شكّل محمد يوسف المقريف لسنوات طويلة رأس حربة في جهود إطاحة حكم العقيد معمر القذافي في ليبيا. لكن الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا التي قادها منذ عام 1981 كانت تواجه فشلاً تلو الفشل في محاولاتها قلب النظام. نجح القذافي في الثمانينات والتسعينات في إحباط كل محاولات معارضيه قلب نظامه، على رغم تمتع هؤلاء بدعم واضح من دول عربية وأجنبية على رأسها الولايات المتحدة. لكن العقيد الليبي لم ينجح فقط في المحافظة على نظامه، بل نجح أيضاً في تفكيك صفوف معارضيه وفتح «صفحات جديدة» مع الدول الغربية التي سرعان ما تخلّت عن المعارضة وعقدت صفقات مع حكومته. «ثورة 17 فبراير» قلبت الصورة الآن، وعادت الدول الغربية لتقود حملة دعم المعارضة – «الثوار» - لقلب نظام القذافي.
في هذه المقابلة يتحدث المقريف عن «خيبات الأمل» التي عانى منها في جهوده لقلب القذافي، وعن سبب رفضه الجهود التي قادها مسؤولون في النظام ولاحقاً نجل القذافي سيف الإسلام لـ «المصالحة» وكيف ساهم ذلك في الانشقاقات التي صدّعت صفوف «الإنقاذ». كما يكشف أن هذه الجبهة التي بات يتولى قيادتها حالياً إبراهيم صهد، تستعد للتحوّل إلى حزب سياسي تخوض من خلاله الانتخابات التي ستُنظّم بعد سقوط النظام.
وفي ما يأتي نص المقابلة:
> ناضلتم لسنوات طويلة لإسقاط حكم العقيد القذافي، لكنكم أصبتم بخيبة تلو الأخرى. هل كنتم تعتقدون أنكم سترون هذا اليوم الذي يتحقق فيه حلمكم بتغيير النظام بمثل هذا التأييد الواسع حتى من الدول الغربية التي يمكن أنكم شعرتهم أنها خذلتكم وعقدت صفقات مع نظام العقيد في سنوات التسعينات؟
- لم يخالجني أدنى شك في أي يوم من الأيام أن شعبنا سينتفض للإطاحة بالقذافي مهما طال الزمن، غير أنني لم أتصور أن تكون ثورة شعبنا ضد القذافي بهذا العنفوان، وهذه القوة وهذا الحجم! اعتقد أن العالم أجمع يقف مذهولاً ومحيياً التضحيات التي قدمها أبناء شعبنا وبناته والبطولات التي جسدوها خلال هذه الأيام الحاسمة من تاريخ وطننا منذ السابع عشر من شباط (فبراير)، وفي كل بقعة من بقاعه من دون استثناء. وما واجهناه في الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا على امتداد الثلاثين سنة الماضية من خيبات أمل هي أمور طبيعية واجهتها غالبية حركات النضال الجادة. أما موقف الدول الغربية من القذافي، فلا اخفي أنه ضايقنا كثيراً، غير انه لم يفتّ في عضدنا ولم يثننا عن عزمنا، ذلك أن انطلاقة نضالنا لم ترتبط بموقف هذه الدول من القذافي، وإنما من قناعتنا بعدالة قضية شعبنا في مواجهة القذافي ومن استشعارنا بواجبنا نحو بلادنا ووطننا، وإيماننا بحقنا في مقاومة القذافي ونظامه.
> زار كثير من المعارضين الذين عاشوا في المنفى لسنوات طويلة بلدهم ليبيا الآن بعد تحرر مناطق واسعة من قبضة النظام. لماذا لم تقوموا بعد بمثل هذه الخطوة، خصوصاً أن من الطبيعي أن أي جهة تريد أن تشارك في بناء مستقبل ليبيا بعد القذافي محتاجة إلى حضور فاعل على الأرض؟
- ما ظللت أرنو إليه منذ عام 1980 (عندما غادرت بلادي لآخر مرة) هو أن أعود إليها وليس فقط أن أزورها. منذ اندلاع ثورة السابع عشر من فبراير هذا العام، فكّرت في العودة أكثر من مرة، غير انني رأيت التريث لأسبابٍ سياسية وأمنية وخاصة وأنا الآن في صدد الإعداد للعودة إلى أرض الوطن. وعلي أي حال، فأنا لست بعيداً عما يجري داخل الوطن ولم أتردد في القيام بكل ما في مقدوري القيام به سواء من خلال الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا، أو بصفتي الشخصية من أجل المساهمة في دعم ثورة الشباب والمحافظة عليها ودفع كل صور الأذى عن شعبنا وتخفيف معاناته. وبالطبع، فإن بناء مستقبل ليبيا لا يمكن أن يتم من الخارج ويستوجب الحضور في الداخل، وهذا ما نحن منهمكون في التحضير له من طريق مناضلي ومناضلات الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا.
> انطلاقاً من ذلك، هل يمكن تحديد وضع الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا على الأرض في ليبيا الآن (هل تشارك في العمليات المسلحة للثوار، مثلاً)، وما هي العلاقة التي تربطها بالمجلس الوطني الانتقالي؟
- الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا موجودة على الأرض داخل ليبيا وفي الخارج منذ انطلاقة ثورة السابع عشر من شباط. وأخذ حضورها أشكالاً عدة، منها الإعلامي ومنها السياسي ومنها الإغاثي وحتى الميداني وقدمت ولا تزال تقدم الشهداء الأبرار آخرهم الشهيد الطيار قاسم رمضان ناجعة، وقد أعلنت الجبهة منذ الأيام الأولى للثورة تأييدها للمجلس الوطني الانتقالي، وقام وفد من الجبهة برئاسة نائب الأمين العام للجبهة الأستاذ محمد علي عبدالله بزيارة ليبيا والالتقاء بالسيد مصطفى عبدالجليل رئيس المجلس. ولا تزال الجبهة ماضيةً في تقديم كل ما في مقدورها أن تقدمه لدعم الثورة والبلوغ بها إلى أهدافها التي يتطلع إليها شعبنا.
> هل أنتم راضون عن الضربات التي يوجهها حلف شمال الأطلسي لقوات القذافي على الأرض، خصوصاً أن هذه الضربات تودي أحياناً بمدنيين – بينهم نساء وأطفال – علماً أن مهمة الحلف هي حماية هؤلاء المدنيين تحديداً؟
- أعتقد أن الضربات التي يوجهها حلف شمال الأطلسي لقوات القذافي - على رغم كل ما يمكن أن يوجه إليها من انتقاد - قد لعبت دوراً مهماً في حماية الشعب الليبي من عدوان القذافي وحالت دون تماديه في إجرامه بحق أبناء شعبنا وبناته. وبالطبع فإننا جميعاً نأسف لما يسقط من ضحايا أبرياء جراء هذه الضربات، ولا أحسب أن قتل هؤلاء الأبرياء من نساء وأطفال قد تم عن عمدٍ وقصد. ومن المؤكد أنه لولا هذه الضربات التي وجهها حلف شمال الأطلسي لقوات القذافي، لكانت
أعداد الضحايا المدنيين من النساء والأطفال بعشرات الألوف! وربما أبيدت مدن ليبية بكاملها!
> قد يفهم كثيرون من غير الليبيين طلبكم – طلب المعارضة عموماً – أن يخرج القذافي من السلطة ويرحل إلى المنفى. لكنهم ربما يستغربون الإصرار على رحيل عائلته أيضاً ومنعهم بالتالي من المشاركة في رسم مستقبل ليبيا في حال قرروا المشاركة في انتخابات تجرى في ظل رقابة دولية لضمان نزاهتها؟ هل يمكن شرح سبب الإصرار على رحيل العائلة على رغم أن ذلك قد يشكل استفزازاً لقبيلة القذاذفة؟
- من لا يفهم موقف الشعب الليبي والمعارضة الليبية من القذافي وعائلته هو من لا يعرف طبيعة نظام الحكم الذي أقامه القذافي، وأن أحد أوجه هذا الحكم وأقبحها هو ممارسة هذه العائلة بكل أفرادها من دون استثناء شتى صور الاستبداد والظلم والعدوان والقهر والقتل بحق الشعب الليبي ونهب أمواله العامة والخاصة. في اعتقادي أن المطلب الحقيقي للشعب الليبي لا يقتصر على مجرد الدعوة إلى رحيل القذافي وعائلته، بل يتجاوزه إلى المطالبة بمحاكمتهم وإيقاع القصاص العادل بهم لتتحقق العدالة التي ينشدها ويستحقها شعبنا بسبب ما تعرض له على يد هذه العائلة المجرمة التي لم يعرف إجرامها أيَّ حدود!
أما عن رغبة أفراد هذه العائلة في المشاركة في رسم مستقبل البلاد، فما الذي يتوقعونه بعد أن تحكَّموا في مقادير البلاد طوال 42 سنة، وشاركوا مع والدهم وعصاباته منذ اندلاع ثورة شعبنا، في التنكيل بالليبيين والليبيات وفعلوا بهم الأفاعيل؟ ثم عن أيِّ مستقبلٍ يتحدث هؤلاء ويريدونه لليبيين في وجودهم! ألم ير شعبنا من شرورهم ما يكفي؟ هل يمكن أي إنسان أن يتوقع من هذه العائلة أي خير؟ على أي حال، في مقدور أي واحدٍ منهم بعد أن يُبرئ القضاء العادل ساحته من هذه الجرائم الموجهة إليه أن يمارس حياته كمواطن عادي، فهذا حقه. ولا اعتقد أن أي فرد عاقل من قبيلة القذاذفة يمكنه أن يحتج أو يشعر بالاستفزاز إذا رأى أفراد هذه العائلة ينالون جزاءهم العادل من طريق محاكمة هذه العائلة والقصاص منها، فهذا أدعى إلى حماية قبيلة القذاذفة من نقمة الشعب الليبي وغضبته إزاءهم جراء ما اقترفته هذه العائلة.
> هناك من يقول إن قبائل أساسية في غرب ليبيا لم تنتفض بعد ضد القذافي على رغم كل الضربات التي وُجّهت إلى النظام وقواته. وينطلق أصحاب هذا الرأي من ذلك للقول إن القذافي ما زال يتمتع بتأييد على ما يبدو من قبائل الغرب. هل توافقون على ذلك، وهل تشعرون فعلاً بأن ثمة حساسية لدى قبائل في الغرب تجاه هيمنة الشرق الليبي على مقاليد الأمور في المجلس الانتقالي، على رغم أن المجلس يضم بالفعل أعضاء أساسيين من أهل الغرب؟
- نعم هناك بعض القبائل الأساسية التي لم تنتفض بعد ضد القذافي، ولكن هذا لا يعني أنها موالية له أو راضية ببقائه أو أنها لا تتحين الفرصة للقضاء عليه. في اعتقادي أن موقف هذه القبائل يرجع إلى بعض التحالفات القديمة بينها وبين قبيلة القذاذفة من جهة ثم إلى وجود عدد من أبنائها رهائن عند القذافي، أو بسبب تورط هؤلاء الأبناء معه. وأياً كانت الأسباب، فهذه المواقف مدانةٌ وطنياً. أما في ما أشرت إليه في سؤالك حول (هيمنة الشرق الليبي) على مقاليد الأمور في المجلس الانتقالي، فهو أمر طبيعي وناجمٌ عن سرعة سقوط النظام في المناطق الشرقية من ليبيا وهو في اعتقادي أمر مفهوم ومقبول من جميع الليبيين وبخاصة أن المجلس الانتقالي أعلن منذ الأيام الأولى تمسكه بالوحدة الوطنية وبمدينة طرابلس عاصمة وحيدة للبلاد، وفق علمي فلا توجد حساسية لدى قبائل الغرب تجاه الوضع الذي عليه المجلس الانتقالي، فهو وضعٌ أملته الظروف الميدانية.
> زعمت جبهة الإنقاذ إضافة إلى مسؤولين في المجلس الانتقالي أن الجزائر تُقدّم دعماً لنظام القذافي. هل لديكم أدلة على هذه المزاعم، وألا تخشون أن علاقة أي حكم جديد في طرابلس ستكون متوترة مع جار قوي كالجار الجزائري؟
- يتحدث كثيرون عن تعاون حالي بين الحكومة الجزائرية وبين نظام القذافي، وهو أمر مؤسف ومدان ليس فقط من الليبيين، ولكن أيضاً من جانب الشعب الجزائري الذي لا أشك في أن ذاكرة أبنائه تحفظ للشعب الليبي مواقفه المؤازرة لثورته التي اندلعت مطلع خمسينات القرن الماضي وتكللت باستقلال بلادهم عام 1962 قبل أن يأتي القذافي إلى الحكم عام 1969. وفقاً لمعلوماتي، فإن عدداً من المثقفين والسياسيين الجزائريين استنكروا موقف حكومتهم وأعلنوا تأييدهم لثورة الشعب الليبي، وفي هذا دلالةٌ واضحة على طبيعة العلاقة بين شعبينا، ولا أتصور أن العلاقة المستقبلية بين ليبيا الجديدة والجزائر ستتأثر كثيراً أو طويلاً بهذا الموقف العارض والخاطئ من جانب الحكومة الجزائرية.
> هناك مخاوف على ما يبدو في بعض الأوساط الغربية من نفوذ قوي للإسلاميين في السلطة الجديدة التي تتكون في ليبيا بعد القذافي. وهناك من يقول إن القاعدة تلعب على هذا الخط أيضاً من خلال بناء خلايا والحصول على أسلحة من مخازن الجيش الليبي. هل هناك أي أساس لمثل هذه المخاوف، أم أنكم تعتقدون أن في الأمر تضخيماً ومبالغة؟
- من الطبيعي جداً أن يوجد بين هؤلاء الثوار عدد من الليبيين من أصحاب التوجه الإسلامي بأطيافه المختلفة، فهذا حقهم وواجبهم. غير أنني لا اشك في وجود مبالغة متعمدة من جانب أطراف دولية كثيرة، بعضها يعمل لحساب القذافي، تميل إلى تضخيم عددِ هذه العناصر وتتعمد تهويل أمرهم وتصر على التحذير من خطرهم. إنني على ثقة كاملة بأن ما يوصف بظواهر «التطرف» أياً كان نوعها ستزول عن حياة الليبيين بزوال القذافي ونظامه،
وستعود إلى ليبيا وسطيتها واعتدالها ويعود إليها سلمها الاجتماعي الذي عاشته لعقود وقرون.
> هل يمكن أن تشرح لنا ملابسات عودة شقيقك أنور إلى ليبيا وانشقاقه على جبهة الإنقاذ؟
- شقيقي أنور عاد إلى ليبيا قبل أشهر قليلة من اندلاع ثورة السابع عشر من شباط بسبب ظروف خاصة به وفي ضوء اجتهادات خاطئة أوصله إليها تفكيره الخاص، وهو وحده يتحمل مسؤولية ما قام به، أما علاقته بالجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا فكما يعلم الكثيرون قد توقفت منذ سنوات قبل عودته إلى ليبيا.
> في فترة التسعينات بدا أن الإسلاميين الجهاديين قد حلوا محل جبهة الانقاذ كمصدر للخطر على نظام القذافي، قبل أن يتمكن النظام من إلحاق الهزيمة بهم كما فعل بكم من قبل. ماذا كان شعوركم عندما رأيتم الجماعة الإسلامية المقاتلة تأخذ مكانكم منذ عام 1995 في محاربة نظام القذافي؟
- أعلنت الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا منذ تأسيسها في عام 1981 أنها تعتبر نفسها راية من رايات النضال الوطني، وليست الراية الوحيدة، كما أعلنت أيضاً إيمانها بتكامل النضال الوطني، وأن دورها في النضال هو امتداد واستكمال لدور من سبقها أو عاصرها وتمهيد لمن يأتي بعدها ولم تضق يوماً بأي انجاز يحققه فصيل مناضل آخر، بل لم تتردد في الإشادة به واعتباره إضافة الى حركة النضال الوطني تقرب من ساعة الانتصار على عدونا المشترك. بالنسبة الى الجماعة المقاتلة جمعنا وإياهم وبقية فصائل المعارضة الليبية هدف وحيد تمثل في العمل على الإطاحة بالقذافي، ولكننا اختلفنا معهم في كل شيء آخر، في الأسباب وفي الأساليب وفي الرؤى وفي مناهج العمل، بالتالي، لم يخطر ببالنا يوماً مقارنة تنظيمنا بتنظيماتهم أو انجاز ما بإنجازاتهم ولا دورنا بدورهم.
> لماذا لم تسيروا في مبادرات الإصلاح التي قادها سيف الاسلام القذافي والتي أثمرت عودة منفيين ومصالحة بين النظام وفصائل معارضة مثل الإخوان المسلمين والجماعة المقاتلة؟ هل حاول سيف معكم وماذا كان ردكم؟
- رفعت الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا منذ تأسيسها في عام 1981 شعار: «لا حوار ولا مصالح مع نظام القذافي»، ولم يكن ذلك الموقف من الجبهة مجرد شعار رفعته؛ ولكنه كان تعبيراً عن قناعة موضوعية راسخة في شأن ما ارتكبه النظام من اقترافات بحق الشعب الليبي ودولته منذ عام 1969 وهو ما جعله في نظرنا غير جدير بأن يُحَاور أو يُتصَالح معه كما يدعو إلى العمل على الإطاحة به. وبالطبع، فإن ما ارتكبه النظام من اقترافات وجرائم منذ عام 1981 فاق ما ارتكبه قبل ذلك أضعاف الأضعاف، وبالتالي فقد ازدادت قناعة الجبهة بألا حوار ولا مصالحة معه ترسخاً وتجذراً بعد أن سقط للجبهة عددٌ من شهدائها انطلاقاً من هذه القناعات وعلى امتداد السنوات. قبل أن يظهر سيف على المسرح السياسي، أرسل القذافي الكثير من الوسطاء الليبيين وغير الليبيين طلباً للحوار معنا وسعياً لإيقاعنا في شرك المصالحة، غير أن موقف الجبهة ظل ثابتاً وراسخاً في هذه القضية. وفي الواقع، فإن عدداً من الانشقاقات التي تعرضت لها الجبهة منذ سنوات كان بسبب هذه القضية. إن ظهور سيف بلعبة الإصلاح لم يغير من موقفنا في هذه المسألة وعاودنا التأكيد أن نظام القذافي غير قابلٍ للإصلاح وغير صالح للبقاء وكانت لي كتابات واضحة ومتكررة في الشأن ذاته، كما رفضنا الاستجابة لكل محاولات سيف للالتقاء بنا، وأكدنا مجدداً أن لا حوار ولا مصالحة مع القذافي ونظامه. وقد عاب علينا الكثيرون في المعارضة هذا الموقف واعتبروه نوعاً من الجمود والتخشب والغباء السياسي! وفي النهاية أثبت انطلاق ثورة 17 شباط وموقف القذافي وابنه سيف ازاءها صدق رؤانا وتصوراتنا وسلامة موقفنا وهو ما نحمد الله عليه كثيراً.
> تستعد ليبيا قريباً لبدء مرحلة جديدة لما بعد القذافي، مرحلة يأمل كثيرون بأنها ستحمل معها تعددية سياسية وثقافة ديموقراطية حقيقية. هل لديكم خطط للمشاركة في رسم هذه المرحلة ترشيحاً واقتراعاً؟
- شاركت مع إخواني في الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا في إعداد تصوراتنا للمرحلة الانتقالية التي تبدأ فور سقوط القذافي الوشيك بإذن الله، وقد أصدرت الجبهة خلال الأيام الماضية رؤيتها لمسار العملية السياسية خلال هذه المرحلة التي نأمل أن تسفر عن قيام الدولة الليبية الوطنية الدستورية الديموقراطية القائمة على التعددية وتداول السلطة والانتخاب الحر المباشر والالتزام بالحريات الأساسية واحترام حقوق الإنسان والمرأة. ونحن الآن عاكفون على إعداد مشروعات الوثائق المتعلقة بتحويل الجبهة إلى حزب سياسي ومشروعات القوانين الخاصة بالتنظيمات السياسية والمدنية، وبالانتخابات العامة وبالمصالحة الوطنية وبمحاربة الفساد، كما تقوم الجبهة بالإعداد لخوض انتخابات الجمعية الوطنية التأسيسية التي تتولى إعداد مشروع الدستور وإعداد مرشحيها لخوض الانتخابات العامة التي نأمل أن تسفر عن قيام المؤسسات الدستورية الجديدة.
> هل يمكن أن تترشحوا فعلاً في الانتخابات الرئاسية التي يمكن أن تنظم في أعقاب المرحلة الانتقالية؟
- للأسف، نُشر أخيراً مقال فهم البعض من عنوانه المضلل أنني أنوي ترشيح نفسي لرئاسة البلاد بعد سقوط القذافي. ومن يقرأ صلب المقالة يدرك أنني لم أقل ذلك أبداً، وقد سبق لي أن أكدت في أكثر من مناسبة أنني لست باحثاً عن دور ولا متعطشاً لسلطة ولا طالباً لزعامة، وكل الذي أطمح إليه أن أعود إلى بلادي لكي أمضي ما بقي لي من عمرٍ في هذه الدنيا حراً أبياً بين أحرار أباة، وأن أوظف ما بقي لي من جهد من أجل المساهمة مع غيري في أخذ بلادنا إلى كنف الحرية والديموقراطية والعدالة، وإلى كنف الشرعية الدستورية القائمة على الاختيار الحر والحقيقي لكل أبنائها وبناتها.
> ما هو رأيكم في المؤتمر الذي كانت
بعض الأطراف الليبية تنوي عقده في مدينة روما تحت مسمى ملتقى الحوار الوطني؟
- إذا أخذنا في الاعتبار تركيبة اللجنة التحضيرية التي نصّبت نفسها لهذه المهمة، وأسلوب الارتجال والاستعجال الذي تم به الإعداد والدعوة لعقد المؤتمر بما في ذلك قوائم المدعوين إليه، وكذلك المواعيد الضيقة التي خصصت للدعوة، والطريقة التي أعد بها جدول الأعمال، مع الكيفية التي تمت بها فعلاً دعوة الشخصيات، وما تردد عن تمويل المؤتمر من جهات معينة، فإنني أتصور أن الأمر لا يحتاج إلى جهد كبير من أي متابع جاد كي يخلص إلى وجود علامات استفهام غير مريحة تلف أمر هذا المؤتمر، وأعتقد أن وجود ما يقارب الألف توقيع من شخصيات ليبية على وثيقة التنديد به والرفض له يكفي للدلالة في هذا الخصوص.