Sunday, 19 February 2017

الحل ينتظر «إنهاك» الأطراف السورية


http://www.alhayat.com/Opinion/Camille-Al-Taweel/20241985




النسخة: الورقية - دوليالأحد، ١٩ فبراير/ شباط ٢٠١٧ (٠٠:٠ - بتوقيت غرينتش)
كيف تنتهي الحروب والنزاعات؟ غالباً ما تنتهي بتغلّب طرف على آخر، أو بوصول المتحاربين إلى مرحلة الإنهاك التي ترغمهم على قبول تسوية.
الاحتمال الأول لا يبدو واقعياً في سورية اليوم. فلا النظام قادر على إخضاع معارضيه، ولا هؤلاء قادرون على إطاحته. ماذا عن الاحتمال الثاني؟ ترفض أطراف النزاع، حتى الآن، الإقرار بأنها وصلت إلى مرحلة الإنهاك. فالنظام يكرر، يوماً بعد يوم، عزمه على «استعادة» البلد كله ممن يسميهم «الإرهابيين». والمعارضة، من جهتها، تتمسك بتصميمها على تغييره، بالقوة إن لم يكن سلماً.
ولكن على رغم هذه «العنتريات» من الطرفين، يبدو في حكم المؤكد أن كلاهما أُنهكا، أو شارفا على ذلك. وما قبولهما أصلاً بالجلوس حول طاولة مفاوضات سوى تأكيد على أنهما منهكان. فبديهي أنهما لو كانا قادرين فعلاً على الحسم العسكري لما فكّراً أصلاً في حل تفاوضي.
انطلاقاً من هذه الخلفية، أي إنهاك أطراف الأزمة السوريين، يمكن فهم أهمية الدور الذي تلعبه حالياً الأطراف الإقليمية في التسوية، والمقصود هنا تحديداً إيران من جهة، وتركيا -وبدرجة أقل الأردن- من جهة ثانية. وأهمية دور هذه الأطراف تتمثّل أساساً في أن أطراف النزاع المحليين لن يكون بمقدورهم، وهم منهكون، أن يعرقلوا أي حل وسط يتوصل إليه داعموهم الإقليميون.
وفي الواقع، تبدو صورة نفوذ الإيرانيين على حلفائهم السوريين أكثر وضوحاً من صورة النفوذ التركي، وإلى حد ما الأردني، على الطرف الآخر من المعادلة السورية. فسطوة طهران على دمشق تبدو اليوم واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار. فلولا ميليشياتها اللبنانية والعراقية والأفغانية والباكستانية، والإيرانية بالطبع، لما تمكن النظام السوري من الصمود كل هذا الوقت. وتعرف حكومة دمشق بالتأكيد، أن لا طاقة لها على البقاء يوماً إذا ما قرر الإيرانيون سحب البساط من تحتها.
لكن الأمر ذاته لا ينطبق على الأتراك، فسلطة هؤلاء تبدو واضحة على فصائل «درع الفرات» بريف حلب الشمالي، لكنها تتراجع عندما يتعلق الأمر بالفصائل الأخرى، لا سيما في إدلب وحماة. ولهذا، يبدو أمراً بالغ الأهمية ما يحصل حالياً في المحافظتين من عملية «فرز» بين الفصائل، كونها توضح قوة «الورقة» التي يحملها التركي أو ضعفها في المفاوضات. وقد أفرز هذا «الفرز» حتى الآن ظهور «هيئة تحرير الشام» التي يقودها قيادي سابق في «حركة أحرار الشام»، المفترض أن علاقتها ممتازة مع الأتراك. كما أن جزءاً لا يُستهان به من عناصر «الهيئة» يتكون أيضاً من فصيل «نور الدين الزنكي» الذي كان يحظى بدعم قوي من الأتراك (والأميركيين). لكن أن يكون «حلفاء» سابقون للأتراك في موقع قوي في «الهيئة» الجديدة لا يعني بالضرورة أنها يمكن أن تخضع لما تمليه عليها أنقرة. ذلك أن طرفاً أساسياً فيها هو «جبهة النصرة»، المصنّفة «إرهابية»، قد يكون هو من استوعب حلفاء الأتراك إلى صفه (المتمسك بالعمل العسكري)، عوض أن يكونوا هم من استوعب «النصرة» وغيّروا أيديولوجيتها «القاعدية». وفي المقلب الآخر، يبدو رهان الأتراك منصباً على «حركة أحرار الشام» التي تبقى رقماً أساسياً في المعادلة على رغم انشقاق قياديين ومجموعات من صفوفها والتحاقهم بـ «هيئة تحرير الشام».
أما في الجنوب السوري، ففصائل «الجبهة الجنوبية» تبدو ميّالة لسماع «نصيحة» الأردن، وهو طرف يلعب في جنوب سورية دور تركيا في شمالها. ولكن كما في الشمال، لا تبدو الصورة محسومة للأردنيين في الجنوب، فعلى رغم أن فصائل «الجبهة الجنوبية» هي الأكبر، فإن هناك وجوداً لا يُستهان به لـ «هيئة تحرير الشام» التي تشن الهجوم الحالي في درعا، والذي يؤكد أنها لا تشعر بالإنهاك.
هل يمكن، انطلاقاً مما سبق، القول إنه إذا ما اتفق الأطراف الإقليميون على حل لأزمة سورية فإن الأطراف المحليين لن يكون في وسعهم عرقلته بحكم أنهم منهكون؟ «الحل الإيراني» يبدو في حكم المسلّم به في ما يخص النظام في دمشق. لكن باستثناء فصائل «درع الفرات» (تركيا) وفصائل «الجبهة الجنوبية» (الأردن)، فإن بقية فصائل المعارضة تبدو منخرطة في «فرز» يُنهي وجود من يشعر بـ «الإنهاك» فيخرج من المعادلة... أو يبتلعه «حوت النصرة».

Monday, 13 February 2017

قذاذفة الجماهيرية وفرجان المشير... والتسوية الليبية


النسخة: الورقية - دولي الأحد، ١٢ فبراير/ شباط ٢٠١٧ (٠٠:٠ - بتوقيت غرينتش)
«إنت ما زال ما حكمت وحطيتهم كلهم فرجان ... كان تحكم شنو تدير»؟ ترجمة سريعة لمن أشكلت عليه العامية الليبية: «لم تحكم بعد وجميع الذين عيّنتهم كانوا من قبيلة الفرجان، فماذا يمكن أن تفعل لو حكمت فعلاً»؟ محور الانتقاد هو المشير خليفة حفتر المتهم بمحاباة قبيلته، الفرجان. أما موجّه النقد فهو حمزة التهامي، أحد الأوجه الإعلامية لـ «جماهيرية» العقيد القذافي الذي لا يُعرف عنه أبداً محاباة قبيلته، القذاذفة، وسواء كان هذا الزعم صحيحاً أم لا، فاللافت كان أن من بين من يروّج له حالياً بعض الإسلاميين المرتبطين بجماعة «الإخوان»، ربما لضرب العلاقة المتنامية بين حفتر وأنصار النظام السابق. لكن موقفهم هذا يشير، بلا شك، إلى أن الهوّة ما زالت على اتساعها بينهم وبين «المشير» الذي بدوره لم يخف عداءه للإسلام السياسي، سواء تمثّل بـ «الإخوان» أو «المقاتلة» أو «القاعدة وأخواتها».
لا يُبشّر استمرار الشرخ بين حفتر والإسلاميين بنجاح قريب للجهود الإقليمية والدولية الجارية لوضع حد لانزلاق ليبيا أكثر في مستنقع الفوضى. ونجاح هذه الجهود يتطلب، على أقل تقدير، أن يُخفف «الإخوان» وحفتر من حملاتهما المتبادلة، تمهيداً لإطلاق مسار التسوية من جديد. ولا يختلف اثنان على أن فشل حكومة فايز السراج المنبثقة من اتفاق الصخيرات (عام 2015) مرتبط إلى حد كبير بمعارضة الإسلاميين، تحديداً، دوراً لحفتر في قيادة الجيش الليبي.
انطلاقاً من هذه الخلفية، يمكن فهم أهمية دور الأطراف الإقليمية في التسوية الليبية، والمفترض أن تكون لها كلمة مسموعة لدى حفتر ومعارضيه الإسلاميين. فالجزائر وتونس – من خلال جهود الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة ورئيس ديوانه أحمد أويحيى والرئيس الباجي قايد السبسي وزعيم «النهضة الإسلامية» راشد الغنوشي– يُفترض أن لهما «مونة» على الإسلاميين الليبيين كي يقبلوا بحل يلعب فيه حفتر دوراً محورياً. وفي المقلب الآخر، لا بد أن مصر «تمون»، بدورها، على حفتر، كون الرئيس عبدالفتاح السيسي داعمه الإقليمي الأول. لكن، أن «تمون» هذه الأطراف شيء وأن يسير الليبيون بنصيحتها شيء آخر. وهذا الأمر ربما لن يتضح إلى حين انعقاد اللقاء المرتقب بين بوتفليقة والسبسي والسيسي في الجزائر.
في موازاة ذلك، بدأ الاتحاد الأوروبي – القلق من موجات المهاجرين والإرهاب المرتبط بالفوضى الليبية - حواراً مباشراً مع روسيا، الداعمة الدولية الأساسية لحفتر. وجاء الحوار في وقت ليّن الأوروبيون موقفهم المعارض للجنرال الليبي، ويبدون استعداداً متزايداً لضمان دور أساسي له بما في ذلك تسليمه قيادة القوات المسلحة... بشرط أن يخضع في نهاية المطاف للسلطة السياسية. وستتجه الأنظار، في هذا الإطار، إلى اللقاء الذي ستستضيفه بون الألمانية يوم الخميس بين وزير الخارجية الإيطالي أنجيلينو ألفانو، الذي تتولى بلاده المبادرة الأوروبية في الشأن الليبي، ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. وسيسمع الأخير في هذا اللقاء - الثاني من نوعه مع الأوروبيين في خصوص ليبيا - أن القارة العجوز مستعدة لدعم دور أكبر لحفتر، بشرط أن لا يظن نفسه «الرجل القوي»، والأوحد، الذي سيحكم بلده. ويعتقد الأوروبيون أن الروس يدفعون في مثل هذا الخيار في ليبيا، انطلاقاً من اقتناعهم بأن وجود «رجل قوي» في السلطة - حتى ولو كان متسلطاً - يساعد في هزيمة الجماعات الإرهابية والمتشددة.
هل تشترك إدارة دونالد ترامب في هذا الموقف؟ ليس واضحاً ذلك بعد. لكن معارضة المندوبة الأميركية نيكي هيلي اقتراح تعيين الفلسطيني سلام فياض مبعوثاً خاصاً للأمم المتحدة إلى ليبيا خلفاً لمارتن كوبلر، توحي بأن واشنطن وأوروبا لا تسيران بالضرورة على الخط نفسه (فياض كان اقتراحاً إيطالياً). وإلى حين انتهاء الأميركيين من بلورة سياستهم الليبية، على الأرجح بعد التفاوض مع الروس، ستبقى الجهود الإقليمية والدولية تراوح مكانها، وسيبقى حفتر والإسلاميون يتبادلون الاتهامات... وسيبقى أنصار القذافي يترحمون على «جماهيرية» لم تُحابِ القذاذفة أبداً!