل نزاع قضائي. مثلاً، وافقت المحكمة العليا في الولايات المتحدة على حكم قضائي يعتبر إيران مسؤولة مالياً أمام عائلات 241 من مشاة البحرية الأميركية (المارينز) قتلوا في هجوم «حزب الله» على ثكنتهم في بيروت عام 1983. ونتيجة لذلك، هناك نزاع قانوني أمام محكمة العدل الدولية على 2.1 مليار دولار مجمدة في حساب بمصرف «سيتي بانك».

وقد أدت الخطوات الحالية الأميركية لإعادة فرض العقوبات إلى حث إيران على بدء جهود عاجلة لمحاولة استعادة أكبر كمية ممكنة من أرصدتها المجمدة، وبأسرع وقت ممكن. وفي هذا الإطار يأتي الاهتمام الأخير بقضية الـ300 مليون دولار الموجودة في المصرف التجاري الأوروبي - الإيراني في هامبورغ. وفي وقت سابق من هذه السنة، قدم المصرف المركزي الإيراني دعوى عاجلة في لوكسمبورغ طالباً حق الوصول إلى 1.6 مليار دولار أعاد قاضٍ في لوكسمبورغ تجميدها في إطار دعوى لضحايا أميركيين في هجمات 11 سبتمبر (أيلول).

وبحلول منتصف عام 2017، وصف مسؤولون في البنك المركزي الإيراني الأموال المجمدة المتبقية حول العالم بأنها «ضئيلة». وتشير هذه المصادر المصرفية الإيرانية إلى أنه تمت استعادة ما يصل إلى 30 مليار دولار (وهذا يبدو ترتيباً صحيحاً لجهة الحجم)، بينما ما زال هناك نحو 3.7 مليار متبقية في الخارج بينها 1.5 مليار دولار «غير ممكن الوصول إليها». ويُفترض أن هذه الـ3.7 مليار دولار تشمل الأموال المجمدة في مصرف «سيتي بانك» وفي كل من لوكسمبورغ وألمانيا. والخلاصة المنطقية هي أن كمية كبيرة من الـ120 مليار دولار من الأرصدة التي تحدثت عنها بإثارة مصادر إيرانية وغربية لم تكن أصلاً موجودة فعلياً في المقام الأول، أو أنها كانت ببساطة عبارة عن أرقام لا معنى لها في دفاتر الحسابات.

- ينوي الأميركيون الآن ممارسة مزيد من الضغوط على إيران من خلال حرمان اقتصادها من الوصول إلى العملات الصعبة، وقد شهد الريال الإيراني تراجعاً كبيراً في قيمته في الآونة الأخيرة. هل تملك إيران القدرة على منع انهيار الريال؟

- سيواجه الاقتصاد الإيراني في شكل مؤكد فترة صعبة للغاية في العامين المقبلين. وعلى رغم ذلك، لا بد من الإشارة إلى أن إيران تمكنت من استيعاب بعض الفترات الصعبة المشابهة خلال ثمانينات القرن الماضي وأيضاً في إطار عقوبات الأمم المتحدة بعد عام 2006. ومن المرجح أن العملة الإيرانية ستواصل اندفاعها النزولي، وقد خسر الريال 70 في المائة من قيمته بين مايو وأغسطس (آب). الواردات تصير بالغة التكاليف. الخدمات الأساسية، مثل الماء والكهرباء، تواجه ضغوطاً كبيرة. البطالة بين الشباب وهي مرتفعة جداً أصلاً ستصبح أسوأ. وبعض المؤسسات المالية يمكن أن تتوقف فعلياً عن العمل. ولكن إيران تعرف كيف تتصرف كاقتصاد حرب - ما دام في إمكانها احتواء التذمر الشعبي واسع الانتشار. سيواجه المواطنون الإيرانيون ألماً اقتصادياً شديداً، لا سيما وأن النظام عندما يكون تحت ضغط فإنه يعطي باستمرار الأولوية لقواته العسكرية ولتغطية التزاماته الخارجية.

الآن كل شرائح الطيف السياسي الإيراني تبدو متضامنة مع بعضها وتحضّر للمواجهة، والمرشد الأعلى علي خامنئي يقول إن إلغاء الرئيس ترمب للاتفاق (النووي) دليل على أن الأميركيين لا يجب أن يتم الوثوق بهم منذ البداية. وانطلاقاً من هذا الموقف المتصلب، يمكن الاستنتاج أنه من الصعب تخيل أن ضغوط العقوبات وحدها يمكنها أن تخلق وضعاً في المدى المنظور كي تعود إيران بخنوع إلى الطاولة وتستأنف المفاوضات بنية طيبة.

- هل ظهرت أي نتائج للضغوط الاقتصادية على سلوك إيران في المنطقة؟ هل حصل مثلاً تراجع في كمية الأموال التي تعطيها إيران لأذرعها والجماعات المرتبطة بها، مثل «حزب الله» وجماعات مختلفة في العراق وسوريا؟ وهل نعرف أصلاً كمية الأموال التي تقدمها إيران عادة لهذه المجموعات؟

- ترافقت السنوات العشر من العقوبات المتزايدة بين 2005 – 2015 مع زيادة متصاعدة في إنفاق إيران على أصولها المسلحة، شبه العسكرية، في الخارج، ولذلك لا يوجد سبب لتوقع رد مختلف جذرياً هذه المرة. وقد سجّلت الموازنة الإيرانية لعام 2018 زيادة في الإنفاق العسكري (بلغت موازنة الدفاع 22.1 مليار دولار من حجم الموازنة الإجمالي البالغ 104 مليارات دولار)، بما في ذلك مخصصات مالية للحرس الثوري وفيلق القدس. في الوقت ذاته، وعلى مدى السنوات العشر الماضية، استغل الحرس الثوري وضعه الاقتصادي والسياسي لتحقيق أرباح من العقوبات. فمثلاً، ما يقدّر بـ20 في المائة من البورصة الإيرانية يقوم على شركات تابعة للحرس الثوري. كما أن التمويل من خارج المخصصات المسجلة متوفر أيضاً من خلال تورط الحرس الثوري و«حزب الله» في نشاط الاتجار بالمخدرات وتجارة السلاح. فمثلاً، الشبكة التي يقودها عميل «حزب الله» أيمن جمعة تعرضت لعقوبات فرضتها وزارة الخزانة الأميركية عام 2012 بسبب عمليات اتجار بالمخدرات وتبييض أموال بلغت قيمتها ما يقدر بـ200 مليون دولار شهرياً.

إن تمويل إيران للقوات شبه العسكرية المرتبطة بها يُعد واحداً من الأمور الغامضة في شكل لافت. ولكن رغم ذلك، خلال العقد بين 2005 و2015 - عندما كان اقتصاد إيران يفترض أنه يئن تحت العقوبات - قدّر خبراء أن التحويلات التي كانت تذهب إلى «حزب الله» ازدادت من 100 مليون دولار تقريباً إلى ما يصل إلى 700 مليون دولار (بحسب تقديرات مسؤولين أميركيين) وذلك في إطار الانخراط العميق لـ«حزب الله» في سوريا. وفي الوقت ذاته، بلغ الإنفاق الإيراني في سوريا - بما في ذلك التحويلات التي تذهب إلى النظام السوري أو التمويل لجماعات شبه عسكرية محلية أو أجنبية ناشطة في سوريا - بين 6 مليارات و20 مليار دولار، بحسب تقديرات متباينة لمصادر مختلفة أميركية وغربية ومحلية.

وقبل عام 2014، كانت إيران تموّل عدداً من المجموعات العراقية شبه العسكرية، مثل «كتائب حزب الله»، و«عصائب أهل الحق»، ومنظمة «بدر» - كما يقر بذلك مسؤولون كبار من تلك المجموعات. وهكذا، فإن إضافة هذه الكيانات إلى جدول مدفوعات الدولة العراقية تحت مظلة «الحشد الشعبي» يمكن أن يُنظر له على أنه إنجاز مهم لإيران. إن مفوضية «الحشد الشعبي»، تحت قيادة فالح الفياض وأبو مهدي المهندس، تشرف على موازنة سنوية بنحو 1.6 مليار دولار. ولكن عندما تراقب بدقة كيف يتم توزيع هذه الموازنة ترى أن القوات غير الإيرانية (مثل «فرقة العباس القتالية» الممولة من «العتبات المقدسة» و«كتائب السلام» التابعة لمقتدى الصدر) كان يتم باستمرار حرمانها من الأموال، («معهد واشنطن» أصدر تقريراً مفصلاً في هذا الإطار). ولكن في الوقت ذاته فإن الكيانات الأكبر المدعومة من إيران (مثل بدر التي يتبع لها ما بين 40 و50 ألف مقاتل) تهيمن على موازنة «الحشد الشعبي» وليس لديها مشكلة في تسلّم مدفوعاتها في الوقت المحدد ودون تأخر. كما أن لديها قدرة على الحصول على أسلحة إيرانية - في خرق للعقوبات الدولية.


- هل يمكن أن ينجح الأميركيون في تحقيق وعدهم بـ«تصفير» صادرات النفط الإيرانية؟ كيف يمكن تحقيق ذلك؟ فقد بدأت إيران، مثلاً، في تصدير نفطها إلى الصين على متن ناقلاتها؟

- لدى إيران أسواق جاهزة في الشرق الأقصى ستسعى إلى استغلالها. وسيكون فرض العقوبات أكثر صعوبة على الولايات المتحدة هذه المرة، لأن الإدارة تحاول فرضها في شكل آحادي، عوض المرور عبر مجلس الأمن. الصينيون، الأوروبيون، الهنود وغيرهم، سيتجاوبون مع العقوبات مرغمين ولكن في شكل جزئي.

لكن بعد أن تبدأ الولايات المتحدة توسيع نطاق العقوبات (الحزمة الثانية) فستكون إيران في شكل متزايد في وضع يزداد سوءاً، لأن أولئك الراغبين في شراء النفط الإيراني (سواء في شكل شرعي أو من خلال السوق السوداء) سيرغمون طهران على بيع نفطها بأسعار بخسة. انسحاب شركة توتال مؤشر آخر إلى أن قدرة إيران على إنتاج النفط وتطوير حقول جديدة ستواجه تراجعاً على الأرجح مع مرور الزمن، نتيجة الضعف المزمن في الاستثمار، وهجرة الخبراء والشركات الأجنبية، والوضع المزري لقطع الغيار.

وهكذا فإن العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة ستتسبب بلا شك في معاناة اقتصادية شديدة للإيرانيين. السؤال هو هل تملك إدارة ترمب استراتيجية متماسكة لإرغام إيران على تغيير سلوكها الإقليمي. بالنسبة إلى طهران الوضع هو أن تحصّن ما ربحته حتى الآن: هي تواجه ضغطاً متواصلاً لتقليل ظهور أرصدتها في سوريا، ولكن نظام الأسد مدين في شكل عميق لها مالياً وسياسياً. ولذلك يمكن توقع أن إيران ستحاول أن تحكم قبضتها على ما هو في يدها وتحاول انتظار مرور عاصفة الضغوط عليها. وفي العراق، تتمتع طهران بأرصدة شبه عسكرية وسياسية كبيرة، كما أن قاسم سليماني يمارس جهوداً كبيرة من أجل الوصول إلى حكومة يهيمن عليها حلفاء إيران. والأمر ذاته في لبنان حيث لا يبدو محتملاً أن الولايات المتحدة لديها ما يكفي من النفوذ الضروري لتحجيم الموقع المتجذر لـ«حزب الله». وبالتالي فإنه يمكن الاستخلاص أن العقوبات لديها تأثير يشل إيران بشكل لا يمكن نفيه، إلا أن الإدارة الأميركية تبدو بعيدة عن امتلاك استراتيجية متماسكة ومتكاملة لاحتواء إيران إقليمياً.

Friday, 16 February 2018

موضوعي عن "بروفة فبراير" في الشرق الأوسط اليوم


aawsat.com/home/article/1176906



«بروفة فبراير»: القذافي يحتوي أزمة «المساكن الشعبية»... ويفشل في اختبار «الانتفاضة»

العقيد دعا المواطنين إلى «الزحف» على الشقق الجديدة فخرج الشارع عن نطاق السيطرة
الجمعة - 30 جمادى الأولى 1439 هـ - 16 فبراير 2018 مـ رقم العدد [14325]
جانب من الاحتجاجات التي اجتاحت مدن ليبيا بعد الإطاحة بنظام القذافي قبل سبعة أعوام (أ.ف.ب)
لندن: كميل الطويل
ADS BY BUZZEFF TV
تحل هذه الأيام الذكرى السابعة لـ«انتفاضة 17 فبراير» في ليبيا. لم تأتِ من فراغ، لكن نظام العقيد الراحل معمر القذافي كان يُفترض أنه استعد لاحتوائها جيداً؛ كونه اختبر للتو، وبنجاح: «بروفة» لكيف يمكن أن يتحرك الشارع الليبي بعفوية ويخرج عن نطاق السيطرة.
ربما لا يذكر كثيرون هذه «البروفة»، التي حصلت قبل شهور فقط من «انتفاضة فبراير»، وكانت تداعياتها لم تنته بعد عندما بدأت ثورات ما يُعرف بـ«الربيع العربي»، وأطاحت بنظامي الحكم في تونس ومصر، جارتي ليبيا غرباً وشرقاً.
تعود القصة إلى منتصف العام 2010، عندما كان العقيد الليبي في زيارة لمدينة سبها، معقل مؤيديه في جنوب البلاد. ما أن استعد كعادته في جولاته لإلقاء «خطاب جماهيري»، حتى فوجئ ببعض الحاضرين – الذين ينتمون إلى ضاحية حجارة الفقيرة - يتوجهون إليه مباشرة بشكواهم. قالوا إن أرضهم التي عاشوا فوقها داخل منازل متداعية أو في أكواخ من الصفيح، تم أخذها منهم بهدف بناء مشروع سكني تقوم به الدولة، على أن يتم تسليمهم مساكن جديدة بعد إنجاز المشروع. وبحسب شكواهم، تم بناء المساكن، لكن لم يُسمح لهم بالسكن فيها، وعوض ذلك مُنحت الشقق لأشخاص غير أولئك الذين وُعدوا بها. فما كان من القذافي إلا أن سارع، ومن دون استشارة مساعديه على ما يبدو، إلى إبلاغ المحتجين بأن «يزحفوا» على المساكن الشعبية ويأخذوا حقهم بأنفسهم، بما أن الأرض أرضهم، وقد وُعدوا أصلاً بمنحهم مساكن فيها.
وفي تصريحات إلى «الشرق الأوسط»، يقول نعمان بن عثمان، الذي عمل لفترة في «مشروع الغد»، الذي يقوده سيف الإسلام القذافي، نجل الزعيم الليبي، وشارك في مساعيه للمصالحة مع الإسلاميين (وهم رفاقه السابقون في «الجماعة المقاتلة»): إن العقيد القذافي «انفعل بشكل عفوي بعدما سمع بتفاصيل قضيتهم، ومن دون أن يراجع الحكومة قال لهم: ما دام أنهم (شعبية بلدية سبها) أخرجوكم من أرضكم، فالمساكن من حقكم... اذهبوا واسترجعوها. وما أن غادر القذافي سبها حتى بدأت الجماهير تزحف على المباني السكنية فوراً. لكن الغريب أن هذه القصة التي بدأت في سبها، سرعان ما انتشرت لتشمل مشروعات البناء السكني في عموم ليبيا، ووصلت حتى العاصمة طرابلس التي تبعد عن سبها بأكثر من 700 كلم».
وأثار هذا «الزحف الجماهيري» على المساكن الشعبية بلبلة واسعة في ليبيا. وجادل محتلو المساكن بأنهم لا يقومون سوى بما يدعو له القذافي نفسه في خطاباته. لم يتحججوا فقط بما قاله في سبها، بل قالوا إنهم يطبقون نظرياته الاجتماعية من قبيل أن «البيت لساكنه»، وليس بالضرورة لمالكه.
في المقابل، قال منتقدو هذا التصرف: إن المساكن الشعبية - وعددها بعشرات الآلاف - بُنيت لتلبية حاجات المجتمع، خصوصاً جيل الشباب لمساعدته على الزواج، واقتناء مسكن بأسعار مخفضة، ومن دون دفع فوائد قروض أثارت آنذاك اعتراضاً دينياً بين الليبيين، الذين رفضوا «قروض الربا». وقال هؤلاء الرافضون أيضاً إن كثيراً من المساكن الشعبية قد تم بيعها، وسُجّلت بأسماء أصحابها الجدد الذين يملكون صكوك ملكية تثبت أنهم دفعوا على الأقل الأقساط الأولى من قروض الشراء، وأنهم عندما ذهبوا لتفقد شققهم الجديدة وجدوا فيها أشخاصاً آخرين أقاموا فيها، وأكملوا تقسيمها وتركيب أبواب جديدة لها.
يقول بن عثمان، رئيس مؤسسة «كويليام» الدولية لمكافحة التطرف، في شرحه لما حصل آنذاك: «بعض المشروعات السكنية كان قد تم إنجاز 50 في المائة منها، وبعضها 60 في المائة، أو حتى 70 في المائة عندما اندلعت الأحداث (في فبراير/شباط 2011). كان لسيف الإسلام علاقة بطريقة ما بهذه المشروعات من خلال الضغط، الذي مارسه على الدولة لتوفير نصف مليون مسكن جديد، مع إعطاء الأولوية لجيل الشباب. كان الشاب يدفع ما بين خمسة آلاف إلى سبعة آلاف دينار ليبي للحصول على شقة، لكن ثمنها كان زهيداً لأنها مدعومة من الدولة. المشكلة التي واجهتها (الدولة) آنذاك هي أن الناس رفضت فكرة القروض الائتمانية على أساس أن فيها ربا، ففشلت مشروعات الإسكان. وجرت دراسات من قبل سيف الإسلام، وتم الاستخلاص أنه يجب تأمين مساكن بأي طريقة، ما دام الناس لن تقبِل على القروض الائتمانية التي فيها ربا. فكان الحل هو أن المواطن يدفع مالاً من دون أن توضع عليه أعباء الدين... لكن الذي حصل (بعد خطاب القذافي في سبها) هو أن الدولة وجدت آلاف الشقق مصادرة من المواطنين بالقوة، واستدعى ذلك أسابيع طويلة إلى أن تمكنت قوات الأمن من إخراج الناس منها».
لم تتم عملية إخراج محتلي الشقق «المصادرة» بالقوة، «فقد صدرت أوامر فورية من معمر نفسه بعدم التعرض لهم بعنف. قال إنه يمنع منعاً باتاً المس بهم. لكنه كان في غاية الاستياء والغضب»، بحسب بن عثمان الذي يضيف: «كنت حاضراً شخصياً ما حصل آنذاك. كان القذافي مستاءً جداً، وخشي أن هناك تحريضاً ضده عن طريق (قضية) المساكن، فكلّف شخصاً صديقاً لي - وهو ضابط برتبة عميد مقرب من معمر– بإجراء تحقيق موازٍ خارج أجهزة الدولة لتحديد كيف دخل هؤلاء الناس إلى البيوت في ليبيا كلها، في حين أن الكلام كان محصوراً بسبها؟ أراد القذافي أن يعرف كيف صارت هذه الفوضى فجأة، وبدأ الناس يتكلمون في السياسة. طلب أن يعرف من هي الشخصيات التي دعت المواطنين إلى القيام بما قاموا به (احتلال المساكن الشعبية)».
وبالفعل، باشر العميد الليبي تحقيقاته، وأخذ مع فريق من معاونيه في استقبال الناس، والسماع منهم بخصوص الأسباب التي دعتهم إلى «الزحف» على المساكن الشعبية، كما استمع بالطبع إلى شكاوى «المالكين» للشقق، والذين وجدوا أشخاصاً آخرين يقيمون فيها. يقول بن عثمان: «جاء أحدهم (إلى مكتب عميد الأمن) قائلاً إنه كان يستعد للزواج، ويدفع أقساطا تُخصم من راتبه. لكنه عندما ذهب إلى شقته وجد فيها عائلة ثانية. كانت فوضى عارمة. طالب مشترو الشقق باستعادتها، وحصلت مشكلات بينهم وبين مواطنين آخرين، وصارت الناس تتجرأ على الدولة. كان الأمر، في الواقع، بمثابة بروفة لكيف يمكن أن يخرج الشعب على الدولة ويتجرأ على تجاوز القانون. لكن البروفة كانت مقبولة؛ كونها جاءت في إطار مقولة البيت لساكنه، وتم توظيف أفكار القذافي ضده».
ويؤكد بن عثمان، أن القذافي أمر في بداية الأزمة قوات الأمن المركزي بعدم إخراج أي شخص من شقة، أو عقار يسكن فيه بشكل غير شرعي، لكنه بعد فترة قصيرة طلب البدء في إخراجهم منها، «لكن دون استخدام العنف والقوة. تم اللجوء إلى النيابة والاستعانة بالشرطة، لكن كل ذلك تم بهدوء إلى أن انتهت موجة احتلال المساكن». لكن ما كادت هذه القضية أن تنتهي حتى اندلعت حادثة البوعزيزي في تونس المجاورة، وفجّرت ثورة شعبية أطاحت حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي، في مطلع عام 2011، وتلتها «ثورة يناير»، التي أطاحت أيضاً بحكم الرئيس المصري السابق حسني مبارك.
وعلى رغم أن «بروفة المساكن الشعبية» انتهت بنجاح القذافي في احتوائها، فإن تداعياتها والتحقيقات التي أجريت بيّنت، كما يكشف بن عثمان، أن تحرك الشارع «لم يكن عفوياً»، بل كانت هناك جهات متورطة فيه، علما بأن النظام الليبي كان يشهد آنذاك صراعاً حامياً بين سيف القذافي وتياره «الإصلاحي»، وبين تيارات أخرى معارضة لهذا النهج، ومدعومة من أبناء آخرين للزعيم الليبي. ويوضح بن عثمان قائلاً: «كان القذافي مهتماً بمعرفة من يدفع بهؤلاء (الذين «زحفوا» على المساكن الشعبية). بدأت الاتهامات تنطلق في كل اتجاه. بعضهم حاول أن يقول إن سيف (متورط) من خلال منظمته الشبابية. وقال آخرون إن ذلك غير صحيح، بل إن المتورطين هم جماعة من المعارضين (في الخارج)، في حين قال آخرون أيضاً إن تصرف المواطنين كان عملاً طبيعياً يقوم به الشعب نتيجة الفقر. استمر التحقيق، وما سمعته مباشرة من الشخص (العميد) الذي قام به، هو أن التحريض كان من أجل أغراض سياسية، وأن كلمة معمر في سبها تم استغلالها لهذه الغاية. كان هو شخصياً (عميد الأمن) متضايقاً ومرتبكاً، وقال لي إنه لا يعرف كيف يمكن أن يقول للقائد إن هذا الأمر لم يكن عفوياً. صحيح أن الناس تريد بيوتاً، ولكن هناك من قام بتوجيهها في لحظة معينة، واستغل ظرفاً ليحرّك الشارع بالطريقة التي تحرك بها».

التعليقات

Suleiman aldrisy
للأسف الشديد هذه البروفه المزيفة كانت تعبر عن أن القذافي لا يسير في ركب ابنه سيف الذي يريد إنهاء الفوضي الجماهيرية والسلطة الشعبية التي تعبر عن جنون القذافي فالذي أراد بناء المساكن هو مشروع سيف ليبيا الغد لا يكسب ود الشباب لكي يقفز علي كراسي الحكم ولكن هناك معارضين له وهم أخواته وجماعة اللجان الثورية المتطورة في دماء المعارضين الليبيين في الخارج والدخل وأصبح مسيرتهم خطر عليهم من أولياء الدم القذافي كان يعلم هناك تتغير في الأنظمة الدكتاتورية العربية فحاول امتصاص غضب الشعب الليبي الذي كان يتسول في الطرقات وأمام مصارف الدولة والسحب علي المكشوف بدون رصيد لأن القروض الربوية اتهكت مرتباتهم الضعيفة أصل وذلك لتوفير مسكن يؤي إليه فموضوع المساكن الذي تبنه سيف للشباب زاد احتقان باقي الشعب الليبي الذي كان يعيش تحت خط الفقر والدولة تملك مليارات